السلام الأفغاني؛ وزيارة قلب الدين حكمتيار لباكستان
ازدادت في الآونة الأخيرة زيارات الساسة الأفغان إلى دولة باكستان بدعوات رسمية منها. وفي هذا السياق قام قلب الدين حكمتيار بزيارة باكستان بدعوة من رئيس مجلس الوزراء الباكستاني عمران خان واستمرت الزيارة لثلاثة أيام. وقبل هذه الزيارة بثلاثة أسابيع قام رئيس مجلس المصالحة الوطنية د. عبدالله عبدالله بزيارة رسمية إلى دولة باكستان بدعوة من عمران خان، كذلك. وقد حرصت باكستان قبل دعوة الشخصيات السياسية من داخل أفغانستان أن تدعو أعضاء حركة طالبان المقيمين في قطر الی باکستان، حيث سافر وفد من حركة طالبان برئاسة الملا عبد الغني برادر إلى إسلام آباد في تاريخ 24/أغسطس/2020م، وقبل سفر الوفد المذكور دُعي عدد من الشخصيات السياسية الأفغانية – منهم محمد محقق – إلى إسلام آباد، وقد استجابوا للدعوة.[1]
لماذا ازدادت في الآونة الأخيرة الزيارات من الجانب الأفغاني إلى باكستان؟ وما تأثيرات هذه الزيارات على مسار السلام الأفغاني؟ أسئلة نسعى للإجابة عنها في هذا المقال.
تقييم إجمالي لسفر المهندس حكمتيار إلى باكستان
وفق تصريح السفير الباكستاني لدى أفغانستان منصور احمد خان فإن السياسة التي اتخذتها دولة باكستان حيال محادثات السلام الأفغاني الداخلية تقتضي تعزيز علاقاتها بالشخصيات السياسية الأفغانية بالإضافة إلى حكومة محمد أشرف غني، وذلك بهدف إنجاح عملية السلام. وفي إطار هذه السياسة سافر وفد حركة طالبان برئاسة الملا عبد الغني برادر إلى إسلام آباد، وأعقب ذلك سفر رئيس مجلس المصالحة الوطنية بالحكومة الأفغانية د. عبد الله عبد الله إلى إسلام آباد بدعوة رسمية من رئيس مجلس الوزراء الباكستاني عمران خان. مع أنه حتى الآن لم يُر تقدمٌ ملحوظ في مفاوضات السلام الداخلية إلا أن السلطات الباكستانية خلال استضافتها لأعضاء حركة طالبان والمسؤولين الحكوميين الأفغان قدمت وعودا بالعمل على إنجاح السلام وتوسيع التجارة والعلاقات الثنائية بين البلدين.
المهندس حكمتيار لعب دورا مهما في الجهاد الأفغاني في ثمانينات القرن الماضي ضد القوات السوفيتية، وکان له علاقات وطيدة مع دولة باكستان. إلا أن علاقاته بباكستان قد ضعفت خلال فترة حكومة طالبان لدرجة أنه طلب اللجوء فی آخرالمطاف الی إيران. وفي ديسمبر/2001م خرج من إيران عقب الهجوم الأمريكي على أفغانستان ووقف بجانب طالبان متخذا موقفا معاديا للاحتلال الأمريكي. ولکن بعد توقيع اتفاقية السلام مع حكومة الوحدة الوطنية برئاسة محمد أشرف غني عام 2016م وعاد إلى كابول بعد مدة طويلة من العيش في المنفی.[2]
في الزيارة الرسمية التي قام بها المهندس قلب الدين حكمتيار إلى باكستان والمنعقدة بتاريخ 18/أكتوبر/2020م والتي استمرت لثلاثة أيام التقى حكمتيار برئيس الوزراء عمران خان، ورؤساء مجلسی الشيوخ والنواب (أسد قيصر وصادق سنجراني) کما التقی بوزير الخارجية شاه محمود قريشي وقادة عدد من الأحزاب السياسية.[3]
وقد أعلنت وزارة الخارجية الباكستانية في بيان قبل سفر حكمتيار أنه سيتم تبادل الآراء حيال السلام الأفغاني، كما ستتم مناقشة قضايا تتعلق بتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين والشعبين الباكستاني والأفغاني.
بشكل عام ينبغي تقييم زيارات الساسة الأفغان إلى باكستان بشكل إيجابي، وذلك لأن هذه الزيارات تعزز العلاقات الثنائية بين البلدين تساعد على تسريع مسار السلام الأفغاني. وقد واجهه حكمتيار عقب سفره إلى باكستان عدة انتقادات، منها الخروج من العُرف الدبلوماسي وتوجيه انتقادات لاذعة حين سفره لكل من الهند وإيران واتهامهما صراحة بمخالفة عملية السلام الأفغاني. والمفروض من ای سفير للسلام استخدام لغة هادئة تجاه الجميع وانتقاء الألفاظ التي تفيد الوئام والإصلاح.
الزيارات المتعاقبة وتأثيراتها على السلام
زيارة المهندس حكمتيار والشخصيات السياسية الأفغانية الأخرى لباكستان في الآونة الأخيرة تدل على أن رجال باكستان بدؤوا في الحصول على دعم الشخصيات السياسية الأفغانية لأجل توسيع العلاقات مع الحكومة الأفغانية القادمة، و قد يكون الدافع هو تظاهر باكستان لحركة طالبان أن لديها علاقات وطيدة بالجهات الأفغانية الأخرى. وفي سياق هذه السياسة الجديدة لدى الحكومة الباكستانية، سافر وفد أفغاني مشكل من 17 شخصا يرأسهم رئيس مجلس الشعب الأفغاني مير رحمن رحماني بزيارة إلى باكستان في تاريخ 23/أكتوبر/2020م بدعوة رسمية من رئيس البرلمان الباكستاني، عقب سفر حكمتيار..[4]
في المتؤتمر المنعقد حول الاستثمار بأفغانستان وباكستان والذي عُقد إبان زيارة رئيس البرلمان الأفغاني إلى باكستان، صرح رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بأن لدى باكستان مخاوف حيال استغلال الهند لأرض أفغانستان بما يضاد مصالح باكستان. بالنظر إلى تصريح رئيس الوزراء الباكستاني، نستنتج أن باكستان قد لا تلعب الدور الذي يُصرح به مسؤولوها حيال السلام الأفغاني، ولعل سبب ذلك هو أن حركة طالبان لم تبق – كما كانت في السابق – تحت ضغط الحكومة الباكستانية. لذا لم تقتصر الحكومة الباكستانية على السعي في توطيد علاقاتها بالحكومة الأفغانية فحسب وإنما سعت كذلك لتحسين علاقاتها بمخالفي سياسات الحكومة الأفغانية حتى تُعمل ضغطا على حركة طالبان، ومن جانبٍ آخر تستقطب دعم الساسة الأفغان وتدفع الحكومة الأفغانية إلى أن تبقى محافظة على مصالح باكستان بعد استقرار السلام.
يؤيد السيد حكمتيار فكرة تشكيل الحكومة المؤقتة. وذلك فی حد قوله لأن طالبان لا ترغب في العمل مع الحكومة الحالية. كما يسعى حكمتيار لجمع الأحزاب السياسية والجهادية والتفاوض بشكل مشترك ومباشر مع طالبان، بعيداً عن الوفد الحکومی، مما يبدو سعيا غير ذي طائل، وإذا افترضنا وقوع المفاوضات بهذا الشكل فإن ذلك سيضع علامات استفهام على الإجماع الوطني الداخلي حيال السلام. قبل انقعاد الانتخابات الرئاسية الأخيرة؛ طالب عدد من الساسة بتشكيل حكومة مؤقتة، إلا أن هذه المطالبات قد ضعفت مع بدء الانتخابات الرئاسية السابقة.
من جانب آخر فقد أدت التحركات الأمريكية والباكستانية الأخيرة إلى كسر صمت الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، حيث عد كل معاملة مخفية حيال السلام الأفغاني أمراً مرفوضا.
على الساسة الأفغان والناشطين في ملف السلام أن يستفلوا ای فرصةٍ لتحسين علاقات مع دول الجوار ولکن لا يجعلوا أرض أفغانستان ميدانا لمنافسات الهند وباكستان، وأن يجتنبوا إدلاء أي تصريحات تضر بمسار السلام بالنظر في الوضع الحرج الذي تمر فيه.
إن زيارات الساسة الأفغان إلى باكستان والدول المجاورة قد تعزز العلاقات الثنائية وتسرّع عملية السلام الأفغاني، شريطة وضع المنافسات الإقليمية في الحسبان، ووضع مصالح أفغانستان وإرساء السلام على رأس الأهداف والأولويات.
[1] https://www.arabnews.pk/node/1753396
[2] https://www.aa.com.tr/en/asia-pacific/hekmatyar-in-pakistan-to-further-afghan-peace-process/2011583
[3] https://www.dawn.com/news/1585894/gulbuddin-hekmatyar-says-afghans-consider-pakistan-as-a-second-home
[4] https://www.pakistantoday.com.pk/2020/10/22/afghan-parliamentary-delegation-due-in-islamabad-on-friday/