مطالبات الشعب للسلام، والآمال لاستتباب الأمن
ضياء الإسلام شيراني / مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية
الحرب التي تدور في أفغانستان منذ عقود، وبین أطراف متعددة؛ راحت ضحیتها مئات الآلاف من أبناء هذا الوطن واضطرت ملایین آخرين منهم إلی ترك ديارهم. منذ عام 2001م وبعد إسقاط حکم طالبان من قبل الولایات المتحدة؛ انتقلت إدارة الحرب الأفغانیة إلی الولایات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو). مع أن الأمن استقر في البلد بشکل نسبي في السنوات الأولی من سقوط حکم طالبان؛ إلا أن الحرب عادت مرة أخری لأسباب مختلفة واشتد أوارها یوما بعد یوم.
تُقتل في الحرب الدائرة أعداد کبیرة من الشعب بسبب المواقف المعادیة للأطراف المتحاربة ضد بعضهم، وتُحدث عملیات التفجیر حتی في الأماکن العامة، والمحلات المزدحمة، والمستشفیات، والمساجد، والمدارس. اضطر قَتل أعداد کبیرة من المدنیین الشعب إلی الخروج علی هذا الوضع، ویطالب الشعب رجالا ونساءا، شبابا وشیوخا، یطالبون الأطراف المتحاربة بالانصیاع لمطالبهم في سبیل العمل للوصول إلی السلام.
ما مدی الحاجة إلی العمل لإنهاء الحرب وإحلال الأمن في البلاد من قبل التحرکات الشعبیة؟ وکیف ارتفعت الأصوات المطالبة بالسلام من هلمند؟ وکیف یمکن تقییم هذه التحرکات المطالبة بالسلام؟ وما هي تأثیرها علی السلم والحرب؟ تلك هي أسئلة نحاول الإجابة عنها.
السلام والحاجة إلی الحرکات الشعبیة
الحرب التي عادت من جدید إلی أفغانستان بعد عام 2001م، ألحقت بالأفغان أضرارا کبیرة علی جمیع المستویات، وألقت بظلالها السوداء علی بیت وحیات کل فرد من الأفغان، والذین یصل أعدادهم إلی مئات الآلاف.
وفقا لتقریر بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان (یوناما)؛ بلغ عدد القتلی والجرحی من المدنیین بسبب الحرب الدائرة عام 2017م فقط إلی أکثر من عشرة آلاف، حتی تم استهداف حفلات الزواج والمناسبات الدینیة أیضا من قبل الأطراف المتحاربة.
بالإضافة إلی القتلی والجرحی، نتیجة للوضع السيء الذي سببتها الحرب انتشرت المخدرات بین الأفغان ووصل عدد المعتادین علیها إلی حوالي ثلاثة ملایین ونصف الملیون شخص، معظمهم من الشباب. کما أن کثیرا من الأطفال الأفغان حرموا من الالتحاق بالمدارس. یعیش الشعب الأفغاني بالنسبة أربعین في المائة تحت خط الفقر، و وفقا لإحصائیات البنك الدولي فإن 1،9 ملیون من الأفغان يعانون من البطالة مع استیفائهم شروط العمل. وأهم من ذلك أن الأفغان یعیشون في الیأس هذه الأیام، ویفقدون الأمل في الأمن یوما بعد یوم.
السبب الأهم لهذا الوضع في البلاد هو استمرار الحرب. منذ سبعة عشر عاما سعی کل طرف من الأطراف المتحاربة إلی حذف الأطراف الأخری؛ إلا أن النجاح لم یکن حلیفا لأي طرف، بل أثبت تاریخ الحروب في العالم أن انتهاء الحرب یمکن بالسلام فسحب، لذا فإن الحرب مهما استمرت؛ فلن تربحها أي جهة.
وقد عرف هذه الحقیقة کل من الحکومة الأفغانیة والمجتمع الدولي، ولذلك بذلت في السنوات الأخیرة أطراف داخلیة وأخری أجنبیة وبمشارکة الحکومة الأفغانیة جهودا للوصول إلی السلام، إلا أن هذه الجهود لم تنجح حتی الآن.
الجهود المبذولة من قبل الحکومة الأفغانیة لم تأت بنتیجة حتی الآن من جهة، ومن جهة أخری یجب أن تمارس الضغوط علی الأطراف المتحاربة حتی تغیر سیاساتها. بالنظر إلی أن المدنیین هم الضحایا الأصلیون؛ فإن الموقف الشعبي تجاه السلام کان هو الحاجة الماسة، مع أن هناك أصواتا ارتفعت من قبل الجماعات المختلفة خلال السنوات الماضیة؛ إلا أنها لم تکن بذلك التنظیم الذي علیه التحرکات الأخیرة والحالیة.
المطالبون بالسلام في هلمند
بعد مقتل أکثر من عشرین مدنیا في تفجیر بسیارة مفخخة في ملعب ریاضي بمحافظة هلمند في الثالث من شهر حمل لعام 1397هـ ش الجاري؛ بدأ مئات من الهلمندیین من شباب وشیوخ بالإضافة إلی النساء بتحرك شعبي تحت شعار «طالبان! اخضعوا للسلام»، وبعد مضي شهر واحد نُصِبت الخیام في سبع عشرة محافظة تأییدا لهذا النداء.
