الاحتفال باليوم الدولي للسلام، في عالم مليء بالحروب
اصطلح أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة ضمن جلستهم بتاريخ 21/سبتمبر/1981م على تسمية هذا اليوم باليوم الدولي للسلام، وكان الدافع لذلك هو تعزيز قيم السلام بين كافة الدول. ورد في بيان الجمعية العامة للأمم المتحدة ما نصه: “ينبغي أن يُستغل هذا اليوم للحفاظ على قيم السلام وتعزيزها بين مختلف الدول ومختلف العرقيات، وفيما بين أفرادها على المستوى الداخلي أيضاً”[1]
مفهوم السلام
أهم وأولى هدف في العلاقات الدولية هو الحفاظ على السلام والأمن الدولي، وقد أُنيطت مسؤولية هذا الهدف بمجلس الأمن بهيئة الأمم المتحدة وفق المادة رقم 24 من ميثاق الأمم المتحدة. تفيد كلمة السلام معاني الصلح والوئام والتوافق. وفي الثقافة السياسية تُطلق على حالة السلم والعلاقات الثنائية العادية مع الدول الأخرى مع انعدام حالة الحرب وأنظمة العنف. كما أن التعايش السلمي في العلاقات الدولية تعني الالتزام بحقوق الدول في الحكم، والمساواة، والأمن، واستقلال أرض الدولة سواء كانت صغيرة أو كبيرة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والالتزام بالمواثيق والقرارات الدولية[2].
إن حفظ نسل الإنسان والحفاظ على أمن البشر من مقاصد الإسلام. ومن هنا جعل الإسلامُ العلاقات بين المسلمين والأمم الأخرى قائمة على السلام والود. إن الإسلام لا يُبيح لمعتنقيه أن يقتلوا شخصا بسبب اختلاف العقيدة. كما أن العلاقات بين المجتمع الإسلامي والمجتمعات الأخرى ينبغي أن تكون مبنيةً على العدل والاحترام المُتبادل؛ وحين نُطلق كلمة العدل فإن ذلك يشمل العدل حتى مع أعداء الحكومة الإسلامية. في الآية رقم 8 من سورة الممتحنة يأمر الله تعالى عباده أمراً جليل قائلا: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين”
إن الإسلام يؤكد غاية التأكيد على أهمية عيش الناس في سلم وأمان. حتى أن الإسلام قد وجّه المسلمين بقبول اقتراح السلام من العدو إذا أحس العدو بالضعف ومال إلى الصلح، قال تعالى في سورة الأنفال، الآية 61: “وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم”.
تم التعبير عن السِّلم في المتون الفقهية بعبارة (التراضي والتسالم على أمر). كما أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أعلن عن دينه خالفه الكثيرون من قبائل مختلفة، وقد حصلت حروب حيال ذلك بعد هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. وبعد هذه الحروب التي امتدت قرابة ست سنوات، تبنى النبي صلى الله عليه وسلم إستراتيجية السلم، ومن أبرز معالم ذلك صلح الحديبية[3].
إن تعامل النبي صلى الله عليه وسلم في مجال السياسة الخارجية كان أصالةً مبنيا على الدعوة، واستمر ذلك حتى بعد تأسيس الحكومة الإسلامية بالمدينة المنورة وبعد فتح مكة. وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم خطابات لقادة الأمم غير المسلمة دعاهم فيها إلى الإِسلام، وهذا يدل على أن الإسلام كان يهتم – بحسب ظروف الزمان – على أن يؤسس تعاملته على قاعدة السِّلم.
الحروب الجارية في العالم
الحرب مصطلح يُطلق على ممارسات القهر التي تُعمل من قبل دولة على دولة أخرى لتُخضعها تحت سلطانها. وفق رؤية المفكر الشهير كلاوتزويتز فإن “الحرب هي استمرار للعملية السياسية بوسائل مختلفة”.
هنا يُطرح سؤال: من هو المستفيد من الحروب الجارية في حين أن الإنسانية قد سئمت من الحروب؟ إذا لم تكن هناك حروب فلن تُضطر الدول لشراء الأسلحة من مراكز القوى العالمية. إن الشركات الأمنية ومصانع إنتاج الأسلحة بحاجة إلى خلق ذرائع لتبيع أسلحتها، ولذا تُخطط لاستمرار الحروب في جميع دول العالم، ومن خلال ذلك يزداد حجم إيرادات حكوماتها من خلال الضرائب وكذلك تكسب هذه الشركات مليارات الدولارات. هذا النوع من الشركات يتوافر في معظم دول العالم، كما أن أكبر ست شركات مُصنعة للسلاح هي شركات أمريكية تكسب معظم الأرباح من بيع الأسلحة في العالم[4].
إن الحرب في المجتمعات المعاصرة وليدة عوامل نظرية وعملية معقدة، منها مصالح المصانع الكبرى لإنتاج الأسلحة. نستطيع القول بأن خلف جميع الحروب الجارية في دول العالم الثالث توجد ملامح تجار الأسلحة وقد استطاعوا أن يتغلغلوا إلى أعلى المناصب في الدول المُنتجة للسلاح.
اندلعت اشتباكات كثيرة بين الجماعات والدول في أنحاء مختلفة من العالم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وقد أخذت تلك الاشتباكات منحىً تصاعديا وجرّت إلى دوامتها دولا كثيرة. وفق دراسات معهد الاقتصاد والسلام فإن منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا (العراق، سوريا، اليمن، ليبيا، مصر، السودان، السوادان الجنوبية، فلسطين، إيران، تركيا، الصومال، نيجيريا) هي البُقع التي شهدت أشد الحروب عنفا وكانت أبعد ما تكون من السلام في عام 2019م. مع التذكير بأن الحروب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ليست ظاهرة جديدة، وإنما هي ظاهرة ترجع إلى زمن اكتشاف النفط. وبالتالي فإن المصالح المترتبة على استخراج وتبادل النفط وإمكانية حصول الدول الصناعية الكبرى على النفط المتوفر في المنطقة المذكورة بثمن رخيص من أسباب استمرار الحرب هناك.
من ناحية أخرى، فإن وجود الحكومات المستبدة والعميلة للغرب تسبب في فترات متلاحقة قيام ثورات تنشد الإطاحة بالحكومات، وقد أدى ذلك إلى نشوء انقلابات اجتماعية ونشوء حروب أهلية. إن الثورات التي قامت مع بداية عام 2011م في عدة دول في الشام وشمال أفريقيا وسُميت فيما بعد بالربيع العربي كانت ثورات شعبية قامت ضد فساد واستبداد الحكومات التي سقط بعضها سريعا إثر الثورات، كما أن البعض الآخر من الحكومات أشعلت فتيل العنف والحرب الداخلية وفتحوا الأبواب للتدخلات الأجنبية.
من جانب آخر فإن هناك أيادي خفية خلف الاضطرابات التي نشأت في دول مختلفة من العالم ومنها الحروب الأهلية في أفغانستان، والأزمة الحاصلة في فنزويلا، وأوكراينا وميانمار والكونغو وغيرها من الدول. إن الدول المُحركة لهذه الاضطرابات تهدف بإثارتها للعنف إلى تشكيل اتحادات مع حليفاتها وتعتزم كسب حلفاء جدد عبر طرق إجبارية أو اختيارية أو عبر تغيير سياساتها الخارجية تجاهها لتُنجح بعضها على حساب منافسيها. في حين أن الدول الكبرى تبدو في الظاهر حاميةً لحمى السلام والأمن الدولي وراعية لمدونات حقوق الإنسان، إلا أنها تلتزم بهذا كله حيث لا تتعرض مصالحهم للخطر، كما أنها ترعى داعية السلام لتُبرر لأعمالها العدوانية.
السلام؛ ضالة الأفغان المنشودة
مع أن الحروب الدائرة في أفغانستان جارية منذ أكثر من أربعة عقود، إلا أن الحرب التي اندلعت منذ عام 2001م بين الحكومة الأفغانية وطالبان قد ألحقت خسائر كبيرة بالشعب الأفغاني. في هذه الحرب سقط ضحايا من طرفَي النزاع، كما أن معظم الضحايا من المدنيين. وفق إحصائية معهد واتسون فقد راح ضحية هذه الحرب في الفترة بين عام 2001م وعام 2015 عدد 111000 قتيل في أفغانستان. ووفق تصريحات الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني فقد قُتل عدد 28592 شرطي وجندي أفغاني في الفترة بين عام 2013م وعام 2015م. أما الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها أفغانستان بفعل الحرب بلغت وفق تقدير جامعة أوكسفورد مبلغ 20,815 مليار دولار، في حين أن الميزانية التنموية السنوية للبلد في السنوات الأخيرة لم تتعدّ مبلغ 1.6 مليار دولار[5].
قامت مؤسسة Asia Foundation بعمل دراسة استقصائية عام 2019 م حول قضیة الصلح فی افغانستان. وتفيد هذه الدراسة أن نسبة 89% من الشعب الأفغاني يؤيدون عملية مفاوضات السلام مع طالبان؛ كما أن نسبة 64% من الشعب الأفغاني يرون أن السلام ممكن مع طالبان. تم عمل الدراسة المذكورة على أساس إجراء محادثات مع عدد 17,812 رجل وامرأة، في ولايات أفغانستان البالغ عددها 34 ولاية. ولهذا رحب الشعب الأفغاني بالاتفاقية الموقعة في فبراير/2020م بين الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان. وعَقِبَ توقيع الاتفاقية تم تدشين محادثات السلام المباشرة بين لجنة طالبان والوفد المشترك المكون من مندوبي الحكومة والشخصيات السياسية بأفغانستان في تاريخ 5/سبتمبر/2020م بحضور مندوبي المجتمع الدولي في الدوحة عاصمة قطر. وحتى لحظة كتابة هذه السطور فإن اللجنة المشتركة منشغلة بالتفاوض حول خارطة طريق المفاوضات الأفغانية الداخلية للسلام بالدوحة، كما أن الشعب الأفغاني ينتظر بفارغ الصبر سماع النتائج الطيبة التي ستُثمرها هذه المفاوضات.
نأمل أن يكون محادثات الدوحة فاتحة خير للسلام الحقيقي ووقف إطلاق النار في البلد بشكل كامل ودائم.
[2]علوم سیاسی دعوت، جنگ، صلح. تهران: موسسه نی شیر، خانی. (۱۳۹۰).
[3] https://www.islamquest.net/fa/
[4] https://www.nunn.asia/150982/%D8%AC%D9%86%DA%AF-%D9%87%D8%A7%DB%8C-%D8%AC%D8%A7%D8%B1%DB%8C-%D9%88-%D8%B5%D9%84%D8%AD- /
[5] https://www.nunn.asia/150982/%D8%AC%D9%86%DA%AF-%D9%87%D8%A7%DB%8C-%D8%AC%D8%A7%D8%B1%DB%8C-%D9%88-%D8%B5%D9%84%D8%AD-%DA%AF%D9%85%D8%B4%D8%AF%D9%87-%D8%AC%D9%87%D8%A7%D9%86-%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B5%D8%B1/