الأحداث الأخيرة وأثرها على عملية السلام

بعد سلسلة من الهجمات الدامية على العاصمة الأفغانية كابول، انتقد الرئيس الأفغاني أشرف غني، باكستان للمرة الأولى منذ عشرة شهور، وقال إن حربا تُعلَن علينا في باكستان، وهي عداوة صريحة مع بلد جار.

قبل يومين من تصريحات أشرف غني، حدثت في كابول سلسة من التفجيرات، وبناءً على تحقيق لـ”يوناما”، والتي تسجل مثل هذه الهجمات، كانت الأخيرة أكثرها دموية منذ عام 2009م.

وقبل الهجمات والتصريحات، تم تأجيل الجولة الثانية من محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، بعد إعلان وفاة الملا محمد عمر، ونشرت من جهة أخرى تقارير عن حدوث خلافات بين طالبان. فإلى أين تتجه محادثات السلام في ظل الأحداث والتغييرات الأخيرة؟

خلافات داخلية في حركة طالبان

منذ أن رجعت حركة طالبان إلى ساحة النشاط من جديد، وبدأت مكافحتها العسكرية ضد الناتو، انفصلت بعض عناصرها على إثر خلافات داخلية. ففي عام 2010م، انفصل معتصم آغا جان، وبدأ محاولات إقليمية من أجل انطلاق حوار أفغاني للسلام الأفغاني. ولكن ذلك لم يضر الحركة لوجود الملا محمد عمر وزعامته.

بعد إعلان وفاة الملا محمد عمر ظهرت خلافات في صفوف طالبان، وانتقدت المجموعة المناهضة للزعامة الجديدة كتمان وفاة الزعيم مع جملة من أمور أخرى. ومن هذه المجموعة الملا عبدالرزاق وزير الداخلية في نظام طالبان، والملا عبدالجليل مساعد وزير الخارجية، والملا محمد حسن رحماني والملا محمد رسول. إضافة إلى ذلك لم تبايع حتى الآن عائلة الملا محمد عمر وعلى رأسها الملا عبدالمنان أخ الملا عمر وابنه الملا محمد يعقوب مع الملا منصور زعيما لطالبان.

ضمن هذه الخلافات استقال طيب آغا رئيس المكتب السياسي للحركة في قطر عن منصبه، اعتراضا على كتمان وفاة الملا محمد عمر وانتخاب الزعيم الجديد خارج البلد في باكستان.

بالنظر إلى هذه الخلافات ظهر القلق واسعا على مستقبل عملية السلام، لأن خطر الانقسام في حركة طالبان تضع العنوان الأصوب للمحادثات في ضبابية. رغم هذه الخلافات في طالبان حصل الملا منصور على دعم واسع في أوساط المقاتلين، لأنه بقي طيلة خمس سنوات الماضية على صلة مباشرة وجيدة مع القادة الميدانيين. أضف إلى ذلك اختيار سراج الدين حقاني زعيم شبكة الحقاني مساعدا له، وهو ما جلب له دعما واسعا في الأوساط العسكري لدى الحركة.

وقد أعلن أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة في 13 من أغسطس/آب2015م، في مقطع فيديو بيعته للملا منصور واعتبره “أميرا للمؤمنين”. ووضعت بيعة الظواهري علامة استفهام كبيرة على وجه الخلافات الموجودة مع زعامة الملا منصور. ويبدو أن الملا منصور قد حل خلافاته مع عائلة الملا محمد عمر بوساطة من مجموعة العلماء، وأن الخلافات الداخلية في الحركة ستنخفض ولا تؤثر كثيرا على ميدان المعركة.

هجمات كابول الدامية

وفي الأسبوع الماضي أثرت هجمات دامية في كابول على سياسة أفغانستان تجاه باكستان. في 7 من أغسطس حدثت ثلاثة هجمات خلال 24 ساعة، هجوم في منطقة “شاه شهيد”، وآخر في “قصبه”، وثالث في “أكاديمي الشرطة”. تبنت حركة طالبان مسؤولية الهجومين الأخرين، ورفضت مسؤولية الهجوم الأول والذي وقع قرب مقبرة وأسفر عن قتل كثير من المدنيين. وفي 10 من هذا الشهر حدث تفجير قرب مطار كابول تبنت طالبان مسؤوليتها أيضا.

ونشير في السطور الآتية إلى الأهداف التي تقف وراء هذه الهجمات:

أولا: الملا منصور والذي كان له دور في محادثات “مري” قرب العاصمة الباكستانية، ربما يخالفه البعض بسبب إرشارته الخضراء لهذه المحادثات. ولذلك اعتبر عملية السلام في أول رسالة صوتية له “مؤامرة الأعداء”، ويحاول مع هجمات كابول أن يحصل على دعم بعض المخالفين.

ثانيا: بعد الإعلان عن وفاة الملا عمر نشرت وسائل إعلام أفغانية ودولية بأن وفاة الملا عمر أحدثت سلسلة من الخلافات في الحركة وضعّفتها كثيرا. ولذلك تريد الحركة إظهار قوتها للجميع.

ثالثا: من الطبيعي أن يخسر مقاتلو الحركة جزءا من المعنويات بسبب وفاة الملا عمر والخلافات الموجودة، ولذلك تريد الحركة بهذا النشاط رفع معنويات مقاتليها.

رابعا: مع أن حركة طالبان شاركت في محادثات “مري” بشرط السرية وعدم نشرها في الإعلام، ولكن عندما انتشر الخبر في الإعلام الأفغاني والأجنبي شاع الانطباع بأن باكستان في حال رغبتها تستطيع أن تحضر حركة طالبان إلى طاولة الحوار. ولذلك نفّذت طالبان هذه الهجمات كردة فعل لتضعيف هذه الرؤية.

حكومة الوحدة الوطنية وتغيير السياسة

لم تغيّرت هجمات كابول المتتالية سياسة أشرف غني تجاه باكستان فحسب، بل أثّرت على استراتيجة كابول في مكافحة “الإرهاب”، أيضا.

حدوث الهجمات الدامية في كابول، وتأجيل محادثات السلام في “مري” الباكستانية، والانتقادات الواسعة على سياسة أشرف غني للاقتراب من باكستان في داخل البلد، كلها عوامل لعبت دورا في تغيير سياسة أشرف غني تجاه باكستان.

وتحدث الرجل في مؤتمر صحفي بلهجة شديدة ضد باكستان، قائلا: “حتى الآن يتم عقد الجلسات في باكستان، ويتم التأكيد فيها على استمرار الحرب في أفغانستان. لقد ثبت وجود ملاذات آمنة للإرهاب في باكستان حتى الآن”. وقال: “تنشط مراكز تدريب الإرهابيين في باكستان”. وأضاف: “كان أملنا السلام، لكنه يتم في الأراضي الباكستانية إعلان الحرب علينا، وهي في الحقيقة عداوة صريحة مع بلد جار”.

إلى جانب ذلك، انتقد عبدالله عبدالله الرئيس التنفيذي لأفغانستان باكستان وقال إن على الحكومة الأفغانية إعادة النظر في سياستها مع باكستان. وقال أحمد ضياء مسعود مندوب خاص للرئيس الأفغاني إن باكستان تخدع أفغانستان باسم عملية السلام.

مع أن الحكومة الأفغانية لم تغيّر هذه السياسة تماما، لكن الأسبوعين القادمين سيقرران مصير العلاقات الأفغانية الباكستانية. ومن أجل ذلك بعث الرئيس الأفغاني أشرف عني الخميس الماضي (13 من أغسطس)، وفدا حكوميا رفيعا إلى إسلام آباد وهي آخير محاولة لإبقاء علاقات الطرفين على وضع حسن.

وحصلت تصريحات المسؤولين الأفغان الشديدة ضد باكستان على دعم شعبي في الشارع الأفغاني. وقد أكّد مرارا حامد كرزاي الرئيس الأفغاني السابق مع مجموعة له على ضرورة تغيير أشرف غني سياسته مع باكستان. وبعد فترة حكم كرزاي هذه أول مرة تتخذ الحكومة الأفغانية موقفا كهذا.

مستقبل عملية السلام الغامض

حاول الرئيس الأفغاني أشرف غني أن يحضر طالبان إلى طاولة الحوار بوساطة صينية وباكستانية، وكانت هذه خطته. ومن هنا قدّم للجانب الباكستاني تنازلات كثيرة، لكن موقفه هذا واجه انتقادات واسعة في البلد، ولم تأت بأي نتيجة واضحة غير محادثات “مري”، بل استفزت هذه السياسة طالبان أفغانستان ضد الحكومة أكثر فأكثر. لذلك تخوض طالبان حاليا حربين. الأولى الاستمرار في الحرب القديمة، والثانية إثبات نفسها بعيدة عن التأثير الباكستاني.

في حال عدم حصول الجانب الأفغاني خلال أسبوعبن قادمين على ضمانة باكستانية لعملية السلام، ستواجه الحكومة الأفغانية مشاكل أخرى كثيرة في هذه السياسة. وستدخل عملية السلام مرحلة من ضبابية المستقبل، ويمكن التنبؤ بالخطوات التالية لعملية السلام كالتالي:

أولا: أن تصبح محاولات انقسام طالبان أكثر حدة وعلى قدم وساق، وذلك انتفاعا من الخلافات الداخلية في الحركة، لكنها لن تجدي كثيرا.

ثانيا: أن يتم التحول إلى سياسة كرزاي تجاه باكستان، وتتدهور العلاقات من جديد.

ثالثا: أن تستغل كابول الدبلوماسية، وأن تزيد حجم الضغوط على باكستان، عبر أصدقاء باكستان الاستراتيجيين.

رابعا: أن تترك كابول باب باكستان مفتوحا، وتطلب منها مساعدة فقط في إغلاق مراكز طالبان، وأن تشرع محادثات جادة مع طالبان.

خامسا: أن تحصل كابول على تعهد آخر، وأن تستمر سياسة أشرف غني على حالها لبضعة شهور أخرى.

النهاية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *