ماذا تعني سجون أمريكا السرية في أفغانستان؟
في الآونة الأخيرة، نشرت بعض وسائل الاعلام خبرا عن سجن سري للقوات الأمريكية في ولاية قندهار، بعدها أرسل الرئيس الأفغاني حامد كرزاي بأمرٍ رئاسيٍ وفدا إلى قندهار لإستقصاء الحقيقة حول تواجد سجناء لدى القوات الأمريكية.
إن ملف السجون والسجناء الأبرياء، كان من أكثر الأمور إثارة للجدل في العلاقات الأمريكية الأفغانية، في السنوات الأخيرة من رئاسة حامد كرزاي. ولقد حاول السيد كرزاي بدءاً من السنة الماضية إغلاق السجون الأمريكية في أفغانستان، ولكن وإلى الآن هناك سجون سرية تابعة للقوات الأمريكية في مناطق مختلفة من البلد.
سجون أمريكا في أفغانستان
بعد الغزو الأمريكي على أفغانستان في 2001م، بنت القوات الأمريكية سجونا علنية وأخرى سرية للاحتفاظ بالسجناء فيها، خلافا للدستور الأفغاني والقوانين الدولية، ولقد سببت هذه القضية تدهور العلاقات بين الإدارة الأمريكية والرئيس الأفغاني حامد كرزاي في السنوات الأخيرة.
كثير من الذين تم حبسهم وتعذيبهم بعنفٍ في هذه السجون كان السبب الوحيد وراء ذلك هو ظن الأمريكيين أن هؤلاء يقدمون دعما لمعارضي أمريكا، ومن ثم كانوا يلقون عليهم القبض. وأما الذين كانوا حقيقة من كوادر حركة طالبان أو تنظيم القاعدة فقد تم نقلهم إلى سجن غوانتانامو.
إن القوات الأمريكية في 12 سنة مضت، ألقت القبض على عدد كبير من الأفغان من داخل بيوتهم بحجة أنهم موضع شك، ونقلتهم إلى سجونها السرية. وحتى أقرباء هؤلاء المحبوسين ما كانوا يعرفون مكان تواجدهم لشهور وسنوات.
حتى في هذه السنوات تم عقد اتفاقيات مع الأمريكيين، لإلقاء القبض على الأفغان وسجنهم وتعذيبهم ونتيجة لذلك، ما كان لأحد أن يقف في وجه الغطرسة الأمريكية.
أكتشف في 2009م “السجن الأسود” الأمريكي، والتعامل غير الإنساني مع السجناء في بجرام، وكان المسؤولون الأمريكيون ينكرون مثل هذا السجن، وأخيرا في 2011م، اعترف عدد من المسؤولين الأمريكيين بوجود سجون أمريكية سرية في أفغانستان، والتي كان يُحتفظ فيها بعدد كبير من الأفغان لفترات طويلة بحجة أنهم مشتبهون، دون أن يرتكبوا أية جريمة.
تفيد التقارير بأن القوات الأمريكية لا زالت لديها ما يقارب 20 سجنا سريا في أفغانستان، وتعمل هذه السجون في ظل أوضاع صعبة وتديرها وحدات مكافحة الإرهاب في القيادة المتشركة للقوات الأمريكية الخاصة.
كان من المقرر ايجاد وحدة خاصة لإدارة السجون كي يتدرب فيها السجانون الأفغان على إلقاء القبض على الأفراد المشكوك بهم، ومراقبة السجون، ولكن هذا لم يحدث، ويقول المسؤولون الأجانب: إننا مضطرون على أن نراقب السجون بأنفسنا كي لا تذهب كل الجهود التي بذلتها القوات العسكرية الأجنبية سُدى في ليلة واحدة بفرار السجناء الجماعي لسوء تدبير القوات الداخلية!
إن كانت هذه حقيقة وإن كانت الحكومة الأفغانية غير قادرة على المحافظة على سجن واحد، فلنخاطب الأجانب بالقول: إذاً ماذا كنتم تعملون خلال 12 سنة مضت؟ هل الحكومة الأفغانية غير قادرة أم أنتم، إذ لم تتمكنوا من تدريب قوة تضم ألف شخص وتحافظ على سجنٍ واحدٍ؟
بناءً على قوانين العمل للقوات الأمريكية كلما تقوم هذه القوات بإلقاء القبض على أي فرد، عليها أن تطلق سراحه في 96 ساعة أو تسلمه إلى الحكومة الأفغانية. أما عدد من محامي السجناء، يقولون إن موكليهم قضوا شهورا وسنوات محبوسين، بدون تهمة رسمية وبطريقة غير قانونية.
بعد أن حسم الرئيس الأفغاني إطلاق سراح سجناء أبرياء من سجن بجرام، ظهر أن الذين كانوا محبوسين فيه كانوا أبرياء، غير بضعة منهم، ولم تكن هناك أية أدلة ضدهم، ومع ذلك كانوا يقبعون في السجن لسنوات طويلة. ولكن “السجن الأسود” الأمريكي في بجرام، لا يزال موجودا ويقبع فيه أفغان بوصف السجناء الخطرين.
أوضاع السجناء في السجون الأمريكية
بناءً على تقارير عدة، لا يتم التعامل مع السجناء في هذه السجون على أساس قوانين أفغانسان ولا معايير حقوق البشر، حيث لا يُسمح لأي فرد ولا لأية مؤسسة بزيارة السجون التابعة لأمريكا في أفغانستان.
ومن جانب آخر، لا أحد يعلم شيئا عن هؤلاء السجناء، وهم لا يعرفون سبب حبسهم. إن حبس هؤلاء يأتي دون أي اتهام وبطريقة لا قيود فيها. أليس هذا نقضاً صريحاً للقانون؟
إن هناك قصص مرعبة عن هذه السجون نقلها بعض من خرج منها بطريقة ما، وهي تظهر أن ما يجري داخل هذه السجون هو مخالفة صريحة للمعايير الدولية والقيم الإنسانية.
منع السجين من النوم عدة أيام، وضعه في الماء البارد طويلا دون غطاء، الضرب العنيف، الصعق بالكهرباء، عدم وجود المحامي وغير ذلك، نماذجُ حية تجسد سلوك القوات الأجنبية مع السجناء الأفغان وهو سلوك غير إنساني.
السجن السري في قندهار وردة الفعل عليه
أما الأخبار التي أفادت في الأيام الأخيرة، بوجود سجن سري للقوات الأمريكية في كندهار، فليس معلوما عدد السجناء فيه لحد الآن ولا المدة التي قضوا فيه.
إن السجن السري الأمريكي في قندهار أظهر مرة أخرى أن الأمريكيين يستمرون بأية طريقة في جرائمهم ضد البشرية، وأنهم سيسجنون وسيعذبون أناسا أبرياء في مثل هذه السجون في المستقبل أيضا.
من جانب آخر، مع أن سكان ولاية قندهار والمحافظات القريبة منها قدموا شكاوى كثيرة بخصوص وجود سجن سري في هذه المحافظة، نظرا لعدم تواجد أقربائهم الذين تم إلقاء القبض عليهم من قبل القوات الأجنبية في السجون العلنية، ولكن المسؤولين في المحافظة تغاضوا عن هذه الشكاوى والآن يقولون بأنهم لا يعرفون شيئا عن مثل هذا السجن.
إضافة إلى ذلك فإن مسؤولي ما يسمى بلجنة حقوق البشر في كندهار، يعترفون بوصول شكاوى إليهم حول سجن سري ويعترفون بأنهم لا يعرفون عنه شيئا. أليس الذين يُسجنون ويعذبون بطريقة غير قانونية بشرا لترفع اللجنة صوتها دفاعا عنهم؟
إن هذا يُعتبر إسهاماً في استمرار إجرام القوات الأمريكية، حيث إنهم ( من لهم دخلٌ بالموضوع) لم يفعلوا شيئا مع وصول الشكاوي لهم.
في السنوات الأخيرة اهتم الرئيس الأفغاني بهذه الجرائم، ولكنه قبل ذلك كان يغض الطرف عن جرائم القوات الأمريكية وكان يكتفي بتنديدها وحسب.
إن المسؤولين في الحكومة الأفغانية يعرفون جرائم القوات الأمريكية. حتى إنهم يعرفون أن أمريكا تخطط لجعل قواعدها العسكرية، مجمعات للسجناء وتخطط لاستعمال هؤلاء في مختبرات عديدة من المقرر أن تقيمها في هذه القواعد، ومع ذلك يقولون إن وجود القواعد العسكرية ينفع البلد.
فالسؤال هو: ماذا يعني وجود مثل هذه السجون السرية في القواعد العسكرية الأمريكية؟ هل هو تعاطف أمريكي مع أفغانستان، إذ يحفظون البلد من الفوضى وتدهور الأمن بإلقاء القبض على أناس يشكون بهم؟ أم هي عقلية الاستعمار وبسط السيطرة، إذ يفعلون في البلاد ما يشاءون، ولا أحد يقوى على معارضتهم؟
هذه الغطرسة، وهذا القتل، وهذه الغارات، وهذه الأنانية التي ينفّذها الغربيون في أفغانستان لا تعني أبدا تعاطفا مع الشعب الأفغاني، فإن الأمريكيين بهذا السلوك يوحون إلى القول بأن الحكومة الأفغانية لا تستطيع أن تمعهم من أعمالهم العنيفة. النهاية