التطورات والتطلعات الأخيرة حيال السلام الأفغاني
قام مبعوث الخارجية الأمريكية الخاص للسلام الأفغاني زلمي خليلزاد بزيارته الثانية لبعض دول المنطقة – ومنها أفغانستان – بعد المؤتمر المنعقد أخيرا في موسكو حيال المصالحة الأفغانية، كما التقى خليلزاد بمندوبي طالبان في قطر خلال زيارته.
بعد زيارته لقطر، قدم خليلزاد إلى كابل الأسبوع الماضي حیث أبلغ الصحفيين بأنه منشغل بالمحادثات مع كافة الأطراف بما فيها الحكومة الأفغانية وطالبان لأجل إحلال السلام في أفغانستان؛ إلا أنه لم يتم الإعلان عن أي تطورات مهمة في هذا الصدد. وقد أكد أنه يأمل في التوصل إلى اتفاق سلام.
نناقش في هذا المقال المهمة الجديدة لخليلزاد حيال وضع نهاية للحرب في أفغانستان والتي استمرت لسبع عشرة سنة، كما سنسلط الضوء على التطلعات المنشودة حيال إبقاء السلام في أفغانستان والتحديات التي تعترض طريقه.
مهمة خليلزاد
بعد 17 سنة من الحرب الدامية في أفغانستان، أدركت الولايات المتحدة بجلاء أنها لن تقدر على الانتصار في الحرب الأفغانية عن طريق إرسال القوات العسكرية، كما أدركو أن حربهم الطويلة في أفغانستان قد وصلت إلى طريق مسدود. لذا اتجهت الولايات المتحدة إلى المحادثات المباشرة مع طالبان منذ عدة أشهر.
ولأجل هذا الغرض، كلفت الولايات المتحدة زلمي خليلزاد قبل شهرين لقيادة عملية السلام الأفغانية والسعي لعقد محادثات سلام مع طالبان للوصول إلى اتفاق في هذا الشأن. خليلزاد سياسي أمريكي لأصل أفغاني اكتسب معرفة وفيرة بثقافة أفغانسان وحياتها الاجتماعية ولغاتها وسياساتها، كما حصّل خبرة طويلة في العمل وتقديم المشورة لرؤساء أمريكا الأربعة الأخيرين حيال قضايا أفغانستان.
للوصول إلى انسجام في عملية السلام الأفغانية، بدأ خليلزاد مهمته بزيارة استغرقت 10 أيام لخمس دول إقليمية هامة تشمل (أفغانستان، باكستان، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، وقطر).
بدأ خليلزاد زياراته بدولة أفغانستان حيث التقى بالرئيس الأفغاني والرئيس التنفيذي للحكومة الأفغانية وعدد من الساسة والقيادات الجهادية في البلد. عرّج خليلزاد بعدها بزيارة لإسلامآباد حيث التقى بالمسؤولين الباكستانيين وحادثهم حيال السلام الأفغاني وطلب منهم المساهمة في إنجاح محادثات السلام. كما تضمنت زيارة خليلزاد الذهاب إلى السعودية والإمارات وقطر.
نتيجة لهذه الجهود، عُقدت محادثات مباشرة بين قيادات طالبان ومندوبي الولايات المتحدة الأمريكية والتي بدورها خلقت آمالا جديدة حيال السلام الأفغاني. في هذا السياق تم الإفراج عن بعض المعتقلين في باكستان من قيادات طالبان البارزين كنتيجة للمحادثات المشار إليها آنفا. بالإضافة إلى ذلك، انضم القياديون الخمسة الذين أُطلق سراحهم من مُعتقل غوانتنامو إلى مكتب طالبان السياسي في قطر للمساهمة في محادثات السلام.
عقب هذه الزيارة، ثنّى خليلزاد بزيارة أخرى للمنطقة بما فيها أفغانستان وأبلغ الصحفيين خلال زيارته لكابل أنه يأمل في نجاح محادثات السلام الأفغاني. وفقا لتقارير وسائل الإعلام الغربية، هناك تحليلات تفيد أن طالبان حادثوا خليلزاد حيال حضور القوات الأجنبية في أفغانستان وموعد خروج القوات الأمريكية، وإطلاق سراح قيادات طالبان وعقد هدنة ومن ثم تشكيل حكومة مؤقتة.
التطلعات حيال السلام الأفغاني
لأول مرة أبدت الولايات المتحدة الأمريكية استعدادها للمحادثات المباشرة مع طالبان لأجل وضع نهاية للحرب الأفغانية التي دامت لمدة 17 سنة. عيّنت الولايات المتحدة لهذه المهمة سياسيا أمريكيا لأصل أفغاني، ولذا تُعد هذه الخطوة أهم خطوة عملية نحو إحلال السلام ووضع نهاية للحرب الدامية في أفغانستان.
من جانب آخر، احتفت طالبان بهذه المحادثات مع الجانب الأمريكي وطالبوا باستمرارها مما ولّد تفاؤلات بنجاح محادثات السلام. كما يُلاحظ في هذا السياق أن لقاءات خليلزاد بالساسة والجهاديين الأفغان وتصريح طالبان بأنهم يريدون عقد محادثات السلام مع الأحزاب السياسية بدلا عن الحكومة الأفغانية أضاءا بصيص أمل للوصول إلى السلام.
أفاد مندوبو طالبان في مؤتمر موسكو أنهم لا إشكال لديهم مع الأفغان في حال خروج القوات الأجنبية من أفغانستان وأنهم سيحلون جميع الأزمات عن طريق المحادثات. مثل هذه التصريحات توجِد آمالا بنجاح محادثات السلام الداخلي- الأفغاني، ولذا من المُتوقع أن تصل طالبان من خلال المحادثات إلى اتفاق مع الأطراف الأفغانية كذلك.
بالإضافة إلى ما ذُكر، فإن تصريح زلمي خليلزاد للصحفيين في كابل بأنه يُؤمّل في نجاح محادثات السلام مع طالبان يُعد في حد ذاته ضوءً أخضر وبارقة أمل لإحلال السلام في أفغانستان. في الوقت ذاته، يرى محللون أنه مع اقتراب دورة ترامب الرئاسية لنهايتها سيحاول أن يضع حدا للحرب الأمريكية في أفغانستان – والتي كانت أطول حرب أمريكية في التاريخ – للحصول على أكبر أصوات في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
التحديات التي تواجه المصالحة المحتملة في أفغانستان
مع أن الجهود قد تمت مضاعفتها في الأشهر الأخيرة لإحلال السلام؛ إلا أن هناك تحديات تواجه السلام الأفغاني المنشود، من أهمها ما يلي:
أولا؛ محادثات السلام مع طالبان هي مهمة زلمي خليلزاد في الوقت الراهن. انتصار خليلزاد في مهمته يعني نجاح محادثات السلام الأفغاني. إلا أن ما يُقلق منه هو موقف الولايات المتحدة الأمريكية من أهم مطالب طالبان (انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان)، وهل ستسجيب الولايات المتحدة لهذا المطلب أم أن طالبان ستصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة حيال بقاء القوات الأجنبية في أفغانستان؟ هناك تحليلات تفيد أنه ربما تكون طالبان قد حادثت الجانب الأمريكي حيال معسكراتهم في أفغانستان، ولذا قد يصلون إلى اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الصدد.
ثانيا؛ يُعد موقف الحكومة الأفغانية حيال هذه المحادثات تحديا آخر في هذا الصدد. مما اشترطته طالبان أنها لن تُحادث الحكومة الأفغانية، ولذا خطت الولايات المتحدة نحو عملية السلام. ولكن من جانب آخر، ما زالت الحكومة الأفغانية تؤكد على أن تكون المحادثات بين الأطراف الأفغانية كما أنها لا ترغب في أن يتم تهميشها في المحادثات. لذا بدأ القصر الرئاسي الأفغاني مواجهته للأحداث بإنشاء لجنة تحت مسمى “لجنة السلام الاستشارية” والتي ستتكون من مندوبي الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق المرأة واستشاريين محليين من ولايات أفغانستان البالغ عددها 34 ولاية. تأسيس هذه اللجنة يفسح المجال لمجلس السلام الأعلى الأفغاني من جانب، كما أنه من جانب آخر ليس إلا تكرارا للمحاولات المخفقة التي سعى نحوها المجلس الأعلى للسلام الأفغاني كما أنه يعرقل ويؤخر مسيرة محادثات السلام الجارية.
ثالثا؛ تأسيس حكومة مؤقتة ومن ثم ماهية الحكومة المقبلة بعد اتفاقية السلام المحتملة مشكلة أخرى قد تعترض طريق المصالحة. لقد طالبت طالبان دائما بإمارة إسلامية، وبعض التكتلات داخل الحكومة الأفغانية تعتبر الأنظمة الديمقراطية وبعض التحولات الأخرى في البلد منجزاتٍ لهم، ولذا لن يرضوا بالتخلي عن ما حصلوا عليه من إنجازات. مع إن من يعترضون طريق المصالحة الأفغانية تحت شعار المحافظة على المُنجزات هم من يطلبون بشكل مباشر استمرار الحرب الدامية الحالية في أفغانستان ولذا من الضروري مكافحة مساعيهم.
النهاية