الحرب الأفغانية ودور فتاوى علماء الدين
ضياءالإسلام شيراني / مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية
لإنهاء الحرب الجارية في أفغانستان، الحكومة الأفغانية واستمرارا لجهود السلام كانت تحاول عقد اجتماع لعلماء الدين في إندونيسيا منذ بضعة أشهر الماضية، لعلها تستطيع المساعدة في أنهاء الحرب وإحلال السلام في أفغانستان.
وانعقد الاجتماع أخيرا بين علماء الدين من أفغانستان وباكستان وإندونيسيا في مدينة بوغور الإندونيسية في 11 مايو هذا العام 2018م. كانت الحكومة الأفغانية تتوقع من العلماء المشاركين في هذا الاجتماع إصدار فتوى بتحريم هذه الحرب؛ لكن الذي تم في هذا الاجتماع فقط هو أن شدد المجتمعون على المصالحة بين طالبان والحكومة الأفغانية.
انعقاد هذا الاجتماع في إندونيسيا يأتي في وقت ردت حركة طالبان على الاقتراحات المقدمة من قبل الحكومة الأفغانية في الاجتماع الثاني من عملية كابل بإعلان «غزوة الخندق»، وكثفت من عملياتها في مناطق مختلفة من أفغانستان.
الحرب المسترة في أفغانستان، وجهود الحكومة من أجل السلام، والاجتماع الثلاثي الأطراف بين علماء الدين في إندونيسيا؛ موضوعات تحدثنا عنها في هذا التحليل.
الحرب المستمرة في أفغانستان
بدأت الحرب الحالية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001م بعد أحداث 11 من سبتمبر، هاجمت الولايات المتحدة أفغانستان لإسقاط حكومة طالبان وهزيمة تنظيم القاعدة، وبنت الحكومة الجديدة في البلاد.
دحر القاعدة والمؤيدين لهم كان هو الهدف في الظاهر من الهجوم الأمريكي على أفغانستان؛ ولكن تبين فيما بعد أن ذلك لم يكن هو الهدف الأمريكي الوحيد، لأن ذلك تم بالفعل في السنوات الأولى واستتب الأمن في أنحاء البلاد، إلا أن الوجود الأمريكي لم ينتهِ وعادت الحرب مرة أخرى وبشدة أكبر من ذي قبل.
سفير طالبان الأسبق في باكستان، عبدالسلام ضعيف يقول: «أحداث الحادي عشر من سبتمبر لم تكن صدفة، بل الولايات المتحدة كانت تخطط من قبل لحضورها العسكري في أفغانستان لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة، قدمت حركة طالبان ثلاث مرات اقتراحا للحكومة الأمريكة بمحاكمة أسامة بن لادن على خلفية أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ إلا أنها قوبلت بالرفض كل مرة من قبل الحكومة الأمريكية».[1]
بعد الهجوم الأمريكي وهزيمة طالبان الموقتة؛ عادت الحرب إلى البلاد مرة أخرى واشتد أوارها يوما بعد يوم. وفقا لتقارير المفتشية العامة الخاصة لاعادة اعمار افغانستان (سيغار)؛ فإن الحكومة الأفغانية تحكم أو لها نفوذ على حوإلى 50 في المائة من الأراضي الأفغانية فقط، وتبلغ شدة الحرب إلى حد تواجه بعض المحافظات خطر السقوط.
بالإضافة إلى طالبان؛ فإن ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية» في أفغانستان وانتشار هجماتها في عدد من المحافظات، وإعلانها مسؤوليتها عن هجمات كبيرة ودموية ليس في المحافظات فحسب وإنما في العاصمة كابل أيضا؛ لهو بُعْدٌ آخر من هذه الحرب مهم وجديد.
بعد أن وصل الوضع الأمني في أفغانستان إلى مرحلة خطرة منذ عقد ونصف العقد، تبين أن الهدف من الحرب الأمريكية على أفغانستان ليس “مكافحة الإرهاب” وإنهاء الحرب وفقا لكثير من الخبراء والمحللين؛ وإنما تحاول الولايات المتحدة إبقاء الحرب مستمرة لتحقيق مصالحها الخاصة. تريد الولايات المتحدة بالحفاظ على حضورها العسكري في أفغانستان التحكم على الصين وروسيا وإيران والدول التي يمكن أن تكون تهديدا على هيمنة أمريكا العالمية. من جهة أخرى فإن أفغانستان له أهمية كبيرة لدي أمريكا من ناحية موقعه الاستراتيجي؛ لأن أفغانستان تربط آسيا الوسطى بشرقها وجنوبها الشرقي، وتوجد هناك مصادر كبيرة للطاقة في آسيا الوسطى على مستوى العالم. بالإضافة إلى هذين الأمرين فإن المنابع الطبيعية والمناجم الموجودة في أفغانستان أيضا لها دور في الحضور الأمريكي في البلاد.
جهود السلام
مع أن طالبان سقطوا لفترة بسيطة في أوائل الحرب بعد الهجوم الأمريكي على التراب الأفغاني؛ إلا أنها بدأت بالحرب مرة أخرى بعد بضع سنوات وبشدة أقوى. هذا الوضع أجبر الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي على التوجه إلى مفاوضات السلام بجانب التركيز على الحرب، لكن هذه المفاوضات لم تكن على ذلك المستوى من الجدية والقدرة على إنهاء هذه الحرب.
هناك جهود بذلت في السنوات الأخيرة من قبل الحكومة الأفغانية وعدد من المؤسسات المستقلة للتوصل إلى السلام مع طالبان. أُسس المجلس الأعلى للسلام عام 2010م، وعقد بعد ذلك اجتماعات في دول عدة تمهيدا لبدأ مفاوضات السلام، أهمها كان في ثلاث سنوات الأخيرة في مدينة أرومتشي الصينية ومري الباكستانية. وعقد اجتماع رباعي في كل من كابل وإسلام آباد، كما عقد جلستان ضمن ما يسمى بعملية كابل، ولكن لم يكن أي من هذه الاجتماعات حتى الآن ولأسباب مختلفة خطوة على طريق بدأ مفاوضات السلام، وهذه الجهود باءت بالفشل كذلك.
هذا الفشل له سببان:
الأول: الحكومة الأفغانية بدلا من التركيز على القضاء على أسباب الحرب الأصلية، تحاول إجبار طالبان على التفاوض عن طريق الضغوط العسكرية والسياسية أو بواسطة باكستان.
الثاني: في الوقت الذي ليست لدي أمريكا إرادة للتفاوض مع طالبان؛ فإن طالبان تشدد على أن الحكومة الأفغانية ليست لديها القدرة على السلام، وعلى أمريكا التفاوض مع الحركة. ولذلك لم ترد على اقتراحات الحكومة للسلام إيجابيا أبدا.
مؤتمر علماء الدين في إندونيسيا
كانت الحكومة الأفغانية تتوقع إقامة مؤتمر لعلماء الدين ثلاثية الأطراف في إندونيسيا منذ أشهر، وكانت تأمل أن تعتبر الحرب المستمرة في أفغانستان محرمة وغير جائزة، والذي لم يصرح به المؤتمرون.
في نهاية هذا المؤتمر الذي عقد ليوم واحد فقط؛ صدر قرار من 12 مادة طالب المؤتمرون فيها جميع الأطراف بإنهاء الحرب والعمل على إحلال السلام. وجاء في المادة التاسعة والتي فيها نقاط واضحة بالنسبة للمواد الأخرى:
«يجب أن لا ينسب العنف والإرهاب إلى أي دين أو أمة أو حضارة أو قوم، لأن التطرف والإرهاب والعنف والعمليات الانتحارية ضد المدنيين يخالف أصول الدين الإسلامي».[2]
مع أن المجلس الأعلى للسلام الأفغاني يحسن الظن بقرار مؤتمر علماء الدين في إندونيسيا ويعتبره مهما في نجاح عملية السلام؛ إلا أن رئيس مجلس الشيوخ الأفغاني أبدي عدم رضاه من هذا المؤتمر وأضاف: «خلافا لتوقعاتنا لم يصدر علماء الدين في هذا المؤتمر فتوى بتحريم الحرب الأفغانية». وأبدي أمله في إصدار هذا الفتوى من مؤتمر علماء الدول الإسلامية المزمع عقده في السعودية.[3]
مؤتمر علماء الدين في إندونيسيا والقرار الصادر عنه و وصاياه لها قيمة معنوية، ولكن وبالنظر إلى الوضع الحإلى وتعقيدات الحرب الأفغانية؛ يبدو أن انتهاء الحرب لا يمكن أن يتم بالمؤتمرات لعلماء الدين أو فتاوى لهم.
النهاية
[1] ‘Bush rejects Taliban offer to hand Bin Laden over, guardian, 14th oct 2001, see online: http://www.theguardian.com/world/2001/oct/14/afghanistan.terrorism5
[2] The High Peace Council of Afghanistan (HPC), Indonesian meeting declaration in Pashto, May 14, 2018, see online:
[3] Azadi Radio, Muslimyar’s remarks on Ulema’s Indonesia Meeting in Pashto, May 13, 2018, see online https://pa.azadiradio.com/a/29224045.html