مؤتمرات متتابعة وعوائق كبرى في طريق السلام
ضمن عدد من المؤتمرات، شارك الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني في مؤتمر شهده مندوبو عدد من الدول في تاريخ 9/يوليو/2020م بغية إحداث اتفاق دولي حيال مفاوضات السلام مع طالبان. شارك في المؤتمر مندوبو نحو عشرين دولة، وقد صرحت السلطات الأفغانية أن المؤتمرات المذكورة ضمت نواب عدد من الدول منها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وبعض المنظمات الدولية مثل هيئة الأمم المتحدة ودول أخرى منها باكستان والهند وإيران والصين ومصر وقطر. أكد المشاركون في المؤتمرات تأييدهم لاستقلال أفغانستان ووحدتها وإحلال السلام بها كما أشاد المشاركون في المؤتمر بجهود الحكومة الأفغانية المبذولة لإحلال السلام، كما أعلن المشاركون استعدادهم لإعادة تأهيل أفغانستان بعد أن تُؤتي مفاوضات السلام نتائجها. كما طالب المشاركون من الحكومة الأفغانية أن تلتزم بالمواثيق الدولية المتعلقة بالحوكمة الرشيدة .
عقب ذلك بيوم أي في تاريخ 10/يوليو/2020م عُقد مؤتمر ثلاثي جمع بين مندوبي أفغانستان والصين وباكستان. وفق تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية فإن المؤتمر ضم مساعدي وزراء الخارجية بالدول المذكورة، حيث رحب مندوبو الصين وباكستان بمساعي أفغانستان للإفراج عن السجناء المنتمين إلى طالبان كما طلبوا من تنظيم طالبان أن يتركوا ممارسات العنف وأن يتخذوا خطوات عملية في طريق إحلال السلام. عُقدت هذه المؤتمرات في وقت وصلت فيه مفاوضات السلام الأفغانية إلى طريق مسدود، كما أن سبب ذلك فُسر بعدم إفراج الحكومة الأفغانية عن عدد من المعتقلين المنتمين لطالبان. الأمر الذي لا جدال فيه هو أن تنظيم طالبان أقل من أبدى التجاوب والتنازلات حيال بدء مفاوضات السلام الأفغانية الداخلية .
إضافة إلى ذلك فإن المبعوث الأمريكي الخاص للسلام الأفغاني زلمي خليلزاد كان قد اتفق مع النائب السياسي لتنظيم طالبان الملا برادر على أن تبدأ مفاوضات السلام الداخلية في تاريخ 4/يوليو/2020م حسب التنظيم نفسه. صرح خليلزاد أن أي تأخير في بدء مفاوضات السلام سيعطي الفرصة لمخالفیّ ملف السلام بالتدخل فيه وإفساده. في بيان إخباري لتنظيم طالبان ذُكر أن مُلا برادر اجتمع بآدم بولر وتحدثا حول التنمية الاقتصادية وإعادة تأهيل أفغانستان ومقترحات المنظمة الأمريكية للتنمية الدولية التي قدمتها لدول المنطقة. من المواضيع التي طُرقت في الحديث بين زلمي خليلزاد والسلطات الأفغانية: تقليل العنف والإفراج عن سجناء كلا الطرفين.
من مجموع 5 آلاف من السجناء المنتمين لطالبان، أفرجت الحكومة حتى الآن أکثر من أربعة آلاف، ومن المُزمع أن يتم الإفراج عن عدد آخر خلال هذا الأسبوع. رغم أن تاريخ بدء مفاوضات السلام الأفغانية الداخلية مازال غير مُعلن عنه، إلا أن بعض المصادر تذكر أن المفاوضات ستبدأ خلال الشهر الميلادي الجاري .
تأتي مشاركة الرئيس الأفغاني في مؤتمرات السلام مع نظرائه في المنطقة ضمن جهود الحكومة لإقناع دول المنطقة حيال إحلال السلام، كما أن من أهداف هذه المؤتمرات الحصول على تأييد مسيرة السلام من الدول والمنظمات ذات العلاقة بالملف الأفغاني، مع عرض لما بذلته الحكومة الأفغانية في هذا الصدد. إلا أن الكثير من محللي شؤون السلام يشكون في مصداقية الحكومة تجاه ملف السلام.
العوائق والتحديات
لا شك أن من أهم ما ينبغي عمله لإنهاء الحرب والوصول إلى السلام القضاء على العوامل التي تساعد على استمرارية الحرب، وبناء على ذلك يمكن القول بأن المؤتمرات الثنائية ومتعددة الأطراف لا تقدر على أن تُنتج ما تتوخاه إلا إذا حُددت العوامل الأساسية المُستثيرة للحرب ومن ثم تتم إزالتها. هناك حاليا موانع عديدة تعترض طريق السلام، كما أن الشخصيات السياسية في البلد والتيارات الناشطة في الشؤون السياسية داخل أفغانستان تتبنى رؤى مختلفة وأحيانا متضادة حيال السلام، كما أنه لا يوجد حاليا أي إجماع سياسي يحدد آلية المفاوضات المنشودة والنسبة التي ينبغي تخصيصها للمعارضة المسلحة في المسار السياسي الأفغاني وطريقة التعامل مع ممارسات المعارضة المسلحة.
من ضمن الموانع الكبرى التي تعترض طريق السلام تدخل الدول الأجنبية. الأحداث الجارية في البلد تؤكد للناظر أن نجاح عملية السلام الأفغاني واستقرار البلد تحتَ سيطرة دول أخرى لها مصالح كبرى في أفغانستان كما أن هذه الدول تحتاج إلى استمرار العنف في أفغانستان كذريعة تُبرر حضورها وتدخلها في شؤون المنطقة. هذه الدول ترقب السلام الأفغاني بمنظارها لا بمنظار الشعب الأفغاني.
كما أن أفغانستان تحتل الدرجة الخامسة ضمن أفقر الدول في العالم، مما يُبين سوء الحالة الاقتصادية في البلد. كما أن أفغانستان من ناحية الدعم العسكري بحاجة ماسة إلى ما تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية، واحتياج بلد إلى بلد آخر في الشؤون الاقتصادية يعني تقيده بذلك البلد في الملف السياسي كذلك، ومن ثم لا يقدر البلد المحتاج أن يُدير علاقاته السياسية بشكل حر .
الشأن الآخر المثير للاختلاف هو الإفراج عن المعتقلين المنتمين لطالبان. يُطالب تنظيم طالبان بأن تُفرج الحكومة الأفغانية عن قادة المعارضة المسلحة وعن أشخاص اتهمتهم الحكومة الأفغانية بإشعال الحرب والإرهاب والتعدي على حقوق المواطنين. ولذا فإن عملية الإفراج عن عدد 5 آلاف سجين قد تعثّرت، مما صار حجر عثرة في طرق بدء مفاوضات السلام الأفغانية الداخلية.
العوائق الأخرى التي تعترض طريق السلام تتمثل في اضطراب السياسية الخارجية للحكومة الأفغانية، وذلك أن مصالح إيران وروسيا في أفغانستان تتعارض مع مصالح الحكومة الأمريكية ونفس القضية تنطبق على مصالح الهند التي تقابلها مصالح الحكومة الباكستانية. على الحكومة الأفغانية أن تتخذ موقفا حاسما حيال ملف السلام وأن تُقنع الدول المجاورة بأن السلام علاوة على كونه ضرورة للشعب الأفغاني فإنه كذلك يصب في صالح دول المنطقة.
كريم بوبل محلل سياسي يعيش في أوروبا، وقد كتب في منشور له: في شهر حوت من عام 1395هـ شـ سلّمت وزارة الداخلية الأفغانية قائمة بالتنظيمات الإرهابية في أفغانستان للإنتربول الدولي، وقد ضمت القائمة بالإضافة إلى طالبان تنظيمات أخرى تنشط ضد الحكومة الأفغانية ومعظمهم مجرمو حرب دوليون وقد تورطوا في مقتل الآلاف. هناك نحو 168 جماعة مسلحة – ما بين جماعات كبرى صغرى – تنشط في العمليات الإرهابية في أفغانستان .
يتضح مما سبق أن الحكومة الأفغانية لا تتعارك فقط مع تنظيم طالبان وإنما هي داخلة في حرب مع تنظيمات أخرى كذلك تنشط باسم طالبان. نجاح عملية السلام مع طالبان سيكشف الستر عن عن أنشطة الجماعات الإرهابية الأخرى التي تفسد السلام لأجل أن تستمر في عملياتها باسم تنظيم طالبان.
هناك عوامل أخرى أدت إلى تباطؤ عملية السلام منها عدم اهتمام الدول الإسلامية بحل أزمة أفغانستان ودعم بعضها للجماعات المعارِضة المسلحة، ومن العوامل كذلك: ضعف سياسات الحكم في أفغانستان وضعف سيطرتها على الحكم، والتقلبات والاضطرابات السياسية والمناوشات بين القادة السياسييين، وضعف ثقة الشعب في الحكومة، وحضور الدول الأجنبية في أفغانستان.
في هذا الخضم فإن اشتداد أوار الهجمات التي تشنها الجماعات المعارِضة المسلحة في مختلف محافظات أفغانستان تسبب في إضعاف الآمال حيال السلام. مع أن تنظيم طالبان نفى علاقته بهذه الهجمات، إلا أن عدم إعلان التنظيم لوقف إطلاق النار يجعل من الصعب قطع العلاقة بين هذه الهجمات وتنظيم طالبان. إن إعلان تنظيم طالبان لوقف إطلاق النار سيعني حسن نوايا التنظيم والتزامهم الحقيقي بمفاوضات السلام كما أنه سيمنع تبادر اتهام طالبان إلى أذهان العامة بعد حدوث أي حدث إرهابي في البلد. وجدير بالذكر كذلك أن الحكومة الأفغانية تقوم بعمليات مسلحة ضد طالبان لا تخلو من تأثير سلبي ملحوظ على عملية السلام.
خلال العقود الأربعة الماضية قاست أفغانستان آلام الحرب بشكل مستمر إلا أن الجهود المبذولة لإحلال السلام كانت ضئيلة. والآن حين صارت الظروف موائمة للسلام على كافة الأفغان أن يستغلوا الفرصة أحسن استغلال حتى ينعم البلد بالسلام. إن الشعب الأفغاني الذي يُعد هو المتضرر الأول والأخير من الاضطرابات الأمنية كان ومازال يؤيد ملف السلام. في هذه الفترة دخلت عملية السلام مسارا جديدا، ويستطيع الأفغان من خلال المفاوضات الداخلية والعمل الدؤوب على إزالة ما يُثير الحرب والعنف أن ينجحوا في إحلال السلام الدائم والعادل في البلد.