شریف علیزي، أحد أعضاء الحرکة الشعبیة من أجل السلام في هلمند، في حدیث مع مرکز الدراسات الاستراتیجیة والمنطقة قال: «نحن سئمنا الحرب؛ المقدسات، والأماکن العامة، والمدارس، والمستشفیات، لیس أي من هذه الأماکن في أمان، نحن نُقتل في کل مکان». علیزي یضیف: «الحرب لیست حلا، نحن نرید الأمن والسلام، ویمکن أن یأتي السلام إذا نهض الشعب وفرض مطالبه علی الأطراف المتحاربة للقبول بالسلام؛ لأن الحرب مستمرة طیلة أربعین عاما دون رابح، والأفغان فقط هم الضحیة».
المهندس داود فرهنگ، أحد الأعضاء الآخرین في الحرکة الشعبیة من أجل السلام في هلمند یقول: الحرکة الشعبیة من أجل السلام التي بدأت من هلمند؛ هو نداء الشعب الأفغاني المضطهد، وشدد فرهنگ بقوله: «لایقف أي حزب أو مؤسسة وراء هذه الحرکة، هي حرکة شعبیة خالصة، وسوف نحولها في وقت قلیل إلی حرکة شعبیة کبیرة في جمیع أنحاء البلاد بهدف استتباب الأمن فيها».
هلمند، کما بعض المحافظات الأخری ألحقت بها الحرب الدائرة منذ سبعة عشر عاما أضرارا کبیرة، کما كانت سببا في قتل وجرح أعداد کبیرة من الشعب. وهذه الخسائر والأضرار اضطر الهلمندیین إلی هذا التحرك السلمي لمطالبة الأطراف المتحاربة بإیقاف الحرب.
مطالبات الحرکة الشعبیة
حتی نخطو الخطوات الأولی لإنهاء الحرب والوصول إلی السلام؛ کان طلب المجتمِعین تحت عنوان الحرکة الشعبیة من أجل السلام أن تتوقف کل من الحکومة وطالبان عن الحرب لمدة یومین لیفتح الطریق أمام هدنة طویلة المدی واستمرار مفاوضات السلام.
مع أن مطالبة الحرکة الشعبیة للهدنة طلب معقول؛ لکن المشکلة أنهم لو یوجهوا الخطاب إلی الطرف الأهم في الحرب الدائرة في أفغانستان وهو الولایات المتحدة. حضور القوات الأجنبیة في أفغانستان في السنوات الماضیة هو السبب الأساسي لفشل الجهود المبذولة من أجل السلام، وهو أهم سبب لاستمرار الحرب کما یقول طالبان.
ولهذا السبب، عندما أراد أعضاء الحرکة الشعبیة من أجل السلام الذهاب إلی مرکز طالبان في موسی قلعة لیطلبوا منهم قبول الهدنة؛ ردوا بنشر بيان قالوا فيه: «نحن نطالب الهلمندیین المتظاهرین بالذهاب إلی مراکز الأمریکیین للاعتراض علیهم ومطالبتهم (أي الأمریکیین) بإنهاء الاحتلال وإنهاء الحرب بدلا من مجیئهم إلی المناطق الخاضعة لسیطرة المجاهدین، لأن الاحتلال الأجنبي للبلاد هو الذي أجبر الإمارة الإسلامیة علی المواجهة والقتال».
مع کل ذلك، فإن أي حرکة صغیرة أو کبیرة من أجل السلام تخلق أملا وتعتبر ذات قیمة، والنداءات الشعبیة المطالبة بالأمن والسلام في هلمند ومحافظات أخری تحمل معها أملا في السلام؛ لکن هذه التحرکات تکون مؤثرة إذا کانت سببا لضغوط شعبیة أکبر من قبل الأفغان علی جمیع الأطراف الداخلة في الحرب.
تأثیر النداءات الشعبیة في مخالفتهم للحرب
في السنوات الماضیة عملت عدد من الأطراف المحایدة لإنجاح عملیة السلام بین الحکومة الأفغانیة وطالبان؛ لکن فقدان الإرادة الصادقة للسلام من طرفي الحرب یعتبر السبب الأهم لفشل هذه الجهود، والإرادة الصادقة للسلام ترتبط وثیقا إلی الضغوط الشعبیة جنبا إلی جنب. أن تری بعض الأطراف والأشخاص مصلحتهم في استمرار الحرب؛ هذا هو السبب في عدم إیجاد أرضیة لضغوط شعبیة علی مستوی البلد کله. وإذا استمرت هذه النداءات واتسعت رقعتها؛ ربما یکون لها تاثیر کبیر، لأن النداءات الشعبیة من شأنها أن تحدث تغییرا في کل الأحیان.
في المؤتمر الثاني من عملية کابل للسلام، قدمت حکومة الوحدة الوطنیة لطالبان حزمة من الاقتراحات، وهذا یعتبر أن لیونة تحدث في موقف الحکومة تجاه عملیة السلام لأول مرة في أکثر من العقد ونصف العقد الماضي، کما کان للضغوط الشعبیة تأثیر ملحوظ في إبداء هذه اللیونة من قبل الحکومة، والضغوط التي تمارس أيضا من قبل الأشخاص والأطراف المحایدة المختلفة في السنوات الأخیرة.
الاحتجاج السلمي ضد الحرب في هلمند والذي شارك فیه القومیات ومن مناطق مختلفة وأصحاب اللغات المختلفة؛ کانت حرکة مبشرة. لذلك إذا بقیت هذه الحرکات علی شعبیتها، واستطاعت إیصال صوتها إلی طالبان والمجتمع الدولي (وأمریکا خاصة) لإیجاد طرق مختلفة لممارسة الضغوط؛ من الممکن أن یُسمَع صوت الشعب الأفغاني تحت مظلة الحرکة الشعبیة من أجل السلام، ومن الممکن أیضا بذل جهود صادقة لإنهاء الحرب في أفغانستان.
النهاية