دور الجهود الإقليمية في قضية السلام الأفغاني ومستقبلها

 

هناك محاولات على مستوى الإقليمي والدولي فيما يتعلق بالسلام الأفغاني، ولاشك يتم تطبيع هذه المحاولات حسب رغبات للدول المعنية بها، كما أن طالبان مع تنشيط سياساتهم تحاول في هذه المرحلة ازدياد اللاعبين للضغط على الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي.

خلال سنوات ونحن نسمع دوي محاولات السلام في أفغانستان؛ لكن خلال هذه الأشهر الأخيرة تلاحظ تصعيد في هذا المجال، وبعد التعمق نجد إتجاهين في هذه القضية؛ أولا الجهود التي تؤيدها الحكومة الأفغانية والولايات المتحدة، والثانية الجهود التي تتم خلال الضغط على الأمريكان لصالح ديبلوماسية طالبان.

تمكنت الحكومة الأفغانية إقامة اجتماع مهم في السعودية بعد اجتماع طاشقند على المستوى الإقليمي، وللضغط على طالبان، صدر من المؤتمر قرار واضح مختلف عن السابق، واعتبرت الحرب الراهنة في أفغانستان حربا غير مشروع، إلا أن تخطيط اجتماع في روسيا حول محادثات السلام مع طالبان زاد من مخاوف الحكومة الأفغانية وأثار قلق الحكومة حيالها.

ما هي المحاولات الإقليمية حول مفاوضات السلام وما هي أهدافها؟ وما هي المخاوف والمعوقات التي تعرقل سبيل هذه المحاولات؟ وما هو أثر هذه المحاولات الإقليمية ومستقبلها؟ هذه الأسئلة التي نحاول أن نجيب عنها خلال الأسطر الآتية.

 

محاولات السلام الإقليمية

قطر هي الدولة التي وضعت لأول مرة خطوات السلام في أفغانستان حيث فتحت مكتبا سياسيا لطالبان بعد التشاور مع السلطات الأمريكية. على الرغم من أنه تم نشر إغلاق المكتب بعد تتولي دونالد ترامب مفاتيح السلطة، ولكن يبدو أن مكتب قطر هو أقوى عنوان للأنشطة الدبلوماسية لطالبان حتى الآن، وقد أدى هذا العنوان إلى توفر الكثير من الفرص لتدخل بعض البلدان في قضية السلام الأفغاني وخاصة مع طالبان وعلى المستوى الإقليمي والدولي. وقد نظمت طالبان أنشطتهم السياسية عبر هذا المكتب خلال السنوات القليلة الماضية، كما زار بعض مسؤولين غربيين ممثلي طالبان في المكتب السياسي في أوقات مختلفة.

تعتبر دور قطر في عمليه السلام الأفغاني من أهم الخطوات في هذه القضية والمخاوف التي تدعي بأن قطر تريد السيطرة بشكل غير مباشر، لاتتجاوز المزاعم. ومن ثم يرى المراقبون بأن يتم الاعتراف بهذا المكتب لمفاوضات السلام مع طالبان مباشرة.

في البداية كان موقف باكستان سلبيا تجاه فتح مكتب طالبان في قطر؛ أما بالنسبة لبعض الدول الأخرى كانت فرصة مناسبة لاستغلالها وتحسين العلاقات مع طالبان على المستوى الدولي مثل إيران، العلاقات التي يعترف بها جميع الأطراف وتبرِّر إيران تقاربها مع حركة طالبان بمبررات مختلفة، إلا أن أمريكا و الحكومة الأفغانية تتهم إيران على أنها تدعم طالبان في أفغانستان سرا. من جهة، إيران لديها مخاوف من داعش في أفغانستان، ومن جهة أخرى، تعاني من تدهور علاقاتها مع الولايات المتحدة، ويبدو أن إيران تريد توسع علاقاتها مع طالبان، وهذا قد يكون مؤثرا في زيادة احتمال أو ضرورة محادثات السلام المباشرة بين طالبان والولايات المتحدة.

