أفغانستان.. هل بدأت مفاوضات السلام المباشرة؟

 

أثارت الجلسة المنعقدة في إسلام آباد بشأن محادثات السلام الأفغاني ردود فعل واسعة على المستوى العالمي. هذه الجلسة أنعقدت في مدينة مري الباكستانية، وبناءً على مصادر مؤثقة شارك فيها نيابة عن طالبان عبداللطيف منصور (ابن أخ المولوي نصرالله منصور)، وحاجي ابراهيم (أخ المولوي جلال الدين حقاني)، والملا عباس مسؤول لجنة العلاقات الخارجية.

وشارك فيها نيابة عن الحكومة الأفغانية وفد برئاسة حكمت خليل كرزاي مساعد وزير الخارجية، وتشكل الوفد من حاجي دين محمد عضو المجلس الأفغاني الأعلى للسلام، وفيض الله ذكي مندوب النائب الأول للرئيس، وأسدالله سعادتي مندوب النائب الثاني للرئيس، وعاصم مندوب الرئيس التنفيذي، ومحمد ناطقي مندوب النائب الثاني للرئيس التنفيذي.

إلى جانب ذلك شارك في الجلسة مندوبو الصين وأمريكا كمراقبين، ورحّب بها يوناما، و البيت الأبيض، ونواز شريف رئيس الوزراء الباكستاني، وحامد كرزاي الرئيس الأفغاني السابق.

وتمت الدعوة إلى هذه الجلسة من قبل باكستان، حدثت الحلقة الأولى منها قبل فترة في مدينة أورومتشي. مع أنها ليست المرة الأولى تحدث محادثات مباشرة بين الحكومة الأفغانية ومندوبي حركة طالبان، إلا أن هذه الجلسة تميّزت من سابقاتها في عدة أمور. رغم ذلك هناك تساؤل حاد بشأن إذا ما كان مندوبو طالبان، حقا مندوبي الإمارة الإسلامية أم لا؟

جلسة إسلام آباد وموقف طالبان

إن محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان التي بدأت في فترة حكم حامد كرزاي توسعت بعد مجيء أشرف غني إلى الرئاسة الأفغانية. وتحدث أشرف غني في أول زيارة خارجية له مع الجانب الصيني حول ملف محادثات السلام، واستعد الصينيون على توفير أرضية الحديث بين طالبان والحكومة الأفغانية وباكستان والصين.

ومن هنا استضافت الصين مندوبي مكتب طالبان في قطر، ليزور بعده في شهر فبراير/شبّاط وزير الخارجية الصيني باكستان مقترحا المصالحة بين الأطراف المشاركة المعنية في أفغانستان. بعده وفي شهر مايو حدثت جلسة في مدينة أورومتشي الخاضعة للصين بين طالبان والحكومة الأفغانية والمجلس الأفغاني الأعلى للسلام، رفضتها المصادر الرسمية في طالبان. وكان قد شارك فيها نيابة عن طالبان الملا عبدالجليل، ومحمد حسن رحماني، والملا عبدالرزاق.

بعد جلسة أورومتشي كان من المقرر أن تعقد الجلسة الثانية هناك أيضا، إلا أن طالبان أصدرت بيانا رفض فيه هذه العملية واعتذرت الصين عن استضافة الجلسة، إلى أن اقترح مستشار وزير الخارجية الباكستاني عقدها في إسلام آباد. وفي هذه الجلسة وللمرة الأولى تحدث مندبو طالبان، من غير أعضاء المكتب السياسي الموجود في قطر، مباشرة مع الحكومة الأفغانية.

ولم ترفض حركة طالبان جلسة إسلام آباد بصراحة، ويبدو من بيان طالبان الذي أعقب الجلسة أن المحادثات أجريت مع أناس على حد المسؤولية في الحركة، لكنهم ليسوا من أعضاء مكتب الحركة السياسي في قطر.

بناءً على مصادر مقربة من طالبان إن الذين شاركوا في الجلسة هم من صناع القرار، لكن محمد نعيم وردك متحدث المكتب السياسي للحركة نفى مشاركة أعضاء المكتب في الجلسة. وتزامنا مع إصدار البيان قال ذبيح الله مجاهد متحدث طالبان إن صلاحية محادثات السلام مخولة إلى مكتب قطر فقط.

العلاقات الأفغانية الباكستانية إلى أين؟

بعد أن أصبح أشرف غني رئيسا لأفغانستان، تغيّرت خارجية البلد تجاه باكستان بشكل كبير وأصبحت سياسة أفغانستان الخارجية تدور حول باكستان. ورغم أن الحكومة الأفغانية علّقت آمالا كبيرة على الدور الباكستاني إلا أن حالة من انعدام الثقة ضربت العلاقات بعد أن انتهت مهلة كل وعد باكستاني من دون تحققه وهو أمر وضع أشرف غني تحت ضغط من الشارع الأفغاني. ومن أجل ذلك بعث الرجل رسالة صارمة إلى الجانب الباكستاني وظهرت علامات انعدام الثقة مثل السابق بين البلدين.

وحدثت أخيرا في ولاية بكتيكا الأفغانية اشتباكات بين القوات الأفغانية والباكستانية أسفرت عن مقتل 8 جنود باكستانيين وجندي أفغاني، قام كل طرف باستدعاء سفير طرف آخر وتدهور الوضع كثيرا. ولكن بعد بضعة أيام من هذا الحادث أجلست باكستان عدد من أعضاء حركة طالبان في جلسة حوار مباشر مع الحكومة الأفغانية لتتجدد الآمال من جديد في كابول بشأن السلام.

وسببت جلسة مندوبي طالبان مع الحكومة الأفغانية في إسلام آباد إعادة نسبية للثقة بين الطرفين، وأصدرت وزارة الخارجية الأفغانية بيانا قالت فيها: “إن حكومة الوحدة الوطنية في أفغانستان تقدر لباكستان استضافتها وفد المجلس الأفغاني الأعلى للسلام وتوفيرها انعقاد الجلسة، وتأمل أن تأتي هذه الجلسة بنتائج إيجابية، كي يتحقق الأمن والاستقرار في كلا البلدين، وأن يتخلص الشعبان من ويلات الحرب”[1].

لماذا وساطة إسلام آباد؟

منذ افتتاح مكتب طالبان في قطر أصرت حركة طالبان أن صلاحية محادثات السلام أمر مخول إلى هذا المكتب دون غيره، ولكن رغم ذلك قامت الحكومة الأفغانية، بدلا من الحديث مع أعضاء المكتب السياسي، بإجراء المحادثات وبضغوط باكستانية مع أعضاء سابقين وحاليين لطالبان في باكستان.

ويبدو من مشاركة طالبان في هذه الجلسة ومن عدم ردة فعل “الإمارة الإسلامية”، أن هناك ضغوطا وُضعت على طالبان من قبل الحكومة الباكستانية. إلا أن المصادر الرسمية لطالبان أوضحت أكثر من مرة بأن صلاحية محادثات السلام هي مخولة إلى مكتب طالبان السياسي في قطر، وكل من يشارك في الأمر من غيرهم فهو تصرف شخصي.

تريد باكستان والحكومة الأفغانية بهذه المحادثات إيجاد ثغرة في صفوف طالبان وأن تقسمها إلى أجزاء، وهي محاولات جارية منذ بضع سنوات، لكن حركة طالبان استطاعت دوما الحفاظ على وحدة صفها. ومن هنا وفي بيانَين أصدرتهما طالبان بشأن محادثات السلام لم يندد مشاركة هؤلاء في الجلسة وحاولت معها إظهار الحركة بعيدة عن التأثير الباكستاني، فقد صرّحت بأن صلاحية محادثات السلام أمر مخول إلى مكتب الحركة السياسي في قطر وحسب.

ضغوط باكستان وسياسة طالبان الجديدة

منذ 2007م، وتزداد الضغوط الباكستانية على حركة طالبان. وعلى سبيل المثل ألقت السلطات الباكستانية القبض على مسؤولَيْن في الحركة هما الملا عبيدالله آخوند، والملا برادر آخوند، لقي الأول حتفه في السجون الباكستانية فيما بقي الثاني محتجزا. إضافة إلى ذلك وعلى أساس مصدر مقرب من طالبان قتلت المخابرات الباكستانية منذ 2007م، وحتى الآن أكثر من 22 قياديا لحركة طالبان.

