داعش؛ من الظهور إلى الانتشار في أفغانستان
شهدت مدينة كابل الأسبوع الماضي تفجيراً داميا أودى بحياة 21 شخصا وتسبب في إصابة 41 شخصا آخرين بجراح. حدثت هذه الهجمة في السابع من فبراير/2017م في موقف سيارات المحكمة العليا، وتبنى الهجومَ ذراع خراسان المنضوي تحت تنظيم داعش.
عقب الهجمة المذكورة بيوم قُتل ستة موظفين من مؤسسة الصليب الأحمر الدولي في ولاية جوزجان من قِبل مسلحين مجهولين، ونسَب المسؤولون في الولاية قتل هؤلاء الأفراد إلى مقاتلي تنظيم داعش، رغم أن التنظيم لم يبدِ أي رأيٍ حيال ذلك.
رغم أن التنظيم بعد ثبوت تواجده في أفغانستان في عام 2015م كان نشاطه محدودا، إلا أنه بعد مرور أشهرٍ شوهد نشاط التنظيم في نواحي أفغانستان المختلفة. بعد مُضي نحو عام من نشاطه (في أوائل عام 2016) ضعف نشاط التنظيم في أفغانستان، إلا أن أحداث عام 2016 أثبتت أن هذا التنظيم يُشكل خطرا بالغا لأفغانستان، وأثار مخاوف دول المنطقة أيضا.
سنتطرق في هذا المقال إلى كيفية ظهور تنظيم داعش في أفغانستان، وأنشطة هذا التنظيم في نواحي أفغانستان المختلفة، وأسباب نفوذ مقاتلي التنظيم في أفغانستان.
ظهور ذراع تنظيم داعش (خراسان)
بعد أن حدث خلاف شديد بين خليفة زعيم القاعدة في العراق أبي بكر البغدادي وذراع تنظيم القاعدة في سوريا (جبهة النصرة)؛ آل الأمر إلى إعلان الخلافة من قِبل أبي بكر البغدادي في 29/يونيو/2014 وانفصال هذه الجماعة عن القاعدة.
مع إعلان الخلافة من قِبل (الدولة الإسلامية في العراق والشام) أو ما يُسمى بتنظيم داعش، رحب بعض أفراد المناطق القبلية الواقعة بين أفغانستان وباكستان بالخلافة المُعلنة وبايعَ البعضُ أبابكر البغدادي خليفةً للمسلمين. من أهم هؤلاء الأشخاص: عبدالرحيم مسلمدوست[1] ،والمتحدث السابق باسم حركة طالبان الباكستانية شاهد الله شاهد.
رغم أن تنظيم داعش في ذلك الوقت كان مازال في مراحله الأولى في أفغانستان وكانت أنباء تواجد مقاتلي التنظيم تُعتبر إشاعات ودعايات في الغالب؛ إلا أنه مع مرور الوقت تبدلت هذه الإشاعات إلى حقائق وأقرت الحكومة الأفغانية في أوائل 2015م بتواجد مقاتلي داعش في أفغانستان، وبتزامنٍ مع ذلك عيّن التنظيمُ حافظ سعيد خان[2] والياً لخراسان [3] وعبدالرؤوف خادم [4] نائبا له.
بعد الإعلان الرسمي لوالي ونائب والي خراسان من قبِل تنظيم داعش، التحق عدد من الأفغان والباكستانيين بمقاتلي التنظيم؛ إلا أن العدد الدقيق للأفغان والباكستانيين الملتحقين بالتنظيم ليس معروفا حتى الآن؛ ولكن يُعرف أن في ذراع داعش (خراسان) يوجد أفراد من كلا البلدين (أفغان وباكستانيون)
أنشطة داعش في أفغانستان
بدأت داعش أنشطتها بالدعايات ونشر المقاطع والرسائل في عدة ولايات بأفغانستان، وشوهد المنتسبون للتنظيم يحملون رايات سوداء في هذه الولايات. بعد ذلك بدأ التنظيم أنشطته العسكرية في شرق أفغانستان وخصوصا في مديرية أجين بولاية ننجرهار.
في أول خطوة قام مقاتلو داعش بقتل 12 شخصا من كبار السن من قبيلة شينواري بوالية ننجرهار وذلك بتفجيرهم بالمواد المنفجرة ونشروا مقطع الإعدام، وبعد ذلك أعدموا الكثير من الأفراد ذبحا أو بإطلاق الرصاص في مديريات كوت، ونازيان و هسكه مينه بولاية جلال آباد.
بالإضافة إلى شرقي البلاد، استمر مقاتلو داعش في أعمال القتل في كافة ولايات أفغانستان ومن ذلك على سبيل المثال الهجوم الدامي الذي حصل في ولاية جلال آباد، وإطلاق الرصاص على عدد من المدنيين في ولاية غور، وذبح عدة أشخاص في ولاية زابل. بشكل عام فإن تواجد التنظيم وأعماله في عام 2015 كانت دموية للأفغان. حسب إفادة وزارة الدفاع الأفغانية فإن هذا التنظيم في الأشهر الست الأخيرة من عام 1394 (2015-2016) قتَل نحو 600 شخصا من المدنيين في أفغانستان.[5]
أقدمت الحكومة الأفغانية على مكافحة داعش، وفي أواخر عام 1394 انهزم هذا التنظيم في أفغانستان إلى حدٍ ما. من جانب آخر على الرغم من احتياط حركة طالبان وتوقيهم للمصادمة مع داعش إلا أنه حصلت اشتباكات بين التنظيمين، وبعد رفض تنظيم داعش في سوريا والعراق لرسالة طالبان بدأت الحرب الدامية بين طالبان وداعش وكان لذلك دورٌ كبير في هزيمة تنظيم داعش.
حتى أوائل عام 2016 ضعُف ذراع داعش في أفغانستان إثر قتال الحكومة وطالبان مع التنظيم، ولكن خلال عام 2016 استمر التنظيم في هجماته وكانت أخطر هجماته التفجير وسط متظاهري “حركة الضياء” في دوار دِهمزنك في كابل بتاريخ 23/يونيو/2016 مما أسفر عن قتل وإصابة نحو 400 شخص. من الهجمات الدامية الأخرى التي تبناها ذراع داعش في أفغانستان: الهجمة على موكب العزاء في مزار كارته سخي في كابل، والهجوم على السيارة التي كانت تُقل موظفي الأمن الوطني الأفغاني، والهجوم على القنصلية الباكستانية في جلال آباد، والهجوم على مدرسة باقر العلوم في كابل.
في تقريره السنوي المنشور بتاريخ 6/فبراير/2017 نسب مكتب بعثة الأمم المتحدة لمساعدة أفغانستان (يوناما) 899 حالة قتل للمدنيين (209 قتيل و 690 جريح) لتنظيم داعش. في حين أن هذا الرقم بلغ عام 2015 عدد 82 حالة (39 قتيل و 43 جريح)، مما يُظهر تضاعفا بعشر مرات للخسائر المدنية التي تسبب فيها التنظيم هذا العام مقارنة بالعام الماضي.[6]
أسباب انتشار نفوذ داعش في أفغانستان
مع أن تنظيم داعش في أفغانستان لم ينجح في توسيع رقعة نفوذه بالسرعة التي انتشر فيها في العراق وسوريا، إلا أنه رغم مكافحة الحكومة من جانب وحركة طالبان من جانبٍ آخر لم ينهزم التنظيم. ليس ذلك فحسب وإنما زاد التنظيم من نفوذه في الولايات المختلفة بأفغانستان. مع ذلك، هناك تحليلات تفيد بوجود تيارات ومصادر داخل وخارج أفغانستان تبالغ وتضخم نفوذ داعش في أفغانسان لأسباب مختلفة، لأن أصحاب هذه التحليلات يعتقدون أنه لا مكان لمقاتلي هذا التنظيم بين الشعب الأفغاني.
بعد ظهور داعش في شرق أفغانستان ومقتل عدد من طالبان بيد مقاتلي هذا التنظيم برزت استنتاجات تفيد بأن الحكومة تجتنب القتال الجاد مع داعش لأجل أن يؤدي الاقتتال بين داعش وطالبان إلى هزيمة طالبان، وأن هذا الأمر من أسباب تمدد التنظيم في البلد. فيما بعد ادعى بعض نواب البرلمان أن داعش مشروع أجنبي. اتهم النائب الأول لمجلس النواب عبدالظاهر قدير وبعض النواب الآخرين القواتِ الأجنبية وبعض المسؤولين داخل الحكومة وخصوصا مجلس شورى الأمن الوطني بدعم داعش. إلا أنه لم يتم حتى الآن تقديم أدلة مُقنعة وإنما تمت الإشارة في الغالب إلى مهاجري وزيرستان الذين لجؤوا إلى أفغانستان إثر هجمات (ضرب عضب) التي شنها الجيشُ الباكستاني.
