تفاوض بين الحزب الإسلامي والحكومة الأفغانية.. خلفية ومستقبل

 

أعلن الحزب الإسلامي جناح حكمتيار، في 12 من مارس 2016م، أن الرئيس الأفغاني أشرف غني دعى الحزب إلى مفاوضات السلام وأن الحزب قبل الدعوة[1]. لكن الحزب لم يُظهر إن كانت هذه الدعوة ضمن المحادثات الرباعية أم إلى محادثات مباشرة بين الحزب والحكومة.

وجاء في مقال في موقع الحزب، أنه تم تعيين وفد مشكل من شخصين للمحادثات[2]. وقال مصدر إن وفد الحزب وصل كابول لإجراء المفاوضات مع الحكومة.

ليست هذه أول مرة يظهر الحزب جاهزية للتفاوض مع الحكومة، أو يرسل وفودا إلى كابول، بل سبق وأن أرسل وفودا أخرى إلى كابول، من دون أي نتيجة واضحة.

فما هي خلفية المحادثات بين الحزب الإسلامي والحكومة الأفغانية؟ لماذا فشلت محادثات السلام بين الطرفين؟ وماذا سيكون أثر مشاركة الحزب على محادثات السلام؟

خلفية الحزب وانقساماته

الحزب الإسلامي في أفغانستان واحد من الأحزاب الكبيرة الأربعة وله أربعة عقود من التاريخ، وفي البداية كان جزءا من الحركة الإسلامية مع الجمعية الإسلامية. أيام الجهاد ضد السوفييت كان للحزب مثل الجمعية ثقل واسع، وبعد الانسحاب السوفيتي كان لهما أيضا دور كبير في الحرب الأهلية. بعد أن ظهرت حركة طالبان في الساحة الأفغانية خرج الحزب من السياسة الأفغانية، لأن طالبان سيطرت على المناطق الخاضعة للحزب وخرج زعيمه من أفغانستان.

أيام حكم طالبان لم يكن للحزب دور كبير في القضية الأفغانية، لكن بعد أن تم تشكيل حكومة جديدة في أفغانستان بعد الغزو الأجنبي عام 2001م، بزعامة حامد كرزاي، اعتبر المهندس حكمتيار دخول القوات الأجنبية إلى البلد “احتلالا”، وأطلق كفاحا مسلحا ضد القوات الأجنبية.

منذ 2001م، انتقل كثير من أعضاء الحزب الإسلامي من بيشاور إلى كابول، وأصبحوا جزءا من الحكومة الأفغانية. في 2004م، التقى خالد فاروقي مع مسؤولين رفيعين من الحزب مع حامد كرزاي، واعتبروا أن علاقاتهم مفصولة من حكمتيار[3].

بعد ذلك، تم تسجيل حزب رسمي في البلد باسم “الحزب الإسلامي”، رغم ذلك لم يجمع هذا العنوان كل أعضاء الحزب تحت مظلته، بل انقسموا إلى مجموعات كثيرة والأمر مستمر إلى الآن. ويمكن لنا أن نذكر مجموعات عبدالهادي أرغنديوال، وخالد فاروقي، ووحيدالله سباؤون. وظهرت الخلافات أكثر بعد أن اتخذت هذه المجموعات مواقف مختلفة في الانتخابات الرئاسة العام الماضي، فوقفت مجموعة إلى جانب عبدالله عبدالله، ودعمت مجموعة اتحاد مجالس الحزب أولان زلماي رسول، ثم دعمت في الجولة الثانية أشرف غني. ودعم أعضاء آخرون المرشح قطب الدين هلال.

خلفية المحادثات بين الحكومة الأفغانية والحزب الإسلامي

رغم الغموض الموجود حول خلفية المحادثات بين الطرفين، لكن يبدو من البيانات الرسمية، أنها بدأت عام 2010م. يشار أن عدد من أعضاء من الحزب جاءوا إلى كابول قبل هذا التاريخ، لكن إلى الآن الأمر موضع جدل إن كان عملهم تصرف من عندهم أم برغبة من حكمتيار.