وكانت هذه الضغوط من أجل التحكم في سياسة طالبان الخارجية، ولكن بعد أن أصبح أشرف غني رئيسا لأفغانستان وتغيّرت سياسة باكستان تجاه طالبان أصبحت هذه الضغوط أضعافا كثيرة، مما نتجت عن مشاركة عدد من قادة طالبان في جلسة أورومتشي وفي جلسة إسلام آباد الأخيرة.

بالنظر إلى هذه الضغوط غيّرت طالبان سياستها، ففي جلسة أورمتشي صرّحت بأن صلاحية المحادثات مخولة إلى مكتب قطر، وفي جلسة إسلام آباد قطعت شوطا أطول وخوّلت المسؤوليات الداخلية والخارجية في الإمارة الإسلامية إلى مكتب قطر أيضا. فقد جاء في بيان طالبان: “بناءً على ذلك تم إرجاع مسؤولية جميع الأمور الداخلية والخارجية للإمارة الإسلامية إلى المكتب السياسي للإمارة الإسلامية في قطر، ويستطيع المكتب أن يطلق أو يوقف المفاوضات مع أي جهة داخلية أو خارجية وفي أي مكان يراه مناسبا، وذلك بالنظر إلى الأوضاع وعلى أساس الأصول الإسلامية والوطنية”[2].

يبدو جليا من هذا البيان بأن طالبان تمر بمرحلة صعبة، وعليها ضغوط باكستانية كثيرة. وهو أمر جعلها تخول كثيرا من المسؤوليات إلى مكتب سياسي بعيد عن باكستان، وقادة يعيشون في قطر مع أسرهم قد لا تطالهم يد باكستان.

مستقبل محادثات السلام

اعتبر الوفد الأفغاني الحكومي المفاوض في مؤتمر صحفي في كابول، مندوبي طالبان المشاركين موضع ثقة، واعتبر ذلك خطوة كبيرة نحو مفاوضات مستقبلية. وصرّح حكمت خليل كرزاي بأن طالبان سلّمت لهم قائمة بالمطالب والقلق لديها، شملت التواجد الأجنبي، وملف القائمة السوداء لدى أمريكا والأمم المتحدة، وأمور أخرى. ويرى الوفد بأن هؤلاء شاركوا في الجلسة بسماح من زعيمهم الملا منصور وبصلاحية تامة للمحادثات، وأن المرحلة الثانية من هذه المحادثات ستنطلق بعد شهر رمضان الكريم.

رغم التوقعات بأن هذه الجلسة سوف تمهد للحديث مع مكتب طالبان السياسي في قطر، إلا أن إجراء الحوار مع أي طرف آخر بعد تخويل الصلاحية التامة إلى المكتب السياسي أمر قد يضر بمستقبل هذه المحادثات.

لو لم تكن هناك ضغوط باكستانية على طالبان، ولو كانت حركة طالبان راضية عن هذه الجلسة، كانت من الضروري مشاركة أعضاء للمكتب السياسي فيها، ولكن طالبان رفضت هذه المحادثات (لأن صلاحية المحادثات محصورة على مكتبها السياسي ولم يشارك المكتب في الحوار)، إضافة إلى ذلك أسندت حركة طالبان كافة صلاحيات الأمور الداخلية والخارجية إلى هذا المكتب الواقع في قطر والبعيد عن التراب الباكستاني. فمن هنا يبدو بأن السلام بالوساطة الباكستانية لا يكون سلاما حقيقا، ولا تريد طالبان أن تثبت نفسها عميلة لباكستان.

النهاية

[1]  موقع الوزارة الخارجية:
http://mfa.gov.af/ps/news/press-release-on-the-first-meeting-of-formal-peace-negotiations-between-official-delegations-of-the-high-peace-council-of-afghanistan-and-the-afghan-t

[2]  بيان طالبان في موقعها:
http://alemara1.org/?p=19802

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *