اليوم العالمي للمعلم، ومعلمو أفغانستان المحتاجون
قبل خمس وعشرين سنة، تم تسمية الخامس من أكتوبر بـاليوم العالمي للمعلمين. في عام 1994م قام مكتب التعليم والثقافة التابع للأمم المتحدة (اليونسكو) بعقد جلسته الرابعة والأربعين والتي اشترك في عُضويتها 135 دولة واستمر المؤتمر من الثالث حتى الثامن من أكتوبر، وقد اقترح في الجلسة مدير اليونسكو العام في ذلك الوقت (فدريكو مايو) بتحديد يومٍ عالمي للمعلمين.
تم تعيين التاريخ المذكور يوما عالميا للمعلمين حتى تُهتم الحكومات بالصعوبات التي يواجهها المعلمون ويستمعوا لآرائهم وتجاربهم بغية تطوير القطاع التعليمي. يُحتفل باليوم العالمي للمعلمين في أفغانستان من قِبل مسؤولين بالحكومة، في حين أن أكثر المعلمين الأفغان يشتكون أوضاعهم المعيشية. تتم إدارة شؤون نحو 18 ألف مدرسة في أفغانستان من قِبل 220 ألف معلم ومعلمة، وتصل نسبة الإناث بينهم إلى 34%.
سنتطرق في هذا المقال إلى شيء من أوضاع معيشة المعلمين، ووعود الحكومة بتحسين مقومات حياتهم، كما سنسلط الضوء على عوامل تردي أوضاع المعلمين في أفغانستان.
أوضاع المعلمين في أفغانستان
النبي صلى الله عليه وسلم أضفى على وظيفة المعلم أعظم الشرف، كما أن العلماء والعرفاء يعُدون وظيفة التدريس أفضل وأطهر عملٍ إنساني. يُعرف الإمام الغزالي – رحمه الله – المعلم بأنه شخص ينفذ كلامه في فؤاد الإنسان وروحه فيوقظها من سُباتها. كما أن رسالة التعليم في المجتمعات المعاصرة تُعد أوسع وأشمل نشاط إنساني وذلك لأن التقدم مرهون بحركة التربية والتعليم.
لذا فإن تشكّل ونمو المجتمع يرتبط بحرية واختيار ووعي المعلم، كما أن المعلم يضمن وجود المعنى في هوية الناشئ والشاب. إلا أن معلمي أفغانستان يُعانون من صعوبات اجتماعية واقتصادية عديدة نُشير إلى نزرٍ يسيرٍ منها فيما يلي:
المشاكل الاجتماعية: في المجتمعات المتقدمة يتمتع المعلمون بمكانة خاصة ويتم التعامل معهم على أنهم خيرة أفراد المجتمع. أما في أفغانستان فإن المعلمين لم ينالوا المكانة التي يستحقونها كما أن القادة والمسؤولين لا يُقدرونهم، لذا نجد المعلمين يسعون جاهدين في تعليم الطلبة في ظل أجواء صعبة من انعدام الفصول الدراسية والإمكانيات الضرورية الأخرى. ومن ناحية أخرى نجد أن المعلمين لا يحظون بالمكانة الاجتماعية المرموقة بين فئات الشعب الأخرى، ويتم في كثير من الأحيان إهانتهم من الطلبة أو والديهِم، وكان من نتائج ذلك عزوف بعض المعلمين عن وظيفة التعليم واستحياء البعض الآخر من الإشهار بوظيفته في قطاع التعليم.
المشاكل المادية: إذا دققنا النظر في أوضاع المعلمين الأفغان المعيشية فسنجد أنهم فاقدون لأدنى متطلبات الحياة الكريمة، ويُعدون ضمن الفئات الفقيرة والمحتاجة في المجتمع. وإذا أردنا أن نقارن أوضاعهم المعيشية ورواتبهم الشهرية بأوضاع المعلمين في الدول المجاورة ودول العالم الأخرى فسنجد أن المقارنة غير ممكنة أصلا. يجنى المعلمون في أفغانستان راتبا شهريا يتراوح بين 75 و 160 دولار. أما في إيران فإن المعلم يجني راتبا يتراوح بين 300 و 600 دولار، ويبلغ راتب المعلم في الإمارات 2500 إلى 6000 دولار، وتقترب مقادير رواتب المعلمين في السعودية وقطر وعمان والبحرين من المقدار المذكور.انعدام التسهيلات والإمكانيات، والرواتب الضئيلة، والمكانة الاجتماعية الهشة للمعلمين والفساد الإداري في توظيف المعلمين عوامل أدت إلى انصراف الأفراد المتخصصين والمتمكنين علميا من وظيفة التعليم. وفق النتائج التي وصلت إليها مفوضية مكافحة وتقييم الفساد الإداري والتي نُشرت في العام الماضي فإن هناك معلمون مُسجلون وهْميون و50% من المعلمين لم يدرسوا الجامعة مما يُفيد أن نسبة كبيرة منهم ليسوا متخصصين. كما أن المتحدث باسم وزارة المعارف أفاد أن عدد 60 ألف من المعلمين ليسوا متخصصين (وذلك لأنهم خريجو الثانوية، أو حتى أدنى) وللأسف لم تقدر وزارة المعارف على تطبيق برامج لرفع كفاءة هؤلاء المعلمين. ومن المعلوم أن المعلم الفاقد للكفاءة لن يقدر على منح الكفاءة لطلابه ولن يُخرّج طلبة يُغيرون المجتمع نحو الأفضل.
الوعود التي لم يتم تنفيذها
مصير المعلمين كان ومازال يقع ضحية للوعود الوردية التي يُقدمها المرشحون لرئاسة البلاد في أوقات الحملات الانتخابية. حتى توزيع الأراضي السكنية للمعلمين الذي يُعد من الحقوق الأساسية لكل أسرة لم يُنفذ حتى الآن. في اتصال هاتفي بمركز الدراسات صرحت السيدة نورية نزهة المتحدثة باسم وزارة المعارف أن 92 ألف قطعة أرض تم توزيعها للمعلمين في 27 ولاية منذ عام 1386هـ شـ ، وبسبب عدم قدرة المعلمين على بناء منازلهم وشكاوي المعلمين، تم إيقاف العملية حاليا. في حين أن قادة حكومة الوحدة الوطنية في كل عام كانوا يتغنون بالاهتمام بقطاع التعليم وتعاون جميع القطاعات الأخرى مع هذا القطاع الهام. كما أن الرئيس غني التزم في مطلع السنة التعليمية الجارية بتنفيذ وعوده في قطاع التعليم، إلا أن شيئا لم يتحسن في هذا الصدد. وقد كان غني قد تعهد قبل أربعة أعوام بأن مشكلة إسكان المعلمين ستُحل في غضون ستة أشهر، كما أكد في مطلع العام الجاري أن مشكلة إسكان المعلمين ستُحل ويُتخذ القرار حيالها خلال ثلاثة أشهر مع زيادة في رواتب المعلمين، والآن بعد مرور ستة أشهر لا نلحظ أي تطورات، ولم تزدد رواتب المعلمين، بل هناك تأخير ملحوظ في رواتب نسبة من المعلمين.
العوامل
نُشير هنا إلى العوامل التي أدت إلى ضياع حقوق المعلمين على وجه الإجمال:
ضعف إدارة الحكومة: مع أن هناك تطورات كمية ملحوظة حدثت في قطاع التعليم بعد عام 2001م، إلا أن جانب الجودة وقضية وجود الفساد وتوظيف المعلمين الوهْميين والمعلمين غير المتخصصين وعدم الاهتمام بمشاكل المعلمين مازالت قضايا بارزة ولها ارتباط مباشر بسوء الإدارة والإشراف وضعف القدرة التنفيذية لدى مسؤولي قطاع التعليم.
الاضطراب السياسي: حيث إن مستوى المعارف صار ضحية للاضطراب السياسي على أعلى مستويات الحكومة، وصارت المسؤوليات المتعلقة بقطاع المعارف تُسند إلى الأشخاص على أساس العلاقات والواسطة. المعلمون كذلك تأثروا بالوضع الموجود في الحكومة والمجتمع وصاروا مُضطرون للجري خلف الأحزاب السياسية مُرددين شعارات جوفاء، في حين أن المكان اللائم بالمعلم هو الفصل الدراسي لا غير.
الحرب والتهديدات الأمنية: الاضطرابات الأمنية تُشكل أحد أكبر التحديات أمام المعلمين، حيث تم استهداف المعلمين والمدارس في كثير من الأحيان. الجماعات المسلحة التي تزعم رعاية وإدارة قطاع التعليم تقوم بالإشراف والزيارات الميدانية دون تنسيق، حتى إنهم يأخذون في بعض المناطق نسبا مالية من المعلمين أو يُجبرونهم على أعمال خاصة بهم.
عدم وجود جهة مدافعة عن حقوق المعلمين: من التحديات في هذا الصدد عدم وجود تنسيق وتناغم بين المعلمين، وعندما يقوم بعض المعلمين بإضراب عن العمل أو تنظيم مظاهرة فإن صوتهم لا يبلغ إلى مسامع الجميع. تأسيس نقابة المعلمين في هرات كان نموذجا جيدا وجديرا بالاحتذاء، حيث بات من الضروري تأسيس نقابة معلمين شعبية تشمل جميع العاملين في هذا القطاع وتعكس صداهم وتدافع عن حقوقهم.