بعد فوزه بالرئاسة الأمريكية عام 2009م، وضع أوباما خطة في نهاية عام 2009م، لسحب قواته من أفغانستان، وجعل من المقرر أن يتم الانسحاب إلى نهاية عام 2016م. في عام 2010م، لهذا الإعلان ولخلافات كرزاي مع أمريكا، أرسل الحزب الإسلامي وفدا برئاسة غيرت بهير وقطب الدين هلال إلى كابول لمحادثات السلام. قدّم الحزب الإسلامي وقته مقترحا بحل الأزمة الأفغانية احتوى على 15 مادة، ومن أهم ما جاء فيها التالي:

  • على القوات الأجنية بدء مغادرة أفغانستان في يوليو 2010م، وأن تتم المغادرة خلال ستة أشهر،
  • على القوات الأجنبية أن تُسلّم المسؤولية الأمنية للقوات الأفغانية،
  • أن لا تؤسس القوات الأجنبية سجونا في البلد،
  • أن تُعلن وقتها الأطراف المشاركة هدنة،
  • أن يخرج الجنود الآخرون بعد الجنود الأمريكان من أفغانستان،
  • أن تجري انتخابات رئاسة وبرلمانية بعد الانسحاب الأجنبي، ويقود المرحلة الحالية الرئيس الحالي والبرلمان إلى الانتخابات الجديدة[4].

لم تقبل حكومة كرزاي هذا المقترح، وفشلت تلك المحادثات. ثم في 2012م، دخلت وفود الحزب الإسلامي كابول للمحادثات، تزامن مع نشر تقارير حول فتح مكتب سياسي لطالبان في قطر، وكانت الحكومة تخالف فتح المكتب وإجراء محادثات مباشرة بين طالبان وأمريكا. وقدّم الوفد مرة أخرى مقترحه بشأن السلام، لكن الحكومة الأفغانية لم تظهر أي ردة فعل.

في 2013م، رجع وفد الحزب مرة أخرى إلى كابول، لكن محادثات السلام فشلت هذه المرة أيضا. لكن عضوا من الوفد بقي في كابول، ورشّح نفسه في الانتخابات الرئاسية.

عوامل فشل التفاوض بين الحكومة والحزب

في الفترة الثانية من حكم كرزاي ولعدة مرات جاءت وفود من الحزب الإسلامي إلى كابول لإجراء محادثات السلام، لكن هذه المحادثات فشلت ولم تصل إلى نتيجة. منذ مارس 2010م، إلى مايو 2013م، زارت وفود الحزب كابول 17 مرة[5]. بعد ذلك أيضا، أرسل الحزب وفودا إلى كابول، لكن عوامل كثيرة أفشلت هذه المحاولات ونلخّص في الآتي أهم هذه العوامل:

تواضع دور الحزب في المجال القتالي: رغم أن الحزب الإسلامي كان من أكبر الأحزاب الجهادية أيام الجهاد ضد الروس وكان له دعم شعبي واسع، لكن وبعد 2001م، لم يكن كفاح الحزب المسلح ضد القوات الدولية والحكومة الأفغانية قويا. فبعد 2001م، انضم كثير من أعضاء الحزب إلى مناصب عالية في الحكومة، وانقسم الحزب. وبما أن دور الحزب كان ضعيفا في القتال، فإن الحكومة الأفغانية لم تعر اهتماما كبيرا به، وبدت شروط الحزب أكبر من قدره العسكري في الميدان. فحكومة كرزاي بدلا من محادثات السلام مع الحزب، حاولت فصل موفَدي الحزب الذين وصلوا كابول من الحزب. ويمكن لنا أن نذكر قطب الدين هلال مثلا.

مخالفة جهات أخرى مع الحزب الإسلامي: هناك خلافات سابقة بين الحزب وجهات أفغانية أخرى. وإلى جانب كفاحه المسلح ضد الحكومة والقوات الدولية أصدر الحزب في بعض الأحيان تصريحات مناهضة لتحالف الشمال وقومية الهزارة. موقف هذه الجهات من الحزب الإسلامي، وتواجدها في الحكومة بشكل واسع، عامل لوضع موانع في سبيل المحادثات مع الحزب الإسلامي.

موقف الحزب الشديد في المحادثات: كما سلف، قدم الحزب في 2010م، مقترحه بشأن السلام إلى الحكومة الأفغانية، ويمكن لنا بالنظر إلى بعض النقاط في المقترح أن نقول، إن الحكومة الأفغانية لن تقبل تلك الشروط. لأن مراقبين يرون أن الحكومة تحاول مع المخالفين المسلحين أن تُجبرهم على الاستسلام بدلا من قبولهم السلام.

انعدام دعم أمريكي دولي: لا تهتم الدول وخاصة أمريكا بمحادثات السلام بين الحكومة الأفغانية والحزب الإسلامي، لأنه وبرأي هذه الدول ليس للحزب دور كبير في ميدان القتال. وبذلك تؤكد هذه الدول على ضرورة المحادثات مع طالبان.

ضرورة الحكومة إلى المحادثات مع طالبان: أحست الحكومة الأفغانية في السنوات الماضية بضرورة الحوار مع طالبان، مما أسفر عن عدم رغبة الحكومة في الحوار مع الحزب، لأن الحكومة تعتبر ذلك منح تنازلات كثيرة لجهات عدة.

انعدام الثقة: رغم توفر فرص المحادثات بين الحكومة والحزب، بسبب رفض طالبان المتكرر التفاوض مع الحكومة، ومن جهة أخرى حدثت مواجهات بين الحزب وطالبان، ولذلك أراد الحزب أن يعمل خلافا لطالبان، وأن يتفاوض مع الحكومة. لكن الحكومة اعتبر أن الحزب يُجري لعبة للحصول على مزيد من السلطة في الحكومة، فلم تهتم بالأمر. وهو عامل آخر لفشل المحادثات بين الحزب والحكومة.

الحزب الإسلامي وموقف منقسم: الحزب الإسلامي واحد من الأحزاب التي جرّبت انقسامات كثيرة بعد فترة الجهاد الأفغاني ضد الروس، وتنشط حاليا عدة أحزاب باسم الحزب الإسلامي إلى جانب (الحزب الإسلامي جناح حكمتيار)، مثل جناح عبدالهادي أرغنديوال، وقطب الدين هلال، ووحيدالله سباؤون. هذا الموقف المنقسم، عامل آخر لفشل محادثات الحزب مع الحكومة.

المحادثات الرباعية والحزب الإسلامي

دعى الرئيس الأفغاني أشرف غني عبر رسالة حملها محمد عمر زاخيلوال، الحزب الإسلامي لحكمتيار إلى المشاركة في عملية السلام. ثم قبل الحزب هذه الدعوة بنشر بيان على موقعه.

أصدر الحزب الإسلامي هذا البيان بعد أن رفضت حركة طالبان المشاركة في المحادثات الرباعية. وبناء على موقع تابع للحزب وصل وفد من الحزب كابول، ومن المقرر أن يلتقي مع الحكومة الأفغانية. إلى الآن غير معلوم إن كان الحزب يُجري محادثات مباشرة مع الحكومة أم سيشارك في المحادثات الرباعية. بعد المحادثات مع الحكومة قد يظهر موقف الحزب بشأن المحادثات الرباعية.

بعد عدم مشاركة مجموعة طالبان بزعامة الملا أختر منصور في المحادثات الرباعية، ازدادت أهمية مشاركة المجموعات الأخرى، لأنه وبعدم مشاركة هذه الجهة واجهت كل من باكستان وأفغانستان الفشل في العملية. ومن المقرر أن تجري محاولات لإجراء محادثات رباعية في الأسابيع القادمة بمشاركة حزب حكمتيار، ومجموعة الملا محمد رسول من طالبان، وبعض الأفراد من حزب المولوي خالص، وأفراد من مجموعة طالبان بزعامة الملا أختر منصور.

يمكن لنا القول بشكل عام، إن مجموعة الملا أختر منصور من أهم المجموعات القتالية في الساحة، ولن يأتي سلام من دون مشاركتها في عملية السلام. وفي حال مشاركة الحزب الإسلامي في المحادثات الرباعية، هذا لا يعني مشاركة الحزب في الحكومة في ظل تواجد القوات الأجنبية، بل سيتم تأكيد منهم على ضرورة انسحاب القوات الأجنبية، وعلى وضع جدول زمني للانسحاب الأجنبي، وهو أمر يعيق السلام إلى الآن.

النهاية

[1]  البيان الرسمي للحزب الإسلامي حول محادثات السلام مع الحكومة الأفغانية:

http://www.dailyshahadat.com/index.php/site/lekani_details/1858

[2]  لمزيد من التفاصيل، راجع الرابط التالي:

http://www.dailyshahadat.com/index.php/site/lekani_details/1863

[3]  راجع تفاصيل الانقسام داخل الحزب في الرابط التالي:

http://www.jamestown.org/programs/tm/single/?tx_ttnews%5Btt_news%5D=26615&tx_ttnews%5BbackPid%5D=179&no_cache=1

[4]  راجع مقترح المهندس قلب الدين حكمتيار، الحاوي على 15 مادة، في الرابط التالي: http://www.longwarjournal.org/archives/2010/03/hekmatyars_peace_pla.php

[5]  لمزيد من التفاصيل راجع الرابط التالي: https://www.afghanistan-analysts.org/adding-the-ballot-to-the-bullet-hezb-e-islami-in-transition/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *