السلام؛ احتياج الشعب الأفغاني والأمنية المُرتقبة
في الوقت الراهن يُعد السلام الاحتياج الوحيد وأهم الأولويات لدى الشعب الأفغاني، ونعني ذاك السلام الذي بات الشعب ينتظره من عدة عقود. مساء يوم 29/فبراير من العام الجاري كان ليلة مفرحة لما وقع فيها من توقيع المصالحة بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية في قطر. وعندما كثرت الشائعات حول قرب موعد حلول السلام دعا الشعب الأفغاني إلى عقد جلسات المفاوضات وبقية الطرق المناسبة التي تساعد على إحلال السلام في أقرب فرصة ممكنة.
انتظار الشعب الأفغاني للسلام خفض عدد المشاركين في الانتخابات الرئاسية إلى الحد الذي جعل الولايات المتحدة الأمريكية تبدي تصريحات حول السلام قبل إعلان النتائج الانتخابية. يا ترى إلى أي حد اقترب الشعب من السلام؟ ومن هم الذي يعترضون طريقه؟ وهل يرى الأفغان بصيص أمل يبشرهم بحلول السلام؟ أسئلة نسعى للإجابة عنها في هذا المقال.
مجالس شعبية واسعة في العاصمة والمحافظات
عُقدت مجالس عديدة في العاصمة والمحافظات تسعى لتمهيد الطرق نحو إحلال السلام وتركز على قضية تقليل العنف، قبل وبعد موعد توقيع اتفاقية الصلح بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية. في تاريخ 25/فبراير عُقد مجلس واسع وشارك فيه بالإضافة إلى فئات عريضة من الشعب ممثلون لأحزاب سياسية وطالبوا بصوت واحد الاستمرار في مبادرة تقليل العنف والالتزام ببنود اتفاقية السلام التي عُين موعد توقيعها في تاريخ 29/فبراير. برزت هذه المطالبات المتعلقة بالحفاظ على شروط السلام لتوضح موقف الفئات الشعبية والأحزاب السياسية حيال الخطوة التي تلي الاتفاقية وهي خطوة المفاوضات الأفغانية – الأفغانية مؤكدة أنها ترحب بهذه المفاوضات بل وتدعمها دعما كاملا.
في المجلس المذكور ناشد الناشط السياسي الأفغاني سيد إسحق جيلاني القادةَ الأفغان أن يتحلوا بالتسامح الكامل حتى يقدر الشعب على توجيه مبادرة السلام وقيادتها باستحكام. وصرّح رئيس مجلس تنسيق العلماء الشيخ عناية الله بليغ بدعمه الكامل لمفاوضات السلام وعدّ تحقيق السلام أمرا حياتيا بالنسبة للشعب الأفغاني. وقال د. عبد الصبور فخري رئيس جمعية الإصلاح في أفغانستان أن الأفغان ينشدون سلاما يشمل جميع مكونات الشعب، وعدّ حضور القوات الأجنبية سببا للمآسي التي قاساها الشعب، ووضح أن السلام واجب ديني ومطلب إنساني. وقالت السيدة بصيرة سلطتاني عضوة الجمعية الإسلامية بأفغانستان ممثلة فئة النساء في أفغانستان إن السلام سيمهد السبيل للنساء حتى يُطالبوا جهة واضحة ومقتدرة بحقوقهم المشروعة والقانونية.
كما تحدث عضو الجمعية الإسلامية عبد الستار مراد ممثلا حزب الجمعية الإسلامية وأبدى تأييده الكامل لمفاوضات السلام. وقال السفير الأفغاني السابق لدى باكستان والمستشار السابق لرئيس الجمهورية حضرت عمر زاخيلوال حيال تشكيل لجنة للمفاوضات الأفغانية – الأفغانية: بما أن هناك إجماعا وطنا قد وُجد في البلد حيال السلام، لذا بات من الضروري تشكيل لجنة للتفاوض؛ لتُغتنم الفرصة السانحة حاليا.
وتحدث السيد حفيظ الرحمن نقي بالنيابة عن الحزب الإسلامي وقال: ينبغي أن لا يُمنح أحد حق الفيتو في موضوع السلام، وعلى جميع الأطراف أن تشارك في مبادرة السلام القائمة حاليا. تصريحات الناشطين والقادة السياسيين التي ذُكرت أعلاه توضح أنه إذا ما التزم طرفا الاتفاقية الموقعة (طالبان، والولايات المتحدة الأمريكية) ببنود الصلح، فلن يعترض أي عائق داخلي طريق المفاوضات الأفغانية – الأفغانية، وذلك للإجماع الحاصل بين الأحزاب السياسية الأفغانية حيال ضرورة إحلال السلام في البلد. بالإضافة إلى ما ذُكر عُقدت مجالس شعبية عديدة في ولايات كنر وننجرهار والمحافظات الشمالية مؤيدةً عملية السلام الجارية.
احتياج الشعب وصمت النخب السياسية
حصلت اختلافات بين الناخبين المتقدمين في الانتخابات الرئاسية الأفغانية (محمد أشرف غني ود. عبدالله عبدالله) حيال النتائج المُعلنة، في وقتٍ وصلت فيه مفاوضات السلام بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية آخر مراحلها، حيث استعد كلا الطرفين البدء بأسبوع تقليل العنف. إلا أن فريق الثبات والتعايش (فريق الناخب د. عبدالله عبدالله) قام بتعيين ولاة لبعض الولايات، وعارض إقامة مراسم تحليف ناخب فريق “مؤسس الدولة – أشرف غني” والتي كان من المُعتزم إقامتها في 27/فبراير.
بعض قادة الأحزاب السياسية الذين كانوا مرشحين في الانتخابات الرئاسية السابقة رفضوا النتائج المعلنة، وطالبوا بالبدء في أولى خطوات السلام. إلا أن المرشحين المتقدمين بعد عقدهم لمراسمهم وقيامهم بتعيين المناصب لم يبذلوا اهتماما بمطالبان الناشطين السياسيين في البلد. مما حدا بالرئيس السابق حامد كرزاي والقائد الجهادي السابق عبدرب الرسول سياف إلى الاجتماع بالناخبيْن المتقدمين على حدة، وقد قدم الرئيس السابق كرزاي مقترحا يقتضي بأن يستمر محمد أشرف غني بتضلعه بأعباء الرئاسة الجمهورية، وأن يؤجل مراسم التحليف حتى تستمر عملية السلام على أحسن حال وتهدأ الفوضى الحاصلة بسبب الانتخابات ونتائجها.
ولكن عندما طالبت وزارة الخارجية الأمريكية الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني بتأجيل مراسم التحليف، لوحظ أنه استجاب لمطلب الولايات المتحدة الأمريكية.[1] إن كانت هذه الخطوة تبين جرأة الرئيس غني الأخلاقية، فإنها من جانبٍ آخر كانت لتكون أفضل في حال الاستجابة لمطلب الناشطين والقادة السياسيين الأفغان الذين طالبوا بتأجيل مراسم التحليف قبل مطالبة الحكومة الأمريكية بذلك، كما أن هذا العمل كان سيقدر على إحداث إجماع داخلي على الصعيد السياسي وكان سيبرز دورا إيجابيا للرئيس غني في عملية السلام.
بوادر السلام
بالنظر في التحولات الحاصلة في الآونة الأخيرة في المنطقة يمكننا القول بأن هناك إجماعا حاصلا على الصعيد الدولي والإقليمي حيال السلام بأفغانستان وهو ما يؤيده الشعب الأفغاني والأحزاب السياسية الأفغانية. وخير مثال على ذلك الجلسة المنعقدة في كابل بتاريخ 25/فبراير من العام الجاري والتي أيد جميع حاضروها مجريات وتطورات عملية السلام الجارية، وأبدوا آمالهم بإخماد جذوة الحروب بالكامل ووقف إطلاق النار في كافة مناطق البلد. كما أكد جميع الحاضرون بأن الشعب لن يسمح لأي طرف بأن يستغل أرض أفغانستان لمصالحه ولإفساد آمال الشعب.
يقف نجاح السلام واستمراره إلى حد كبير على تنفيذ بنود اتفاقية الدوحة. يؤمل أن يلتزم كلا الطرفين الموقعين للاتفاقية بالبنود وأن يبذلا مساعي حقيقية لتنفيذ ما فيها.
النتائج
الشيء الذي يُعد ضروريا حيال السلام في الفترة الراهنة هو توحد مواقف سياسيي أفغانستان والتأييد للعمل وفق اتفاقية السلام الموقعة في قطر. على السياسيين الأفغان أن يوجهوا طاقاتهم نحو هدف إحلال السلام الدائم وأن ينزعوا اليد عن الاختلافات والتراشقات الحزبية والسياسية. اكتمال أسبوع تقيل العنف بنجاح ملحوظ خلق آمالا عريضة لدى الشعب بقرب حلول السلام. ينبغي كذلك مكافحة التصريحات التي تهدد السلام في المنطقة والسلام في أفغانستان حتى ينعم الشعب الأفغاني بالسلام الحقيقي، وتعيش فئات الشعب الأفغاني بتعاون وأمن مثل بقية الشعوب. وذلك أن السلام في أفغانستان له علاقة مباشرة بالتقدم في دول المنطقة، وكذلك يؤدي اختلال الأمن في أفغانستان إلى عرقلة مسيرة التقدم في دول المنطقة.
مع أن الرئيس أشرف غني أبدى استعداده للعمل بشروط تقليل العنف، إلا أنه ما زال من الضروري تعيين لجنة تتحدث باسم الحكومة في المفاوضات الأفغانية – الأفغانية، ويشارك فيها مندوبو الأحزاب السياسية وممثلوا الشعب، دون استثناء أو استبعاد أي مكون من مكونات البلد.
[1] https://www.state.gov/presidential-election-in-afghanistan/