إمكانية تعاون الصين وروسيا العسكري مع أفغانستان
مع تقليص القوات الأمريكية في أفغانستان، وتوسع نطاق الحرب في البلد، يبدو أن الدول الإقليمية تريد أن تمنع وصول الدعايات السلبية للأزمة الأفغانية إلى داخلها. الصين وروسيا من الدول الجارة لأفغانستان ويُقلقهما الوضع الأفغاني، وخاصة بعد بدء أنشطة تنظيم “الدولة الإسلامية”، في أفغانستان ارتفع مستوى هذا القلق.
أثناء زيارة معصوم أستانيكزاي القائم بأعمال وزير الدفاع الأفغاني لبيجنغ، ومن أجل المشاركة في الجلسة السادسة لمعهد الدراسات الاستراتيجية في الصين، أظهر المسؤولون الصينيون جاهزية للتعاون العسكري مع أفغانستان. وخلال هذه الزيارة وقّع أستانيكزاي مذكرة تعاون بين وزارة الدفاع الأفغانية ووزارة الدفاع الصينية. وقد وقّع قبل ذلك نورالحق علومي وزير الداخلية الأفغاني في شهر مايو من العام الميلادي الجاري، مذكرة تعاون مع نظيره الصيني.
من جهة أخرى طلب الجنرال عبدالرشيد دوستم النائب الأول للرئيس الأفغاني خلال زيارة له إلى موسكو، دعما عسكريا من روسيا. في هذه الورقة تمت مناقشة إمكانية دعم الصين وروسيا مع أفغانستان بالنظر إلى التغييرات الأخيرة في الأحداث الدولية.
خلفية علاقات الصين وأفغانستان
جرّبت أفغانستان مع الصين على مر التاريخ علاقات طيبة. كانت طريق الحرير من الطرق التجارية الكبيرة الصينية إلى أوروبّا، وكان جزء منها يمر من الأراضي الأفغانية. وكانت للصين دور كبير في مشاريع تعاون في مجال المياه.
وكانت الصين من الدول التي دعمت الشعب الأفغاني أيام الغزو السوفيتي لأفغانستان، وكانت تطلب دوما انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان.
بعد الغزو الأمريكي على أفغانستان وسقوط حكومة طالبان، رحّبت الصين بالتغييرات الجديدة في أفغانستان، أمل المسؤولون الصينيون بأن مكافحة “الإرهاب”، ستجنب المنطقة من التطرف والعنف، وستجلب أمنا وسلاما، وأن إمكانية التعاون الاقتصادي بين الدول سيزداد كثيرا.
استثمرت الصين في منجم نحاس “عينك”، قرب العاصمة كابول، وهو أكبر مشروع في مجال المناجم الأفغانية، كما واستثمرت شمالي أفغانستان في استخراج النفط. وطيلة 14 سنة الماضية، دعمت الصين أفغانستان في مجال الإعمار المجدد للبلد.
في 8 من يونيو 2012م، وأثناء زيارة حامد كرزاي لـ”بيجنغ”، تم توقيع وثيقة تعاون بين البلدين في 9 بنود، وقّعها حامد كرزاي الرئيس الأفغاني حينها مع نظيره الصيني، وكان ذلك تأكيدا على تنمية التعاون بين البلدين في المجال السياسي والاقتصادي والثقافي والأمني.
ما هو مصدر القلق الصيني اليوم؟
مع أن الصين لا تقع على حدود طويلة مع أفغانستان، والمناطق الحدودية وعرة تماما، لكن تحديات الحرب الدائرة في أفغانستان تؤثر حتما على هذا البلد القوي. أيام حكم طالبان كانت وفود صينية تزور أفغانستان بانتظام، وكانوا يظهرون قلقا تجاه تدريب المقاتلين الأويغور في الأراضي الأفغانية، وكانت طالبان تتعهد منع تلك الأنشطة.
كانت الصين لا تعترف بحكم طالبان رسميا، لكنها حافظت على علاقاتها السويّة مع كابول. ومن هنا ترى حركة طالبان الآن إلى الصين كدولة يمكن لها أن تلعب دورا إيجابيا في عملية السلام.
من جهة أخرى لدى الصين علاقات صداقة قريبة مع باكستان، ولذلك تأمل الحكومة الأفغانية أن يكون للنفوذ الصيني في الأوساط الباكستانية أثر جيّد على عملية السلام الأفغانية.
أهمية الصين بالنسبة لأفغانستان جعلت أشرف غني الرئيس الأفغاني يقوم بزيارته الرسمية الثانية إلى الصين وهي بعد توليه الرئاسة على الفور، والتقى مع المسؤولين الصينيين وتحدث معهم بشأن أمور عدة منها عملية السلام.
إمكانية تعاون روسيا العسكري
بدأ مع انسحاب القوات الأجنبية مع أفغانستان، أدركت الحكومة الأفغانية بأن القوات الأفغانية لم يتم تدريبها وتجهيزها كما تعهد به الغربيون في البداية. وشكى حامد كرزاي مرارا عن هذا الوضع، واتهم أمريكا بعدم الوفاء بالوعود. وأكّد لعدة مرات بأن الدول الغربية إذا لم تدرّب وتجهّز القوات الأفغانية كما يتطلب الأمر، فإنه سيضطر للتوجه نحو دول أخرى، وكان يلوح تجاه روسيا.
أدركت “حكومة الوحدة الوطنية”، نفس المشكلة. ربما كان اختيار الشيوعيين السابقيين في مناصب مهمة عسكرية وإدارية بأمل ترغيب روسيا لدعم أفغانستان عسكريا.
وتحدث ألكسندر مانتيسكي السفير الروسي لدى كابول بضع مرات عن جاهزية بلده لدعم أفغانستان عسكريا. قال عبدالرشيد دوستم بعد زيارته إلى روسيا إن المسؤولين الروس جاهزون لدعم أفغانستان بالأسلحة الحديثة وحتى بالطائرات المقاتلة، لكنه يبدو أن تحقق هذه الوعود بحاجة إلى الفلوس. وقد قامت الولايات المتحدة بشراء بعض مروحيات روسية من الجانب الروسي للقوات الأفغانية، إذ خرُب عدد منها أثناء الحروب.
تظن الحكومة الأفغانية بسهولة أن الاضطرابات الأمنية شمالي أفغانستان، وأنشطة تنظيم داعش ستكفي لترغيب روسيا لدعم أفغانستان عسكريا، لكن المعاملات العسكرية في المنطقة تغيّرت رأسا على العقب بالتدخل العسكري الروسي في سوريا. وبالتقارب الروسي الصيني بدأت علاقات روسيا تتوسع مع باكستان.
السياسة الإقليمية للصين وروسيا
لا يمكن لدول الصين وروسيا بأن تبقيا على بعد من الأوضاع الأفغانية، وتحاولان استغلال الأخطأ الأمريكية لبسط نفوذهما في كل مكان. وبما أن أمريكا خسرت اللعبة في أوكرانيا وسوريا لصالح الروس، فإن الجبهة الوحيدة لمواجهة الصين وروسيا بقيت في الداخل الأفغاني وخلفه في باكستان.
يُكنّ الروس لباكستان أهمية أكبر من أفغانستان، لأن أفغانستان وخلال 14 سنة الماضية وحتى أيام أن كانت بها 150 ألف من القوات الأجنبية فقدت أي ورقة قوة أمام باكستان. يرى الروس بأن أمريكا والغرب تنفذ كثيرا من خططها في جنوب آسيا عبر باكستان، ولذلك إن باكستان ذات أهمية لمستقبل أفغانستان وآسيا الوسطى ومن الضروري التقارب إلى هذا البلد.
قال بوتين عام 2011م، يمكن لباكستان أن تصبح صديقا جيّدا لروسيا في جنوب آسيا وفي العالم الإسلامي. بدأت المفاوضات الاستراتيجية بين روسيا وباكستان عام 2013م. خلال زياة له في يونيو 2015م، تحدث راحيل شريف عن تعاونات عسكرية بين البلدين، وفي شهر يوليو التقى نواز شريف مع بوتين على هامش مؤتمر “أوفا”. تم في أكتوبر توقيع عقد بين روسيا وباكستان كان مفاده أن “روستيك” الشركة الحكومية الروسية تبني أنبوب غاز بطول 1100 كيلو متر، من ميناء كراتشي إلى لاهور، بتكلفة 2 إلى 2.5 مليار دولار. ويكتمل المشروع إلى 3 أو 4 سنوات.
وفي شهر أغسطس تم الاتفاق بين باكستان وروسيا على أن الأخيرة تمنح 4 مروحيات (MI-35)، من أجل مكافحة الإرهاب، وهناك مفاوضات تجري بشأن شراء الأسلحة والعتاد العسكري، منها طائرات نوع “سوخو”.
النتيجة
بعد سنوات من الحرب في أفغانستان، يبدو أن الصين وروسيا وصلتا إلى نتيجة تقول إنه من الضروري التعامل مع باكستان لرفع الاضطرابات الأمنية، لأن الحكومة الأفغانية أيضا ترى أن مفتاح السلام الأفغاني واقع بيد باكستان.
بالنظر إلى ذلك، لا يبدو أن الصين وروسيا توفران أسلحة ثقيلة للحكومة الأفغانية، كي لا تدفعان حركة طالبان، التي تواجه داعش، إلى وضع تضطر للانضمام إلى داعش. ولقد سبب تعقيد الأمور في أفغانستان تعاملا حذرا للدول الإقليمية مع الوضع الأفغاني.
النهاية