أسبوع الكتاب، وضعف ثقافة القراءة في أفغانستان



رغم ضعف ثقافة القراءة واقتناء الكتب في البلد، تم تسمية الأسبوع الماضي ( 24 إلى 30 من شهر ثور) باسم أسبوع الكتاب. يتم الاحتفال بهذا الأسبوع في كافة محافظات أفغانستان عبر تدوير معارض الكتاب ونشر المنشورات المتعلقة بالكتب والمطالعة. وكانت إدارة البيهقي بوزارة الثقافة والإعلام قد نشرت في تقريرها السنوي لعام 2018 أن الكتب المطبوعة من الحكومة بلغت 20 كتابا تضمنت تقريرا سنويا لأعمال الحكومة، وثلاثة مصاحف وترجمتين للقرآن الكريم. من جانب آخر قال حميد الله شهراني رئيس المكتبات العامة بأفغانستان في مؤتمر ثقافي أن عدد المكتبات العامة يبلغ 96 مكتبة بإجمالي عدد 800 ألف كتاب، إلا أن رواد المكتبات في طوال السنة في مدينة كابل التي يقطنها ستة ملايين مواطن لم يبلغوا 10 آلاف زائر.

سنلقي إطلالة في هذا المقال على تاريخ اقتناء الكتب والمطالعة، ومدى وجود هذه الثقافة في أفغانستان منذ الماضي وحتى الحاضر.

دور الكتاب في الحضارات الإنسانية

بما أن الكتاب هو الجامع لآثار وأفكار المجتمعات الإنسانية، ومولد الطاقات والمهارات في المجتمعات وهو الوسيلة التي تعكس فترات ازدهار وأفول الحضارات والثقافات والشعوب على مستوى العالم، لذا فإننا في زمننا الحاضر لأجل تطوير المبادئ وتحسين سبل العيش والاتعاظ بأسباب فشل الأمم نحتاج أن نعود إلى هذه الدرة الثمينة : (الكتاب).

إذا أردنا أن نقيّم مدى الإنتاج الثقافي والفكري لأمة من الأمم فإن الكتب والآثار الناتجة عنها هي المعيار القياسي المناسب. إنتاج الكتب وقراءتها يُعدّان عامليْن مُحدديْن لجودة وكفاءة الحضارات الإنسانية. الدول المتطورة حول العالم قديما وحديثا تحتل مكانة عالية في مجال قراءة الكتب.

وفق تقارير اليونسكو التي نشرتها بين الأعوام (1991 -2015) فإن المواطنين الصينيين يقرؤون ثماني ساعات في المتوسط في الأسبوع الواحد، كما أن نسبة القادرين على القراءة في الصين تصل إلى 96.4%، في حين أن هذه النسبة في عام 1990م لم تتجاوز 78%. يرى الخبراء أن معدل القراءة العالي يُعد من أهم أسباب التطور السريع الذي حصل في  الصين. وإذا نظرنا إلى اليابان التي حصلت على استقلالها في نفس العام الذي حصلت فيه أفغانستان على استقلالها – عام 1919- سنجد أن أوسط مدة قراءة الفرد الياباني يوميا هي 90 دقيقة، كما يقرأ الياباني في المتوسط نحو 46 أو 47 كتابا في العام، مما تُعد نسبة غير قابلة للمقارنة بحالة القراءة في أفغانستان.

يمكن تلخيص القول بأن للكتب وقرائتها دور مهم في التطوير الشامل للمجتمعات، ولن نُبالغ إذا قلنا أن النهضات مدينة لأشخاص لا تفارق أيديهم الكتب، ومن خلال الكتب يرسمون خارطة الطريق لمجتمعاتهم ويخلقون لهم الأمل عندما تخيب الآمال.

سابقة الكتب في أفغانستان

إذا ألقينا نظرة على تاريخ أفغانستان المعاصر، سنلحظ أن الكتاب مر بمنعطفات ومنحدرات عديدة في تاريخ البلد، كما أن الحكومات في أفغانستان أبدت نماذج متضادة في حب الكتب ومحاربتها. على سبيل المثال يتضح من تاريخ فترة القائد أحمد شاه أبدالي أنه كان محبا للشعر والأدب الفارسي، كما يظهر مدى اهتمامه بالكتب إذا علمنا أن اثنان من أبنائه ( تيمور وعائشة) كانا من الشعراء، وكذلك تكليف القائد أحمد شاه لمحمود الحسيني بتدوين كتاب (تاريخ أحمد شاهي) المتضمن لوقائع فترة حكمه.

في الجانب المقابل، باعتلاء أسرة (باركزي) على كرسي الحكم وعلى رأسهم الأمير دوست محمد خان انحدرت ثقافة اقتناء الكتب حيث أن الأمير نفسه لم يكن قادرا على القراءة مما أدى إلى تهميش الكتب والثقافة في فترة حكمه. في القرن التاسع عشر انتعشت ثقافة اقتناء الكتب مرة أخرى وتحديدا في فترة حكم أمير شير علي خان (1879- 1863) الذي انتفع بمشورات سيد جمال الدين الأفغاني، وتم في عهده إنشاء أول مطبعة في أفغانستان، وقد كانت الكتب التي يؤلفها الأفغان تُطبع قبله في الهند وبخارا.

في بدايات القرن العشرين ومع انتشار آلات الطباعة اليدوية في كابل ازدهرت ثقافة اقتناء الكتب مرة أخرى، ويأتي في هذا الصدد نشر كتاب سراج التواريخ، وجريدة سراج الأخبار في فترة حكم الأمير حبيب الله خان (1919-1901)، مما يدل على اهتمام الأمير حبيب الله بالكتب والثقافة. إلا أن هذه الثقافة واجهت اختناقا مع ترأس نادر خان للبلد، حيث أنه منع نشر كتاب سراج التواريخ وزج بالكثير من الكتاب في السجون.

في أواسط فترة حكم ظاهر شاه وعقد الديمقراطية، انتعشت ثقافة الكتب إلى حد ما، وتم تأسيس نقابات وجمعيات ثقافية، ونُشرت في هذه الفترة كتب ذات تأثير واسع ألفها كتاب ضليعون مثل مير غلام محمد غبار، وعبدالحي حبيبي، وأحمد علي كهزاد.

في فترة حكم داود تحسنت ثقافة القراءة بقدر ما، إلا أن الأمر لم يدم طويلا حيث انتكست ثقافة القراءة مع قدوم الحكومة الشيوعية عام 1978م وفرض الكتب ذات الأغلفة الحمراء والمضمون اليساري، مما أدى إلى بعد الشباب عن القراءة بشكل تعمدي.

رغم أن التنظيمات الجهادية بذلت جهودا في مجال نشر الكتاب وتعزيز ثقافة القراءة، إلا أنها لم تُثمر نظرا لتدهور الوضع الأمني واستعار الحرب في البلد.

ثقافة اقتناء الكتب والمطالعة في حاضر أفغانستان

بالنظر إلى تقدم المجتمعات الإنسانية والتطور الحاصل التكنولوجي وما يتضمنه من إمكانيات وتسهيلات في نشر الوعي والتواصل فإن الحالة التي تعيشها الكتب وثقافة القراءة في أفغانستان غير مُرضية. المعنيون بنشر الكتب والنشطاء في القطاع الثقافي يشتكون من ضعف اعتناء المواطنين بالكتب وضعف الرغبة في المطالعة. يقول زبير سروري النائب الإداري للقاعة الرئيسية بالمكتبة العامة بكابل: “يأتينا بعض الطلاب، وبدل أن يسألوننا عن أسماء المؤلفات ومؤلفيها، يسألوننا عن الأشخاص الذين يكتبون رسائل التخرج لهم مقابل الأجرة”. كما يُضيف قائلا: ” يوجد نحو 31 ألف كتاب في قاعة المكتبة العامة بكابل، إلا أن عدد الزوار للمكتبة طيلة عام 2018  م لم يتجاوز 1800 شخصا، ومعظمهم طلاب السنة الرابعة الجامعية وفي الغالب يكتفون بتصوير صفحات قليلة من الكتب ثم يذهبون”.

وفق تقرير نشرته إحدى مراكز الدراسات بعد لقاءات أجريت مع طلاب الجامعات الحكومية، اتضح أن 7 طلبة من كل 10 طلاب لا يقرؤون كتبا خارج المقررات الدراسية الجامعية التي تُفرض عليهم، أما الثلاثة الباقون ففي الغالب اكتفوا بمطالعة كتابٍ إضافيٍ أو كتابين.

من جانب آخر فإن معظم سياسيي البلد وممثلي الحكومة بعيدون عن الكتابة والتأليف والمشاركة في الجرائد والمجلات المحلية والدولية، بخلاف حال الدول الأخرى. إن جمود أقلام سياسيي البلد في هذا المجال كفيل بخلق أزمات عديدة. كما أن الأساتذة الجامعيين الذين يُتوقع منهم أن يكونوا قدوات للطلاب في هذا المجال لا يزيدون في الغالب عن إنتاج المذكرات والكتب الدراسية المفروضة على الطلاب، كما أنهم لم يقدروا حتى الآن أن ينشروا ثقافة القراءة في المجتمع، بلا ولا في الأجواء الجامعية نفسها. بعد عام 2001، رغم التدهور الأمني في كافة المحافظات تم بناء مكتبات في جميع ولايات أفغانستان، إلا أن الحكومة لم تعتنِ كما ينبغي بنوع وكمية وجودة الكتب المنشورة في البلد. يقول زبير سروري نائب القاعة المركزية بالمكتبة العامة بكابل: “مرت سنواتٌ عديدة وكتب مكتبتنا لا يتم تحديثها ولا تعزيزها بالكتب الجديدة في مجالات الاقتصاد والسياسة والقانون والزراعة والفيزياء والكيمياء، وكتبنا الحالية لا تكفي احتياجات الزوار، ورغم تكرر طلبنا من المعنيين في الحكومة لم تتم تلبية طلباتنا.”

وقد صرح فيض الله محتاج رئيس إدارة البيهقي ( مطبعة آزادي) بعد شكواه من ضعف ثقافة القراءة في البلد، أن الحكومة تعطيهم سنويا ميزانية تكفي لطباعة 25 كتابا فقط، وذكر أن السبب هو عجز الميزانية وضعف مبيعات الكتب في السوق.

توصيات

لأجل إنعاش ثقافة اقتناء الكتب والمطالعة في البلد، لا بد من الخطوات التالية:

  • على وزارة الثقافة والإعلام أن تضع نشر ثقافة الكتب والمطالعة في رأس أولوياتها التخصصية، كما عليها أن تدعم الكُتاب ودور النشر بكل قوة.
  • على وزارة الثقافة والإعلام أن تُعد الخطة الإستراتيجية لتطوير المكتبات العامة مع تحديد جزء من ميزانيتها السنوية لتطوير المكتبات وتعزيزها بالكتب الجديدة.
  • على وزارة التعليم العالي والجامعات الحكومية والجامعات الخاصة أن تحث الشباب على المطالعة والكتابة وذلك عبر طرح المبادرات المبتكرة التي تهدف إلى نشر ثقافة القراءة في الأجواء الجامعية.
  • للوالدين دور مهم في ملء أوقات فراغ أبنائهم بالمطالعة وقراءة الكتب. على كل أسرة أن تُرتب مكتبة في بيتها حسب استطاعتها ويتم تجهيزها بالكتب التي تكفي الاحتياجات التربوية والتخصصية لأعضاء الأسرة.
  • كما أن على عاتق وسائل الإعلام في أفغانستان مسؤولية كبيرة في هذا المجال، وعليها أن تنظم برامج تشويقية مستمرة تحث على المطالعة ونشر ثقافة القراءة بين الشباب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *