حادثة غرق اللاجئين الأفغان وتأثيراتها على العلاقات الإيرانية- الأفغانية

وفق التقاریر قامت القوات الحدودية الإيرانية في منطقة (دهانة ذو الفقار) باحتجاز عدد من اللاجئين الأفغان الذين عبروا الحدود بصورة غير قانونية في تاريخ 1/مايو/2020. وبعد تعذيبهم بقسوة تم إغراقهم في النهر. وقد أثار ذلك ردات فعل واسعة إقليمية ودولية، وصرحت الحكومة الأفغانية أن هذا العمل لا يُغتفر وشكلت لجنة ذات صلاحية للتحقيق في الأمر.

بدأ النزوح الأفغاني تجاه إيران مع بدء الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، ويوجد حاليا نحو مليون لاجئ مسجل ونحو مليونين من اللاجئين غير المسجلين في إيران  . خلال العقود الماضية قاسى اللاجؤون الأفغان صعوبات ومآسي كثيرة وتم ضرب وقتل الكثيرين منهم في إيران، وقد أثارت هذه المواقف السيئة من الجانب الإيراني ردات فعل من داخل أفغانستان وخارجها، إلا أن الحكومة الأفغانية والحكومة الإيرانية والمجتمع الدولي لم يقدروا على الدفاع عن الحقوق الإنسانية الأساسية للأفغان المقيمين في إيران. في تحليل هذا الأسبوع الصادر من مركز الدراسات الإستراتيجية والإقليمية سنسلط الضوء على الحدث المشار إليه آنفا وسندرس تأثيراته على العلاقات الإيرانية – الأفغانية.

إيران واللاجئين الأفغان

اللاجؤون الأفغان قطنوا في إيران لعشرات السنين، وقد تم التعامل معهم من قِبل السلطات الإيرانية بعنصرية تامة مراتٍ لا تُحصى. وفق تصريح مفوضية حقوق الإنسان فإن اللاجئين الأفغان المسجلين في إيران مُنحوا الحق في الأعمال الشاقة ذات الأجر الزهيد فقط. ، وقد تم وضع قيود على حقوق اللاجئين في التعلم والزواج والدفاع عن حقوقهم الإنسانية، كما أن الآلاف من الأفغان مُحتجزون في المعتقلات الإيرانية بتهم السرقة والتهريب والقتل، وقد حُرموا من حق تعيين محامي للدفاع عن حقوقهم .

وفق تقرير صحيفة الجاردين، فإن دولة إيران تعامل اللاجئين الأفغان وأولادهم وأزواجهم بقسوة وعنصرية وتجبر كبارهم على القيام بالأعمال الشاقة وتطلب المال من اللاجئين فترة احتجازهم قبل إخراجهم من البلد، وتجبرهم على العمل دون مقابل كما تمنع عنهم القدر الضروري من الطعام وتخرجهم على هذه الحالة من أفغانستان .

وفق تصريحات اللاجئين الأفغان في إيران فإن الشخص الأفغاني القاطن في إيران يعيش حياة شخصٍ مجرم، وقد ورد في دراسة صادرة عن مركز الدراسات الدنماركي الدولي النقلُ التالي عن اللاجئين الأفغان: (الإيرانيون ينادوننا قائلين: “أيها الأفغان الأنجاس” و “أيها الأفغان القمامة”، وقد بات تحقير الأفغان أمرا اعتياديا، فهم يرون الأفغان أشخاصا سيئين ونجسين، بل لا يروننا بشرا أصلا. في إيران يتم التعامل مع الحيوانات بصورة أفضل من التعامل مع الأفغان، وكل أحد يحق له أن يعامل الأفغان بالطريقة التي يرغب فيها، وهناك الكثير من مثل هذه الأحداث التي لا تُسجل وتلتزم السلطات الإيرانية الصمت حيالها) . وقد نُشرت تقارير ودراسات عديدة ترصد التعامل العنصري والعنف المُمارس من السلطات الإيرانية تجاه اللاجئين الأفغان.

وفق تقرير وكالة (خامه) للصحافة، فإن المستشفيات في إيران امتنعت عن علاج المرضى الأفغان مع بدء تفشي فيروس كورونا  ، مما نتج عنه تقاطر الآلاف من اللاجئين الأفغان المصابين بهذا الداء إلى أفغانستان.

تفاصيل الحدث

في تاريخ 1/مايو/2020م عبر خمسون شخصا من اللاجئين الأفغان الباحثين عن عمل إلى إيران، وقد تم احتجازهم من قِبل القوات الحدودية الإيرانية، وبعد تعذيبهم بشكل غير إنساني تم إغراقهم في نهر هريرود. أحد شهود الحدث تحدث مع شبكة فرانس 24 الإخبارية وقال:

“كنا نحو 50 شخصا، وكان بيننا كبار سن وأطفال، وقد ربطنا أنفسنا بالسلاسل وعبرنا نهر هريرود ليتم احتجازنا على الضفة الأخرى من قِبل القوات الإيرانية وإبقاؤنا هناك ليلةً كاملة، واحتقرونا هناك للغاية، كما أجبرونا على التعري وركلونا بالأرجل والمدافع ثم أركبونا في حافلة كبيرة وألقونا في النهر، وقالوا لنا ارجعوا من حيث أتيتم وإلا أطلقنا عليكم النار، ثم أطلقوا النار في الهواء لإرعابنا. وقد اضطررنا لعبور النهر سباحة، وأكثرنا لا يعرف السباحة، وكان تيار النهر قويا، وقد غرق أصحابي والعساكر الإيرانيون يضحكون”.

هذا العمل المدمي للقلب والذي ارتكبته السلطات الإيرانية أثار ردات فعل واسعة. أبرز المشرف على وزارة الخارجية الأفغانية محمد حنيف أتمر أسفه على هذا الحادث ووعد بالقيام بالرد الدبلوماسي اللازم،   كما أظهر مايك بومبيو ردة فعله قائلا: ” أحث السلطات الأفغانية على البحث في هذه القضية ومحاسبة المتورطين فيها”.

بالإضافة إلى ما ذُكر، صرحت إليس ويلز نائبة وزير الخارجية الأمريكي في شؤون وسط وجنوب آسيا: “المعاملة القاسية والغير إنسانية التي عومل بها اللاجئون الأفغان مهولة، ونحن ندعم التفتيش الشامل حيال هذه القضية”

تنظيم طالبان كذلك أصدر بيانا ندد فيه بالحدث وطالب الحكومة الإيرانية بالتعامل مع اللاجئين على أساس التراحم والأخوة الإسلامية. الأحزاب السياسية الأفغانية وناشطو المجتمع المدني والشخصيات الشعبية والمدنية كذلك نددت بشدة بهذا العمل الذي ارتكبته السلطات الإيرانية، وعدوه عملا مرفوضا.

صرحت الحكومة الأفغانية بأنها شكلت لجنة مشتركة مع الجانب الإيراني للتحقيق في الحدث، وقد بدأ التحقيق في القضية في تاريخ 13/مايو/2020م، ووضحت بأنها ستتابع القضية لبيان التفاصيل لعوائل الضحايا.

دوافع الحدث

يتم التعامل العنصري مع اللاجئين الأفغان في إيران من جهتين: أولا: يتم منع الأفغان من ارتياد الحدائق وبعض الأماكن العامة، ويتم وضع قيود على دراستهم الجامعية، ويتم إخضاعهم عبر التحقير والعنف إلى ترك البلد، وثانيا: ما يقوم به المواطنون الإيرانيون من احتقار للأفغان في البيوت والطرق ويمتنعون عن منح العمال الأفغان أجور عملهم ويشتمونهم ويعيبون عِرقهم وجنسيتهم.

يرى بعض المحللون أن المنافسة والتعصب العرقي أثر على العلاقات الاجتماعية بين البلدين، حيث صار الإيرانيون بالنظر إلى ما يقاسيه الشعب الأفغاني من مآسٍ يُحبون أن يظهروا عظمتهم وجبروتهم أمام الأفغان، ومن خلال ممارسات العنف والتحقير يمنحون الأفغان إحساسا بالدونية والخضوع.

لعل الاقتصاد الإيراني الآخذ في التدهور أيضا من أسباب التعامل العنصري من الجانب الإيراني مع اللاجئين الأفغان. في العقود الماضية أعملت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات اقتصادية على إيران أدت إلى تدهور الاقتصاد الإيراني. وفق تصريح الحكومة الإيرانية فإن إيران في ظل العقوبة الاقتصادية غير قادرة على قبول اللاجئين،   كما تُظهر الدراسات التي أُقيمت في إيران أن وجود الأفغان يؤثر سلبا على سوق العمل الإيرانية ويقلل فرص العمل للإيرانيين في جميع القطاعات.

النتائج

الأعمال الأخيرة التي قام بها الجانب الإيراني وكذلك التعامل العنصري وممارسات العنف كفيلة بالتأثير سلبا على السياسات الاقتصادية والسياسية في المنطقة، كما أن هذه الممارسات تزيد الفجوة بين السلطات والشعب، وتزيد الكراهية بين أفراد الشعب تجاه الحكومة، كما تتسبب هذه الأعمال في شرخ وجاهة الدولة السياسية والاقتصادية لدى الدول الأخرى.

قد لا يتم تسليم مرتكبي الجريمة المذكورة للعدالة بسبب ضعف  الحكومة الأفغانية وإخفاقها على الصعيد الدبلوماسي، وستؤثر يقينا مثل هذه الأعمال على العلاقات الثنائية بين البلدين. الحكومة الأفغانية حافظت رغم ما تواجهه من تحديات على حيادها في ما يتعلق بالصراع الأمريكي – الإيراني. إذا لم تحقق الحكومة الإيرانية في هذا الحدث بشفافية ولم تعتذر من الشعب الأفغاني فقد يخدش ذلك على الحياد الأفغاني وقد يتسبب ذلك في منح الفرصة للجانب الأمريكي باستقطاب الحكومة الأفغانية إلى جانبها. بغض النظر عن ذلك فإن مقتلة نهر هلمند قضية جنائية وحقوقية فيها جانب يتعلق بحقوق العباد. لا أحد يستطيع أن يعفو عن حق الأفراد الذين قُتلوا في هذه المجزرة. إذا لم تقدر الحكومة الإيرانية على أي ردة فعل فلا أقل من أن تدفع ديات المقتولين إلى عوائلهم.

في الوقت الذي تضطرب فيه المنطقة بسبب الصراع الأمريكي الإيراني من جهة والحروب الجارية في أفغانستان من جهة أخرى، فإن مثل هذه الأحداث لا تصب في صالح أي من البلدين المتجاورين (إيران وأفغانستان). مثل هذه التصرفات ليست فقط غير إنسانية بل إنها تتسبب كذلك في إضعاف العلاقات الاقتصادية والسياسية المتبادلة. لذا على قادة كلا البلدين أن يسعوا بشكل مشترك لتسليم مرتكبي الجريمة إلى العدالة ومن جانب آخر عليهم أن يعززوا معاني التراحم بين الحكومات والشعوب، وأن يزيدوا الجهود لحفظ حسن الجوار والعلاقات الاقتصادية والسياسية المتبادلة الحسنة. 

المصادر:

 

https://www.acaps.org/country/iran/crisis/afghan-refugees

https://www.hrw.org/news/2013/11/20/iran-afghan-refugees-and-migrants-face-abuse

https://www.hrw.org/report/2013/11/20/unwelcome-guests/irans-violation-afghan-refugee-and-migrant-rights#48bb9b

https://www.theguardian.com/world/2013/nov/20/afghan-refugees-iran-face-harassment-report

https://pure.diis.dk/ws/files/732765/DIIS_RP_2016_11_WEB.pdf

https://www.khaama.com/hospitals-in-iran-refuse-to-treat-afghans-amid-coronavirus-pandemic-04533/

https://observers.france24.com/en/20200508-iran-afghanistan-migrants-afghan-drowned-river-border-guards

https://twitter.com/MHaneefAtmar/status/1257693856478515201

https://www.pashtovoa.com/a/afghan-gov-reaction-about-afghan-refguees-/5407991.html

https://www.pashtovoa.com/a/afghans-killed-in-iran-border-afg-gov-to-invistigate-it-/5402231.html  https://www.researchgate.net/publication/248706846  http://economic.mofidu.ac.ir/article_26118.html

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *