داعش في أفغانستان.. هل دخلت اللعبة طورا جديدا؟
منذ فترة طويلة وتنتشر شائعات كثيرة حول تواجد داعش في أفغانستان، ولكن بعد أن ذهبت التقارير إلى أن مسؤولا سابقا في حركة طالبان وهو عبدالرؤف خادم عضو سابق في اللجنة العسكرية للحركة قد انضم إلى داعش كان ذلك جرس خطر لطالبان. وحدث حينها نزاع مسلح قصير بين طالبان والسيد خادم في ولاية هلمند، إلا أن الأمر دخل سريعا في محادثات لم تنته قبل أن يلقي عبدالرؤف خادم حتفه إثر هجوم عسكري نفّذته طائرات أمريكية بلا طيّار في مديرية كجكي من هذه الولاية، ولم تكن لدى الرجل فرصة للم الرجال والعتاد.
وسبب قتل خادم غضبا في مستوى القيادة لدى داعش، ويبدو أن أفرادا نقلوا إلى قيادة داعش معلومات تفيد بأن طالبان كانوا غاضبين من تأييد خادم لداعش وكانوا يرونه تهديدا فشاركوا في قتله.
بعد ذلك ظهرت شرقي أفغانستان مجموعة منسوبة إلى داعش، وأعلنت أن هدفها الأول هو القتال مع طالبان. وبالفعل دخلوا في مواجهات مع طالبان في ولاية ننكرهار مما جعل طالبان تنسحب من أمام هذه المجموعة. ونُشرت في مواقع التواصل الاجتماعي صور عن ذبح أسرى لطالبان بيد هذه المجموعة.
غموض بشأن مجموعة داعش أفغانستان
يرى بعض أفراد مقربين من طالبان بأن المجموعة التي تقاتل طالبان في شرق أفغانستان ليست لداعش، بل يرون بأن باكستان وبتأييد من أفغانستان أرسلت عددا من طالبان باكستان المبايعين مع داعش وعددا من المجاهدين الأفغان المخالفين لطالبان مع عدد من الميليشيا إلى هذه المنطقة.
وهناك تقارير تفيد بأن أفرادا للحزب الإسلامي يتواجدون بين هذه المجموعة، ويقال إن شخصا باسم بختيار من أفراد حكمتيار والذي قضى فترة في سجن غوانتانامو كان يدير جزءا من عمليات هذه المجموعة في مديرية بتي كوت.
وأما تنظيم الدولة الرسمية في سوريا، لم تقل شيئا بعد بشأن أنشطتها في أفغانستان، وأبدى عبدالرحيم مسلمدوت فقط، والذي يدعي عضوية شورا علماء داعش في أفغانستان، بأن طالبان هم عملاء المخابرات الباكستانية وأن داعش يقاتلهم.
إن المجموعة المحسوبة على داعش في شرق أفغانستان مجموعة ذات نظم وانسجام. وتقام مخيماتهم بطريقة عسكرية، توجد بها مستوصف ومعطم منقول. يحاول التعامل مع الشعب بطريقة جيدة، وقالوا إنهم يتركون عمال الحكومة والجنود الذين يأتون إلى بيوتم من دون الزي العسكري وأن حربهم تكون مع طالبان فقط.
داعش يقتل طالبان
بعد أن هاجمت مجموعة داعش على مقار لطالبان في ولاية ننكرهار، استطاعوا طرد طالبان من عدة مديريات هذه الولاية. ونشرت مقاطع فيديو تظهر ذبح عشرة مقاتلين من طالبان على يد أفراد داعش.
إلا أن عمل هؤلاء لا ينحصر في القتال مع طالبان في أفغانستان، بل يحاولون النيل من قادة طالبان في داخل باكستان أيضا. وكان اغتيال المولوي مير أحمد كل هاشمي، مسؤول طالبان الجهادي في ولاية ننكرهار، في بيشاور من عمل داعش.
اعتبرت طالبان مقتل المولوي مير أحمد كل هاشمي خسارة كبيرة. وجاء في الموقع الرسمي لطالبان بشأنه، إن “أعداء الإسلام” لا يمكنهم بقتل مثل هؤلاء أن يصلوا إلى غايتهم السيئة وهي تضعيف صف الإمارة الإسلامية.
رسالة إلى أبي بكر البغدادي
يمكن القول بأن طالبان لم تكن طيلة 13 سنة مضت تحت ضغط من هذا النوع. مع أنهم يحاولون أن يضعوا هذه المشاكل تحت الأنشطة الدبلوماسية وأن يظهروها من دون أهمية كبيرة، ولكن هناك ضغوط كبيرة على زعامة طالبان من قبل القادة بأن تتخذ الزعامة موقفا واضحا تجاه هذه المجموعة الجديدة (داعش). مثل أي عمل مهم آخر والذي يطلب تأييدا من زعيم طالبان، أخذت هذه الرسالة وقت كثيرة إلى أن وصلت إلى تأييد من الملا محمد عمر وتوقيع الملا أختر محمد منصور، بتاريخ 16 من يونيو 2015م.
في جزء من هذه الرسالة تم ذكر شخصيات جهادية مثل الشهيد عبدالله عزام، وأسامة بن لادن، وأبي مصعب الزرقاوي والخطاب كتلاميذ لمدرسة الجهاد الأفغاني. مثل هذه الرسالة إلى البغدادي تعني أن أساتذتكم هم تلاميذنا، وأن الفضل في الميدان لنا.
وتمت الإشارة في هذه الرسالة إلى جهاد الشعب الأفغاني ضد المحتل الروسي، وأن ثمرة دماء مليون ونصف شهيد وآمال الأمة الإسلامية بهذا الجهاد كيف ذهبت هباءا منثورا على إثر خلافات داخلية بين المجاهدين. وجاء في الرسالة بأن طالبان وبناء على إرشادات القرآن والتجربة السابقة لا ترى في التفرقة مصلحة لا للمسلمين ولا للجهاد. وأن الصف يبقى تحت قيادة واحدة ويسد الباب أمام أي فتنة، ولذلك ترى الإمارة الإسلامية في أفغانستان الأنشطة الجهادية شريطة أمر زعامة طالبان.
وتشير الرسالة إلى أن الملا محمد عمر تم اختياره زعيما للإمارة عبر شورى أهل الحل والعقد تشكلت من 1500 من علماء، وأن علماء وفقهاء من أمثال الشيخ حمود بن عقلاء الشعيي وزعماء جهاديين مثل أسامة بن لادن أيّدوا هذه الإمارة وبايعوا زعيمها.
وجاء في الرسالة بأن أعداء الإسلام حاولوا طيلة السنوات الماضية بأن يفرقوا صف طالبان وفشلوا في ذلك. وفي مثل هذه الأوضاع لا ينبغي لأصحابكم بأن يقدموا على عمل يفرق صف الجهاد ويحقق آمال الأعداء. تؤكد الرسالة بأن إحداث مجموعات موازية تخالف الجهاد والمجاهدين والمصالح الإسلامية. ولو تحدث هنا مشكلة للإمارة الإسلامية بيد أفراد محسوبين عليكم فإن المسلمين في العالم يغضبون منكم.
وتطلب الرسالة من أبي بكر البغدادي بأن لا يتأثر من مشورات يقدمها أصحاب أغراض وأن لا يقرر بشأن قضايا أفغانستان من مساحات بعيدة.
النتيجة
إن الرسالة إلى أبي بكر البغدادي حجة صريحة من قبل طالبان على داعش، وتحتوي على رسالة واضحة بأن طالبان لا تسمح لإحداث أي مجموعات موازية من أجل الحرب حتى مع أمريكان في أفغانستان. وكل مجموعة تريد الجهاد عليها أن تجاهد تحت رأية الإمارة الإسلامية، وبوجود الإمارة الإسلامية ليست ضرورة لحضور أي مجموعة أخرى في أفغانستان. وتحذر هذه الرسالة داعش من التدخل في أفغانستان.
إن الإشارة إلى اختيار الملا محمد عمر أميرا للمؤمنين عبر شورى الحل والعقد متشكلة من 1500 فيهم علماء ومجاهدون عرب يظهر رأي طالبان بأن زعامة الملا محمد عمر ذات شرعية، وأن البغدادي خليفة صنع نفس بنفسه ولم يجمع المسلمون على اختياره.
وقد تكون لإتمام حجة طالبان في هذه الرسالة نتيجتان اثنتان. أولا، أن يؤيد البغدادي أفرادا ينتسبون إلى داعش في أفغانستان وهو يعني إعلان الحرب مع طالبان، لأنه لا يريد أن يجاهد أفراده تحت قيادة أخرى وأن يعكر ذلك شرعيته كخليفة للمسلمين. وفي مثل هذه الحال تجد طالبان فرصة في أن تحصل على تأييد ودعم من الدول التي ترى إلى داعش كتهديد كبير وبذلك سوف تشتد الحرب بين الطرفين.
ثانيا، أن يعلن البغدادي برائته من المجموعة المنتسبة إلى داعش في أفغانستان، وفي مثل هذه الحال يظهر أن الحلقات الاستخبارية كانت وراء إحداث هذه المجموعة، وبذلك تفقد فرصة التجنيد في أفغانستان.
لذلك يمكن القول بأن كتابة الرسالة إلى البغدادي من قبل زعامة طالبان رغم تأخيرها كانت خطوة ذات دهاء من قبل حركة طالبان، قد تخرج قضية داعش في أفغانستان من الغموض إلى الوضوح.
النهاية