روسيا لم تتغيب عن الساحة، وقامت بتعزيز العلاقات مع طالبان بعد ظهور داعش؛ من ناحية، لدى روسيا مخاوف حول ظهور داعش في أفغانستان، و من ناحية أخرى، تعتبر هذه العلاقات من حربها الباردة مع أمريكا على المستوى العالمي، وعليه، لا تعتبر جهود روسيا من أجل السلام في أفغانستان. وبما أن علاقات حكومة الوحدة الوطنية أكثر تحسنا مع الولايات المتحدة من الفترة الثانية للرئيس حامد كرزاي، فإن علاقتها ليست بحالة مطلوبة مع روسيا، وقد اتهم الرئيس الأفغاني غني ذات مرة روسيا بتسليح طالبان، وترى الحكومة الأفغانية الجهود الروسية مشبوهة في مجال السلام الأفغاني وتعتبرها من حربها الباردة مع الولايات المتحدة.

هناك عدة دول أخرى مثل أوزبيكستان لها مصالحها ومشاریعها الخاصة في أفغانستان، كما أن لديها مخاوفها عن وجود داعش في المناطق الحدودية، هذا ما دفعتها لتحسين علاقاتها مع طالبان، وتحاول أن تلعب دورا في محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان.

 

الحكومة الأفغانية ومحاولات السلام الإقليمية

السبب الرئيسي لزيادة اللاعبين في قضية السلام الأفغاني على المستوى الدولي هو عجز الحكومة الأفغانية في محادثات السلام مع طالبان مباشرة، والتي تحاول بعض الدول أن تجعل طالبان مستعدة في مفاوضات السلام مع الحكومة الأفغانية، في حين تحاول دول أخرى بدء محادثات طالبان مع الولايات المتحدة مباشرة.

بدأت الحكومة الأفغانية محاولات السلام مع طالبان منذ عام 2010م، ولكنها كثيرا ما أخذت شکل المشاریع ولم تکن لها أية نتيجة إلا صرف مبالغ هائلة بتكلفة ملايين دولارات مثل المجلس الأعلى للسلام، وإن كانت حكومة الوحدة الوطنية أكثر توفيقا من حكومة الرئيس كرزاي بإعطائها الامتيازات الكثيرة لطالبان لقبول محادثات السلام إلا أن ضبابية استراتيجيتها في قضية السلام عرقلت طريقها ولم تكن لها نتائج مفيدة حتى الآن. وأهم مشكلة في هذا المجال هي أن طالبان تعتبر الحكومة الأفغانية فاقد الصلاحية في قضية تواجد القوات الأجنبية في أفغانستان، وهي تشكل أهم شرط لها في حضور مفاوضات السلام، وفضلا عن هذا فإن هناك اختلافات داخل حكومة الوحدة الوطنية أدت إلى فشل الحكومة في قضية السلام.

مع تزايد دور دول المنطقة في عمليه السلام في أفغانستان، حاولت الحكومة الأفغانية أن تجلب دعم بعض الدول وتدوير اجتماعات السلام عبر القنوات الحكومية، فمن هنا أكد رئیس الأفغانی أشرف غني في مجلس عملية كابل للسلام على الدور الرائد للحكومة الأفغانية متمثلا في قيادة وملكية الأفغان لعملية السلام، حيث أشرنا إلى مجلس طاشقند و الرياض للعلماء حين أصدروا قرارا على إنهاء الحرب في أفغانستان، ورغم أن المجتمع الدولي ليس مستعدا بأن تغمض العين عن دور الحكومة الأفغانية التى دعمتها طيلة 17 عاما، إلا  أن هناك مخاوف عن تطميع الحكومة الأفغانية في سيطرة على عملية السلام وفشلها التي تؤدي إلى فشل في مجالات أخرى للحكومة و من ناحية أخرى، لعل أمريكا تدرك ضرورة تدخلها في قضية السلام مباشرة وتغمض العين عن دور الحكومة الأفغانية بعد ما كانت تصر على قيادة عملية السلام للحكومة الأفغانية. ولأجل ذلك، أظهرت الحكومة الأفغانية استيائها عن اللقاء المباشر لنائب وازارة الخارجية أليس ويلز مع طالبان وصرحت بأنه لا يمكن لأي بلد أن تأخذ مكانا في عملية السلام وستبقى الحكومة الأفغانية المرجع الوحيد في قضية السلام.

 

محادثات بين طالبان وأمريكا

كما يبدو أن استراتيجية السلام للحكومة الأفغانية واجهت فشلا ورفضت طالبان طلب الرئيس غني، وأن علاقات طالبان مع الدول الإقليمية ولا سيما إيران وروسيا في توسع والتي جعلت القضية الأفغانية أكثر تعقيدا من قبل. 

ليس من المتوقع أن تكون محادثات السلام المباشرة بين الحكومة الأفغانية وطالبان؛ لأنه لم يكن للضغوط على باكستان ولا الضغوط العسكرية والسياسية على طالبان أي أثر، والآن وقد أظهرت الولايات المتحدة الضوء الأخضر للتفاوض مع طالبان، يبدو من الصعب أن تقبل طالبان التفاوض المباشر مع الحكومة الأفغانية في المستقبل القريب. وبالإضافة إلى ذلك، وإن أثارت الضغوط الدولية على باكستان ومجيء عمران خان في الحكومة الباكستانية مرة أخرى الأمل في تعاون الحكومة الباكستانية في قضية السلام الأفغاني، إلا أن الضغوط على باكستان والتغييرات الجديدة في هذا البلد لا يزال يبدو بأنها لا تمهد لمفاوضات السلام المباشرة بين الحكومة الأفغانية وطالبان.

ومن جهة أخرى، يلاحظ تنشيط دبلوماسية طالبان منذ الآونه الأخيرة، حيث أنها أنشأت علاقات مع روسيا وبعض الدول الإقليمية؛ مما أدى بجانب دوافع أخرى إلى أن تخضع أمريكا بعد 17 عاما أن تجلس على طاولة المفاوضات مع طالبان مباشرة.

رغم أن محادثات السلام بين أمريكا و طالبان بدأت منذ عام 2013م بإنشاء مكتب طالبان في قطر، وقد تمت مناقشة تبادل الأسرى (باو برجدال الجنرال الأمريكي الأسير لدى طالبان مع خمسة مسؤولين كبار لطالبان) بين الفريق الأمريكي وطالبان، إلا أن بإصرار من الحكومة الأفغاني لم يتم الاعتراف بالمكتب السياسي لطالبان ولم يجر محادثات رسمية حول عملية السلام مع هذه المجموعة المستقر في قطر.

 

وأخيرا

مع أن الجهود التي تبذلها الدول الإقليمية فيما يتعلق بقضية السلام الأفغاني مع حركة طالبان، قد لا تؤدي إلى مفاوضات مباشرة بين الحكومة وطالبان؛ إلا أنها تدعم بشكل عام عملية السلام، لأن ما دامت الولايات المتحدة لا تستعد على المحادثات المباشرة مع طالبان، ليس من المحتمل نجاح عميلة السلام. ولأجل ذلك، وعلى غرار ضغوط بعض البلدان كروسيا، لعلها تكون مؤثرة على الموقف الأمريكي.

تهتم طالبان بمفاوضات السلام أكثر من أي وقت مضى، على الرغم من أن طالبان أظهرت مع وقف إطلاق النار في أيام عيد الفطر الثلاثة سيطرتها على الساحة الحربية وأنها لا تزال أقوى وأهم عامل في الحرب في أفغانستان، إلا أن لديها مخاوف من تطور داعش في أفغانستان وقد تقوم داعش بتعزيز قواتها في مناطق مختلفة من البلد، وهي الأخرى تخاف أيضا من ضعف دورها في الساحة الحربية، ومن ناحية أخرى، تعاني طالبان من الضغوط المدنية، والاجماعية والسياسية والعسكرية مما أدى إلى خضوعهم ورغبتهم إلى السلام من أي وقت آخر.    انتهى


 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *