مفاوضات رباعية ومستقبل عملية السلام الأفغانية
عُقدت جلسة رباعية في 11 من يناير 2015م، في العاصمة الباكستانية إسلام آباد، حول عملية السلام الأفغانية، وشارك في هذه الجلسة مندبون من أفغانستان، وباكستان، وأمريكا، والصين، لمناقشة “إطار عملي”، للوصول إلى السلام في أفغانستان، وتمت الموافقة في هذه الجلسة على إجراء هذه المحادثات بطريقة منتظمة.
من المقرر أن تُعقد الجلسة الثانية من هذه المحادثات في 18 من يناير، في كابول بمشاركة من مندوبين لأفغانستان وباكستان والصين وأمريكا. ويقال إن مفاوضات مباشرة بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان ستبدأ بعد هذه الجلسة.
وتهدف هذه المحادثات الرباعية إلى بدء مفاوضات مباشرة بين الحكومة الأفغانية وطالبان. فهل هذه الجلسات تنتهي إلى مفاوضات مباشرة بين الحكومة وطالبان؟
خلفية المفاوضات الرباعية
بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية نهج أشرف غني الرئيس الأفغاني في سياسة الاقتراب من باكستان، وقد مرت الوساطة الباكستانية في عملية السلام الأفغانية بأربع مراحل آتية:
مفاوضات أورومتشي: بعد أن منحت حكومة الوحدة الوطنية تنازلات كثيرة للجنب الباكستاني من أجل أن تحضر باكستان، طالبان إلى طاولة الحوار، ورتّبت باكستان جلسة حوار بين مندوبي الحكومة الأفغانية وحركة طالبان في مدينة أورومتشي، وشارك في الجلسة عناصر من طالبان قليلة النفوذ، لكن طالبان نفت رسميا مشاركتها في الجلسة.
مفاوضات مري: عُقدت الجلسة الثانية من المفاوضات بوساطة باكستانية في “مري” المنطقة السياحية قرب العاصمة الباكستانية إسلام آباد، ولأول مرة شارك فيها مندبون رسميون من طالبان فيها. مع أن طالبان لم تؤكد رسميا مشاركتها في الجلسة، لكن بيانها الصادر بشأن جلسة مري لم ينف مشاركة مندوبيها في الجلسة.[1] بعد فترة قصيرة وبعد الإعلان بوفاة الملا محمد عمر توقفت هذه المفاوضات. وبعد فشل محاولات السلام مع طالبان، وحدوث عدة تفجيرات دامية في كابول، تدهورت العلاقات مرة أخرى بين البلدين.
الدبلوماسية الإقليمية: بعد توقف عملية السلام واجهت باكستان ضغوطا كثيرة. من هنا اضطر قائد الجيش الباكستاني، ورئيس الوزراء ومستشار الأمن الوطني للحديث عن محاولات بلدهم لاستئناف محادثات السلام. تزامنا مع ذلك، تحركت دبلوماسية إقليمية من أجل استئناف عملية السلام الأفغانية وأكّد مندوبو أمريكا والصين والأمم المتحدة في أفغانستان وباكستان، خلال زياراتهم إلى باكستان على ضرورة استئناف مفاوضات السلام الأفغانية.[2]
محاولات باكستان لاستئناف المفاوضات: استغلالا من دبلوماسية “اللغة”، حاولت باكستان تحسين العلاقة مع أفغانستان، وتوفير أرضية لاستئناف عملية السلام. وخلال زيارة إلى كابول حمل زعماء الأحزاب البشتوية الباكستانية رسالة من نواز شريف إلى أشرف غني احتوت على طلب الأول لقاءً مع الثاني، في مؤتمر باريس.[3]
وعلى هامش مؤتمر باريس التقى أشرف غني مع نواز شريف، فدعاه نواز شريف إلى مشاركة مؤتمر قلب آسيا في إسلام آباد. كان مؤتمر قلب آسيا، ومشاركة أشرف غني فيه، علامة تحرك جديد في العلاقات بين أفغانستان وباكستان. تم اقتراح محادثات رباعية بين أفغانستان وباكستان وأمريكا والصين على هامش هذا المؤتمر، من أجل نجاح عملية السلام الأفغانية، وهدفت باكستان خلال ذلك بناء ثقة لها في الجانب الأفغاني.
بدء مفاوضات رباعية
هذه المرة تشارك أمريكا والصين من القوى الكبرى المؤثرة في أوضاع المنطقة، ومن دون أي شك يمكن لهما أن تشوقا الأطراف المتحاربة لرفع خطوات مؤثرة.
من أهداف الجانب الأفغاني في هذه المفاوضات أن تحصل على ضمانة من قبل دولة ثالثة (الصين) بشأن التعهدات الباكستانية. وفي الآونة الأخيرة أظهرت الصين جاهزية لدعم عملية السلام الأفغانية، وبالنظر إلى تأثيرها وعلاقتها مع باكستان وطالبان استطاعت أن توفر أرضية لقاء بين الوفود المتفاوضة.
بعد تحسين العلاقات بين كابول-إسلام آباد بدأت مفاوضات رباعية من أجل السلام، وعُقدت أول جلسة منها بمشاركة من مندوبين للدول الأربع في إسلام آباد.
وقد ترأس هذه الجلسة حكمت خليل كرزاي المساعد السياسي لوزير الخارجية الأفغاني، وإعزاز أحمد شودري مساعد وزير الخارجية الباكستاني، وريشارد أولسن مندوب أمريكا الخاص في أفغانستان وباكستان، وشيجون مندوب الصين الخاص في أفغانستان وباكستان.
كما وأكّد البيان الصادر في ختام الجلسة، بأن الجولة الثانية منها ستجري في 18 من يانير في كابول، وأكّد أيضا على ضرورة بدء مفاوضات مباشرة بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان.
إن هذه المفاوضات ذات مراحل ثلاث تبدو عملية طويلة. المرحلة الأولى تنطوي على وضع خطة قبل إجراء محادثات مع طالبان، والمرحلة الثانية تشمل محادثات مباشرة مع طالبان، والمرحلة الثالثة هي رفع خطوات عملية وتنفيذ نتائج المحادثات.
نتيجة الجلسة الرباعية الأولى
بما أن جلسة إسلام آباد لم تسفر إلا عن موافقة لعقد منتظم لهذه الجلسات، وتعيين تاريخ الجولة التالية، فإن ذلك ألقى بظلال مقلقة على آمال مبدئية تجاه هذه العملية.
وبعد أول جلسة رباعية حدث نوعان من الخلاف، لا زالا في المراحل الأولية. أولا، الخلاف على من لا يشاركون في عملية السلام وثانيا، الخلافات في داخل الحكومة الأفغانية.
اختلاف الرأي الأفغاني الباكستاني: إن التغيير في المواقف والتصريحات من قبل المسؤولين الأفغان والباكستانيين علامة عدم توافق وتنسيق بينهم. تقول الحكومة الأفغانية إنها تحاول تصنيف أولئك الذين يريدون المفاوضات الذين لا يريدونها في صفوف طالبان، لكن الجانب الباكستاني يعتبر ذلك مانعا أمام السلام، ويؤكد على ضرورة “بناء ثقة” لالتحاق طالبان بعملية مفاوضات السلام.
تقول الحكومة الأفغانية إن الذين لا يريدون مفاوضات السلام، سيتم ضربهم. لكن الحكومة الباكستانية تعتبر هذا الموقف مانعا لعملية السلام وبناء الثقة بين الحكومة وطالبان. بما أن الجلسة الأولى من هذه السلسلة بدأت بمواقف مختلفة، فإن أجواء من اليأس تلقي بظلال على نتائج الجلسات التالية.
الخلافات الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية: قبل عقد الجلسة الرباعية في إسلام آباد، قال متحدث الرئاسة التنفيذية إن الجانب الباكستاني سيوفر قائمة تشمل الموالين والمخالفين لمحادثات السلام من صفوف طالبان، لكن قائمة كهذه لم يحصل عليها الوفد الأفغاني، وقال حكمت خليل كرزاي بعد العودة من إسلام آباد في مؤتمر صحفي إنهم لم يتوقعوا مثل هذه القائمة.
ردة فعل طالبان
قبل هذا كانت هناك شائعات تنتشر بأن تحضر باكستان أناسا مثل الملا حسن رحماني، والملا عبدالرزاق، والملا جليل إلى المحادثات خلال الجلسات الرباعية، وهم ليس لهم نفوذ مؤثر داخل حركة طالبان.
قالت صحيفة “إكسبريس تريبيون”، التي كانت تنشر أخبار طالبان إن الملا عبدالرزاق، والملا حسن رحماني وهما لم يبايعا الملا أختر منصور قد تم فصلهما من الشورى القيادي في طالبان. وقد كانا جزءا من الوفد الذي التقى مع وفد المجلس الأفغاني الأعلى للسلام في أورومتشي. وأدرجت طالبان ثلاثة آخرين في الشورى القيادي من العرقية غير البشتوية. الملا عبدالرحمن من الأوزبيك، والشيخ شريف من الطاجيك، وآخر من التركمان، وبفصل الأولين أظهرت طالبان أن أمثالهما لا يمثل طالبان.
مع أن وكالة “رويترز[4]“، قالت نقلا عن سراج الدين حقاني (نائب الملا أختر منصور)، إن حركة طالبان بزعامة الملا أختر منصور ستشارك في مفاوضات السلام، وقالت إن سراج الدين نفسه يرغب في المشاركة، لكن المتحدثين الرسميين لطالبان آثروا الصمت في الأمر.
مع أن طالبان لم تصدر أي بيان رسمي بشأن هذه القضية، ولم تنف إمكانية مشاركة مندوبين لطالبان في الجلسة، لكن التعليقات السياسية في موقع طالبان على الشبكة العنكبوتية تظهر أنهم لا يرون أي جدوى لهذه المحادثات، ذلك ولأن الحكومة الأفغانية تبنت سياسة السلام عبر السلاح[5]. ولذلك قد لا يشارك في الجلسة الجناح الأساسي لطالبان.
من جهة أخرى، انقسمت طالبان أخيرا إلى مجموعتين. فإن شاركت مجموعة لن تشارك المجموعة الأخرى.
مستقبل مفاوضات السلام
إن نجاح المفاوضات الرباعية للسلام الأفغاني يرجع إلى أمرين:
أولا: إذا لم تحضر طالبان للمحادثات، فكيف سيكون التعامل معها؟
لم يصل المشاركون في المفاوضات إلى أي نتيجة حتى الآن تجاه نوعية التعامل مع طالبان في حال عدم رغبتها في المفاوضات المباشرة؟ تصرّ الحكومة الأفغانية على استعمال القوة، كما قال القائم بأعمال وزير الدفاع إن القوات الأفغانية ستقمع المخالفين المسلحين الذين لا يريدون السلام ولا يلتحقون بعملية السلام. وقال حكمت خليل كرزاي إن الحكومة وفي إطار تفاهم مع باكستان وأمريكا والصين ستتعامل مع الذين لا يلتحقون بعملية السلام. لكن باكستان ترى شيئا آخر، وهناك خلاف حتى الآن بين الطرفين.
أثناء افتتاح جلسة إسلام آباد أكّد سرتاج عزيز مستشار رئيس الوزراء الباكستاني على ضرورة بناء الثقة وقال يجب رفع الشروط الأولية، وإن تهديد ضرب المجموعات المناهضة للمفاوضات لا يحمل بقية المجموعات على جاهزية للحوار.
ثانيا: أي مجموعة من طالبان ستشارك في مفاوضات السلام؟
إذا استطاعت الحكومة الباكستانية عبر ضغوط كثيرة أن تحضر أعضاء المكتب السياسي لطالبان في قطر، أو أعضاء الشورى القيادي بزعامة الملا أختر منصور، أو أعضاء شبكة الحقاني إلى طاولة الحوار، فإن ذلك سيُنجح عملية السلام، وستكون النتائج إيجابية. لكن إذا شارك في المفاوضات أناس آخرون نيابة عن طالبان، ستكون النتيجة عقيمة مثل ما قام به المجلس الأفغاني الأعلى.
لو ننظر إلى مواقف طالبان الأخيرة، يبدو أن طالبان تظهر حسّاسية كبيرة بأي مفاوضات تحت ضغوط باكستانية، ولذلك تم فصل الذين شاركوا في المفاوضات نيابة عنها.
من جهة أخرى، انقسمت طالبان أخيرا إلى مجموعتين، وقد ألقت هذه الفرقة بظلال واسعة على عملية السلام، وجعلت إجراء مفاوضات سلام حقيقة صعبة للغاية. لذلك إذا تفاوض الحكومة الأفغانية أناسا خارج الجناح الأساسي لحركة طالبان، فإن ذلك لن يجدي أي نفع.
النتيجة
تجري محاولات لاستئناف عملية السلام الأفغانية فيما تتصاعد وتيرة الاضطرابات الأمنية في البلد يوما بعد يوم، وكان العام الماضي بعد انسحاب القوات الأجنبية من البلد نهاية عام 2014م، من أكثر السنوات دموية.
وعلى أعتاب الانسحاب السوفيتي من أفغانستان، عُقد مؤتمر رباعي في جنيف من أجل إحلال السلام في أفغانستان، بين أمريكا وباكستان، وحكومة كابول، والاتحاد السوفيتي، وشكّل مستقبلا سيئا لأفغانستان. وفي ذلك المؤتمر لم يشارك أي مندوب من المجاهدين، وكانت باكستان تنوبهم في الواقع. الآن أيضا من المقرر أن تتخذ هذه الدول الأربع قرارا بشأن السلام الأفغاني في غياب طالبان، وأن تضع إطارا لعملية السلام بين الحكومة والمخالفين.
مع أن المحادثات الرباعية تهدف إلى بدء مفاوضات مباشرة بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، وهناك فرق بين هذه ومؤتمر جنيف، لأن هناك إمكانية مفاوضات مباشرة بين طالبان والحكومة الأفغانية بعد جلستين أو ثلاث، لكن في حال عدم وقوع ذلك واستمرار المحادثات في غياب طالبان، ستكون هذه الجلسات مثل مؤتمر جنيف، ولن تُنجز الحكومة الأفغانية أي شيء، بل ستكون الأمور أكثر تعقيدا.
بشكل عام، بعثت المحادثات الأخيرة آمالا كثيرة، لكن مادامت إرادة واقعية للسلام تغيب عن أطراف الصراع، لن تجدي هذه المحاولات أي نفع، ولن يكون ذلك سوى قتل الفرص.
النهاية
[1] لمزيد من التفاصيل، راجع الرابط التالي: hhttps://csrskabul.com/ar/blog/%D8%A3%D9%81%D8%BA%D8%A7%D9%86%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86-%D9%87%D9%84-%D8%A8%D8%AF%D8%A3%D8%AA-%D9%85%D9%81%D8%A7%D9%88%D8%B6%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A8/
[2] لمزيد من التفاصيل، راجع الرابط التالي: https://csrskabul.com/ar/wp-content/uploads/sites/4/2015/11/%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D9%88%D8%B9-142.pdf
[3] لمزيد من التفاصيل، راجع الرابط التالي: https://csrskabul.com/ar/wp-content/uploads/sites/4/2015/12/%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D9%88%D8%B9-144.pdf
[4] لمزيد من التفاصيل، راجع الرابط التالي: http://da.azadiradio.org/content/article/27474922.html
[5] راجع موقع طالبان، للاطلاع على تعليقها بشأن الجلسة الرباعية: http://alemara1.org/?p=38737