تقریر موجز عن أفغانستان عام 2019؛ الأمن، السلام والإقتصاد

كان عام 2019م لأفغانستان عام سعي لإحلال السلام، ومن جانبٍ آخر شهد هذا العام ارتفاعا غير مسبوق في معدل العنف وضحايا الحرب. خلال العام المذكور سعت أمريكا لأول مرة بعد 18 سنة من الحرب إلى إنجاح عملية السلام في أفغانستان. عملية السلام مع المعارضة المسلحة مرت بمراحل مختلفة وصحبتها آلام وآمال كثيرة. عُقدت مجالس التفاوض المباشرة بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية في الدوحة لأكثر من عشر مرات، ومن المحتمل أن تُعقد الجلسة الحادية عشرة قريبا. بالإضافة إلى التدهور الأمني واختلال مفاوضات السلام في هذا العام، أُجريت الانتخابات الرئاسية الأفغانية بعد تأخيرها أكثر من مرة، ووفق النتائج المبدئية المُعلنة فإن فريق مؤسس الدولة (فريق المرشح محمد أشرف غني) هو الفائز، الأمر الذي لا يُقر به بقية المرشحين.

في تحليل هذا الأسبوع سنسلط الضوء على مفاوضات السلام، والوضع الأمني والاقتصادي الأفغاني في عام 2019م.

مفاوضات السلام

لأول مرة بعد بدء الحرب منذ 18 سنة؛ بدأ عام 2019م بآمال واعدة حيال السلام بأفغانستان. في شهر يناير عندما اتفق مندوبو الولايات المتحدة الأمريكية ومندوبو طالبان على أطر السلام، ارتفعت توقعات وآمال الشعب الأفغاني. اتفق الطرفان على أن تمنع طالبان الولايات المتحدة الأمريكية من استغلال أرض أفغانستان كمقر تشن منه الهجمات على الدول الأخرى، وأن تخرج القوات الأمريكية وقوات الناتو من أفغانستان، وأن تُعقد المفاوضات بين الأفغان وأن يُوقف إطلاق النار بشكل دائم بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية.

تُظهر نتائج دراسة مؤسسة آسيا لعام 2019م أن 89% من الشعب الأفغاني يؤيدون مفاوضات السلام مع طالبان؛ كما يرى 64% السلامَ ممكنا مع هذا التنظيم. تم إجراء هذه الدراسية بعد الحديث مع 17,812 رجل وامرأة في ولايات أفغانستان البالغ عددها 34 ولاية، وسُئل المشاركون عن آرائهم حيال السلام والأمن والانتخابات والحالة الاقتصادية.[1]

رغم الهجمات التي شنتها جماعة طالبان والغارات الجوية الأمريكية، استمرت المفاوضات بين الطرفين في الدوحة لعدة أشهر. في خطوة هامة أخرى تهدف إلى إحلال السلام بأفغانستان، استضافت كل من الدوحة وموسكو جلسات مفاوضات بين طالبان والمسؤولين بالحكومة الأفغانية. المشاركون في هذه الجلسات طالبوا بتقليل ضحايا الحرب المدنيين إلى حد الصفر.

في شهر سبتمبر، عندما شاع ظن بأن المفاوضات بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية بلغت خطواتها الأخيرة، أعلن ترامب إلغاء مفاوضات السلام لأجل تزايد العنف في أفغانستان والذي أودى بحياة جندي أمريكي واحد. أبدت جماعة طالبان والدول التي كانت تتابع موضوع أفغانستان عن كثب استغرابها من تصريحات ترامب. توقفت المفاوضات لشهرين، إلى أن حضر ترامب إلى أفغانستان في سفر مفاجئ لزيارة القوات الأمريكية وأعلن عن استئناف مفاوضات السلام مرة أخرى.

صرح ترامب باستئناف المفاوضات في 28/نوفمبر عقب أسبوع من تبادل أسيرين غربيين بثلاثة أسرى ينتمون إلى طالبان. في تاريخ 4/ديسمبر/2019م قدم إلى أفغانستان زلمي خليلزاد المبعوث الأمريكي الخاص حيال السلام، وكان قد التقى قبلها بثلاثة أيام بمندوبي طالبان للتفاوض حول السلام. ارتكزت المفاوضات المُستأنفة على الخطوات التي سيكون بمقدورها إيقاف الحرب التي دامت لمدة 18 عاما. قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية في 7/ديسمبر : “استأنفت الولايات المتحدة الأمريكية المفاوضات اليوم، وستتركز المفاوضات على قضية تقليل العنف بشكل يمهد للمفاوضات بين الأفغان ووقف إطلاق النار.” بعد الهجوم القريب من مقر بغرام العسكري، قال خليلزاد إنهم سيتوقفون لمدة قصيرة حتى يتشاور عناصر جماعة طالبان مع قادتهم حيال هذا الموضوع المهم. قام النائب السياسي لجماعة طالبان بالسفر إلى باكستان للتشاور مع أعضاء الجماعة، وقد ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية أن المفاوضات مع طالبان ستُستأنف الأسبوع المقبل في قطر.[2]

الوضع الأمني

ساء الوضع الأمني في أفغانستان في عام 2019م مقارنة بعام 2018م. في بداية هذا العام، وقعت تفجيرات دامية وعنيفة في العاصمة وجميع المدن الكبيرة، منها الهجوم على مجمع القرية الخضراء في كابل، والهجوم على حفل زفاف في قاعة (دُبي) في كابل، والتفجير العنيف في المنطقة الدبلوماسية في كابل، والتفجير في مسجد بولاية ننجرهار، والهجوم على مقر القوات الأفغانية في مديرية أرغستان بولاية قندهار، والهجوم على حفل الدعاية الانتخابية لفريق “مؤسس الدولة” في مدينة بروان، وهجمات أخرى.

منذ بداية عام 2019م أحكم تنظيم طالبان سيطرته على عدة مديريات، منها: مديريات ينجي قلعة، و درْقد، و خواجه غار في ولاية تخار، و مديرية أرغنج خوا بولاية بدخشان، و مديريات كوهستان و قرغان وقرمقول بولاية فارياب، و مديرية أنار بولاية فراه، ومديريات دشت أرجي، و جهار دره، وإمام صاحب بولاية كندوز مع الهجوم على مدينة كندوز وممر نور بولاية بغلان المركزية، ومنطقة ميوند بولاية قندهار، ومنطقة مارجه بولاية هلمند، ومناطق قره باغ، و جغتو، ورشيدان وخواهجه عمري بولاية غزني، كما أن عددا من المديريات عُرضت لخطر السقوط عدة مرات، وبعضها سقطت لعدة ساعات.

تصعيد الغارات الجوية التي شنتها القوات الأجنبية أيضا أودى بحياة الكثيرين من المدنيين في أفغانستان مما خلق تحديا جديدا. القوات الأجنبية خلال هذا العام شنت عدة هجمات استهدفت فيها المدنيين، وحتى العسكريين الأفغان.

وفق تقرير مؤسسة آسيا لعام 2019م، فإن نسبة 75% من الأفغان قلقون على حياتهم، وتوجد أعلى نسب هذا القلق في ولايتي آروزجان و بادغيس، كما أن أقل الولايات خطرا هما ولايتا بنجشير وباميان. قال 76% من المشاركين الريفيين في الاستبيان إن كلا من أمريكا و طالبان يُشكلان خطرا لهم، أما في المدن فقد ذكر 55% من السكان أن الجرائم الجنائية هي أكبر خطر يهددهم.[3]

تفيد النتائج التي حصل عليها مكتب الأمم المتحدة لدعم أفغانستان (UNAMA) أن عدد 1366 شخصا من المدنيين

المصدر: UNAMA

الأفغان قُتلوا في اشتباكات مسلحة وتفجيرات في النصف الأول من عام 2019م، كما جُرح عدد 2446 شخص. العام الذي شهد أكثر تطورات في عملية السلام شهد تصعيدا في العنف والاشتباكات أيضا. ورد في تقرير اليوناما أن عدد المدنيين المقتولين جراء هجمات القوات الأجنبية والقوات الأفغانية يفوق عدد الضحايا الذين سقطوا جراء هجمات تنظيم طالبان، حيث بلغ عدد ضحايا هجمات القوات الأمريكية والأفغانية 717 قتيلا من المدنيين، وبلغ عدد ضحايا هجمات طالبان 531 قتيلا مدنيا.

بما أن كلا من الحكومة وتنظيم طالبان حاربا تنظيم داعش في العام المنصرم، تكبد تنظيم داعش خسائر كبيرة. قام عناصر حركة طالبان بالهجوم على عناصر داعش كذلك في المناطق النائية والخاضعة لحكمهم. وفق الحالة الأمنية للبلد في العام المنصرم فإن الشعب الأفغاني والمجتمع الدولي في حالة قلق حيال الوضع الأمني الذي سيحكم البلد في العام الجاري، كما أنهم يُسمون العام الجاري عام السقوط السياسي للحكومة، لذا فإن الحفاظ على الأمن في هذا العام الجاري يُشكل تحديا كبيرا للحكومة الأفغانية، وترتبط الحالة الأمنية ارتباطا مباشرا بالنجاح السياسي الذي تُحرزه الحكومة في إحلال السلام. إذا نجحت الحكومة في إحلال السلام في البلد فإن الوضع الأمني سيتحسن، أما إذا لم لم تُدر الحكومة عملية السلام بإخلاص ودقة فإن التدهور الأمني سيزيد عن تدهور العام المنصرم.[4]

الحالة الاقتصادية

التنمية الاقتصادية: ذكر بنك التنمية الآسيوي في تقريره الاقتصادي السنوي أن التنمية الاقتصادية في أفغانستان في عام 2019م كان بنسبة 2.5%، مما يُظهر تحسنا طفيفا عن معدل عام 2018م، حيث بلغت نسبة التنمية الاقتصادية في ذلك العام 2.2% وهي نسبة أقل من نسبة التنمية الاقتصادية في أفغانستان في عام 2017م والتي كانت بنسبة 2.7%. توقع بنك التنمية الآسيوي كذلك أن نسبة التنمية الاقتصادية ستصل عام 2020م إلى 3%، وقد بيّن التقرير أن التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية والجفاف من أسباب انخفاض معدّل التنمية الاقتصادية في البلد في عام 2019م مقارنة بالدول المجاورة ومقارنة بنسبة التنمية الاقتصادية في أفغانستان في عام 2017م، موضحين أن التحديات الأمنية، وشح مصادر الطاقة وقلة المحاصيل الزراعية من العوامل والمحددات التي تُعيّن مدى التنمية الاقتصادية في بلد ما. وفق توقعات البنك الدولي فإن تحسن الجو في العام الجاري سيساعد على تكثير المحاصيل الزراعية كما ستبقى أسعار المواد الغذائية منخفضة. اقترح بنك التنمية الآسيوي في تقريره تضخيم الاستثمار في البنية التحتية للبلد لأجل التنمية على المدى الطويل، وزوال الأزمات الاقتصادية، كما رغّب التقريرُ الحكومةَ الأفغانية في توفير المصادر المالية الثابتة. وفق تقدير بنك التنمية الآسيوية فإن البنية التحتية للبلد تُكلف الحكومة الأفغانية في الفترة من عام 2017 حتى عام 2021م مبلغ مليار دولار سنويا، وهناك حاجة لتعزيز موارد دخل الحكومة الأفغانية.[5]

الناتج القومي: خلال عام 2019م بلغ الناتج القومي الحكومة الأفغانية 208 مليار أفغاني مما يُظهر زيادة بنسبة 10% مقارنة بالعام الماضي الذي بلغ الناتج فيه 189 مليار أفغاني. كما أن الناتج القومي في عام 2019م هو أعلى ناتج خلال مدة 18 سنة الماضية، ويُظهر زيادة على ناتج السنوات الخمسة الماضية بنسبة 110%. قال القائم بأعمال وزارة الاقتصاد: حصلت زيادة في الناتج القومي في ظروف صعبة، وكان ذلك بسبب إصلاحات للعديد من الإدارات الحكومية المعنية بالناتج، وكان من صعوبة الموقف كذلك اقتراب الانتخابات الرئاسية”.

استطاعت أفغانستان كذلك خلال عام 2019م أن تُكمل المعايير الإصلاحية المحددة من قبل صندوق النقد الدولي خلال 6 دورات، ولذا استلمت جائزة قدرها 44 مليون دولار، كما فُتح لها مجال أخذ الديون طويلة المدى.[6]

المصدر: البنك الدولي

الإ ستیراد والتصدیر:

زادت تصديرات أفغانسستان خلال الأعوام الخمس الماضية بشكل ملحوظ. على سبيل المثال: بلغت قيمة تصديرات عام 2015م مبلغ 557 مليون دولار، وفي عام 2019م بلغت قيمة التصديرات مبلغ 975 مليون دولار، مما يشير إلى تطور بنسبة 67% خلال هذه الفترة. وضعت وزارة الصناعة والتجارة هدفا تصديريا لعام 2020م بمقدار 1.5 مليار دولار، وبمقدار ملياريْن لعام 2021م. وبهذا الشكل انخفضت استيرادات البلد، حيث بلغت قيمتها عام 2015م مبلغ 8647 مليار دولار وبلغت قيمتها عام 2019م مبلغ 7016 مليار دولار، أي انخفضت بنسبة 17% تقريبا خلال الفترة المذكورة. تهدف الحكومة الأفغانية وقيادة وزارة الصناعة والتجارة أن تصل نسبة التصديرات والاستيرادات إلى القدر المُعين في السياسة الإستراتيجية الاقتصادية المُعينة للعامين 2020م و 2021م.[7]

المصدر: وزارة الصناعة والتجارة، وإدارة الإحصائیة المركزية.

إلا أن تقرير مؤسسة آسيا لعام 2019م يذكر أن نسبة 72% من الشباب قالوا: إن البطالة هي أكبر مشكلة تواجههم، كما ذكر 39% منهم مشكلة صعوبة الوصول إلى الجامعات، وذكر 19% منهم المشكلات النفسية، وذكر 15% منهم الحالة الاقتصادية المتدهورة، كما ذكر 9% منهم التدهور الأمني. كما ذكر نحو 50% من الأشخاص الذين طُرحت عليهم أسئلة الاستبيان أن وضعهم الاقتصادي ساء خلال عام 2019م.[8]

===================================================================================

[1] https://asiafoundation.org/wp-content/uploads/2019/12/2019_Afghan_Survey_Full-Report.pdf

A SURVEY OF THE AFGHAN PEOPLE AFGHANISTAN IN 2019

[2] https://www.aljazeera.com/news/2019/12/2019-afghanistan-worst-year-invasion-191227054230170.html

Why 2019 was Afghanistan’s best and worst year since US invasion

[3] https://asiafoundation.org/wp-content/uploads/2019/12/2019_Afghan_Survey_Full-Report.pdf

A SURVEY OF THE AFGHAN PEOPLE AFGHANISTAN IN 2019

[4] https://unama.unmissions.org/sites/default/files/unama_poc_midyear_update_2019_-_30_july english.pdf

MIDYEAR UPDATE ON THE PROTECTION OF CIVILIANS IN ARMED CONFLICT:

1 JANUARY TO 30 JUNE 2019

[5] https://www.adb.org/countries/afghanistan/economy

Afghanistan’s GDP expected to grow by 2.7% in 2019 and 3.4% in 2020 – ADO 2019 Update

[6] http://documents.worldbank.org/curated/en/372681570116241368/pdf/The-World-Bank-Group-in-Afghanistan-Country-Update.pdf

The World Bank Group in Afghanistan : Country Update (English)

[7] https://moci.gov.af/sites/default/files/2019-10/export-to-dari.pdf

[8] https://asiafoundation.org/wp-content/uploads/2019/12/2019_Afghan_Survey_Full-Report.pdf

A SURVEY OF THE AFGHAN PEOPLE AFGHANISTAN IN 2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *