اغتيال صحفیین اعتداء على حرية التعبير في البلد

في تاريخ 20/نوفمبر/2019 اغتيل الناشط الإعلامي والخبير بالشأن السياسي – الأمني أحمد وحيد مجده بإطلاق رصاصتين عليه من راكبيْ دراجات في القطاع الأمني السادس من مدينة كابل؛ وقد حصل ذلك حين رجوعه من المسجد إلى منزله. لم تتبنَّ عملية الاغتيال أي جماعة حتى الآن، إلا أن وزارة الداخلية صرحت بأنها تتابع القضية وتحاول الوصول إلى مرتكبي الجريمة. السيد مجده كان رجلا شريفا فاضلا متواضعا، وكان ذا شخصية قوية، ولم يُكنّ أي خصومة شخصية مع أحد. وقد كان كاتبا ومحللا مطلعا وقد تعاون بكتاباته مع مركز الدراسات الإستراتيجية والإقليمية، كما شارك في عدد من ندواتها.

في هذا المقال سنسلط الضوء على حياة (وحيد مجده)، وخدماته الإعلامية وأسباب اغتياله كما سنتطرق إلى حال حرية التعبير في البلد.

حادث شنیع وردود فعل واسعة

أثار مقتل الناشط السياسي والإعلامي (أحمد وحيد مجده) ردات فعل رسمية على مستوى الحكومة من قبل كبار المسؤولين. الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني ندد بالحادث في بيان له وأصدر أمرا موجها للدوائر الأمنية بالخطوات الحازمة للكشف عن ملابسات القضية ومرتكبي الجريمة. المكتب الإعلامي للرئاسة التنفيذية بالحكومة الأفغانية أصدر كذلك بيانا منددا بمرتكبي هذا الحدث، ووصف البيانُ الجناةَ بأنهم أعداء للأمن والسلام في أفغانستان وأنه من الضروري المسارعة في الكشف عن هوياتهم وتطبيق العدالة فيهم. الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي بعد تنديده بالحدث قال إن الاغتيالات التي طالت الشخصيات السياسية والمحللين تُظهر أبعادا جديدة لجرائم الحرب والجرائم البشرية تجاه الشعب الأفغاني. أثار الحدث كذلك ردود أفعال واسعة في وسائل التواصل بأفغانستان، وقد أبدى الكثيرون آراءهم الإيجابية كما أبدى عدد قليل تعليقات سلبية تجاه الكاتب الفقيد ورحلة كفاحه. مركز الدراسات الإستراتيجية والإقليمية قام بعقد جلسة بالتعاون مع اتحاد الكتّاب والمراسلين (جهيز) في تاريخ 28/نوفمبر/2019م بمشاركة العشرات من المثقفين للحديث عن مآثر الفقيد (مُجده) وخدماته. ردود الأفعال الواسعة تجاه اغتيال (مجده) تدل على أنه كان عنصرا مؤثرا في الساحة السياسية والإعلامية بأفغانستان، كما تدل على صدقه في مساعيه نحو إحلال السلام بأفغانستان، حيث أشاد معظم من تحدث عنه بعد اغتياله بجهوده في هذا الصدد. قال الأستاذ بجامعة كابل/ محمد موسى فريور عقب اغتيال مجده: “المخابرات في المنطقة تسعى عبر اغتيالها للنخب أن تعكر جو البلد وأن تغلق الطرق المؤدية إلى الازدهار والرُّقي. إن (أحمد وحيد مجده) كان عضوا نشطا في الساحة الإعلامية بالبلد، وكان صاحب يد طويلة في إظهار الحقائق المستورة والمنعطفات السياسية والاجتماعية في البلد.” كان أحمد وحيد مجده يؤكد دائما في محادثاته المتلفزة الداخلية والخارجية على ضرورة خروج القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو من أفغانستان، وقد دل هذا على أنه كان مخالفا للتواجد الأمريكي في البلد والتحالف الأمني مع الأمريكان، كما أنه لم يتوان عن بيان العواقب الوخيمة والخسائر التي يجرها بقاء القوات الأجنبية في أفغانستان.

نبذة عن حیاةأحمد وحيد مجده

وُلد أحمد وحيد مجده عام 1953م في ولاية بغلان شمال أفغانستان، في أسرة مثقفة ومتعلمة. تلقى مجده تعليمه الابتدائي في ولاية بغلان، ودرس المرحلة الثانوية في مدرسة حبيبية، وتخرج في كلية الاقتصاد بجامعة كابل عام 1977م. وبعد الثورة الشيوعية اضطر إلى الهجرة نحو باكستان وإيران. وفي بلاد المهجر، عمل (مجده) في الأنشطة الثقافية والسياسية والعسكرية المرتبطة بالجهاد الأفغاني، كما شارك في جبهات القتال ضد الشيوعيين المحتلين. بعد مدة هاجر مجده إلى إيران، وبقي في مدينة مشهد ومن ثم سافر إلى طهران واشتغل هناك بالأنشطة الثقافية لصالح المجاهدين والتي تضاد القوات الشيوعية وحكومتها الأفغانية العميلة. مع أنه لبعض الأسباب ترك طهران وسافر إلى (بندر عباس) واشتغل هناك بالأنشطة الاقتصادية إلا أن هذه الفترة كانت قصيرة وقد قضى معظم حياته في الأنشطة الثقافية. وبعد عدد من السنوات التي قضاها في الأنشطة الثقافية في إيران؛ هاجر إلى بشاور، وعمل بقسم الثقافة والإرشاد بأحد الأحزاب الجهادية الأفغانية البارزة. مقالات مجده كانت تُنشر لسنوات في جرائد (الشهادة)، و (مجلة أميد)، و(مجلة جهاد) وبقية منشورات المهاجرين الأفغان. وبالإضافة إلى أنشطته الثقافية، شارك مجده كذلك في الجهاد المسلح ضد القوات الروسية المحتلة في عدد من الولايات الأفغانية. بعد انتصار المجاهدين قدم (مجده) إلى كابل واستمر في أنشطته الثقافية. وتم توظيفه فترة حكومة البروفيسور رباني في وزارة الخارجية، وقد بقي فيها حتى نهاية حكم طالبان. وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر وهجوم القوات الأمريكية على أفغانستان وسقوط إمارة طالبان الإسلامية، بقي مجده في كابل، واستمر في أنشطته الثقافية كخبير بالشأن السياسي، دون الانضواء تحت أي مظلة. عمل مسؤولا لوكالة (بست) الإخبارية إلا أنه بعد إغلاق مكتب الوكالة رجع إلى أنشطته المستقلة. كان لمجده علاقات واسعة مع الحكومة الأفغانية وطالبان والأحزاب الجهادية، وكانت مقالاته تُنشر في العديد من الجرائد والمجلات. كان (وحيد مجده) أحد الناشطين السياسيين البارزين في البلد وكان ضمن تبنيه لموقف منتقد للحكومة يخالف التواجد العسكري الأمريكي في أفغانستان ويكافحه بصورة عملية. وقد تسبب هذا الاشتراك في المواقف بين طالبان ووحيد مجده أن يُلين جانبه للتنظيم بشكل نسبي وأن يُثني على بعض مُنجزات طالبان، الأمر الذي لم يُرضِ عددا من الساسة والشباب الأفغان. قد كان مجده يهدف إلى تحقق السلام والأمن في البلد وكان يشارك في العديد من الندوات واللقاءات للإسهام في تقريب هذه الأهداف. حضر (مجده) في جلسة السلام الأفغاني المنعقدة في روسيا بتاريخ 5 و 6/فبراير/2019م والتي حضرها أبرز الساسة والقادة الأفغان والشخصيات ذات النفوذ الاجتماعي. لقد بقي (مجده) يبذل جهده للوصول بالبلد إلى السلام حتى آخر أيام حياته. من مآثر الشيهد مجه بالإضافة إلى عشرات المقالات والأشعار المنشورة والمطبوعة واللقاءات المتلفزة والإذاعية، كتابٌ باسم: (أفغانستان وخمس سنوات من حكومة طالبان)، وكتاب آخر متعلق بالعلاقات السياسية بين إيران وأفغانستان، وهي آثار احتلت مكانتها لدى الناشطين السياسيين والثقافيين في البلد.

تردي حالة حرية التعبير في البلد

أظهر اغتيال الناشط والخبير السياسي أحمد وحيد مجده أن حرية التعبير في أفغانستان تنحسر يوما بعد يوم. لقد اعتُرفت بمكانة أفغانستان الحديثة بسبب وجود قوانين مُثبتة لحرية التعبير في دستورها، إلا أن هذه القيمة آخذةٌ في التضاؤل والانكماش. إن دائرة حرية التعبير تصغر بتدرج، ويتلقى المحللون والكتاب في البلد تهديدات بالقتل من عناوين مجهولة، وقد طالت هذه التهديدات أناسا دافعوا عن عملية السلام بين الأمريكيين وطالبان، وتحدثوا في القنوات الإعلامية. إننا نُطالب الحكومة بالحفاظ على هذا الحق المدون في الدستور (حق حرية التعبير). عندما نقول إننا نريد السلام ونريد الحفاظ على منجزات مدة 18 سنة الماضية فإن هذا يعني أن أكبر منجزاتنا هي الدستور الذي يكفل حق حرية الفكر وحرية التعبير وحرية تشكيل الجماعات، وإذا فقدنا هذا الحق – لا قدّر الله – فبأي شيء سنفتخر؟

رجاء و طلب

إن (مجده) كان ناشطا بصدد إحلال السلام في البلد، وقد كان بمعنى الكلمة خبيرا بشؤون السلام وكان علامة بارزة وفارقة في الإعلام الأفغاني. وقد كان خبيرا بالكثير من الأحداث التي وقعت في الخفاء وفي الغرف المغلقة وكان يفضحها عبر وسائل الإعلام بكل جرأة، ولذا فإن اغتياله يأتي في هذا السياق. رغم أن الشعب الأفغاني قد كلّ وتعب من الحرب التي استمرت لأربعة عقود في البلد، إلا أننا مع الأسف نجد رموزا وعناصر داخل وخارج الحكومة تقف أمام هذا المطلب الشعبي، وترى بقاء مصالحها في استمرار الحرب بأفغانستان. يصعب معرفة الجهة المرتكبة لجريمة اغتيال مجده، إلا أن الأمر الواضح هو أن الحكومة الأفغانية لم تعتنِ بالحفاظ على حياة الشخصيات الثقافية والاجتماعية في البلد، وخصوصا الشخصيات المنتقدة للحكومة. وقد تم استهداف عدد من الشخصايت الإعلامية والثقافية في البلد إلا أنه لم يتم إجراء أي خطوات حازمة للحفاظ على هؤلاء النخب. في حين أن الحكومة مكلفة بالحفاظ على حياة وأموال وأعراض المواطنين، كما أن على الحكومة أن لا تسمح بإهدار ثروات الشعب المعنوية. لقد كان مجده إنسانا محبا لوطنه، وكان معتنقا لأفكاره التي قد يختلف معها البعض مثله مثل غيره، إلا أن اختلاف الرأي لا يجوّز بحال الاغتيال والتصفية. إننا نطالب الحكومة الأفغانية بتعقب مرتكبي الجريمة وتسليمهم للعدالة، وإذا لم يتم إيقاف هذه الظاهرة السيئة المتنامية فإن عواقب تكررها ستكون وخيمة. مفوضية حقوق الإنسان في أفغانستان ومكاتب الأمم المتحدة أيضا مكلفة بعدم السكوت تجاه مقتل مجده، وعلى مسؤوليها أن يعاونوا الحكومة في الكشف عن مرتكبي هذه الجريمة. كما نطالب الاتحادات الإعلامية والجمعيات الثقافية في البلد بأن تنشط لجمع مآثر الفقيد حتى تستفيد منها الأجيال الناشئة. إن (مجده) كان مراسلا مسالما ومتعهّدا تجاه التعايش وحرية التعبير، لذا فإن اغتياله يُشكل هجوما على السلام وحرية التعبير. إن السكوت تجاه مقتله يعني إضفاء المشروعية على الحرب الجارية في البلد والجرائم الإنسانية التي تُرتكب في حق الأفغان. وأخيرا نُذكر بأن الأستاذ (مجده) ترك أرملة وبنتا وولدا، ويتوجب علينا جميعا أن نهتم بتربيتهم ومساندتهم في إكمال مسيرتهم التعليمية.

سفر ترامب الأخير إلى أفغانستان، ومستقبل السلام الأفغاني

عُقدت حتى الآن تسعة جلسات للتفاوض بين الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان، حيال السلام الأفغاني، وقد اقترب الجانبان من الوصول إلى تفاهم نسبي، إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن إلغاء المفاوضات على إثر هجمة شنتها طالبان في كابل وقد راح ضحيتها جندي أمريكي واحد، وهكذا تم إيقاف مفاوضات السلام بين الجانبين. الخميس الماضي قام الرئيس الأمريكي بزيارة مفاجئة إلى أفغانستان وأخبر عن بدء المفاوضات حديثا مع طالبان. في هذا المقال سنسلط الضوء على مستقبل السلام الأفغاني وتصريحات الرئيس الأمريكي التي ألقاها على الجنود الأمريكيين في مُعسكر بجرام.

نظرة سريعة على مفاوضات السلام الأفغاني

عُقدت جلسات عديدة جمعت مندوبي الولايات المتحدة الأمريكية وتنظيم طالبان للتفاوض حيال السلام بأفغانستان، وقد عُقدت هذه الجلسات في أبو ظبي بالإمارات وشارك فيها مسؤولون ممثلون للحكومة الأفغانية، وكان من آخر هذه الاجتماعات تسعُ جلساتٍ عُقدت في الدوحة عاصمة قطر. كلا الجانبين أبديا مقاربتهما للوصول إلى تفاهم في الجلسة السادسة. وعندما عُقدت الجلسة التاسعة ووصل الجانبان إلى تفاهم نسبي قام تنظيم طالبان بتفجيرٍ في العاصمة الأفغانية كابل، أودى بحياة اثني عشر شخصا بما فيهم جندي أمريكي واحد. وعقب التفجير أعلن الرئيس الأمريكي إلغاء مفاوضات السلام مع طالبان. الحكومة الأفغانية كذلك أوقفت مساعيها المتعلقة بالسلام وعلّقتها بالفريق الذي يفوز في الانتخابات الرئاسية، وقد أُجريت الانتخابات بمشاركة شعبية ضعيفة ولم تظهر نتائجها حتى الآن. في الوقت ذاته قام مندوبو طالبان بالسفر عدة مرات إلى إيران وباكستان، وتم الإعلان كذلك عن عقد اجتماع حيال السلام الأفغاني بتاريخ 29 و 30/أكتوبر بمبادرة صينية، ومشاركة رئيس مكتب طالبان السياسي بقطر “الملا برادر”. بعد إلغاء مفاوضات السلام الأفغاني طالبت كل من حكومات روسيا وإيران وباكستان والاتحاد الأوروبي باستئناف المفاوضات. كما أبدى تنظيم طالبان التزامه بمُنجزات جلسات التفاوض السابقة واستعداده لتوقيع اتفاقية تفاهم، كما وضّح التنظيم أن إلغاء المفاوضات يجر نتائج سلبية على الحكومة الأمريكية نفسها. سافر المندوب الأمريكي الخاص بشأن السلام الأفغاني زلمي خليلزاد إلى كابل، والتقى بالرئيس الأفغاني والرئيس التنفيذي وعدد من كبار المسؤولين بالحكومة الأفغانية. عقب سفر زلمي خليلزاد أعلن تنظيم طالبان عن إجراء تبادل للأسرى بإطلاق سراح أسيرين أحدهما أمريكي والآخر أسترالي مقابل إطلاق سراح عدد من قادة طالبان المحتجزين بسجن بجرام العسكري وهم أنس حقاني، ومالي خان، وعبدالرشيد عمري، وقد ألقى الرئيس الأفغاني كلمة مختصرة بين فيها أن هذه الخطوة اتُّخذت للاقتراب من السلام، كما أن هذا العمل يُعد فتحا جديدا لأبواب السلام التي أُغلقت. 

بدء الموسم الجديد لمفاوضات السلام

تم الترحيب بعملية تبادل الأسرى بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية من قِبل دول عديدة. من ذلك ما قدمه الرئيس الأمريكي من شكر عبر مكالمته الهاتفية مع الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني، وتبعه في ذلك رئيس الوزراء الباكستاني وأمير قطر الشيخ تميم بن حماد آل ثاني. وقد حدثت تطورات عقب هذا التبادل في المفاوضات الثنائية بين مندوب الولايات المتحدة الأمريكية في شأن السلام زلمي خليلزاد  ومندوبي طالبان بالدوحة عاصمة قطر، وقد ولّد ذلك آمالا عريضة حيال استئناف مفاوضات السلام.

سفر ترامب المفاجئ لقاعدة باجرام الجویة

في تاريخ 28/نوفمبر قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزيارة مفاجئة إلى معسكر باجرام والذي يُعد أكبر معسكر أمريكي في أفغانستان. مع أن الهدف من الزيارة كان مشاركة الرئيس الأمريكي في مراسم احتفال عيد الشكر، إلا أنه أبدى بعض التصريحات حول إعادة استئناف محادثات السلام مع تنظيم طالبان. وقد قدم الرئيس الأفغاني إلى المعسكر وأشاد بتضحيات القوات الأمريكية في أفغانستان، وتحدث عن انهزام داعش في ولاية ننجرهار، كما تحدث عن القضاء على أنشطة داعش في بقية محافظات أفغانستان. بالإضافة إلى قضية استئناف محادثات السلام، أشار ترامب إلى قضية الدولة المجاورة لأفغانستان (إيران)، ووسمها بالنظام الفاسد واتهمها بتأييد الجماعات المتطرفة. وفي خلال حديثه أشار ترامب إلى مقر لوجستي جديد للقوات الأمريكية، كما أشاد بجودة الأسلحة الأمريكية وقوتها وكونها لا نظير لها في دول المنطقة. وتطرق إلى قضية سوريا وذكر أن سبب بقاء القوات الأمريكية هناك مرتبط بقضية أفغانستان، حيث إن الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تحافظ على مخزونها من النفط، وتساند في نفس الوقت الجماعات الموالية لها. حديث ترامب المذكور إذا كان يرفع معنويات قوات بلده من جهة، فإنه في المقابل يخلق تحديات أمام الخطوات التي تبذلها دول المنطقة لإرساء السلام في أفغانستان. كما أن تصريحات ترامب قد تبدو ازدواجية، حيث إنه من جانبٍ يبشر باستئناف محادثات السلام، ومن جانبٍ آخر يُشيد بإنجازات القوات الأمريكية التي استطاعت من خلال الوسائل التقنية أن تجبر النقص الحاصل من قلة عدد جنودها في أفغانستان وقدرتها على التغلب على أعدائها. ولم يتحدث ترامب عن قضية خروج القوات الأمريكية من أفغانستان، مع أن قضية انسحاب الجنود الأمريكان تشكل شرطا أساسيا اشترطه جانب طالبان لقبول السلام. كما أشاد ترامب بالهجمات التي شنتها القوات الأمريكية على أعدائها في أفغانستان جوا وبرا وبحرا واستطاعت من خلالها التغلب على طالبان، وهذه التصريحات أيضا تُضاد مفاوضات السلام الأفغاني. واشتملت تصريحات ترامب كذلك على أهمية وقف إطلاق النار من قبل طالبان وأنه شرط اشترطته كل من أمريكا والحكومة الأفغانية للمضي قُدما في عملية السلام، وهذا يدل على أنه في المستقبل إذا تطورت مفاوضات السلام وتم الإخلال بهذا الشرط فإن عملية السلام ستتعرقل كذلك.

النتيجة

مفاوضات السلام الأفغاني التي عُقدت لها تسع جلسات في قطر توقفت هذه المرة على اشتراط وقف إطلاق النار، وهو شرط يُعرقل عملية المفاوضات. لذا على الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة الأفغانية أن لا تشترطا وقف إطلاق النار لاستئناف المفاوضات، وأن يسارعوا لاتفاقية السلام بشروط تكون مقبولة لكل الأطراف، ومتى ما وُقّعت فإن وقف إطلاق النار سيحدث بشكل تلقائي. الاضطراب الأمني والسياسي في البلد هو السبب الذي كان ذريعة لبقاء القوات الأمريكية في أفغانستان، حتى تجني الولايات المتحدة الأمريكية مآربها ومصالحها. إن تصريحات ترامب التي أبداها من أفغانستان قد تتسبب في ردات فعل من دول المنطقة كما أنها تُساهم في تطويل أزمة السلام بأفغانستان. ومن جانبٍ آخر فإن افتقاد المسؤولين بالحكومة الأفغانية للتناغم والتوافق قد عرقل عملية السلام، وعلى الساسة الأفغان ورجال الدولة أن يُنهوا أولا هذا الجو المخيم من عدم الثقة بالسلام، ثم يجهدوا لإرساء دعائم السلام بكل وسيلة ممكنة، مع السعي لإيجاد المصالحة بين الحكومة الأفغانية وتنظيم طالبان. كما عليهم أن يُزيلوا الشروط التي يضعها الأجانب لعملية السلام، وأن لا يسمحوا أن تروح البلد ضحية هذه التعاملات. على الحكومة الأفغانية وتنظيم طالبان أن يطرحا قضية وقف إطلاق النار على الشعب، وأن يقطعوا الأيدي التي تسعى لمصالحها الشخصية وتمهد لبقاء القوات الأجنبية في البلد. إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تقدر على إلغاء مفاوضات السلام لأجل مقتل جندي واحد من جنودها، على الحكومة الأفغانية وطالبان أن تسعى لحقن دماء أبناء الشعب الأفغاني، وأن ينجزوا الخطوات التي تلف بساط الحرب وتُرسي في البلد دعائم السلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *