الحادي عشر من سبتمبر، بداية حروب بالنيابة في أفغانستان

في السابع من أكتوبر/2001 شنت القوات الأمريكية عمليات عسكرية واسعة في أفغانستان بهدف إسقاط حكومة طالبان وإزالة مقرات شبكة القاعدة، ومازالت آثار هذه العمليات مستمرة حتى الآن. خلال مدة 18 سنة الماضية سقط عشرات الآلاف من القتلى الأفغان وحاليا مازالت الحرب مستمرة بشدة في جميع أنحاء البلد. انهزام طالبان في عام 2001 كان هزيمة مؤقتة وحاليا فإن طالبان أقوى من السابق. الاضطرابات الأمنية انتقلت من جنوب أفغانستان إلى شمالها، كما أن أجزاء واسعة من البلد خرجت عن سيطرة الحكومة.

لماذا بدأت الحرب في أفغانستان بعد الحادي عشر من سبتمبر؟

في زمن الجهاد ضد الشيوعيين في أفغانستان، قاتل آلاف المقاتلين العرب جنبا إلى جنب مع الأفغان ضد القوات الشيوعية، وقد منحتهم حكومة المجاهدين بقيادة البروفيسور برهان الدين رباني الملاذ في أفغانستان كما أن بعضهم أخذوا الجنسية الأفغانية. وبعد أن استولت طالبان على أكثر من 90% من مساحة أفغانستان تواجدَ عدد من العرب في البلد بما فيهم أسامة بن لادن قائد شبكة القاعدة، وقد حصل تنظيم القاعدة على دعم طالبان منذ عام 1996م.

عندما وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر اتُّهم أعضاء تنظيم القاعدة بالقيام بالهجمات، وتحت هذه الذريعة هجمت الولايات المتحدة الأمريكية على أفغانستان، ومع الإطاحة بحكومة طالبان بدأت الحرب الدامية في أفغانستان. كان أسامة بن لادن في تلك الفترة يعيش في أفغانستان، ولذا تقدم الرئيس الأمريكي بوش في تاريخ 20/سبتمبر/2001م بعدة مطالبات موجهة إلى طالبان وهي:

  • تسليم جميع قادة طالبان للولايات المتحدة الأمريكية.
  • إطلاق سراح جميع السجناء الأجانب المُعتقلين لدى طالبان، وتسليمهم للحكومة الأمريكية.
  • إغلاق جميع مخيمات طالبان التدريبية.
  • السماح الكامل للولايات المتحدة الأمريكية بالدخول إلى مخيمات القاعدة وتفتيشها.

أعلنت حكومة طالبان في تلك الفترة عن طريق سفارتها في باكستان بأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تقدم أي أدلة تفيد تورط أسامة بن لادن في هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وفق تصريحات سفير طالبان السابق في إسلام آباد الملا عبد السلام ضعيف فإن طالبان قامت بالتحقيق حيال أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تثنِ عزمها عن الهجوم على أفغانستان. وفق تصريحاته فإن هجمات الحادي عشر من سبتمبر لم تكن فُجائية، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت عازمة منذ القدم على الهجوم على أفغانستان. اقترحت طالبان على الحكومة الأمريكية ثلاث مرات أن تتم محاكمة ابن لادن في أفغانستان أو في دولة ثالثة مقابل هجمات الحادي عشر من سبتمبر، إلا أن الاقتراح قوبل بالرفض الأمريكي في كل مرة.

في السابع من أكتوبر بدأت الغارات الجوية الأمريكية، وفي نهاية الشهر نفسه دخلت قوات الجبهة المتحدة الشمالية إلى كابل بدعم جوي أمريكي، وتمت الإطاحة بحكومة طالبان. في 25/نوفمبر انعقد مؤتمر (بُن) حيال أفغانستان، وخلال 10 أيام تم تشكيل حكومة مؤقتة برئاسة حامد كرزاي.

الهجوم على أفغانستان في ضوء القوانين الدولية

أبدى مجلس الأمن بالأمم المتحدة موقفه من الهجوم على أفغانستان بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في البيانين رقم 1368 و 1373، وقد تضمنا عدم  السماح بالهجوم، بل وسم الهجومَ بالعمل الإرهابي، ولم يكن مجلس الأمن قد سمح في السابق أبدا للولايات المتحدة بشن هجمات على أفغانستان.

البيان رقم 1373 اعتبر الإرهاب مشكلة عالمية، وأكد على مساندة الشعب الأفغاني. أما البيان رقم 1368 فقد اشتمل على قضية إحداث قوات الآيساف والتي كان هدفها الحفاظ على أمن كابل وما يجاورها، وقد صدر هذا البيان بتاريخ 20/ديسمبر/2001م، أي بعد عدة أسابيع من الهجوم الأمريكي على أفغانستان.

ميثاق الأمم المتحدة الذي تم تصويبه من الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها يصرح بأن على كافة أعضاء الأمم المتحدة أن يقدموا بياناتهم بهدف إحلال السلام، ولا يُسمح لأي دولة باستخدام القوات العسكرية إلا في حالات الدفاع. تنص المادة رقم 33 من الميثاق: (في حال وجود اختلاف بين طرفين ويكون من شأن هذا الاختلاف أن يُعرض السلام والأمن العالمي للخطر؛ فعلى الطرفين أن يبحثوا عن حل القضية بالحوار والوساطة والتوافق والقضاء والاستعانة بالمؤسسات والترتيبات الإقليمية أو أي وسائل سلمية أخرى). إلا أن الحكومة الأمريكية من بعد الهجوم على برجي التجارة وحتى زمن شن الغارات على أفغانستان كانت قد سدت جميع الطرق السلمية.

الدستور الأمريكي ينص كذلك على أن المواثيق الدولية مثل ميثاق هيئة الأمم المتحدة تم تصويبها واعتمادها من كافة الدول بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، وتُعد هذه المواثيق جزءا من القوانين السامية في الولايات المتحدة الأمريكية.

من جانبٍ، لم يتورط أي أفغاني في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومن جانبٍ آخر لم يُقدم الأمريكيون أدلة موثقة تُثبت إدانة المتهمين. حتى إن أدلة إدانة أسامة بن لادن التي توعد كولن باول بنشرها لم تُنشر حتى الآن. والسؤال هو: لماذا هجمت الولايات المتحدة الأمريكية على دولة أبدت استعدادها لتقديم المتهم في حال ثبوت أدلة إدانته؟ إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية نظرا لعدم حيازتها للأدلة رفضت مقترح طالبان على الفور.

هجمت حكومة بوش على أرض أفغانستان متذرعة بالمادة رقم 51 من ميثاق الأمم المتحدة والذي يمنح الحق للدول بالدفاع عن النفس. وكون طالبان لم تتورط في أحداث الحادي عشر من سبتمبر مع استعدادها لتقديم المتهمين في حال ثبوت إدانتهم يعني أن طالبان لم تُهدد أمن الولايات المتحدة الأمريكية.

ضحايا الحرب الجارية في البلد

  1. القوات الأجنبية

في الفترة بين عام 2001 و 2004 كانت أعداد الضحايا قليلة مقارنة بالسنوات الأخرى، وبعد تلك الفترة زاد عدد الضحايا. في عام 2004م بلغ عدد ضحايا قوات الائتلاف 60 شخصا، وقد بلغ هذا العدد في السنوات 2005, و 2006, و 2007, و 2008م الأعداد التالية – بالترتيب- 129، 193، 228، 296، وقد بلغ عدد الضحايا عام 2009م نحو 516 شخصا. أما عام 2010م فقد بلغ فيه عدد الضحايا الذروة بين صفوف قوات الائتلاف. وقد بلغ العدد الإجمالي للضحايا الأجانب في أفغانستان حتى عام 2018م أكثر من 3500 شخص.

  1. خسائر القوات الأفغانية

القوات الأفغانية أيضا تكبدت خسائر منذ بدء نشاطها عام 2002م. في الأعوام 2007 و 2008 و 2009م كان عدد القتلى في صفوف القوات الأفغانية بالترتيب: 966،، و 983 و 931 شخص. في عام 2010 بلغ عدد القتلى في صفوف القوات الأفغانية نحو 2113 شخصا حيث كان هو العام الأكثر دموية.

رغم أن عدد قتلى القوات الأمنية الأفغانية قلَّ في عام 2011م ووصل إلى 1080 شخص، إلا أن الأعوام التالية له شهدت ازديادا في عدد القتلى. في عام 2011 بدأت عملية انتقال المسؤولية العسكرية من القوات الأجنبية إلى القوات الأفغانية ولذا ازداد عدد الضحايا بعد ذلك الموعد. وقد بلغ عدد ضحايا هذه الحروب في عامي 2012 و 2013 نحو 2765 و 4350 شخص. وفي فترة حكومة الوحدة الوطنية بلغ عدد الضحايا بين صفوف القوات الأفغانية 45,000 شخص.

  1. خسائر المدنيين

عندما بدأت هجمات القوات الأمريكية وقوات الائتلاف على أرض أفغانستان عام 2001، كان معدل الضحايا المدنيين مرتفعا وبلغ عدد القتلى المدنيين 2375 شخص. وفي الفترة بين 2002م و 2006م سقط عدد 2422 قتيل من المدنيين. قامت مكتب UNAMA في عام 2007م بجمع إحصائيات الضحايا في صفوف المدنيين، إلا أن المكتب لم يُدرج الحالات التي ليس له عليها أدلة كافية. كما لم يُضف المكتب حالات مقتل المدنيين الذين قضوا في غارات الطائرات بدون طيار أو القتلى الذين سقطوا جراء هجمات القوات الأجنبية. ومع ذلك فإن عدد الضحايا المدنيين المسجلين لدى مكتب الأمم المتحدة بين عام 2007 وحتى عام 2018م بلغ 32,000 شخص.

  1. خسائر طالبان

وفق الإحصائية التي أجرتها جامعة ولاية بروان فإن عدد القتلى في صفوف طالبان خلال 18 سنة يبلغ أكثر من 42,000 شخص.

أفغانستان بعد مرور 18 عاما

من جانبٍ كانت أفغانستان في عزلة سياسية في الفترة بين عام 1996 و عام 2001م، وقد تم الاعتراف بحكومة طالبان من قِبل ثلاث دول في العالم فقط، ومن جانبٍ آخر فإن وضع التربية والتعليم والاقتصاد وأمور الحكم كان في حالة يُرثى لها. بعد تشكيل الحكومة المؤقتة برئاسة حامد كرزاي وتدفق دعم المجتمع الدول إلى أفغانستان، نشطت أعمال إعادة التأهيل في جميع ولايات أفغانستان،

وتيسرت سبل التعليم لملايين الأفغان، كما بدأت الدولة بتبادل العلاقات الدبلوماسية مع أكثر من 120 دولة في العالم. مع أن قوات الآيساف (القوات الدولية لدعم الأمن) دخلت أفغانستان تحت شعار تأمين السلام ومكافحة المخدرات وإعادة تأهيل أفغانستان، إلا أن البلد بعد دخول القوات الأمريكية والدول الغربية الأخرى صارت أكبر دولة مُنتجة للمخدرات في العالم حيث تُنتج نسبة 90% من المخدرات غير القانونية في العالم.

بعد 15 سنة من هذه الصراعات فإن البلد تواجه تحديات كبيرة. لقد هاجر الكثير من الأفغان بسبب تردي الأوضاع في البلد. في الأعوام 2015 و 2016 و 2017 و 2018م هاجر أكثر من 300 ألف أفغاني عبر الطرق الخطرة إلى أوروبا، كما اضطر آلاف الأفغان للنزوح من منازلهم في الداخل. والأهم من ذلك أن الوضع الأمني صار مُعرضا لتحديات خطيرة، وتُزهق يوميا أرواح 100 مواطن أفغاني. من جانبٍ ظهرت الجماعات المتطرفة في أفغانستان، ومن جانبٍ آخر فإن المفاوضات بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية والتي بدأت منذ عام باءت بالفشل،

كما أن الانتخابات الرئاسية المقبلة تواجه تحديات صعبة. تواجد القوات الأجنبية في البلد من جانبٍ و التحديات المذكورة من جانبٍ آخر تضع علامات استفهام على سيادة البلد.

في مدة 18 سنة الماضية، انتشرت صور من الفساد الأخلاقي في البلد وناء بحمل جزء كبير من ذلك الإعلام المرئي الذي بات ينشر ما يخالف الشريعة الإسلامية والتقاليد الأفغانية. كما أن الفساد المالي والإداري وصل لمستوى جعل أفغانستان تعتلي مكانة أول و ثاني أفسد دولة في العالم. علاوة على ذلك فقد انتشرت ثقافة التعصب العرقي الذميمة.

ومع مرور 18 سنة مازالت الحكومة الأفغانية والقوات الأفغانية مرهونة بالولايات المتحدة الأمريكية ودول حِلف الناتو.

النتائج

حسب الظاهر قامت أمريكا بشن الهجمات على أفغانستان للقضاء على طالبان وتنظيم القاعدة، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية تابعت أهدافاً طويلة المدى لها في المنطقة. إذا كان السبب لشن الهجوم هو أسامة بن لادن فقط؛ لكان من المفترض على القوات الأمريكية أن تترك المنطقة بعد مقتله في إسلام آباد. يرى بعض المحللين السياسيين أن أمريكا تهدف إلى محاصرة منافسيها مثل الصين وروسيا، ولم تصل إلى هدفها هذا كما لم تُحكم سيطرتها بعدُ على الموارد المتوفرة في آسيا الوسطى.

والآن بعد مرور 18 سنة على بدء الهجمات الأمريكية على أفغانستان، يُعتبر الإنجاز الوحيد الذي حصلت عليه أمريكا هو استمرار الحرب في أفغانستان وتواجد قوات الولايات المتحدة في البلد. إذا أراد المجتمع الدولي – ومن دوله الولايات المتحدة الأمريكية – أن تُحسم القضية الأفغانية فالحل هو السماح للأفغان بأن يسعوا للسلام الداخلي وأن يتفاوضوا فيما بينهم لأجل إحلال السلام.

على الولايات المتحدة الأمريكية أن تُصلح ما أفسدته خلال مدة 18 سنة الماضية عبر إحلال السلام العادل والدائم في أفغانستان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *