نقد قانون اعطأ الجنسية الجديدة في الهند
وفق التعديل الجديد لقانون الجنسية الهندية (Citizenship Amendment Act 2019 – CAA) الذي اقتُرح وصُوّب من قِبل حكومة ناريندرا مودي، فإن جميع المهاجرين غير المسلمين الذي لجؤوا من بنغلادش وباكستان وأفغانستان إلى الهند سيقدرون على كسب الجنسية الهندية بسهولة، إلا أن المسلمين مُستثنوْن من ذلك. وقد أثار ذلك بروز اعتراضات واسعة من سكان الهند المسلمين وغير المسلمين وناشطي حقوق الإنسان في الداخل والخارج وفي منظمة الأمم المتحدة.
المظاهرات المنددة بصدور القانون مازالت مستمرة بشدة في الهند، مما حدا بالحكومة الهندية إلى منع إقامة المحادثات والمناقشات المتلفزة حيال القضية كما قطعت الاتصال بالشبكة العنكبوتية في بعض المناطق. وقد أجابت الحكومة الهندية على الاعتراضات بأن القانون الجديد لا يمس حقوق المسلمين ولا يُركز على منعهم من الحصول على الجنسية وإنما يأتي في سياق المحافظة على حقوق الأقليات غير المسلمة التي ظُلمت في دولها ولجأت إلى الهند، وتُعد مُساعدة الهند لها أمراً واجبا.[1]
تفاصيل القانون الجديد والتعامل العنصري مع المسلمين
تم إضافة تعديل إلى قانون الجنسية الهندية عام 2003م يفيد أن مفهوم اللاجئ غير القانوني وعملية تسجيل المواطنين قد أُضيفا إلى القانون. وفق تعديل عام 2003م فإن اللاجئ غير القانوني هو من دخل الهند دون وثائق رسمية (جواز سفر وتأشيرة..) أو دخل بوثائق رسمية وبقي في الهند أكثر من المدة المسموحة[2]، وعملية NRIC هي عملية تحديد المواطنين القانونيين وتمييزهم من اللاجئين غير القانونيين. إلا أن هناك عملية أخرى برزت تحت مسمى العملية الوطنية لتسجيل السكان ( NPR ) وقُدمت على العملية آنفة الذكر. عملية تسجيل السكان – لاجئين وغير لاجئين – مرحلة أولية ومهمة لنجاح عملية NRIC، ووفقا لها فإن بيانات السكان في جميع المناطق والمدن والقرى يتم تسجيلها، ثم يُستفاد منها في عملية NRIC ويُميز على أساسها اللاجئ غير القانوني[3]. عملية NPR نُفذت فقط في ولاية آسام الهندية. كما نُفذت المرحلة الثانية NRC عام 2019م ونتيجة لها مُحيت أسماء مليونَي شخص – بينهم قليلٌ من طائفة الهنود وكثير من المسلمين – من قائمة المواطنين القانونيين، وتم اعتبارهم بعد ذلك لاجئين غير قانونيين.[4] من الجدير بالذكر أنه قد تم العثور على الكثير من اللاجئين النيباليين غير القانونيين، وبتدخل من حكومة نريندرا مودي قبل إعلان القائمة؛ تم إضافتهم إلى قائمة المواطنين القانونيين. كما نُذكر بأن اللاجئين النيباليين يُشكلون ذراعا شعبيا قويا مُساندا للحزب الحاكم في الهند.[5] تم إجراء عملية NPR لأول مرة في جميع ولايات الهند في الأعوام 2010 و 2011، إلا أنها لم تصل إلى المرحلة الثانية والتي تُدعى باسم NRIC. وقد بدأت عملية تسجيل المواطنين مرة ثانية عام 2015م إلا أنها لم تصل أيضا إلى مرحلة NRIC. [6] وأخير في 31/يوليو/2019م نشرت الجريدة الرسمية الهندية [7] أن عملية تسجيل المواطنين ينبغي أن تُكمل بين أبريل وسبتمبر/2020م في جميع أنحاء الهند. وتبدو الحكومة الهندية هذه المرة جادة حول قرارها، وقد أعدت مُسبقا مخيمات كثيرة لحبس واعتقال الأفراد الذين سيتم اعتبارهم لاجئين غير قانونيين بعد عملية NRIC.[8] عمليتا NPR و NRIC كلاهما قادرتان على إعلان أي شخصٍ مهاجرا غير قانوني، بغض النظر عن دينه. ولا يظهر إشكال عرقي أو عقدي في ذلك رغم بعض المخالفات القانونية. إلا أن المشكلة برزت مع التعديل الجديد الذي استحدثته حكومة مودي على قانون الجنسية الهندية والذي من خلاله يقدر كل لاجئ غير مسلم تُظهر العمليتان المذكورتان كونَه مواطنا غير قانوني أن يتحول – بحكم التعديل الجديد – إلى مواطن هندي قانوني. كما يجدر التذكير بأن اللاجئين غير المسلمين ليسوا بحاجة إلى إثبات أنهم يُضطهدون في بلدانهم التي أتوا منها، وإنما يكفي كونهم عدم مسلمين كأن يكون من الطائفة السيخية أو البوذية أو غيرها. وتريد الحكومة الهندية من خلال هذا التعديل أن لا تكرر الخطأ الذي وقعت فيه عند إجراء عملية تسجيل السكان في ولاية آسام والتي نتج عنها إعلان أسماء آلاف اللاجئين النيباليين المناصرين للحزب الحاكم ضمن قائمة اللاجئين المخالفين للقانون. وبالتالي سيتم إعلان الكثير من المسلمين الذين عاشوا في الهند مئات السنوات مواطنين غير قانونيين، وفي حال عدم قدرة هؤلاء المواطنين على إثبات جنسيتهم الهندية سيتم إرسالهم إلى المخيمات التي أعدوها مُسبقا لهم.
ما يتبع القانون من نتائج على المدى القصير
التعديل الجديد لقانون الجنسية وعملية تسجيل اللاجئين غير القانونيين بشكل عام سيخلقان مشكلات عديدة لمسلمي الهند. من جملة ذلك: عدم الوضوح في عملية تسجيل السكان ومن ثم عملية تحديد اللاجئين غير القانونيين. لم يتم توضيح المعايير التي على أساسها يُفرق بين الجنسية الحقيقية والجنسية المشكوك فيها، ولا يُعلم نوع الوثائق التي تُطالبها الحكومة من السكان حيال هذا الصدد. تعيين هذه المتطلبات تُرك لاختيار المسؤولين والعاملين بهذا القطاع مما سيؤدي إلى حصول تعامل عنصري مع المسلمين وسيجر ذلك إلى إعلان المواطنين المسلمين من الهنود ضمن اللاجئين غير قانونيين، [9] أو أنه سيؤدي إلى طلب رشاوي من المواطنين القانونيين وفي حال عدم القدرة على دفع تلك الرشاوي أو في حال رفضها سيتم إعلان هؤلاء المواطنين على أنهم لاجئون غير قانونيين. وإذا أُعلن عن شخص أنه لاجئ غير قانوني فإنه مُطالب بإثبات جنسيته. وإثبات الجنسية الهندية للمسلمين الذين يقطنون الأرياف ولا يقدرون على القراءة والكتابة أمر عسير جدا ويتطلب زمنا طويلا وقد يتعذّر بالكامل.[10] بالإضافة إلى ذلك فإن التعامل العنصري الديني مع المسملين سيضر بسمعة الهند في المنطقة والعالم، وهي الدولة التي تُشتهر بأنها أكبر بلد ديمقراطي وقد عاشت بها الأقليات الدينية وأتباع المذاهب المختلفة مئات السنوات جنبا لجنب، ويُعد ذلك من مفاخر الهند. والآن تريد حكومة الهند الطائفية أن تغير المعالم الديمقراطية للهند وتهمّش المسلمين أو تحبسهم في المخيمات، وتجعل الهند بلدا خاصا بالهندوسيين. ولهذا العمل تبعات خطيرة داخل الهند لها تأثير على الأمن والاقتصاد ، كما أن ستظهر الحكومة الهندية على مستوى المنطقة والعالم بمظهر موحش ومظلم.
تبعات القانون طويلة المدى لمسلمي الهند
تعديل عام 2019م على قانون الجنسية الهندية لا يختلف كثيرا عن قانون جنسية ميانمار الصادر عام 1982م. وفق قانون ميانمار المذكور فإن الجنسية الميانمارية لا تُمنح إلا لمن كان من عِرق الطائفة المحلية الميانمارية. ولذا فإن أبناء سلالة عِرق الروهينجا المسلمين حُرموا من الحصول على الجنسية وقد أدى ذلك إلى حدوث كوارث إنسانية وإخراج قسري ومجازر فظيعة تجاه المسلمين في الأعوام الأخيرة.[11] التعامل العنصري مع المسلمين وتهميشهم سيخلق اختلافات واضطرابات عنيفة طائفية بين مسلمي الهند وأتباع الديانات الأخرى وخصوصا الهندوسيين. الهنود الطائفيون سجرؤون حينها على الهجوم على المسلمين وسينهبون أموالهم وسيخرجونهم من منازلهم وقد يقتلونهم؛ وهو ما حصل في ميانمار. بالإضافة إلى الاختلافات الطائفية الحادة، فإن التعديل الجديد في قانون الجنسية الهندية سيلحق أضرارا فادحة بالاقتصاد الهندي. في الدول التي بها تنوع عرقي وديني وُيقدّر عدد أتباع كل طائفة بالملايين لا يمكن إطلاقا منع السكان من حقوقهم أو معاملتهم بتمييز عنصري مهما كان دينهم. وهذا الأمر سيؤدي إلى إحداث تدهورات أمنية داخلية في الهند وسيمهد الطرق للتدخلات الخارجية في القضية وسيعرض الجو السياسي في البلد للاضطراب وسيتبع ذلك اختلال شديد في الاستقرار الاقتصادي.[12]
ماذا ينبغي أن تفعله الحكومة الهندية لإصلاح القانون؟
مشكلة اللاجئين غير القانونيين من المشاكل الرئيسة في معظم دول العالم. أمريكا وأوروبا وكندا وجميع الدول تواجه هذه المشكلة. تمنع بعض هذه الدول من يلجأ إليها من الحصول على الجنسية القانونية، وهذا المنع قد يكون منطقيا وفق ظروف بعض الدول، إلا أن منع الجنسية أو منحها لأسباب دينية أمر يخالف الحقوق الإنسانية الضرورية أكبر المخالفة. قد أعلنت الهند كذلك عام 2003م عن منع الجنسية القانونية للاجئين غير القانونيين، مما قد يُعد أمرا معقولا. إلا أن الفرق بين تعديل عام 2003 وتعديل عام 2019م هو أن الأول لا ينظر إلى الفوارق الدينية، أما التعديل الأخير فإنها يرتكز على الفوارق الدينية. منح الجنسية على أساس الانتماء لدين محدد تعامل عنصري لا تتبعه أي دولة في العالم. السبيل الوحيد لإصلاح ذلك هو حذف هذا الشرط من التعديل الجديد في قانون الجنسية. إذا كانت الذريعة للتعديل المذكور هو أن غير المسلمين في دول مثل بنغلادش وباكستان وأفغانستان يُضطهدون لأجل ديانتهم وأن على الهند أن تحميهم؛ فإن هذا الكلام ينطبق كذلك على مسلمي الصين وسريلانكا وميانمار الذين يُضطهدون لأجل دينهم الإسلامي. ينبغي البحث عن وسائل أخرى لتحديد السكان غير القانونيين مع السعي لتقليل أعدادهم حد الإمكان. كما ينبغي عمل ذلك بشفافية كاملة ودون النظر إلى الفوارق الطائفية والدينية والعرقية. ومن خلال هذه الطريقة فقط تستطيع الهند أن تجتنب النتائج الوخيمة التي ستضر بأمن الهند واقتصادها أشد الضرر وستفسد سمعتها على مستوى الدول الإسلامية والعالم أجمع.
===================================================================================
[1] – We Are Witnessing a Rediscovery of India’s Republic https://www.nytimes.com/2019/12/27/opinion/india-constitution-protests.html
[2] – CAA & NRC II: Here are the myths and facts about all-India National Register of Citizens https://www.businesstoday.in/current/economy-politics/caa-nrc-national-register-of-citizens-myths-and-facts-citizenship-amendment-act-modi-amit-shah-govt/story/392474.html
[3] – CAA & NRC II: Here are the myths and facts about all-India National Register of Citizens
[4] – India’s Citizenship Emergency, https://www.newyorker.com/news/q-and-a/indias-citizenship-emergency
[5] – Citizenship Amendment Bill: India’s new ‘anti-Muslim’ law explained, https://www.bbc.com/news/world-asia-india-50670393
[6] – CAA & NRC II: Here are the myths and facts about all-India National Register of Citizens
[7] – CAA & NRC II: Here are the myths and facts about all-India National Register of Citizens
[8] – India’s massive, scary new detention camps, explained https://www.vox.com/future-perfect/2019/9/17/20861427/india-assam-citizenship-muslim-detention-camps
[9] – CAA & NRC II: Here are the myths and facts about all-India National Register of Citizens
[10] – India’s massive, scary new detention camps, explained
[11] – Myanmar’s 1982 Citizenship Law and Rohingya https://burmacampaign.org.uk/media/Myanmar%E2%80%99s-1982-Citizenship-Law-and-Rohingya.pdf
[12] – CAA & NRC: The two together pose a serious threat to India’s development story https://www.businesstoday.in/current/economy-politics/caa-and-nrc-these-two-pose-a-serious-threat-to-indias-development-story-muslims-religious-fundamentalism-secular-amit-shah/story/392319.html