منظمة التعاون الإسلامي وقمة مكة

أنهت منظمة التعاون الإسلامي قمتها الرابعة عشرة في مكة المكرمة بتاريخ 31/مايو بإصدار بيان اختتامي. هذه المنظمة تُعد ثاني أكبر منظمة بعد منظمة الأمم المتحدة، وتضم 57 دولة كأعضاء من أربع قارات، وللمنظمة دور أساسي في توحيد كلمة العالم الإسلامي والحفاظ على مصالحه ونشر روح التسامح والتآزر بين كافة دول العالم. انضمت أفغانستان إلى عضوية المنظمة منذ بداية تأسيسها وشاركت في أنشطتها باستمرار. ونظرا لأهمية القضية فقد خصصنا تحليل هذا الأسبوع للتعريف بهذه المنظمة وتسليط الضوء على قمة مكة وما نتج عنها.

فسلفة وتاريخ تأسيس المنظمة

في تاريخ 21 أغسطس من عام 1969 أضرم الإسرائيليون النيران في المسجد الأقصى الشريف. وقد ألهبت هذه الواقعة مشاعر المسلمين مما أدى إلى انعقاد قمة إسلامية في تاريخ (22 إلى 25 سبتمبر من العام نفسه) في الرباط عاصمة المغرب، وقد ضمت القمة 25 دولة إسلامية كما شارك فيها مندوبون من الهند ومنظمة تحرير فلسطين. وقد أدان المشاركون في القمة ما قامت به إسرائيل بشدة وطُلب الدعم من جميع الدول الإسلامية لقضية القدس ومن ثم تم الإعلان عن تأسيس منظمة التعاون الإسلامي.

وبانعقاد المؤتمر المذكور أخذت المنظمة طابعا عمليا. ورد في البيان الختامي للمؤتمر المذكور ما نصه: “وبناء على ذلك فإنهم يعلنون أن حكوماتهم وشعوبهم عقدت العزم على رفض أي حل للقضية الفلسطينية لا يكفل لمدينة القدس وضعها السابق لأحداث يونيو 1967م.” كما عقدت المنظمة قمما أخرى وكان منها القمة التي حضرها وزراء الخارجية لدول المنظمة والتي انعقدت في جدة عام 1972، واعتُمد فيها ميثاق المنظمة وصار وجودها رسميا.

تضم المنظمة الدول التي يوجد بينها القاسم الديني المشترك (الدين الإسلامي). التاريخ الإسلامي كان ومازال مصدر إلهام للعلماء المسملين ودافعا للعمل والحركة في القوى السياسية لدى المجتمعات الإسلامية. وبالمقارنة بين ماضي المسلمين العظيم المتمثل في القرون الثلاثة عشر الماضية وحاضرهم المنكوب تبرز نتيجة يتفق الجميع عليها وهي أن الضعف الحاصل سببه التفرق والتشرذم وأنه لا سبيل للخلاص من الذل إلا بالوحدة الإسلامية. هذه الوحدة بين المجتمعات الإسلامية منبثقة من سياسة الإسلام الدينية.

أهداف المنظمة

•    توطيد علاقات الأخوة والتضامن بين الدول الأعضاء.
•   
الدفاع عن المصالح المشتركة.
•   
تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الإسلامية للوصول إلى الوحدة الاقتصادية.
•   
سعي الخبراء لأجل الوصول إلى الازدهار الإنساني الشامل والتطور الاقتصادي في الدول الأعضاء.
•   
الذب عن حياض الدين الإسلامي والحث على الحوار بين الأديان والمذاهب.

 

لأجل الوصول إلى الأهداف المذكورة على الدول الأعضاء أن تعمل وفق الآتي:

·        على جميع الدول الأعضاء الالتزام والتعهد بحفظ وصيانة ميثاق الأمم المتحدة.

·        جميع الدول الأعضاء يتساوون في الحقوق والواجبات.

·        على جميع الدول الأعضاء السعي لحل الخلافات بالطرق السلمية واجتناب العنف والتهديد.

·        على كلٍ من الدول الأعضاء أن تحفظ حرمة الدول الأخرى واستقلاليتها وأن تجتنب التدخل في شؤونها الداخلية.

·        على الدول الأعضاء نشر قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات السياسية وسيادة القانون والدفاع عنها.

الفرص والتحديات

التعاون بين الدول الإسلامية لأجل توطيد العلاقات بينها يعد من الأهداف الرئيسة للدول الأعضاء وقد تم التركيز على هذا المرام في جميع القمم المنعقدة سابقا، إلا أن المنظمة لم تقدر على التوحيد الحقيقي على المستوى المطلوب للدول الأعضاء التي تجتمع جميع شعوبها على دين واحد، مما جعل منظمة التعاون الإسلامي مكانا يُقتصر فيه على تبادل الآراء والقيام بخطوات محدودة لرفع المشاكل الحاصلة بين الدول الأعضاء، على نحو شبيه بدور هيئة الأمم المتحدة.

أهم الفرص التي بإمكان المنظمة الاستفادة منها هي:

1-       القابلية الاستيعابية الموجودة في الدول الإسلامية.

2-       تواجد ربع سكان العالم في الدول الإسلامية.

3-       الاتصال الجغرافي النسبي بين أراضي الدول الأعضاء.

4-       التواجد المؤثر في هيئة الأمم المتحدة.

5-       القدرة على حل أزمات العالم الإسلامي.

6-       التمتع بذخائر اقتصادية وامتيازات جيوسياسية كثيرة.

وفي المقابل هناك تحديات عديدة تعترض طريق المنظمة، من أهمها:

1-       ضعف التعاون داخل المنظمة بين الدول الأعضاء.

