المهاجرون الأفغان؛ التحديات والحلول
نشرت إدارة المهاجرين العالمية IOM تقريرا حديثا يفيد أن نحو 350 ألف مواطن أفغاني مهاجر عادوا إلى أفغانستان من باكستان وإيران باختيارهم، أو قسرا. يا تُرى إلى أي حدٍ يعاني هؤلاء العائدون من المهجر من الصعوبات الأمنية والاقتصادية الموجودة في البلد؟ هل اتخذت الحكومة الأفغانية خطوات مؤثرة في هذا الصدد؟ لماذا لا يرغب المهاجرون الأفغان بالعودة إلى بلدهم؟ في هذا التحليل سنقيّم استعدادات الحكومة حيال ملف المهاجرين، كما سنلقي الضوء على التحديات والصعوبات التي يعانون منها.
عودة المهاجرين الأفغان إلى بلدهم
منذ تأسيس الحكومة الأفغانية عام 2001م قامت أعداد كبيرة من الأفغان بالعودة إلى وطنهم كل عام، ومازالت هذه الحركة مستمرة مع انخفاض وارتفاع في العدد. وفق إحصائيات وزارة المهاجرين والعائدين فإن عدد المواطنين الذين عادوا إلى أفغانستان من بلاد المهجر منذ عام 2002م يبلغون 9728663 (تسعة ملايين وسبعمئة وثمانية وعشرين ألفٍ وستمئة وثلاثة وستين شخصا). عدد كبيرة من هؤلاء المهاجرين كانوا بباكستان، كما أن إيران تليها من حيث العدد، وما زال الكثير من المواطنين الأفغان يعيشون في البلدان المذكورة. العائدون إما أنهم عادوا باختيارهم أو تم تهجيرهم قسرا رغم عدم رغبتهم بالعودة لما في البلد من مصاعب وتحديات.
من جملة العائدين عدةُ ملايين تم إخراجهم قسرا من باكستان عام 2016م حيث اضطرهم جهاز الشرطة الباكستانية بالعودة إلى أفغانستان بشكل جماعي، وبعد مدة قبلت باكستان بأن يكون المهاجرون الأفغان جزءا من اقتصادهم ولذا تم إيقاف التهجير القسري. أما في إيران فمع أن عدد المهاجرين الأفغان أقل من المهاجرين بباكستان إلا أن الحكومة الإيرانية قد أجبرت المهاجرين الأفغان على الخروج في وقت ليس لديهم فيه أي استعداد للعودة إلى الوطن، ووفق تقرير إدارة المهاجرين العالمية فإن عدد 348,870 مهاجرا أفغانيا عادوا من باكستان وإيران إلى أفغانستان وعدد النازحين من باكستان يبلغ 332,641 شخص، ويشمل هذا العدد المهاجرين المسجلين وغير المسجلين. وقد قامت الإدارة المذكورة IOM بإعانة بعضهم بالأدوات والمساعدات الضرورية وقد خفف ذلك من معاناتهم إلى حد ما.
المهاجرين والوضع الاقتصادي والأمني بالبلد
المشكلات الاقتصادية والأمنية هي التي وقفت حجرا عثرة في طريق عودة المهاجرين إلى وطنهم. الصعوبات المذكورة تشكل قضايا مهمة جدا للمهاجرين حيث إن كثيرا منهم يعيشون أوضاعا مادية صعبة في الخارج، ومع ذلك فإن حياتهم هناك آمنة من مخاطر الحروب كما أنهم يقدرون على توفير احتياجاتهم الأساسية بنحو ما. وإذا استمرت أوضاع أفغانستان على هذه الحال المتردية – والتي يُعتبر الاختلال الأمني أهم سببٍ له – فربما لن يُقرر المهاجرون العودةَ أبدا. ولايات عديدة بأفغانستان تواجه تحديات أمنية صعبة، كما أن هناك نازحين داخليين نزحوا بسبب الحروب ويُشكلون عبئا على الحالة الاقتصادية في البلد وارتفع بسبب ذلك معدل البطالة التي بسببها يخاف المهاجرون من العودة حتى لا يُعرضوا مستقبل أولادهم للخطر. التحدي الآخر هو انعدام الأمن أو تدهوره حيث يعوق هذا الأمر دون عودة المهاجرين. وفي حال استطاعت الحكومة أن تُحسّن هذه الأوضاع فإن المواطنين الأفغان الذين يعيشون في بلاد المهجر ويستثمرون فيها سيرجعون ويستثمرون بأموالهم في أفغانستان مما سيكون له تأثير إيجابي في تحسين الوضع الاقتصادي.
الوعود والاستعدادات من الجهات الداخلية والأجنبيية
مع أن هناك إدارات معنية بملف المهاجرين ساندت العائدين في فترات مختلفة مثل إدارة الهجرة العالمية، ومكتب UNHCR ووزارة المهاجرين والعائدين وبعض المؤسسات الخيرية والدول الداعمة، إلا أن أوضاع المهاجرين الاقتصادية والأمنية والمعيشية تدلنا على أن هناك حاجة إلى مزيد من الإغاثة والمساعدات. في السابق وعدت وزارة المهاجرين بتقديم قطع أراض سكنية للمهاجرين، وقد نُفذ جزء من هذا البرنامج في بعض الولايات، إلا أن عدم وجود فرص العمل في مناطق الإسكان وكذلك التدهور الأمني تسببا في عدم إقبال المهاجرين على أخذ حصصهم، وإذا وُجدت منطقة بها أمنٌ نسبي يُلاحظ أن الأراضي تُغصب من قِبل ذوي النفوذ المحليين، ونتيجة لذلك نرى المهاجرين العائدين يعيشون حالة نزوح وتشرد داخل وطنهم، وهذا يدفع المهاجرين القاطنين بباكستان وإيران إلى البقاء هناك حتى لا يواجهوا المصير المر الذي يواجهه العائدون إلى أفغانستان.
قبل تأسيس حكومة الوحدة الوطنية، أكد الرئيس أشرف غني في الحملات الانتخابية مرارا على حل قضية المهاجرين، إلا أن السنين الخمس الماضية لم تشهد تحقيق أي من تلك الوعود، وتفيد بعض التقارير أن بعض العائدين اضطروا للهجرة مجددا عبر الولايات الجنوبية باتجاه باكستان، عبر منطقة كويته وجمن الباكستانيتين.
هناك اتفاقية عُقدت بين وزارة المهاجرين الأفغانية وباكستان تتضمن تسهيل إجراءات تسجيل المهاجرين هناك، إلا أن علامات استفهام أُثيرت على سياسات الحكومة تجاه المهاجرين ولم تقدم الحكومة إجابات عليها حتى الآن. وبالنظر في عدم استعداد الحكومة للتصدي للتحديات المذكورة وعدم تنفيذ ما وعدت الحكومة بتطبيقه؛ يبدو أن ما يُقدمه المرشحون حاليا في المنافسات الانتخابية لن يعدو مستوى الشعارات، ولن تُنفذ برامج عملية لحل مشكلة المهاجرين.
النتائج
وفق أحد التقارير المنشورة من مكتب UNHCR فإن هناك نحو 1.4 مليون مهاجر أفغاني مُسجل في باكستان، كما أن هناك عددا من المهاجرين يعيشون في إيران. إذا استطاعت الحكومة الأفغانية وضع وتنفيذ سياسات ناجحة قصيرة المدى وطويلة المدى لإعادة المهاجرين إلى أفغانستان فإن ذلك سيلعب دورا في تنمية البلد، حيث إن بين هؤلاء المهاجرين مهارات ومواهب عديدة ومستثمرون ومثقفون بإمكانهم تغيير وضع البلد نحو الأفضل. ولأجل هذا الهدف على الحكومة الأفغانية أن تستفيد من تجارب الدول الأخرى التي تعاملت مع ملف المهاجرين لعدة عقود، وأن لا يسمحوا لجيران أفغانستان بأن يستغلوا المهاجرين الأفغان لمآربهم، أو يضغطوا بملف المهاجرين على أفغانستان حكومةً وشعبا.