العلاقات الأفغانية الباكستانية؛ من دبلوماسية اللغة إلى عملية السلام
التقى أشرف غني الرئيس الأفغاني مع نواز شريف رئيس الوزراء الباكستاني في الأسبوع الماضي، في باريس وفي مؤتمر تغيير المناخ. وقبل اللقاء التقى الزعيمان مع رئيس الوزراء البريطاني في لقاء ثلاثي، وتحدث الجانب الباكستاني في الجلستين عن بدء محادثات السلام من جديد بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان.
قبل خمسة أيام من هذا اللقاء، زار زعماء الأحزاب البشتوية الباكستانية كابول. مع أن هذا الوفد جاء بدعوة من الرئيس الأفغاني، إلا أنهم حملوا رسالة من نواز شريف، ورغبوا أشرف غني في اللقاء مع نواز شريف في باريس.
يأتي ذلك في أوضاع توقفت عملية محادثات السلام الأفغانية بعد الإعلان بوفاة الملا محمد عمر، وبعد ذلك أصر الجانب الباكستاني مرارا على جاهزيته لبدء هذه العملية من جديد، ونشطت بشأن ذلك دبلوماسية إقليمية. (لمزيد من التفاصيل راجع ورقتنا التحليلية في العدد 142). هذه العوامل وفّرت من جديد فرصة لقاء بين الطرف الأفغاني والباكستاني.
ماذا سيكون أثر اللقاء بين نواز شريف وأشرف غني على العلاقات الأفغانية الباكستانية؟ وماذا سيكون أثره على بدء محادثات السلام من جديد؟
لغة البشتو عنصر دبلوماسي بين باكستان وأفغانستان
ليست هذه أول مرة تستغل إسلام آباد وكابول في السياسة الخارجية ورقة “البشتو”، فقد تم استغلال هذه الورقة من قبل أثناء الحرب الباردة وإبان حكم حامد كرزاي.
أثناء الحرب الباردة وإلى فترة طويلة كان عدد كثير من الزعماء البشتون الباكستانيون في أفغانستان، ومن هنا كان دعم كابول لبشتون باكستان ولقضيتهم من أهم العناصر في السياسة الخارجية الأفغانية. وكذلك باكستان وفرت ملاذا ودعما لعدد من البشتون الأفغان فيها. وهو أمر ألقى بظلال واسعة على العلاقات الأفغانية الباكستانية إلى فترة طويلة.
بعد ذلك وفي فترة حكم كرزاي، دعت كابول عددا من الزعماء البشتون الباكستانيين، وطلبت عام 2007م، جلسة مشتركة بين الزعماء البشتون من طرفي الحدود بين أفغانستان وباكستان، بهدف تحسين العلاقات بين أفغانستان وباكستان وحل الخلافات العسكرية على طرفي الحدود. وفي هذه الجلسة شارك 700 مندوب من أفغانستان وباكستان، كانت أول محاولة من نوعها، شارك فيها الزعماء من الطرفين رسميا. وفيها تم تشكيل لجنة من 50 شخصا، ليقدم مسودة بشأن عملية السلام. لكن الجلسة فشلت في تحقيق أهدافها، وذلك لعدم دعوة طالبان أفغانستان وزعماء القبائل إليها.
وكان مسؤولون باكستانيون قد شاركوا في هذه الجلسة، وفي ختام الجلسة شارك بروز مشرف رئيس الوزراء الباكستاني الأسبق.
بعد أن أصبح رئيسا لأفغانستان وفي زيارة له إلى باكستان دعى أشرف غني زعماء بعض الأحزاب الباكستانية إلى زيارة أفغانستان، وفي يناير 2015م، قام عدد من زعماء الأحزاب البشتوية الباكستانية بزيارة إلى كابول[1]. فقد دعى الآن أشرف غني زعماء الأحزاب البشتوية الباكستانية إلى زيارة أفغانستان فيما تمر العلاقات الثنائية بين الطرفين بأسوء مراحلها منذ عام كامل.
ورقة “البشتو”، في السياسة الخارجية
أثناء الحرب الباردة وفّر كل من باكستان وأفغانستان ملاذا للعناصر المناهضة لبعضها، لكنه وبعد الحرب الباردة استغلت إسلام آباد وكابول ورقة “البشتو” لتحسين العلاقات. وقد تم تبادل الوفود البشتوية بين الطرفين، وذلك لتحسين العلاقة بين الطرفين.
في يناير 2015م، عززت زيارة عدد من الزعماء البشتون إلى كابول ثقة لدى بعض من الدبلوماسيين في وزارة الخارجية الباكستانية. لأنه وبرأيهم يمكن عبر عنصر اللغة بناء ثقة بين الطرفين، وأن تتحسن العلاقات أيضا[2]. حاولت باكستان هذه المرة أيضا تحسين العلاقة عبر الزعماء البشتون، ضمن محاولاتها منذ فترة لتحسين العلاقة مع الجانب الأفغاني وبدء محادثات السلام من جديد.
زيارة الزعماء البشتون الباكستانيين إلى كابول
قبل أيام (في 25 من نوفمبر2015م)، زار وفد تشكل من عشرة مندوبين لثلاثة أحزاب قومية، كابول وذلك بدعوة رسمية من الرئيس الأفغاني. تضمن الوفد إسفنديار ولي خان زعيم الحزب الشعبي، وأفراسياب ختك، وداكتر سليم خان (ابن أفضل خان لالا)، محمد أساكزاي زعيم الحزب القومي الشعبي، وآفتاب شيرباؤ زعيم حزب الوطن القومي، وشوكت الله خان حاكم إقليم خيبربختونخواه السابق، وأياز وزير السفير الباكستاني السابق لدى أفغانستان، وعددا آخرين. وشارك الوفد في مؤتمر لذكرى أفضل خان لالا، وكان هدف الزيارة تحسين العلاقات بين باكستان وأفغانستان.
فبالمنظار السياسي كانت الزيارة ذات أهمية كبيرة، ولأسباب آتية:
أولا: لقد تدهورت العلاقات الباكستانية الأفغانية بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية إلى حد كبير جدا.
ثانيا: تنوي كابول منذ شهر تجديد العلاقات مع الهند. وقام مستشار الأمن الوطني الأفغاني حنيف أتمر بزيارة إلى الهند، كما وزار حكمت خليل كرزاي مساعد وزير الخارجية الأفغاني الهند. وطلب كل منهما مساعدة عسكرية وتنفيذ الاتفاقية الاستراتيجية الثنائية.
ثالثا: وكانت أهمية الزيارة في أنها وفّرت فرصة لقاء بين نواز شريف وأشرف غني في مؤتمر باريس، وبناءً على ذلك اطمأنت باكستان من مشاركة المسؤولين الأفغان في مؤتمر مشروع إسطنبول لقلب آسيا، لأن عدم مشاركة المسؤولين الأفغان في ذلك المؤتمر سيضر بسمعة باكستان كثيرا.
لقاء أشرف غني ونواز شريف في باريس
حمل زعماء الأحزاب القومية الباكستانية رسالة نواز شريف معهم، وطلبوا من الرئيس الأفغاني أن يلتقي مع نواز شريف على هامش مؤتمر تغيير المناخ في باريس. برأي المسؤولين الأفغان قبل تلك الرسالة لم يكن اللقاء مع نواز شريف على أجندة زيارة أشرف غني، وتم درجه بعد زيارة مندوبي الأحزاب القومية الباكستانية إلى كابول.
في 30 من نوفمبر 2015م، قبل لقاء الزعيمين، التقى زعماء أفغانستان وباكستان وبريطانيا في جلسة ثلاثية، وتحدث بعدها الزعيم الأفغاني مع نظيره الباكستاني بشأن العلاقات الثنائية. وجرى حديث حول “السلام وبدء محادثات السلام من جديد”[3]. صرّح رئيس الوزراء الباكستاني عن تفاصيل اللقاء في كلمة له، وتضمن النقاط الآتية:
- اتفق الزعيمان بأن الطرفين سيتعاملان مع أي جهة تنخرط في العملية السياسية القانونية. ستقوم باكستان إلى جانب أفغانستان ضد كل من لا يريد السلام،
- تعتقد باكستان، بأن أمريكا والصين وقد شاركتا في محادثات “مري”، من أهم الشركاء في عملية السلام، كما وتؤيد دعم الأصدقاء. وفي عملية السلام ترحب باكستان بمبادرة رباعية. ومن هنا ستوفر فرصة لتقديم مسودة مؤثرة بشأن عملية السلام الأفغانية، في مؤتمر مشروع إسطنبول لقلب آسيا في 9 من ديسمبر 2015م.
- أنا بانتظار زيارة أشرف غني إلى إسلام آباد، كي نفتح معا جلسة مشروع قلب آسيا، ونبحث كيفية عمل مشترك بين باكستان وأفغانستان وأمريكا والصين على بدء محادثات السلام التي توقفت في يوليو 2015م، من جديد.
- تريد باكستان أن ترفع مستوى مساعدتها مع أفغانستان في المجال السياسي والدبلوماسي والعسكري والاستخباري، وأن تشارك في مكافحة الإرهاب[4].
العلاقات الباكستانية الأفغانية إلى أين؟
لقد مرت العلاقات الأفغانية الباكستانية على طول 70 سنة بمنحنيات كثيرة، لكن انعدام الثقة ألقى بظلال واسعة على هذه العلاقات. بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، تحسنت العلاقات بشكل غير مسبوق، لكنه وبعد تصاعد وتيرة الاضطرابات الأمنية وتوقف عملية السلام تدهورت العلاقات مرة أخرى. ومن المقرر أن تتحركت هذه العلاقات من جديد بعد لقاء نواز شريف على هامش مؤتمر تغيير المناخ في باريس، ودعوته الرئيس الأفغاني بالمشاركة في مؤتمر قلب آسيا، لمشروع إسطنبول، مستغلا في ذلك دبلوماسية اللغة.
يجب أن نذكر بأن هذه اللقاءات والمؤتمرات القصيرة قد تلعب دورا في تحسين العلاقات على أمد قصير، لكن تحسينها على أمد متوسط وطويل يبقى رهن نجاح عملية السلام الأفغانية وإحلال الأمن بالبلد، وكلما نقضت باكستان عهودها تدهورت العلاقات أكثر، وأصبحت عملية بناء الثقة أعقد.
النهاية
[1] لمزيد من التفاصيل، راجع العدد 100 من التحليل، “دبلوماسية اللغة، محاولة كابول وإسلام آبا لتحسين العلاقات”.
[2] لمزيد من التفاصيل، راجع الرابط التالي:<http://nation.com.pk/national/11-Jan-2015/pakistan-launches-pashto-diplomacy-to-woo-kabul>
[3] راجع أونلاين: http://www.pmo.gov.pk/press_release_detailes.php?pr_id=1259
[4] راجع بيان رئيس الوزراء الباكستاني ي الرابط التالي: http://www.mofa.gov.pk/pr-details.php?mm=MzI5OA,,