الأمية، أزمة الشعب الأفغاني

في الحين الذي تحتفل فيه دول العالم باليوم العالمي لمحو الأمية – الثامن من سبتمبر – مازالت أفغانستان إحدى ثلاث دول بها أكبر نسبة من الأمية في العالم حيث ذكرت إدارة إحصاء السكان العالمية أن نسبة القادرين على القراءة والكتابة في أفغانستان في حدود ۳۸٫۲%. في مقابلة خاصة أجراها مركز الدراسات الإستراتيجية والإقليمية مع وزارة المعارف وإدارة محو الأمية بجمهورية أفغانستان الإسلامية، تلقى المركز تصريحا بأن نسبة ۶۰% من سكان أفغانستان – أي عشرة ملايين نسمة – أميون. كما صرح الدكتور سردار محمد رحيمي رئيس إدارة محو الأمية بوزارة المعارف أن نسبة ۳٫۷% من إجمالي ۹٫۴ مليون طالب حُرموا من الذهاب إلى المدرسة.

تشير الإحصائيات منذ عدة سنوات أن عدد الأميين في أفغانستان يصل إلى عشرة ملايين. وتذكر السيدة نورية نجرابي المتحدثة باسم وزارة المعارف أن الوزارة ستسعى إلى رفع نسبة المتعلمين إلى ۶۰% حتى عام ۲۰۳۰م، وأضافت أنه تم تخصيص أكبر جزء من ميزانية الحكومة السنوية – أي ۳۸ مليار أفغاني – لوزارة المعارف.

يا تُرى ما السبب في ارتفاع معدلات الأمية في بلدنا حتى الآن؟ سنسعى للحديث حول هذه الظاهرة في تحليل هذا الأسبوع.

التعليم، ضرورة المجتمعات البشرية

يُعد التعليم أهم مكون في المجتمعات الإنسانية، وقد أكدت جميع الشرائع الإلهية والمدارس الفكرية عليه، وقد ابتدأ نزول القرآن الكريم بكلمة اقرأ، والقراءة مفتاح التعلم.

الأمية في زماننا ظاهرة سلبية ومُستقبحة من قِبل الحكومات والشعوب، ويسعى الجميع لإزالة هذه الأزمة من المجتمعات لأنها تقف أمام جميع سبل التطور والازدهار. وقد نجحت العديد من الدول في هذا الصدد، منها دولة الصين التي بها أكبر كثافة سكانية في العالم، ونسبة القادرين على القراءة فيها تبلغ نحو ۹۶٫۴%، وتصل النسبة في التركيا إلى ۹۶%، أما إيران فتشكل نسبة القارئين فيها نحو ۸۵%. وإذا أردنا أن نقارن أفغانستان بالدول المذكورة فسنجد أن عملية محو الأمية في بلدنا تأخرت عن الدول المجاورة.

مؤسس معاهد محو الأمية في أفغانستان هو أمان الله خان حيث افتتح أول فصل دراسي لمحو الأمية وكان يُدعى في ذلك الزمن بفصل الأكابر، والتحق به كبار السن الأميون بإشراف من الحكومة الأفغانية. في فترة حكم ظاهر شاه استمرت أنشطة محو الأمية لتعليم كبار السن حتى أن حكومة إيران قد اعتزمت على نقل التجربة الأفغانية إلى بلدها. وبانتهاء فترة ظاهر شاه وهجوم القوات الشيوعية على أفغانستان واشتعال الحروب الأهلية وقدوم حكومة طالبان انحدر تيار محو الأمية وأخذ في الانحطاط.

بعد سقوط حكومة طالبان وتدفق دعم المجتمع الدولي إلى ميدان التعليم وبرامج محو الأمية بأفغانستان وخصوصا بعد عام ۲۰۰۸م وما يليها، تعاونت كل من إدارة برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN–HABITAT) ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (UNESCO) مع الدوائر الحكومية الأفغانية المختلفة وخصوصا وزارة المعارف لأجل تقليص معدل الأمية في البلد، وقد بدأ البرنامج الأول لمحو الأمية عام ۲۰۰۸م بدعم مقدم من اليابان قدره ۳۸ مليون دولار، ومازال مستمرا حتى الآن بدعم من اليونسكو ومنظمة Care واليونيسف والصليب الأحمر الدولي وعشرات المؤسسات الخارجية الأخرى، إلا أن عوامل مثل الفساد الإداري وضعف الإدارة والفقر والحروب والتدهور الأمني والمشاكل الاجتماعية أدت إلى بقاء معدل الأمية مرتفعا، حيث تحتل أفغانستان مركز ثالث دولة تنتشر فيها الأمية، بعد بوركينا فاسو ودولة أفريقيا المركزية.

المعاناة من الأمية، وتضارب الإحصائيات الحكومية

بالإضافة إلى كون الأمية تحديا كبيرا يواجه سبيل التطور والتقدم، فإن عدم وجود إدارة منظمة وتنسيق بين موظفي الحكومة أحدث مشكلة أخرى وصار عقبة أمام شبكات الإعلام بأفغانستان. تلقى مركز الدراسات الإستراتيجية والإقليمية في لقاءاته الخاصة بوزارة المعارف إفادات بأن إحصائيات الوزارة متضاربة.

صرح الدكتور سردار محمد رحيمي رئيس إدارة مكافحة الأمية بوزارة المعارف أن عدد المراكز التعليمية النشطة لمحو الأمية في العام الجاري تبلغ ۶۰۰۰ مركزا، ويتخرج في هذه المراكز سنويا عدد ۶۰ ألف شخص. أما السيدة نورية نجرابي المتحدثة باسم الوزارة فتذكر أن عدد المراكز النشطة يبلغ ۵۲۱۹ مركزا، منها عدد ۲۷۷۵ مركز للإثاث وعدد ۲۴۴۴ مركز للذكور، ويتخرج فيها سنويا مئة ألف شخص. من جانبٍ آخر يفيد رئيس إدارة مكافحة الأمية أن نسبة ۲% من ميزانية وزارة المعارف تم تخصيصها لمحو الأمية، في حين أن المتحدثة باسم الوزارة ذكرت أن النسبة هي ۰٫۵۵% من إجمالي ميزانية الوزارة. فيما يلي جدول توضيحي لأنشطة محو الأمية للعام الهجري الشمسي الماضي ۱۳۹۷هـ شـ.

العدد المُحدد الوحدة الإجمالي
۱ مراكز محو الأمية مركز ۱۱,۹۱۱
۲ ذكور مركز ۷,۸۷۶
۳

إناث

مركز ۴,۰۳۵
۴ الطلبة طالب ۱۹۷,۰۳۲
۵ ذكور طالب ۱۰۶,۳۴۰
۶ إناث طالبة ۹۰,۶۹۲
۷ المتخرجين طالب ۲۱۹,۱۹۰
۸ ذكور طالب ۸۷,۸۳۳
۹ إناث طالبة ۱۳۱,۳۵۷
۱۰ المعلمين معلم ۶,۰۴۳
۱۱ ذكور معلم ۳,۹۱۶
۱۲ إناث معلمة ۲,۱۲۷
۱۳ المشرفين مشرف ۸۷۸
۱۴ ذكور مشرف ۶۰۸
۱۵ إناث مشرفة ۲۷۰

المصدر: الإدارة الوطنية للإحصاء

ليست هذه أول مرة تقدم فيها هذه الإدارات إحصائيات متضاربة، فقد صرحت وزارة المعارف عام ۱۳۸۸هـشـ أن عدد الأميين في أفغانستان يبلغ ۱۱ مليونا، وذكرت أنها ستقلل العدد حتى عام ۱۳۹۹هـ شـ إلى أقل حد. في حين أنه لا يُرى تغير ملحوظ في هذا الصدد. كما قد ذكر وزير المعارف عام ۱۳۹۵هـ شـ أن هناك ۱۵ ألف مركز لمحو الأمية في كل أفغانستان، ويدرس بها نحو ۵۰۰ ألف شخص، وأفاد أن خريجي هذه المراكز في كل عام يتراوحون بين ۳۰۰ ألف و ۳۵۰ ألف شخص.

صرح المسؤولون بوزارة المعارف عام ۱۳۹۱هـ شـ أن عدد الأميين في البلد يبلغون ۱۰ ملايين شخص. إلا أن وزير المعارف عام ۱۳۹۳هـ شـ تحدث عن تعليم خمس ملايين أمي ذلك العام وأضاف أن عدد الأميين يبلغ ۷ ملايين شخص، وأن نحو نصف مليون يخرجون من طور الأمية كل عام. وفق هذه الأرقام كان من المفترض أن نجد ۵ ملايين أمي فقط في هذا العام، إلا أن الأمر ليس كذلك. عند تدقيق النظر في الإحصائيات المُقدمة من الإدارات المذكورة حيال حالة الأمية في أفغانستان يُلاحظ أن الإدارات المعنية ليس لديها اطلاع كافي على الإحصائيات الميدانية الدقيقة.

مقترحات

بما أن الأمية هي العائق الأول أمام التقدم والتطور الاجتماعي والحضاري ويُشكل أزمة عانت منها أفغانستان لمدة طويلة، نقدم المقترحات التالي لأجل تقليص معدل الأمية في المجتمع الأفغاني:

  • لأجل التخلص من هذه الظاهرة السلبية هناك حاجة إلى حملة شعبية تُقاد من قِبل وسائل الإعلام والإدارات الحكومية والمؤسسات المدنية والشركات الخاصة والمؤسسات الدولية، لأجل إنهاء الأمية.
  • من المُستحسن أن تُزال المُحددات المكانية والزمانية والعددية لبرامج مكافحة الأمية، ويتم استقطاب الأفراد للمراكز من منازل السكان ويُسجلون فردا فردا.
  • تخصيص ميزانية كافية لإدارة مكافحة الأمية حتى يتم افتتاح مراكز أكثر في البلد، مع توسعة معاهد تعليم الإناث. كما يتوجب على الوزارة أن تعمل على رفع جودة الدورات التعليمية.
  • من الضروري أن تُحلل الحكومة عوامل إخفاق برامج محو الأمية وأن تسعى لإزالة هذه العوامل سواءً كانت اقتصادية أو أمنية، مع استخدام وسائل الإعلام لحل المشاكل المجتمعية.

  • وأخيرا، على المساجد والمدارس الدينية أن تنشط في محو الأمية بجانب الدوائر الحكومية باعتبار ذلك واجبا دينيا وعبادة اجتماعية، وذلك لأن شعبنا شعب مسلم وينتمي لكتاب افتُتح نزوله بكلمة “اقرأ”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *