زيارة نواز شريف إلى أمريكا وأثرها على أفغانستان
في 20 من أكتوبر قام نواز شريف رئيس الوزراء الباكستاني بزيارة إلى أمريكا لمدة أربعة أيام، وتحدث فيها مع الرئيس الأمريكي بشأن الوضع الأمني الأفغاني، وعملية السلام، والوضع الباكستاني، والعلاقات الباكستانية الهندية.
وخلال هذه الزيارة الرسمية الثانية، ألقى نواز شريف كلمة في مركز دراسي وقال: “قلنا للرئيس الأفغاني أشرف غني بأن باكستان جاهزة لبدء عملية السلام المتوقفة، لكنهم لا يسطيعون بأن يقتلوا طالبان وأن يحضروهم إلى طاولة الحوار”.
وكانت هذه الزيارة موضع أهمية كبيرة للهند وأفغانستان. فماذا سيكون أثر هذه الزيارة على الوضع الإقليمي، والعلاقات الهندية الأفغانية مع باكستان؟
خارجية أمريكا بشأن جنوب آسيا
بعد الحرب العالمية الثانية ازداد الاهتمام الأمريكي تجاه دول جنوب آسيا، واختارت أمريكا خطة “ترومين”، بشأن هذه المنطقة. ثم وأثناء الحرب الباردة، أضافت الحرب بين الهند وباكستان لمرتين، والحرب بين الهند والصين، والقضية الأفغانية من الاهتمام الأمريكي. بعد الحرب الباردة أعطت أمريكا أهمية كبيرة في خارجيتها تجاه هذه القضية في مظلة مكافحة “الإرهاب”، و”التطرف”، وخاصة بعد 2001م، أصبح لأمريكا تواجد عسكري قوي في جزء من هذه المنطقة وهو أفغانستان.
مع تسلم أوباما الرئاسة الأمريكية في 2009م، تصاعد الاهتمام الأمريكي من جديد، فيما كان لأمريكا تواجد عسكري في الشرق الأوسط منذ 2003م. ففي 2009م، أعلن أوباما إرسال 30 ألف من القوات الجديدة إلى أفغانستان. وفي 2011م، أعلنت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية عن خطة “إعادة توازن آسيا[1]“. وقالت في مقال لمجلة “فورن باليسي”، : “مع اقتراب نهاية الحرب في العراق وأفغانستان تقف أمريكا في مرحلة مهمة. فقد خصصت أمريكا خلال العقد الماضي كثيرا من إمكانياتها من أجل هاتين الحربين، علينا أن نكون حذرين في العقود القادمة، وأن نصرف وقتنا وقوتنا في مكان صحيح، وذلك لصيانة زعامتنا، ومصالحنا، وقيَمِنا[2]“.
بعد 2011م، توجه الاهتمام الأمريكي نحو جنوب وشرق آسيا، ومن هنا بدأت أمريكا تعزز علاقاتها في المنطقة مع اليابان، والهند، وأستراليا، في منافسة مع الصين القوة الصاعدة.
العلاقات الأمريكية الباكستانية المتحسنة
قبل زيارة نواز شريف الأخيرة إلى أمريكا، كان هناك جدل وقلق بشأن أسلحة باكستان النووية، للقول بأن باكستان تصنع أكبر حجم للأسلحة النووية على المستوى العالمي. بناءً على تقرير لـ”نيويورك تايمز”، تدرس إدارة أوباما خطة لوضع حد على الترسانة النووية الباكستانية، وكان جدل يجري في الأوساط الأمريكية قبل زيارة نواز شريف[3]. وقبل زيارته إلى أمريكا أشار نواز شريف إلى هذه القضية قائلا إن باكستان مجهزة بأسلحة ذرية وأسلحتها محروسة تماما.
لقد انتقدت الحكومة الأمريكية منذ عامين الحكومة الباكستانية من أجل تواجد شبكة حقاني، وحركة طالبان ولشكر طيبة في باكستان، وهددت لعدة مرات بقطع مساعداتها لباكستان. إلى جانب ذلك ومن أجل مصالح أمريكا الدولية تحسنت علاقات أمريكا مع الهند. قام الرئيس الأمريكي في يناير من 2015م، بزيارة رسمية إلى الهند، وفي سبتمبر قام مودي رئيس الوزراء الهندي بزيارة رسمية إلى أمريكا، وقد لعبت الزيارتان دورا إيجابيا في تحسين علاقات الطرفين.
وقد دعى أوباما الرئيس الأمريكي نواز شريف رئيس وزراء باكستان في هذه الفترة لزيارة أمريكا، لتحسين العلاقة مع إسلام آباد بعد تحسينها مع دهلي. ولذلك تعهدت أمريكا لباكستان منح طائرات مقاتلة من نوع (F-16)، ومساعدات في المجالات الأخرى.
إمكانيات باكستان لبدء عملية السلام
وكانت لزيارة نواز شريف إلى أمريكا أهمية أخرى، من ناحية أنها جائت بعد أسبوع تقريبا من إعلان خطة أمريكية جديدة بشأن بقاء القوات الأمريكية في أفغانستان. من جهة أخرى كان ملف الأمن الأفغاني وعملية السلام الأفغانية على قائمة الحديث بين أوباما ونواز شريف، وجاء ذلك في البيان المشترك للبلدين بعد الزيارة، كالتآلي: ” أظهر الزعيمان تعهدا بمحادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان بالزعامة الأفغانية، وطلبا من حركة طالبان بأن تجلس في حوار مع الحكومة الأفغانية وأن تحاور من أجل سلام دائم[4]“.
إلى جانب ذلك، وقبل البيان المشترك أوضح نواز شريف لأوباما “خطة العمل الوطنية”، وما تم رفعها من خطوات ضد طالبان وشبكة حقاني كي لا يتم استغلال الأراضي الباكستانية ضد أفغانستان[5]“.
وخلال كلمته في معهد السلام الأمريكي قال نواز شريف بشأن عملية السلام الأفغانية: “لا يمكنهم قتل طالبان وإحضارهم إلى طاولة الحوار في آن واحد. وباكستان جاهزة لبدء عملية السلام من جديد[6]“. وكانت هناك ردود فعل أفغانية حول هذا التصريح، واعتبره بعض أعضاء المجلس الشيوخ الأفغاني “خدعة”، وطلبوا من الرئيس الأفغاني إلغاء موقفه الأخير مع باكستان. ويرى بعض المحللين أن باكستان غير صادقة في قولها، لأنها لم تضرب حركة طالبان ولم تحضرها إلى طاولة الحوار أيضا.
ليست هذه أول مرة يتم فيها اقتراح بدء عملية السلام، فقد أعلنت إسلام آباد، بعد الإعلان عن وفاة الملا عمر وخاصة بعد وقوع سلسلة من التفجيرات في كابول جاهزيتها عن بدء عملية السلام من جديد، مع أن العلاقات الأفغانية الباكستانية كانت متدهورة أيام تشكيل “حكومة الوحدة الوطنية”، ومنحت الحكومة الأفغانية تنازلات كثيرة للجانب الباكستاني، وتدهورت العلاقات مع الهند كثيرا مقارنة مع فترة حامد كرزاي، لكن سلسلة من التفجيرات في كابول غيّرت موقف أفغانستان الرسمي تجاه باكستان، وبعد أن مر الزمن على تعهدات باكستان من دون التنفيذ، ظهر أن باكستان تظهر دورها أكبر من الحقيقة وتقول ما لا تفعل.
أهمية الزيارة لأفغانستان والهند
قبل زيارة نواز شريف إلى أمريكا، قال أشرف غني الرئيس الأفغاني: “في الأسبوع القادم يزور رئيس الوزراء الباكستاني أمريكا، وسيكون هناك اصرار على إنهاء الملاذات. هناك رسالة واضحة إلى مؤيدي طالبان بأن الطريق الوحيد أمامهم هو التعامل السياسي مع حكومة أفغانستان الشرعية[7]“.
رغم سلسة من أحداث انعدام الثقة بين كابول وإسلام آباد، علّق الرئيس الأفغاني آمالا على زيارة نواز شريف، لكنه بالنظر إلى نتائج الزيارة وتصريحات نواز شريف، يبدو من الصعوبة بمكان أن يرفع المسؤولون السياسيون الباكستانيون أي خطوات ذات آمال للجانب الأفغاني.
من جهة أخرى وبشكل عام بعد سلسلة من تفجيرات مدينة مومبئي وخاصة بعد منذ سنة تدهورت العلاقات كثيرا بين الهند وباكستان، وحدث بعض الاشتباكات على المناطق الحدودية أيضا. وقد اتخذ الجيش الباكستاني موقفا صارما تجاه الهند، وفور وصول نواز شريف إلى سدة الحكم، أشار له مسؤولو الجيش بأن لا يميل في سياسته نحو الهند، مع أنه مال إلى الهند بداية لكنه غيّر موقفه وفق مشورة الجيش. ومن هنا عزل نواز شريف سرتاج عزيز من منصبه كمستشار الأمن الوطني واختار ناصر جنجوعة خلفا له.
واعتبرت صحف هندية ومحللون من الهند هذه الزيارة ذات أهمية كبيرة، وبشكل عام قللت الزيارة من القلق الهندي، لأنها من جهة لم تسفر أي نتائج تُذكر بالنسبة للهند ومن جهة أخرى هناك صبغة استراتيجية للعلاقات الهندية الأمريكية وتدور حول الصين القوة الصاعدة.
النهاية
[1] – Rebalancing Asia / Pivot to Asia
[2] See online: http://foreignpolicy.com/2011/10/11/americas-pacific-century/
[3] See online: http://www.pashtovoa.com/content/pashto-nawaz-sharif-to-visit-us/3009747.html
[4] See online: https://www.whitehouse.gov/the-press-office/2015/10/22/2015-joint-statement-president-barack-obama-and-prime-minister-nawaz
[5] لمزيد من التفاصيل راجع البيان المشترك لأمريكا وباكستان:
https://www.whitehouse.gov/the-press-office/2015/10/22/2015-joint-statement-president-barack-obama-and-prime-minister-nawaz
[6] See online: http://www.usip.org/publications/2015/10/23/pakistan-s-sharif-urges-renewed-peace-talks-in-afghanistan
[7] صوت أمريكا، زيارة أشرف غني الرئيس الأفغاني إلى مدينة قندوز، 24 ميزان 1394 الهجري الشمسي.
http://www.pashtovoa.com/content/afghanistan-ashraf-ghani-kunduz-security-taliban-us-/3009997.html