2-       عدم الاستقلالية في اتخاذ القرارات وعدم وجود روح التكافل على المستوى المطلوب داخل المنظمة.

3-       الخلافات الحاصلة بين الدول الإسلامية.

قمة مكة ونتائجها

انعقدت القمة الإسلامية الرابعة عشرة في تاريخ 31/ مايو/2019م بمكة المكرمة في وقت يمر فيه العالم الإسلامي بتحديات عديدة أضعفت شوكته ومن ذلك ما تقاسيه الدول الإسلامية من حروب في الشام وفلسطين وشمال أفريقيا. في القمة لم تتم الإشارة إلى الثورات الشعبية التي قامت في الجزائر والسودان مؤخرا كما لم يُذكر شيء من حقوق الشعوب المسلمة في تعيين مصيرها، وقد يرجع السبب في ذلك إلى كون معظم الدول الأعضاء تحكمها أنظمة استبدادية وعسكرية.

كما أن البيان الختامي خلا من الإشارة إلى الحقوق الأساسية التي يستحقها المواطنون في شمال أفريقيا مثل السودان والجزائر، وتخلل المؤتمر حديث مشتت عن فلسطين، وأُغفلت معظم القضايا الساخنة الأخرى. أكدت القمة في بيانها الختامي مركزية القضية الفلسطينية وأهمية الدفاع عن القدس الشريف وإدانة انتهاكات النظام الصهيوني لحقوق الشعب الفلسطيني، كما تم وصف تعيين القدس عاصمةً لإسرائيل بأنه (غير مسؤول ومخالف للقانون) مع مطالبة بالمقاطعة لأي دول تنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس أو تفتتح مكاتب تجارية هناك.

كما تم التأكيد على أن السلام لن يحل في الشرق الأوسط إلا بانسحاب إسرائيل بالكامل من الأراضي المحتلة في فلسطين كما كانت الحدود في عام 1967م وعلى رأس تلك الأراضي المحتلة القدس الشريف.

كما ورد في البيان ما نصه: نقل السفارة الأمريكية وسفارة جواتيمالا إلى القدس الشريف وتعيين القدس عاصمة لإسرائيل يُعد انتهاكا صارخا لحقوق وتاريخ الشعب الفلسطيني واستهدافا لسيرها نحو الحرية والاستقلال.

وطالبت منظمة التعاون الإسلامي الدول الأعضاء إيقاف جميع أنواع التطبيع مع النظام الصهيوني إلى حين امتثال إسرائيل للمواثيق الصادرة بحق القضية الفلسطينية.

كما تم إدانة ما سُمي بالهجوم على منشآت النفط في مدينتي الدوادمي وعفيف في السعودية، كما أدانت القمة (الأعمال التخريبية التي تعرضت لها أربع سفن تجارية مدنية في المياه الاقتصادية لدولة الإمارات العربية المتحدة في بحر عُمان) ووصفته بأنه عمل (إجرامي) يهدد أمن وسلامة حركة الملاحة البحرية الدولية. إلا أنه لم يتم تقديم أي أطروحات لوضع نهاية للحرب باليمن وتقليل النزاعات والخلافات بين الدول الخليجية وإيران.

في البنود ذوات الأرقام (36 إلى 39) من البيان تم التأكيد على إرساء دعائم السلام في أفغانستان وقد التزمت القمة بدعم كافة خطوات حكومة الوحدة الوطنية الأفغانية لأجل ترسيخ السلام وإحلال الأمن في أفغانستان. كما ساندت القمة نتائج المؤتمر المنعقد بمدينة بوغور في إندونيسيا حيال إحلال السلام في أفغانستان، وأكد البيان أن السبيل الوحيد لحل أزمة الحرب في أفغانستان يتمثل في الحوار بين أطراف النزاع في أفغانستان مع تأكيدهم على الاستمرار في المفاوضات مع طالبان لأجل الوصول إلى عملية سلام شاملة.

توصيات لتحقيق أهداف المؤتمر

مع استحضار نقاط الضعف الداخلية والتحديات الخارجية لدى منظمة التعاون الإسلامي، إلا أن الدول الأعضاء بإمكانها الخطو نحو حيازة دور مؤثر على القضايا الإقليمية والدولية، وذلك عبر بعض التغييرات في هيكلها وحالتها، ومن ذلك ما يلي:

ü     هناك خلافات حادة بين الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي. على الدول الأعضاء السعي نحو حل هذه الخلافات عبر التفاهم والحوار لأجل التقارب أكثر فأكثر.

ü     من نقائص هذه المنظمة عدم تواجد مندوبها بشكل دائم في مجلس الأمن بهئة الأمم المتحدة. على المنظمة السعي نحو حيازة كرسي دائم في مجلس الأمن حتى يلعب دورا بارزا في المجتمع الدولي.

ü     على المنظمة كذلك إنشاء قوى خاصة للحفاظ على السلام لتدعم من خلالها الدول الأعضاء في القضايا الأمنية ومنع نشوء الحروب، على نحو يشبه القوى المحافظة على السلام في هيئة الأمم المتحدة.

ü     المنظمة بحاجة إلى الاستفادة من القابليات الاقتصادية لدى بعض الدول الأعضاء لأجل تعزيز التعاون الاقتصادي وإيجاد سوق مشتركة ودائمة بين الدول الأعضاء. يُضاف أيضا أن من الضروريات تعزيز التعاون في ميادين العلم والثقافة والتعليم بين الدول الأعضاء ووضع هذه المجالات ضمن أولويات المنظمة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *