التعدين غير القانوني وانعدام الشفافية في عقود المناجم في أفغانستان
لدى أفغانستان الكثير من المناجم والموارد الطبيعية، لكن انعدام الأمن وعدم الاستقرار السياسي جعلها غير مستخدمة بشكل صحيح، واستمرت عملية استخراجها خلال العقود الأربعة الماضية، بشكل غير قانوني وغير فني، وقد أثر هذا سلبا على الأوضاع الاقتصادية، والأمنية، وإيرادات الدولة وغيرها من الدوائر.
عقدت الحكومة الأفغانية اتفاقية استخراج منجم الذهب في بدخشان، ومنجم النحاس في بلخاب محافظة سربل، مع شركتين أجنبيتين الأمريكية والبريتانية يوم 5 من أكتوبر 2018م. أثارت هذه الاتفاقية ضجة كبيرة في أوساط اللمجتمع المدني في أفغانستان حيث عقدت هذه الاتفاقية خارج أفغانستان في سفارة أفغانستان بواشنطن، هذا وقد تناقض المصالح في منح عقد التعدين لشركة يكون فيها الوزير السابق لحكومة الوحدة الوطنية مساهم فيها. واعتبرت منظمة مراقبة الشفافية في أفغانستان في مؤتمر صحفي بعد يوم واحد من توقيع عقود مناجم الذهب والنحاس، وبحضور مئات منظمات المجتمع المدني في البلاد، هذا العقد خلافا للقانون وأكدت على إلغائها.
مراقبة الشفافية في أفغانستان، فضلا عن البنود الأخرى، تعتبر مساهمة وزير التخطيط العمراني والإسكان السابق للبلد في إحدى الشركات المتعاقدة، خلافا واضحا لقانون المناجم في البلاد. كما أنها أظهرت قلقها بشأن تمويل الحرب من الموارد الطبيعية لأفغانستان، وصرحت بأن حسب بعض التقارير، هناك مناقشات بين المجتمع الدولي والحكومة الأفغانية بشأن تمويل الحرب من الموارد الطبيعية للبلاد، وهذا لن يتم قبولها أبدا.
المناجم والموارد الطبيعية لأفغانستان، وتمويل الحرب من المناجم الأفغانية، وتعدين المناجم وعقد الاتفاقيات هي الموضوعات التي تمت مناقشتها في هذا الجزء من التحليل الأسبوعي.
الكنوز الأفغانية تحت الأرض
استنادًا إلى الوثائق التي أعدتها الجيولوجيون البريطانيون في عام 1890، وفي وقت لاحق أجريت تحقيقات من قبل الروس والأميركيين والألمان والفرنسيين فيما يتعلق بمناجم أفغانستان، فإنها تظهر أن لدى أفغانستان كثير من الذخائر النفطية والغازية، ومخزونات من الأفحام الحجرية والفضة والذهب والنحاس واللازورد (الحجر الأزرق) والأحجار الكريمة وغيرها من المعادن النفيسة الأخرى التي لم تصل الأيدي إلى الكثير منها.
بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان وسقوط نظام طالبان، وفقا لبحوث السنوات الخمس (من 2006 إلى 2010) لإدارة الجيولوجيا الأمريكية ، فإن مناجم أفغانستان تبلغ قيمتها تريليون أو ألف مليار دولار؛ لكن الحكومة الأفغانية تقدر قيمة المناجم نحو ثلاثة تريليونات دولار والتي تم تحديد 1،400 موقعًا منها في جميع أنحاء البلاد.
على الرغم من أن أفغانستان تتمتع بمعادن وموارد طبيعية تقدر ثمنها بمئات المليارات من الدولارات وتعتبر من البلاد الغنية، إلا أن شعبها من بين أفقر شعوب العالم، وبسبب الحرب الدائرة لم تتمكن من استخدام الكنوز المدفونة في تربتهم.
المعادن وحرب أفغانستان
خلال عقود عدة من الحرب في أفغانستان، كان استخدام المعادن لتمويل الحرب والاتجار فيها من قبل الأطراف المعنية في الحرب، ولا سيما قادة المجموعات المسلحة أمرا مألوفا.
في الغزو السوفييتي لأفغانستان تم انتزاع الموارد الطبيعية ولا سيما الأحجار الكريمة بشكل غير احترافي من قبل القادة العسكريين والجهاديين لتمويل الحرب. وأصبح أكثر شيوعا في الحرب الأهلية وخلال حرب طالبان مع تحالف الشمال. وتشير المعلومات الحالية إلى أنه تم استخراج الأحجار الكريمة من المناجم التي كانت تسيطر عليها قوات تحالف الشمال لتمويل مقاتليهم.
بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان وسقوط نظام طالبان وخلال 17 عاما من الحرب الحالية، وفقا لتقارير المؤسسات المحلية والأجنبية لا يزال يتم تهريب مناجم أفغانستان بشكل غير قانوني وغير احترافي من قبل سماسرة السلطة والمجموعات المسلحة، ويعتبر التعدين من أهم موارد التمويل للمعارضة المسلحة في الحرب الحالية.
وفقا لتقرير شامل نشرته غلوبال ويتنس (Global Witness) عام 2016م، كشفت نتائج دراستها أن دخل الجماعات المسلحة من منجم صغير في بدخشان يساوي إجمالي إيرادات أفغانستان من المعادن. وقد صرحت المنظمة أن “منافسة المافيا الاقتصادية على سيطرة مناجم بدخشان خلقت ائتلافا غير متجانس، إذ وضعت في بعض الحالات، طالبان والقادة المحليين وبعض كبار المسؤولين الحكوميين في طابور واحد”.
بالإضافة إلى ذلك، في المناطق المختلفة التي لا تخضع لسيطرة الحكومة في الحرب الحالية، قامت المعارضة المسلحة ولا سيما طالبان وداعش، باستخراج المعادن بشكل غير احترافي وبيعها لتمويل حربها. كما صرحت دراسة “إدارة مكافحة الفساد الإداري” بأن أرباح حركة “طالبان” وحدها قرب من الـ 46 مليون دولار من منجم للحجر الأبيض في محافظة ننجرهار عام 2016م.
بشكل عام خلال عقود من الحرب الحالية في أفغانستان، تم استغلال مناجمها إما في تمويل الحرب، أو من أجل الحصول عليها وتهريبها، فكانت ثروة البلاد المعدنية الهائلة ولا سيما في المناطق المتواجد فيها المناجم سببا لاستمرار الحرب.
قدرة الحكومة للتعدين
على الرغم من أنه كان من المتوقع بعد عام 2001 وظهور النظام الأفغاني الجديد، أن الحكومة ستبذل المزيد من الاهتمام للتعدين الاحترافي والقانوني، لكن بعد حوالي 17 عاما وصرف مئات الملايين من الدولارات، لا تزال تشير التقارير إلى الاستخراج غير الاحترافي للمناجم وتهريبها من قبل سماسرة السلطة والمعارضة المسلحة للحكومة.
أدى انعدام الأمن وعدم سيطرة الحكومة الأفغانية على كل المناطق إلى إخفاق الحكومة في مراقبة مناجم البلاد. ومن ناحية أخرى، فإن وجود الفساد وعدم القدرة على إدارة والاستخراج الاحترافي للمناجم تان في وزارة المناجم والبترول أحد العوامل المهمة الأخرى التي جعلت أفغانستان ألا تستفيد منها من أجل الرفاه الاجتماعي والتنمية الاقتصادية للبلاد.
وقعت الحكومة الأفغانية العديد من عقود التعدين مع العديد من الشركات المحلية والأجنبية خلال السنوات الـ17 الماضية، ولكن كانت دائما مصدر قلق بسبب عدم الشفافية في توقيع هذه العقود وعدم الإشراف المناسب على العلميات الاستخراجية. على سبيل المثال، لم تبدأ عملية الاستخراج بعد، مع أن العقد تم توقيعه في عام 2008م بين وزارة المناجم وشركة صينية (MCC).
الحكومة الأفغانية مع مرور أكثر من عقد ونصف من الزمان، لا تزال تواجه مشكلات عديدة في إدارة الموارد الطبيعية، وكيفية عقد اتفاقيات التعدين؛ ولكن من الضروري أن تتم العقود الكبيرة للموارد الطبيعية وفقا للمصالح الوطنية وبأكثر دقة واحترافية.
اتفاقيات الذهب والنحاس
وضعت الحكومة الأفغانية اتفاقيات بدخشان للذهب وبلخاب للنحاس للمناقسة عام 2012م، وفازت في ذلك الوقت شركة “ماينينغ الأفغانية التركية” و”أفغان جولد والمنرال” بالمناقصة؛ ولكن حسب وزارة المناجم والبطرول تم تعليق الاتفاقيات لست سنوات على أساس بعض المشكلات الحقوقية وتضارب المصالح، وتم توقيع الاتفاقية من قبل الوزارة والشركيتين في 5 أكتوبر من العام الجاري في واشنطن.
ووفقا لوزارة المناجم والبترول الأفغانية، فإن مدة هذه العقود هي 30 عاما، وخلال السنوات الثلاث الأولى ستستثمر شركة “ماينينغ الأفغانية التركية” 22 مليون دولارا في منجم الذهب ببدخشان، وشركة “الأفغان جولد والمنرال” 56 مليون دولارا في منجم النحاس ببلخاب محافظة سربل.
ومع ذلك، فإن النقد الموجود هو أن هناك غموضا في العقود وتعارضا مع قانون التعدين في أفغانستان، يمكن أن نشير إلى بعضها:
أولا: عدم تحديد القيمة الإجمالية لكل منجم.
ثانيا: مساهمة سعادت منصور نادري، وزير التخطيط العمراني والإسكان السابق في شركات المقاولات؛ ووفقا لقانون التعدين الأفغاني، لا يمكن للمسؤولين الحكوميين، بمن فيهم الرئيس، والنواب، والوزراء، وأعضاء الجمعية الوطنية، وغيرهم من كبار المسؤولين الحكوميين، إبرام عقود التعدين في غضون خمس سنوات من ترك وظائفهم.
ثالثا: انخفاض المبلغ الملكي في العقود (المبلغ الذي تحصل عليه الحكومة من كمية محددة من المواد الاستخراجية) من 11 إلى 8، ومن 10 إلى 6. وفقا لمنظمة الشفافية الأفغانية، تغير المعدل القياسي للعقود عندما كان سعادت منصور نادري وزيرا للتخطيط العمراني والإسكان.
رابعا: عدم وجود ضمان مالي من شركات المقاولات المتعاقدة.
ماذا يلزم من العمل؟
يعتبر العمل على إيجاد آليات فعالة للسد عن الفساد وبناء القدرات في قطاع المناجم الأفغاني من أهم النقاط في إدارة الموارد الطبيعية الأفغانية، ويمكننا الإشارة إلى بعض الأمور هنا:
- وضع نهج تعاوني بين وزارة المناجم واللجنة المستقلة للإصلاح الإداري والخدمات المدنية، ليؤدي إلى عملية التوظيف في وزارة المناجم ويعطي الأولوية للمعارف والمهارات وظروف العمل. ويستفيد منها لملء الفراغ الوظيفي.
- من أجل منع تدخل نواب المجلس، وكبار المسؤولين المحكوميين، والمافيا وسمامسرة السلطة في اتفاقيات المناجم سيطلب تسجيل مكالمات هؤلاء مع مسؤولي الوزارة بشكل رسمي وعلني، ويتم مراقبة الاجتماعات وجها لوجه في الوزارة.
- تتم عملية إبرام اتفاقيات المناجم بطريقة المناقصة، وكذلك إعلان الفوز بها بشكل مفتوح في حضور جميع المقاولين، بحيث يعرف المقاولون السبب وراء الحصول على الاتفاقية أو فقدها.
- وضع استراتيجية واضحة وفعالة لإنفاذ القانون الذي يشمل آليات لمراجعة قرارات المفتشين وفقا للقانون.
- إنشاء حساب واضح وشفاف لجمع جميع الإيرادات من الموارد الطبيعية، وبصفة عامة، تعزيز نظام الرصد للتعدين وإنشاء آلية عادلة لصالح السكان المحليين تعتبر أيضا من النقاط المهمة في إدارة الموارد الطبيعية في أفغانستان.
انتهى