مطالب قوية من موقف ضعيف
في الآونة الأخيرة بعث أشرف غني الرئيس الأفغاني رسالة إلى نواز شريف رئيس الوزراء الباكستاني. رسالة سرية تسربت إلى وسائل الإعلام.
هل إرسال الرسالة حقيقة؟
حتى الآن هناك تساؤلات بشأن إرسال هذه الرسالة إلى نواز شريف. هل هي أرسلت حقا إلى نواز شريف؟ في حال إرسالها، لماذا تزامنت مع توقيع الاتفاقية الاستخبارية مع باكستان؟ ولماذا آثر القصر الرئاسي ووزارة الداخلية الأفغانية الصمت مع الجدل الموجود بشأ الأمر في وسائل الإعلام الأفغانية.
ولم يقبل المسؤولون الباكستانيون بأن تكون رسالة قد أرسلت إليهم. كما وأظهرت السفارة الباكستانية في كابول عدم اطلاعها على الأمر.
ويمكن أن يكون نشر مثل هذه الأخبار من مصادر سرية في الحكومة الأفغانية بهدفَيْن آتيَيْن:
- إسكات الأصوات المناهضة التي ارتفعت عقب توقيع الاتفاقية الاستخبارية بين إدارة الأمن الوطني الأفغاني والمخابرات الباكستانية،
- إشارة خضراء إلى الجانب الباكستاني للمحافظة على توازن في العلاقات الثنائية.
وبما أن الحكومة الأفغانية ومعها الحكومة الباكستانية آثرت الصمت، فإن العامة ترى بأن هذه الرسالة قد أرسلت، ولم يرى الإعلام الأفغاني إرسالها فحسب، بل تسرب إليه ما احتوته الرسالة أيضا. لذلك من الجدير بحث محتوى الرسالة.
محتوى الرسالة
لقد طلب الرئيس الأفغاني من رئيس الوزراء الباكستاني في هذه الرسالة أن يرفع خلال شهر قادم الخطوات الآتية:
- إصدار بيان رسمي من الزعامة السياسية الباكستانية، تنديدا بأنشطة طالبان العسكرية،
- إغلاق جميع ملاجيء طالبان في داخل الأراضي الباكستانية،
- إلقاء القبض على مسؤولي الفعاليات العسكرية الأخيرة في أفغانستان، إضافة إلى زعماء شبكة الحقاني،
- إصدار قرار بحجز زعماء “شورا كويته”، و”شورا بيشاور”، والبدء في التحقيق معهم بسبب تهديد بلد صديق،
- إصدار قرار بتسليم جرحى طالبان أفغانستان من قبل مراكز باكستان الصحية إلى سجون أمنية للحبس والتحقيق،
- اتفاق على تبادل سجناء مثل الملا برادر من حركة طالبان أفغانستان إزاء أعضاء لحركة طالبان باكستان،
- الصد عن بيع المواد الكيميائية المستخدمة في المتفجرات إلى مجموعات إرهابية،
- إحداث اتفاقية تجري بموجبها عمليات متزامنة لمكافحة تردد أعضاء حركة طالبان أفغانستان وحركة طالبان باكستان على طرفَيْ الشريط الحدودي.
بين الاتفاقية والرسالة
قبل فترة قليلة أثار ملف توقيع اتفاقية استخبارية بين المخابرات الأفغانية والباكستانية جدلا واسعا في أفغانستان. وكانت شائعات حول خلاف بين رحمة الله نبيل رئيس إدارة الأمن الوطني الأفغاني وحنيف أتمر مستشار الأمن الوطني للرئيس الأفغاني، وأن أتمر طلب من نبيل توقيع الاتفاقية، إلا أن الأخير رفض ذلك بشدة، وامتنع عن توقيعها. وأن نائب إدارة الأمن الوطني وقّع الاتفاقية.
إنها إن كانت أخبارا صحيحة أم غير صحيحة، لا يوجد شك في أن هذه الاتفاقية عززت الخلافات في صفوف الحكومة الائتلافية. ويرى المخالفون بأن إعطاء كل هذه التنازلات للجانب الباكستاني، في حال تبقى الشكوك بشأن الموقف الباكستاني موجودة، ليس أمرا منطقيا.
بناءً على ذلك يبدو أن الرئيس الأفغاني واجه ضغطا كبيرا كي يحمل باكستان على وضع ضغوط لازمة على طالبان لنجاح عملية السلام الأفغانية.
في رسالة أشرف غني تم تحديد شهر كفرصة بأن تبدأ باكستان خطوات عملية تجاه مطالب أفغانستان الثمانية، ومع مرور ثلاثة أسابيع من رسالة أشرف غني إلى باكستان لم تظهر أي آثار لتحقيق هذه المطالب. ومع الطلب بأن يتم إلقاء القبض على مخططي العمليات الأخيرة إلا أن الحرب في مناطق مختلفة من أفغانستان تجري على قدم وساق.
مطالب صعبة
إن من أعنف حروب أطلقتها حركة طالبان هذه السنة، هي إرادة توسيع مناطق خاضعة لها، وأن تستقر بدلا من باكستان في المناطق الجبلية في داخل أفغانستان. وتُعتبر المناطق الجبلية الأفغانية مكانا أكثر أمنا حتى لطالبان باكستان.
في حال يريد أشرف غني من باكستان إغلاق ملاجيء طالبان في داخل باكستان، يرى المسؤون الباكستانيون بأن هذه المناطق تم نقلها إلى داخل أفغانستان. في الزيارة الأخيرة لنواز شريف والمسؤولين الأمنيين والعسكريين الباكستانيين إلى أفغانستان، ادعى الجانب الباكستاني بأن “را” أو المخابرات الهندية تمول وتجهز هذه المراكز عبر أفغانستان.
ويبقى طلب إلقاء قبض على أعضاء شورا كويته وبيشاور أمرا غامضا، لأن لا أحد يعرف مكان شورا كويته التي تمثل الشورى المركزي لحركة طالبان.
في الأوضاع الحالية لا توجد في كويته “شورا كويته” ولا في بيشاور شورها. لقد سببت عمليات وزيرستان مغادرة الزعماء المعروفين في الحركة لهذه المنطقة، وحتى مدرسة المولوي جلال الدين حقاني أصبحت متروكة تقريبا.
من المطالب المطروحة في الخطة ندرك، أن الحكومة الأفغانية ترى بأن زعماء طالبان الأصليين يعيشون في داخل باكستان مع أسَرهم، ولذلك طلبت على أقل شيء حجزهم في البيوت.
علائم ضعف باكستان
منذ أن تحسنت العلاقات بين الحكومة الائتلافية الأفغانية في كابول مع إسلام آباد عبر تعاون أمني، حاولت الحكومة الباكستانية بأن تصل إلى رموز في حركة طالبان، وأن ترغبهم في الحوار مع كابول، إلا أن ذلك بقي بلا جدوى.
إن الجلسة الأخيرة التي عُقدت في أورومتشي بين مندوبي الحكومة الأفغانية وطالبان، ليس لها أي دور في عملية السلام الأفغانية. يعني لا تملك باكستان من رموز طالبان من يُجلسهم على طاولة الحوار مع الحكومة الأفغانية، ورفضت حركة طالبان أي صلة لها مع هذه الجلسة.
وصرّح داكتر محمد نعيم وردك المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة طالبان في قطر في حوار بأن طالبان ليس تحت أثر أي دولة أخرى، وأن حربها تجري بقرار حر. وأن المحاولات التي تجري من أجل إظهار انقسام في طالبان هي محاولات فاشلة.
النتيجة
ويظهر من مطالب أشرف غني في رسالته المرسلة إلى نواز شريف بأن انعدام الثقة لا يزال يلقي بظلال واسعة على العلاقات الثنائية. وكأن الرسالة تدعي بأن باكستان لا تزال تؤيد طالبان وبها مراكز لتمويلها وتجهيزها، وأن حرب طالبان في أفغانستان تديرها المخابرات الباكستانية.
إذا لم تعتمد الحكومة الأفغانية على الجانب الباكستاني فبأي دليل وقّعت الاتفاقية الأمنية مع باكستان رغم كل تلك التنازلات؟
ويمكن أن نعزو ذلك إلى الاتفاقية الأمنية مع أمريكا، التي أجبرت حكومة كابول على قبول مطالب باكستان. وقد جاء في مقدمة الاتفاقية الأمنية الأفغانية الأمريكية التالي:
“وبالتأكيد المكرر على دعم الطرفين الدائم لإيجاد آليات التعاون والتنسيق على مستوى المنقطة، بهدف إحلال الأمن والاسقرار عبر إزالة الصدامات، والغموض وسوء الفهم”.
لذلك على أفغانستان أن تحل ثلاثة مشاكل مع باكستان من أجل إحلال السلام والأمن:
- رفع الخلافات ويعني منع صدامات أو تهديدات عسكرية بين البلدين، والتي تمثلت في السابق في هجمات صاروخية، في بعض المناطق الحدودية من قبل باكستان،
- إزالة الغموض، ويعني توضيح جميع القضايا الغامضة وخاصة القضايا الحدودية التي سببت خلافا بين البلدين. “ملف خط ديوراند”.
- إزالة سوء الفهم وما أدّى إلى اتهام كل طرف الطرف الآخر بالتعاون مع العدو. ولا يمكن ذلك من دون تعاون استخباري قريب.
ولقد أدرج أشرف غني مطالب قوية في هذه الرسالة ولكن من موقف ضعيف، لأنه لا يملك وسيلة ضغط على باكستان لتحقيق هذه المطالب. عليه أن يقوم بحل الأزمة مع الجانب الباكستاني كما تعهد بالأمر في الاتفاقية الأمنية مع أمريكا. ويبقى دوام حكومته مرهونا بهذه المقامرة الكبيرة.
النهاية