أفغانستان ومقامرة على السياسة الخارجية
يبدو أن الحكومة الائتلافية في أفغانستان تسلك طريقا آخر في سياستها الخارجية، ويتصدر السلام والاستقرار قائمة أولويات هذه الحكومة والتي تفرض تغييرا في السياسة الخارجية، فمن دون إحلال الأمن في البلد لا يجدي أي مشروع نفعه للشعب.
يرى الرئيس الأفغاني أشرف غني بأن باكستان تملك زمام الأمور في حركة طالبان، وأن جلب ثقة باكستان والوصول معها إلى توافق سوف يضعان نهاية لأزمة طالبان، وسوف تنال أفغانستان أمنا وسلاما. وحمل معه هذه الرؤية إلى باكستان، وبما أن الصين تحظى بعلاقات ممتازة مع باكستان فإن أشرف غني وفي زيارة له إلى الصين طلب من المسؤولين الصينيين التعاونَ في عملية السلام الأفغانية.
من جهة أخرى، وبالنظر إلى الحساسية الموجودة في العلاقات الثنائية بين الهند وباكستان، أعاد أشرف غني، وبطلب من باكستان، النظر في العلاقات الأفغانية الهندية الحميمة والتي تأسست إبان حكم حامد كرزاي. وهو أمر أسفر تغييرا في الموقف الهندي الداعم لأفغانستان والتي دعمت الاقتصادي الأفغاني طيلة 13 سنة مضت ما يقارب ملياري دولار، وهكذا توقف الدعم لكثير من المشارع الممولة هنديا.
أشرف غني وتغيير الخارجية
صرّح أشرف غني الرئيس الأفغاني في مؤتمر “قلب آسيا” المنعقد في الصين وخصيصا لأفغانستان، قائلا:
“من المنظار الجغرافي تقع أفغانستان في قلب آسيا، وقد أصبحت بذلك عبر التاريخ مكانا للقاء القوى والأفكار المنافسة. ولذلك فإن السياسة الخارجية لدينا مرتبطة تماما بالسياسة الداخلية. وبناءً على تواجدنا بين خمس حلقات دولية، نهدف إلى إحداث صعيد مناسب للتعاون بين هذه الدول، والمنظمات، والقوى. وفي سياستنا الخارجية تُعتبر الدول الجارة الست الحلقة الأولى. ويمثل العالم الإسلامي الحلقة الثانية, فيما تشمل الحلقة الثالثة أمريكا الشمالية، وأوروبّا، واليابان، وأستراليا، والدول الأعضاء في الناتو وأيساف. وتُعتبر آسيا القوة الصاعدة الاقتصادية هي الحلقة الرابعة، فيما نعتبر المنظمات الدولية الإنمائية، ومنظمة الأمم المتحدة، والشركات الدولية، والمجتمع المدني الدولي، وبقية المنظمات غير الحكومية هي الحلقة الخامسة”.
مع أن أشرف غني وفي هذا التصنيف للأولويات وإحداث الصعيد المناسب للتعاون، أعطى أهمية كبيرة للعلاقات التاريخية والقوى والأفكار المنافسة، إلا أنه لم يعر اهتماما لإحداث التوازن بين مصالح هذه الدول في أفغانستان. ولذلك رحب المسؤولون الباكستانيون بهذا الموقف وكتبت الصحف الباكستانية بأن باكستان تحتل الحلقة الأولى والثانية معا في السياسة الخارجية الأفغانية، لأنها دولة جارة ودولة إسلامية، وأن الهند تتنزل إلى الحلقة الرابعة. وأنه على الهند، رغم دعمها الكبير لأفغانستان طيلة 13 سنة مضت، القبول بالهزيمة أمام باكستان في أفغانستان.
دبلوماسية سرّية
في زيارته إلى باكستان التقى أشرف غني الرئيس الأفغاني مع المسؤولين الباكستانيين خلف أبواب مغلقة ووصل إلى توافقات تبقى تفاصيلها حتى الآن غير معلنة، ويبدو أن تنازلات قُدمت للجانب الباكستاني بحجة التعاون المشترك ضد الإرهاب، ويأتي ضمن هذه التنازلات تسليم الأشخاص الذين تعتبرهم إسلام آباد أعداء إلى السلطات الباكستانية.
من جهة أخرى وفي شتاء هذا العام (2015)، أصدرت قيادة طالبان أفغانستان إلى قادتها أن لا تترك مواضعهم، وأن لا يذهبوا إلى باكستان. يبدو أن هذا التوافق السري يشمل قيام باكستان بإلقاء القبض على عدد من طالبان أفغان وتسليمهم إلى الحكومة الأفغانية، وهو أمر جعل طالبان أفغانستان يحذرون من الذهاب إلى باكستان.
اتفقت الحكومة الباكستانية والأفغانية على إحداث أكبر حد كبير من الزعزعة في صفوف طالبان. وضمن هذه الاستراتيجية تحاول الحكومة الباكستانية أن تحرض عدد من عناصر طالبان الذين تركوا من قبل ساحة المعركة بأن يعودوا إلى فعاليات عسكرية مستقلة، ومنهم الملا منصور داد الله. وقد زار المسؤولون الباكستانيون الملا منصور ثلاث مرات حيث يسكن بين قومه –كاكر-، في وزيرستان. وأما الملا منصور الذي قضى سنوات عدة في سجون باكستانية رفض هذا المقترح، وعلى إثر ضغوط وضع عليه المسؤولون الباكستانيون غادر باكستان إلى أفغانستان.
واتفق الطرفان أيضا بأن مكتب طالبان في قطر ليس مكانا مناسبا للمفاوضات، وينبغي نقله إلى مكان آخر.
الموقع الجغرافي والسياسة الخارجية
أكّد أشرف غني أثناء إعلانه السياسة الخارجية الجديدة لأفغانستان، بأن هذا “التعقيد هو من صنع التاريخ، وليس أمامنا إلا أن ندركه جيدا، وأن نديره بطريقة أصولية وعملية…”.
إن أشرف غني صادق فيما يرى بأن تغييرات تاريخية أجبرتنا على أمور كثيرة، وعلى احتياج للجيران. إن ضرورتنا إلى طريق النقل جعلتنا في احتياج شديد إلى الجيران، وفي حال إغلاق الطريق علينا لمدة وجيزة، سوف تواجه أفغانستان أزمة اقتصادية كبيرة. وأما محاولات حامد كرزاي أثناء حكمه للحصول على بديل آخر، عبر تعاون من قبل إيران والهند، ومنها طريق “شاه بهار”، في إيران بعثت آمالا كثيرة، إلا أن السياسة الخارجية الجديدة جعلت الهند تطلب من إيران توقف الاستثمار على هذا الطريق.
باكستان والتعاون في عملية السلام الأفغانية
يطلب أشرف غني من باكستان أن تساعد بلده في عملية السلام. ويأتي ذلك الطلب بسبب الرؤية التي ترى لباكستان نفوذا على حركة طالبان وأنها تقدر أن تُقنع الحركة بالجلوس خلف طاولة الحوار.
إن مستوى التأثير الباكستاني على حركة طالبان يبقى غامضا، ونظرا إلى الحقيقة التي تقول بأن حركة طالبان باكستان، والتي قيلت عنها في الآونة الماضية بأنها تدار من قبل “آي إس آي”، قد خرجت من سيطرة باكستان، لا يمكن التعويل كثيرا على تأثير باكستان على حركة طالبان، وخاصة عندما لم تقدر باكستان أن تمنع طالبان من فتح مكتب لها في قطر.
ولكن المسؤولين الباكستانيين استطاعوا بمهارة كبيرة أن يستغلوا الدعاية الإعلامية المخالفة لباكستان، وأن يظهروها كحقيقة للمسؤولين الأفغان، وأن يظهروا أنفسهم أصحاب القرار في صف طالبان وأن يغيّروا بذلك سياسة أفغانستان الخارجية لمصلحتهم.
المسؤولون الأفغان الجدد، حديثي العهد مع اللعبة الباكستانية
أشرف غني الرئيس الأفغاني ومعه مستشاره الأمني محمد حنيف أتمر، لم يجرّبا مع باكستان علاقات طويلة وخاصة أيام الجهاد الأفغاني ضد الروس. كان أشرف غني يعيش في أمريكا، وكان أتمر يعمل مع مؤسسات أجنبية في بيشاور. فإنهما لا يعرفان باكستان جيدا، وهذا أمر جعل تعاملهما مع باكستان على هيئة مقامرة خطيرة.
ونظرا إلى أن مطالب باكستان لا تنحصر في إعادة النظر في العلاقات الأفغانية الهندية، فإن التأثير المأمول من هذا التغيير قد يكون قليلا جدا. يرى الكثيرون بأن سياسة باكستان تجاه أفغانستان لم تتغير بعد، وأن باكستان غيّرت هيئة اللعبة فقط.
النهاية