العائدون من المهجر والصعوبات التي يواجهونها في أفغانستان

يفيد التقرير المنشور قبل أسبوع من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة UNHCR أن الوضع المعيشي والمادي الذي يمر به اللاجئون الذين عادوا إلى أفغانستان بين الأعوام 2014 و 2017م أسوأ بكثير من حال اللاجئين الذين مازالوا يقطنون باكستان.

نُشر التقرير المذكور تحت عنوان “وصف الحالة المعيشية وقرارات إعادة إسكان العائدين الجدد من المهجر” وشكّل ذلك مبادرة مشتركة بين المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة والبنك الدولي. قالت كارولين وان بورن ممثلة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في أفغانستان حيال أهمية التقرير: “النتائج والأرقام المُعدة في هذا التقرير تساعد بشكل كبير المفوضية وكافة شركائها في العمل ومن ضمنهم أفغانستان على تحسين الجهود المبذولة في دعم النازحين واللاجئين”.

كما توصلت المفوضية في استطلاعات لها أن اللاجئين الذين عادوا إلى أفغانستان عام 2018م تحت مسمى برنامج العودة الاختيارية كان معظمهم من باكستان وعدد قليل منهم من إيران والدول الأخرى. عدد اللاجئين العائدين في العام المذكور  أقل من العائدين عام 2017 بنسبة 73% حيث كان قد بلغ 48800 شخصا، ويعيشون أوضاعاً إنسانيةً صعبة.

نسلط الضوء في هذا المقال على تاريخ اللجوء من أفغانستان، وموقف الحكومة الأفغانية حيال المهاجرين، ووضع المهاجرين الأفغان الحالي.

تاريخ الهجرة في أفغانستان

موضوع الهجرة واللجوء يُشكل تحديا كبيرا في المنطقة والعالم. نشرت هيئة الأمم المتحدة في تقرير لها عام 2018 أن العدد الإجمالي للاجئين يبلغ 70 مليونا و 800 ألف أسرة، كما يزداد عدد النازحين نحو 37 ألف شخص كل يوم.

أفغانستان تُعد من الدول التي يكثر عدد مهاجروها في العالم حيث تحتل بعد سوريا المرتبة الثانية من ناحية عدد المهاجرين. من الجدير بالذكر أن المهاجرة من وإلى أفغانستان لها تاريخ طويل ويحتاج إلى كتابة مفصلة. يبدو من الحوادث التاريخية والوقائع أن بدء التهجير القسري بدء منذ قدوم الحكومة الشيوعية.  في الفترة التي كان يحكم فيها حفيظ الله أمين ونور محمد تره كي ( المنفذان لمخططات الشيوعية في أفغانستان) وبسبب الظلم والاستبداد الذي قاساه الشعب الأفغاني، هاجر نحو 400 ألف مواطن أفغاني إلى باكستان، ومع الغزو الروسي لأفغانستان ارتفع معدل الهجرة حتى بلغ عدد المهاجرين إلى باكستان أربعة ملايين شخص بحلول نهاية عام 1980م، وخلال أربع سنوات بلغ عدد المهاجرين الأفغان في باكستان وإيران خمسة ملايين شخص، وبعد سقوط الحكومة الشيوعية في أفغانستان عام 1992 بدأت عملية عودة المهاجرين الأفغان إلى موطنهم.

هناك عدد كبير من المواطنين الأفغان هاجروا إلى الدول المجاورة خلال الحروب الأهلية بأفغانستان، وبعد عام 2001 تدفق ملايين المهاجرين عائدين إلى موطنهم، كما نزح مئات الآلاف من مساكنهم بأفغانستان بسبب الحروب والجفاف والكوارث الطبيعية، وحسب تصريح نائب المتحدث باسم وزارة المهاجرين والعائدين فإن عدد اللاجئين العائدين والنازحين داخل البلد في الفترة من 2012م إلى 2018م بلغ نحو ثمانية ملايين شخص. كما أن إجمالي عدد اللاجئين العائدين منذ عام 2002 وحتى تاريخه بلغ 9 ملايين شخص، كما أن هناك نحو 2.6 مليون مواطن يعيشون في دول اللجوء بشكل غير قانوني. ومازالت حركة الهجرة مستمرة ولذا تُعد أفغانستان ضمن الدول التي بها نسبة كبيرة من المهاجرين.

تعامل الحكومة مع اللاجئين والعائدين

موضوع عودة المهاجرين يرجع إلى 33 سنة، حيث نشطت وزارة المهاجرين بالنظام الشيوعي منذ عام 1986م. إلا أن جميع وزارات المهاجرين – بما فيها وزارة المهاجرين بحكومة الوحدة الوطنية الحالية – لم تقدر على إيجاد حلول مناسبة للتحديات في هذا الصدد.من أهم مسؤوليات الحكومة الأفغانية في الفترة الراهنة الاهتمام بوضع اللاجئين الأفغان في الدول المجاورة وتسجيل لجوئهم بشكل رسمي والعمل على تمتعهم بالحقوق المعترف بها دوليا. وثانيا ينبغي العمل على تجديد بطاقات اللجوء المنتهية الصلاحية حتى لا يتم إيذاء اللاجئين من قِبل جهاز الشرطة. مع أن الدول المجاورة قد وافقت على هاتين النقطتين، إلا أن هناك الكثير من المشاكل في هذا الصدد، وقد شهدنا مقتل 20 لاجئا أفغانيا في إيران جراء إطلاق النار عليهم من قِبل الشرطة، كما تم إيذاء اللاجئين الأفغان في باكستان مرات عديدة.

من جانبٍ آخر، على الحكومة الأفغانية أن توفر المسكن والغذاء للمهاجرين العائدين والنازحين داخليا. وقد أفاد التقرير المنشور حديثا من المفوضية السامية لشؤون المهاجرين التابعة للأمم المتحدة أن المهاجرين الأفغان الذين عادوا باختيارهم إلى وطنهم وكذلك النازحون داخل البلد بسبب الحروب يقاسون أوضاعا إنسانية صعبة بإمكانها أن تشكل سداً أمام حركة عودة المهاجرين من ديار المهجر كما أن الوضع الحالي يدق ناقوس الخطر أمام النازحين داخليا بسبب التدهور الأمني.

الوضع الحالي للعائدين

من الأسباب التي أدت إلى هجرة الأفغان: الحرب والبطالة والفقر، كما أن النزوح الداخلي بات يشكل تحديا جديدا للحكومة الأفغانية.

وفق التقرير الإحصائي المنشور من وزارة المهاجرين والعائدين بأفغانستان، يصل عدد العائدين المسجلين منذ بداية العام الميلادي الجاري حتى تاريخ 20/يونيو عدد 3669 لاجئا عادوا من باكستان وأفغانستان قسرا، كما عاد نحو 112234 لاجئ برضاهم. من جانبٍ آخر، يبلغ عدد النازحين داخل البلد في عام 2019 فقط نحو 346,094 شخص، كما عاد عدد 57,148 مواطن إلى مساكنهم في هذا العام.

في الجلسة المنعقدة بتاريخ 16 يوليو/2019 حيال اللاجئين برئاسة الإدارة التنفيذية بالحكومة الأفغانية صرح وزير المهاجرين الأفغاني سيد حسين عالمي بلخي ضمن توضيحه لمخطط العمل الشتوي أن : ” 95,350 أسرة تحتاج إلى الدعم، وقد خُمن المبلغ المطلوب لذلك بنحو 29.3 مليون دولار. كما ورد في التقرير أن المؤسسات الدولية تُغطي 17 ألف أسرة، أما الأسر الأخرى والبالغ عددها أكثر من 78 ألف أسرة فإنها بحاجة إلى دعم مالي بقدر 375 مليون أفغاني – عملة أفغانستان -. قبل أيام قليلة نقلت إذاعة الحرية بأفغانستان عن نائب المتحدث باسم وزارة المهاجرين والعائدين تصريحه بأن نحو 271 ألف من المواطنين اللاجئين والعائدين يعيشون في الخيم أو تحت الشمس.

جدير بالذكر أن التقريرين أشارا فقط إلى موضوع السكن والاحتياجات المنزلية الشتوية، أما ما يتعلق بوضع اللاجئين الصحي وتعليمهم وأمنهم ودخلهم المادي النازل وجودة وكمية المواد الغذائية والمياه الصحية التي يحصلون عليها، وما يتعلق بمطالبهم في هذا الصدد؛ فإن الحكومة لم تصدر تقارير موثوقة تجيب عن هذه التساؤلات.

النتائج

التقارير المشار إليها تدل على أوضاع إنسانية صعبة يمر بها اللاجئون وتُظهر إخفاق الحكومة في حل مشاكل اللاجئين، لذا نقترح الطرق التالية

  • بما أن الحرب والتدهور الأمني هو السبب الأصلي الدافع للهجرة، فإن حل جذور المشكلة يكمن في إحلال السلام الدائم في أفغانستان، وإذا لم إرساء دعائم السلام في البلد فلا يُتوقع أن تهتم الحكومة بوضع اللاجئين والعائدين.
  • تنفق الحكومة ملاين الدولار على المباني والآثار التاريخية والتي خُصص بعضها للذكرى المئة لاستقلال البلد، وهنا يبرز سؤال: أليست حياة اللاجئين والعائدين أهم من الإنفاق في مثل هذه المصاريف.
  • على المجتمع الدولي وأفغانستان تغيير سياساتهما تجاه اللاجئين العائدين والنازحين، حيث إنه لم يتم حتى الآن الاهتمام بالاحتياجات الأساسية للعائدين، ومن ذلك عدم امتلاك مكان للسكن، مشكلة العل، ومشكلة تدهور الأمن التي أكبر المشكلات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *