مشروع تابي من أجل السلام والرفاه
بعد سنوات من المحادثات شهدت منحنيات عدة، انطلقت خطوة مشروع نقل الغاز الطبيعي من تركمانستان إلى أفغانستان وباكستان والهند، وافتتح زعماء الدول الأربع خلال حفلة خاصة بداية المشروع العملية.
يبدأ أنوب الغاز من منطقة “يولاتين الجنوبية”، الغنية بالغاز الطبيعي من تركمانستان، ويبلغ طوله 1735 كيلو مترا، ويمر 200 كيلو متر منها من أراضي تركمانستان، يدخل أفغانستان من مديرية رباط سنجي ولاية هرات، ويقطع مسافة 735 كيلو مترا في الداخل الأفغاني، وينقل 33 مليار متر مكعب من غاز تركمانستان إلى أفغانستان وباكستان والهند خلال 30 سنة.
تم توقيع اتفاقية عمل المشروع في 11 من ديسمبر 2010م، في العاصمة التركمانية عشق آباد، بين مسؤولي كل من تركمانستان، وأفغانستان، وباكستان، والهند، وانتهت دراسته الميدانية عام 2014م.
خلفية المشروع
تم وضع مسودة المشروع بداية التسعينيات من القرن الماضي، وتنافست في البداية شركة بريداس الأرجنتينية و يونيكال الأمريكية على أن تنال اتفاقية احداث هذا الأنبوب. توقعت تركمانستان أن يحل الأمن بأفغانستان ويتم تنفيذ هذا المشروع. ويرى مؤيدو نظرية المؤامرة بأن سقوط حكومة الأستاذ رباني ووصول طالبان إلى الحكم كان على صلة بهذا المشروع، وأما محاولة طالبان من أجل تنفيذ المشروع واجهتها موانع أمريكية بسبب حضور أسامة بن لادن في أفغانستان وقضايا أخرى مثل حقوق المرأة.
بعد الغزو الأمريكي على أفغانستان وسقوط حكم طالبان، وضعت أمريكا أناسا على سدة الحكم الأفغاني كان معظمهم ومنهم حامد كرزاي من عمال سابقين لشركة يونيكال. ولعب زلمي خليلزاد وقد كان مستشارا لشركة يونيكال دورا كبيرا في صياغة الحكم الأفغاني. وكانت هناك شائعات حول نقل الغاز التركماني عبر أفغانستان إلى جنوب آسيا، وأن شركات أمريكية قد تلعب الدور البارز في ذلك، لكن الحرب الأمريكية على ما سمّي بالإرهاب خلقت اضطرابات جديدة في أفغانستان مما أجّل تنفيذ مشروع تابي.
المنافسات الإقليمية
كانت الاضطرابات الأمنية أهم عامل في تأجيل المشروع. فبعد 2001م، حدثت سلسلة من الاضطرابات في اقليم بلوشستان ونفّذت الحكومة الباكستانية عمليات عسكرية عدة في هذه المنطقة، قتل في إحداها أكبر بكتي زعيم البلوش. من جهة أخرى وبعد 2004م، و2005م، بدأت الاضطرابات جنوبي أفغانستان حيث كانت المناطق التي يعبر منها أنبوب الغاز. وإلى جانب الأوضاع الأمنية لعب عدم الموافقة على سعر الغاز وأجرة نقله دورا في تأجيل المشروع. رغم ذلك لعبت المنافسة الإقليمية أيضا دورا في ذلك.
منذ بداية التسعينيات أجرت إيران محاولات كثيرة لأن تصرف باكستان والهند عن الموافقة مع المشروع وذلك عبر توفير فرص أخرى ايرانية لكن هذه المحاولات لم تنجح. شركتان أمريكيتان رغبتا في تنفيذ مشروع تابي ولذلك حذف أفغانستان منه كان يمثل خسارة للمصحلة الأمريكية فحافظت أفغانستان وأمريكا على المشروع كما هو.
مع أن باكستان والهند بحاجة ماسة إلى الطاقة، لكن المنافسة بينهما أُثر على تأجيل المشروع أيضا. كانت باكستان تريد أن تمنع التقارب الأفغاني الهندي، وكانت تفضل أن تحل طهران محل كابول وأن تتغير “تابي”، إلى “تي بي”. وعليه كان الأنبوب يبدأ من تركمانستان ويمر بمناطق شرقية في إيران لتصل إلى كويته مركز إقليم بلوشستان الباكستانية وكانت رغبة طهران في ذلك شديدة جدا. حذف أفغانستان كان يوفر فرص أكبر أمام باكستان لوضع أي ضغط على الهند.
حاولت ايران أن تنقل غازها بتوقيع اتفاقية أخرى وعبر أنبوب ثاني إلى باكستان ثم الهند. لكن ذلك أيضا تم تأجيله وكانت العقوبات الغربية من أسبابه.
أي دولة تقع على مسير الأنبوب، تحتل أهمية استراتيجية بمحافظتها على جزء من نقل الغاز، ويمكنها أن تؤثر على مستقبل العالم أيضا. بمرور كل يوم، تتأثر القوى العالمية بالطاقة وطرق حملها، وسوف تحتل أفغانستان أهمية كبيرة في المنطقة والعالم لموقعها بين الدول المنتجة والدول الصارفة.
التحديات الأمنية
ان الاضطرابات الأمنية في أفغانستان تحدٍ كبير أمام هذا المشروع، لأن جزء كبيرا منه يمر من المناطق التي تسيطر عليها طالبان أو لها نفوذ فيها، ولو أرادت طالبان لمنعت تنفيذ المشروع. ولذلك تم التفاهم مع مندوبي طالبان في جميع مراحل محادثات تابي. ولكن بما أن تابي يعتبر مشروعا وطنيا وسيلعب دورا في تحسين اقتصاد البلد وتوفير فرص عمل لعشرات آلاف من الشعب، فإن طالبان ستتعامل مع المشروع تعاملا ليّنا ومختلفا من تعاملها مع مشاريع أخرى. وتخاف حركة طالبان أن تفقد “القوة المرنة”، إذا مانعت تنفيذ المشروع.
ففي نهاية المحادثات بشأن المشروع زار مندوبو المكتب السياسي لحركة طالبان في قطر إلى تركمانستان والتقوا مع مسؤولي البلد. وقد قال متحدث لطالبان العام الماضي بأن طالبان اتفقت على أن لا تهاجم على المشروع. ويتحدث المسؤولون الأفغان عن إحداث مهمة عسكرية خاصة لتأمين المشروع، لكنه وفي الأوضاع التي يواجه البلد حربا واضطرابات أمنية، ويتردد حكم كثير من المديريات بين الحكومة وطالبان، يتطلب أمن أنبوب بطول 735 كيلو مترا، مهمة تضم عشرات آلاف من القوات العسكرية، وهو أمر خارج عن استطاعة الحكومة الأفغانية. بناء إن مشروع تابي يحمل مصلحة مادية كبيرة كما يرفع موقفهم دوليا.
إلى جانب التحديات الأمنية، عدم وجود إدارة جيدة لأفغانستان، ووجود الفساد الإداري المتفشي في البلد قد يشكلان عائقا كبيرا أمام تنفيذ المشروع. وهو ما سبب عدم استغلال كامل عن المساعدات الدولية لأفغانستان طيلة 14 سنة الماضية.
يمر الأنبوب عن ولايات هرات وهلمند وقندهار ثم يصل إلى بلوشستان الباكستانية، ومرورا بملتان تصل إلى الهند. وهو طريق فيه مشاكل أمنية ليس في أفغانستان فقط بل في باكستان أيضا. وتنشط في المنطقة الانفصاليون البلوش ويقومون بأعمال تخريبية ضد أنبوب الغاز الباكستاني أيضا. وقد وعدت باكستان تأمين هذا الخط.
ربح المشروع لأفغانستان
موقع أفغانستان كجسر بين دول آسيا الوسطى، وجنوب آسيا يظهر جليا مع هذا المشروع، ويعتبر امتحانا إذا نجح تتبعها مشاريع كبيرة أخرى، وستغيّر الوضع الأفغاني تماما خلال 20 سنة القادمة.
بعد مرحلة الاستغلال سيكون ربحه السنوي لأفغانستان 500 مليون دولار، وقبل ذلك ستتوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لـ50 ألف أفغان. وسيحرّك رفع الدخل الاقتصادي الأفغاني وسيؤثر بطريقة غير مباشرة إيجابيا على اقتصاد أفغانستان أيضا.
وسيرفع المشروع دور أفغانستان كشريك استراتجي في التعامل الاقتصادي الإقليمي من جهة، وكرقيب على أهم أنبوب غاز في آسيا من جهة أخرى. تريد أمريكا أن يغني دخل الأنبوب أفغانستان عن المساعدات الأمريكية.
مع أن فكرة تابي تقوم على نقل غاز تركمانستان إلى باكستان والهند، لكنه وعلى أساس الاتفاقية يمكن لأفغانستان أن تستغل من الغاز لصرف الولايات التي يمر منها. من جهة أخرى إذا استطاعت أفغانستان أن تستخرج غازها في المستقبل، يمكن لها أن تصدره عبر الأنبوب نفسه إلى باكستان والهند، أو تستغل الأنبوب نفسه لنقل الغاز داخل البلد.
سيكون من أهم إنجازات هذا المشروع في حال نجاحه إحلال الأمن، وخاصة في المناطق التي يمر منها الأنبوب. طريق يمكن أن نسمّيه طريق السلام، وقد تجري في المناطق لتي يمر منها الأنبوب محادثات سلام بين الحكومة والمخالفين بعيدا عن التدخل الأجنبي.
يمكن لهذا المشروع أن يغيّر الحرب النيابية بين دول المنطقة في أفغانستان إلى تعاونات اقتصادية وأن يعزز التلاحم الإقليمي. علاقة المصالح الاقتصادية للدول مع المشروع، ستدعم السلام والاستقرار في أفغانستان، وسيضع الحل السلمي لأزمة أفغانستان على أولوية دول المنطقة. لذلك ليس من العبث أن نسمّي هذا الأنبوب أنبوب السلام.
النهاية