حركة طالبان والخلافات الداخلية.. كيف وإلى أين؟
مع الإعلان عن وفاة الملا محمد عمر زعيم حركة طالبان السابق، خالف بعض الرموز في الحركة انتخاب الملا أختر زعيما جديدا للحركة، ورأى هؤلاء بأن الانتخاب جاء بأسلوب غير صحيح.
ظهور الخلافات في أي مجموعة بعد رحيل زعيمها أمر معتاد إلى حد كبير، لكن إخفاء وفاة زعيم طالبان لأكثر من سنتين، كان عاملا كبيرا لهذا الخلاف تبعته أمور أخرى فزادت من حدة الخلافات.
اعترض طيب آغا رئيس مكتب طالبان في قطر ومن المقربين للملا محمد عمر، على إخفاء هذا السر عنه، كما واعترض على انتخاب الزعيم الجديد داخل باكستان. واعتزلت عائلة الملا محمد عمر الساحة بإعلانها الحياد أمام الخلافات.
في البداية كانت هذه الاعتراضات بشكل سياسي، فسارع عدد من العلماء لعقد جلسات مع الجهات المختلفة لحلها، ومن جهة أخرى لم تكن لدى مخالفي الملا أختر رؤية واحدة، لذلك لم تكن الخلافات تبدو جادة لعدم تسربها إلى صفوف الحركة العامة، لكن نطاقها توسعت شيئا فشيئا.
خلافات في صفوف القتال
كان يبدو أولا أن الملا عبدالقيوم ذاكر سيخالف الملا أختر لوجود شائعات كثيرة من سنوات حول خلافه مع الأخير، والملا عبدالقيوم رجل ذو ثقل في الحركة، لكن ذلك لم يحدث، ورجح عبدالقيوم بيعة الملا أختر لخلافه مع مخالفي الملا أختر منصور.
لكنه وفي الأيام الأخيرة عززت رسالة صوتية للملا منصور داد الله الشائعات القائلة عن اتساع الخلافات إلى الصفوف القتالية في طالبان. وتحدثت وسائل الإعلام عن حدوث القتال بين الملا أختر محمد منصور، والملا منصور داد الله، إلا أن حركة طالبان رفضت هذه التقارير ولم تأت في كلمة الملا منصور داد الله أي إشارة إلى أي تقاتل.
وادعى منصور داد الله في كلمة تناقلته وسائل الإعلام، بأن زعماء طالبان يتم انتخابهم في باكستان ومن قبل “آي إس آي”، أو المخابرات الباكستانية. وهو تصريح يُعتبر محاولة منه لترغيب مقاتلين كارهين لباكستان، في الحركة في أن ينضموا إلى مجموعته. وأشار داد الله إلى وعود عرضتها المخابرات الباكستانية له، بمنحه ثلث الإمكانيات الموفرة لطالبان، لكنه رفض ذلك على حد قوله.
أثر مخالفة منصور داد الله
والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه هنا بشدة هو: هل يستطيع منصور داد الله بأن يجلب دعم مجموعة كبيرة من طالبان لنفسه، وأن يحمل هذه المجموعة على مخالفة الزعيم الجديد؟ بالنظر إلى شخصية منصور داد الله يبدو ذلك بيعدا عنه.
منصور داد الله الأخ الأكبر للملا داد الله قائد مشهور في حركة طالبان. أتهم أثناء حكم طالبان بالقتل الجماعي شمالي أفغانستان، ونزع الملا عمر السلاح عنه.
بعد سقوط حكم طالبان، وفيما لم تقرر بد الزعامة في طالبان بدء حرب مع النظام الجديد في أفغانستان، حاول الملا داد الله فتح جبهة قتال. وحينما جاءت القوات الأجنية إلى أفغانستان، كان الملا داد الله قائدا قويا في ولاية هلمند، ومعه الآلاف من المقاتلين.
عام 2007م، قُتل الملا داد الله أثناء القتال مع القوات الأجنبية في مديرية “نهرسراج”، بولاية هلمند، وخلفه أخوه منصور ليرث منه الشهرة والاسم العائلي.
وفي عام 2008م، وبعد أن فشى خبر لقاء منصور مع مايكل وماروين عاملين إنجليزيَيْن لمكتب الاتحاد الأوروبّي في كابول، عزله الملا محمد عمر وتركه أتباعه المقاتلون. بعد أن نشر منصور داد الله رسالة صوتية، نشرت حركة طالبان رسالة صوتية للملا محمد عمر يعزله فيها عن القيادة، الأغلب أن الرسالة تم ضبطها عام 2007م[1].
بعد عزله، وأثناء السفر إلى إقليم بلوشستان الباكستانية، تم قبضه مع أخيه الأكبر حاجي لالا، من قبل القوات الباكستانية، وقبع في السجن إلى عام 2013م. عندما طلب الحكومة الأفغانية من الجانب الباكستاني إطلاق سراح قادة طالبان، راسل المسؤولون الباكستانيون رؤساء قبيلة “كاكر”، (منصور ينتمي إلى هذه القبيلة)، في بلوسشتان بأنهم إذا ضمنوا عدم انخراط منصور داد الله في الأنشطة العسكرية ضد القوات الأجنبية في أفغانستان، سوف يُطلق سراحه. حاول رؤساء القبيلة الحصول على ضمانة من قادة طالبان، لكنهم امتنعوا وبقي منصور داد الله في السجن لفترة أخرى بلغت شهورا، وقال له الباكستانيون بأن طالبان أفغانستان لا يعتبرونه منهم.
بعد إطلاق سراحه كان منصور يعيش في منطقة “جوب”، لإقليم بلوشستا من دون أنشطة عسكرية حسب وعده للقبيلة، لكنه ذهب إلى ولاية زابل الأفغانية والتحق به أفراد من قبيلته. نشرت وسائل الإعلام بداية بأن منصور داد الله قام لدعم داعش، لكنه رفض ذلك في حوار صحفي وأعلن ولائه للملا محمد عمر.
بعد الإعلان عن وفاة الملا محمد عمر، وصل إلى نتيجة بأن الملا أختر هو الذي لم يرغب في خروجه من السجن، فحقد مع الملا أختر وبدأ يخالفه.
مستقبل الخلافات الداخلية في طالبان
منذ أن تم الإعلان بوفاة الملا محمد عمر، ارتفعت أصوات مناهضة للزعامة الجديدة من قبل بعض القادة في الحركة واهتم بها الزعيم الجديد أيضا. وفي أول كلمة له بعد المبايعة معه زعيما لطالبان، قال الملا أختر إنه سيحاول أن يحل عدم الرضا، عبر التفاهم والتفاوض.
وقال عبدالحي مطمئن أحد المقربين من الملا أختر صراحة، إن الذين انشغلوا طيلة السنوات الأخيرة بالمتاجرة بدلا من الكفاح المسلح لا يحق لهم أن يخالفوا الزعامة الجديدة. وكانت تلك إشارة إلى قادة في الحركة شاركوا في محادثات السلام مع الحكومة الأفغان وبرعاية باكستانية.
ومع ذلك لم تصل هذه الخلافات إلى ساحة القتال، وهي قضية تُعتبر مصدر قلق لحركة طالبان في الحال والمستقبل. وفيما استطاع منصور داد الله بأن يحصل على دعم قادة عسكريين في الحركة، سوف تواجه الزعامة الجديدة في طالبان تحديا كبيرا، ومن الممكن أن تنقسم حركة طالبان إلى جزءَيْن. وهو أمر سوف تستغل داعش منه كثيرا، لأنه لم يتمكن بعد من إثبات وجود مؤثر له في أفغانستان، والدليل على ذلك هو الوحدة في صفوف طالبان، فإن التحقت مجموعة من طالبان إلى داعش، سوف تعتبر هذه المجموعة الجديدة نفسها بديلا لطالبان وستعزز من تواجدها في أرجاء البلد.
سؤال آخر يُطرح. هل سيؤثر ضعف طالبان على عملية السلام الأفغانية؟ يرى بعض المحللين أن على الحكومة الأفغانية أن تستغل من هذه الفرصة، وأن تسرّع عملية الانقسام في طالبان بأسلوب استخباري، كي تلتحق بالحكومة الأفغانية مجموعات من طالبان ترغب في السلام.
لكن الحقيقة أمر آخر، وهي أن الخلافات الموجودة في طالبان ليست بسبب الموقف من عملية السلام. فإن السلام لم يُطرح بعد في أوساط طالبان كضرورة، لأن الأوساط العسكرية وهي التي يؤثر انقسامها على وحدة طالبان، لا زالت على رؤية واحدة وهي أن القتال أمر ضروري ما دامت القوات الأجنبية متواجدة في أفغانستان.
وفيما حدث الانقسام فعلا في صفوف طالبان، يمكن له أن يكون إنجازا كبيرا للحكومة الأفغانية. لأن يقلل من ضغط الحرب، لكنه ينتج مجموعات أكثر تطرفا من دون أي برنامج للسلام.
النهاية
[1] See online:
http://www.bbc.com/pashto/afghanistan/2015/09/150910_hh-mulla-omar-message