بالإضافة إلى ذلك، فإن أسباب تمدد التنظيم في أفغانستان ترجع إلى الأسباب التالية:
- الوضع الأمني المتردي: برز تنظيم داعش في أفغانستان عندما ساء الوضع الأمني بأفغانستان ومر بأسوأ حالاته منذ 2001م. كانت الحكومة في اشتباكات عنيفة مع طالبان في نواحي أفغانستان المختلفة، واستغلت داعش الفرصة ووجدت لنفسها مكانا مناسبا في شرقيّ أفغانستان وتمدد ووسّع نشاطاته من هناك.
- الخلاف الداخلي بين أفراد طالبان: السبب الآخر وراء اتساع نفوذ هذا التنظيم في أفغانستان هو الخلافات الداخلية في حركة طالبان. انفصل بعض أعضاء طالبان من حركة طالبان وبايعوا تنظيم داعش في أفغانستان، وقد ساندت هذه البيعةُ تنظيم داعش في كافة المجالات وخاصة مجال التجنيد.
- انحسار نفوذ داعش في سوريا والعراق: في أوائل إعلان الخلافة استطاعت الدولة الإسلامية في العراق والشام التمدد بسرعة فائقة في سوريا والعراق وأرادت الدولة بسط أنشطتها في كافة دول العالم. إلا أنه بعد تشكيل التحالف الدولي ضد داعش قل عدد مقاتلي داعش في العراق وسوريا، وخسر التنظيمُ أكثر الأراضي التي كانت تحت سيطرته، ولهذا قلت المساندة لذراع خراسان أيضا.
- الاستخبارات الدولية: يرى بعض المحللون وحتى بعض الدول أن تواجد داعش في أفغانستان من عمل استخبارات المنطقة والعالم التي أرادت أن لا يكتفي التنظيم بالبقاء في أفغانستان وإنما تكون أفغانستان منصة قفزٍ لداعش إلى آسيا الوسطى. لذا اعتبر عبدالكريم خُرّم مدير مكتب الرئيس الأفغاني السابق هذا العمل مؤامرة أمريكية، وتنبأ في مقال له بأن “رقعة الحرب ستتسع لتصل إلى الدول المجاورة لأفغانستان وستبلغ حدود الصين، ولأجل هذا فإنه من الضروري أن تتبدل أفغانستان إلى (وزيرستان كبرى)”.
النهاية
[1] وُلد عبدالرحيم مسلم دوست بمديرية كوت في ولاية ننجرهار/أفغانستان، وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر سلمته باكستان إلى أمريكا وقضى عدة أعوام في مُعتقل غوانتنامو وبعد إطلاق سراحه صار أحد الأعضاء المهمين بحركة طالبان الباكستانية.
[2] ينتمي حافظ سعيد خان إلى منطقة (اوركزي إيجنسي) القبلية في الجانب الآخر من خط ديورند الحدودي.
[3] أرض خراسان العريقة كانت تشمل في زمن صدر الإسلام الأراضي الحالية لدولتي أفغانستان وطاجيكستان وأجزاء من إيران و أوزبكستان وتركمنستان وجزءا من المناطق على الطرف الآخر من خط ديورند الحدودي.
[4] كان عبدالرؤوف خادم هو النائب السابق للجناح العسكري لطالبان، وبعد أن أُعلن كنائب لوالي تنظيم داعش في أفغانستان قُتل في 9/فبراير/2015 في غارة طائرة أمريكية بدون طيار في ولاية هلمند.
[5] Afghan online press, »Daesh killed over 600 Afghans in six months: Defense Ministry« see it online:
http://www.aopnews.com/isisdaesh/daesh-killed-over-600-afghans-in-six-months-defense-ministry/
[6] UNAMA, Release of UNAMA’s 2016 annual report on protection of civilians in armed conflict, 6 feb 2017: https://unama.unmissions.org/release-unama%E2%80%99s-2016-annual-report-protection-civilians-armed-conflict