أفغانستان.. بالدرجة الثانية فسادا في العالم
نشرت مؤسسة النزاهة الدولية تقريرها لعام 2015م، بشأن أكثر الدول فسادا حول العالم، وبناء على التقرير تصدرت القائمة بالدرجة الأولى كوريا الشمالية وصوماليا من بين 167 دولة، وتليهما بالدرجة الثانية أفغانستان.
ليست مؤسسة النزاهة الدولية هي المؤسسة الوحيدة التي أجرت إحصاءات حول الفساد الإداري في أفغانستان، فقبل ذلك، نشرت إدارة النزاهة الأفغانية، ومؤسسة آسيا، والأمم المتحدة، وإدارة مكافحة المخدرات والجرائم تقارير حول الفساد في البلد.
ما هو مفاد الإحصاءات الجديدة حول الفساد الإداري في أفغانستان؟ لماذا يتصاعد الفساد الإداري في البلد يوما بعد يوم؟ وما الذي فعلته حكومة الوحدة الوطنية في مجال الفساد الإداري؟
نظرة على الفساد الإداري في أفغانستان
وقد نشرت مؤسسات داخلية وخارجية تقارير بشأن الفساد الإداري في أفغانستان. إدارة النزاهة الأفغانية إدارة داخلية، لكن مؤسسات آسيا، والنزاهة الدولية، والأمم المتحدة، ومكافحة المخدرات والجرائم مؤسسات دولية، كلها نشرت تقارير وإحصاءات بشأن الفساد في البلد.
وهي مؤسسات لها تواجد واسع في البلد وفي مجال إجراء الإحصاءات. نعتمد هنا على إحصاءات مؤسسة آسيا، ومؤسسة النزاهة الأفغانية، والنزاهة الدولية، والأمم المتحدة.
بناءً على إحصاءات سنوية لمؤسسة آسيا، من عام 2006م، إلى 2014م، كان الفساد الإداري من ضمن أزمة يومية لحياة المواطنين. في 2006م، وبرأي 42% من الشعب كان الفساد مشكلة كبيرة، وفي 2014م، تصاعدت مشكلة الفساد الإداري برأي 62% من الشعب، وكان الفساد من أكبر مشاكلهم اليومية.
كما واشتملت استمارات مؤسسة آسيا في إحصاءاتها بشأن الفساد الإداري على أجزاء جديدة، مثل ما هو رأيك حول الفساد في جيرانك، ولدى المسؤولين المحليين، وفي الحكومة المحلية وفي البلد؟ لو نمعن النظر في الأجوبة على هذه الإستمارات، نجد أن الآراء الشعبية تميل نحو تصاعد محتمل في مستوى الفساد، وتتصدر سنة 2014م، قائمة الفساد مقارنة مع السنوات الأخرى.
من جهة أخرى قامت النزاهة الأفغانية منذ 2007م، بإجراء أربعة إحصاءات حول الفساد الإداري في البلد. وبناءً على هذه الإحصاءات، ارتفع مستوى الفساد في أفغانستان مع مرور كل سنة. عام 2007م، بلغ إجمالي الرشوة المدفوعة 447 مليون دولار، وفي 2010م، و2012م، و2014م، تصاعد المستوى بالترتيب إلى 1000، ثم 1250، ثم 1942 مليون دولار. (راجع الرسم البياني الأول).
إحصاءات مؤسسة النزاهة الدولية حول الفساد الإداري في أفغانستان
النزاهة الدولية مؤسسة دولية مدنية، وبشكل أساسي تهدف هذه المؤسسة مكافحة الفساد. كما وتقوم المؤسسة بإجراء إحصاءات حول أكثر من 100 دولة، ثم ترتب هذه الدول على قائمة وتنشر تقريرا حول مستوى الفساد في هذه الدول.
لو ننظر إلى تقارير هذه المؤسسة منذ 2005م، يظهر أن أفغانستان وفي مكافحة الفساد تحصل على درجات قليلة، ولذلك تبقى في صدارة القائمة. عام 2005م، كانت أفغانستان في وضع أحسن مقارنة مع الوضع الحالي، فقد كانت درجات البلد 2.5، وكانت على المرتبة 117 دولة من بين 159 دولة. لكنها بدأت تفقد مكانتها وتتصدر قائمة الدول الفسادة.
ومن 2007م، إلى 2009م، تقلصت درجات البلد في مكافحة الفساد. (عام 2007م، كانت درجات أفغانستان 1.8، وفي 2008م، أصبح 1.5، وفي 2009م، وصل 1.3). لكن من 2010م، إلى 2011م، حصلت أفغانستان على درجات أحسن في مكافحة الفساد. وذلك ربما لأن أفغانستان وضعت قانون تنفيذ خطة لمكافحة الفساد عام 2008م، وعلى أساس هذا القانون تم إحداث الإدارة العليا للتحقيق. (وصلت درجات البلد في 2010م، 1.4، لتصل في 2011م، 1.5).
بناء على هذه التقارير، من 2012م، إلى 2013م، تقلّصت درجات أفغانستان مرة أخرى في مكافحة الفساد الإداري، وأصبحت من أكثر الدول فسادا. (كانت درجاتها عام 2012م، 0.8، وفي 2013م، 0.8 درجة). لكن عندما وصل أشرف غني إلى سدة الحكم، وإثر بعض مواقفه، كفتحه ملف كابول-بانك، وإحداث لجنة التدارك الوطنية، وحظر السفر على المتهمين بالفساد وتقديمهم إلى المحكمة، كثرت درجات أفغانستان في مكافحة الفساد ووصل من 0.8، إى 1.2.
عام 2015م، لم تكن خطة الحكومة الأفغانية منسقّة في مكافحة الفساد الإداري، ولذلك حصلت على 1.1 درجة من عشر درجات. (راجع الجدول الأول).
ردة فعل حكومية
مع أن الحكومة الأفغانية لم تنتقد تقارير مؤسسة النزاهة الدولية، لكنها اعتبرت محاولاتها في مكافحة الفساد صادقة، وأظهرت تعهدا في هذا المجال. يقول عبدالله عبدالله الرئيس التنفيذي الأفغاني في هذا المجال، لا شك في صدق نية حكومة الوحدة الوطنية لمكافحة الفساد، لكن هناك بعض مشاكل تتعلق بالقوانين ونحن نعمل عليها.
من جهة أخرى، قال نائب المتحدث باسم الرئيس الأفغاني ظفر هاشمي، حول التقرير الأخير للنزاهة الدولية إن الحكومة الأفغانية رفعت خطوات جادة في مكافحة الفساد. وضمن هذه الخطوات وعبر لجنة التدارك الوطنية منعت الفساد في كثير من العقود. فقد نشرت الحكومة لأول مرة القعد الأكبر لـ”بنزين”، لدى وزارة الدفاع، من أجل النزاهة. وتمر وزارة العدل بمرحة إصلاحات وقد كانت مصدرا للفساد. وقد عزلت محكمة الاستئناف خلال شهرين ماضيَيْن، قرابة 130 من القضاة، كما وعزلت قضاة ذوي خلفية طويلة.
العنصر الثاني في خطة الحكومة لمكافحة الفساد هو المحاسبة، فقد قبضت الحكومة إلى الآن على أقل التقدير 10 قضاة ممن انخرطوا في الفساد، ولذلك أجرت الحكومة محاولات كثيرة في مكافحة الفساد.
من جانب آخر، كان للشعب دور سلبي في مكافحة الفساد، وفي إفشاء سرّ المفسدين، كما ولم تكف عن دفع الرشوة بما يكفي.
عدم التنسيق الحكومي في مكافحة الفساد
مع أن الحكومة الأفغانية ومنذ عام رفعت خطوات في مكافحة الفساد الإداري، واعتبرت مكافحة الفساد من الأولوية لديها، لكن وإلى الآن لم تُنفّذ الإصلاحات الموعودة في مؤتمر لندن، ولم تكن الحكومة على موقف واحد في مكافحة الفساد.
مع أن ملف كابل-بانك هو أكبر ملف قضائي في تاريخ البنوك الأفغانية، لكن خليل الله فيروزي الذي ألقت الحكومة الأفغانية القبض عليه وأصدرت الحكم عليه بالحبس، فقد أطلق محمد علي محمدي المستشار الحقوقي للرئيس سراحه، ووقّعت وزارة بناء المدن عقدا معه لبناء مجمّع سكني. وتم توقيع هذا العقد لبناء مجمع باسم (سمارت)، بحضور مسؤولين كبار في الحكومة، مثل مندوب الرئيس في الإصلاحات السياسية أحمد ضياء مسعود، ووزير بناء المدن. وهو أمر أدّى إلى تردي الثقة الشعبية على خطة الحكومة لمكافحة الفساد.
إلى جانب هذا، ألقت الخلافات الداخلية في الحكومة بظلال واسعة على مكافحة الفساد الإداري، وتُعتبر هذه الخلافات الداخلية مانعا كبيرا أمام إجراء الإصلاحات، والمحاولات لمكافحة الفساد.
من أجل مكافحة حقيقة للفساد، لابد للحكومة أن تجعل مكافحة الفساد من الأولويات الملحّة لديها، وأن يكون هناك تنسيق في الموقف الحكومي، وأن يتم وضع قوانين خاصة، كما وأن يتم إحداث إدارة مستقلة من أجل المهمة بصلاحيات تامة.
النهاية