أفغانستان… ارتفاع الجرائم وضعف قضائي
إن تصاعد الجرائم تؤثر سلبا على نفسية الشعب، كما تؤثر على اقتصاد البلد. وقد سبب اختطاف التجار وأصحاب الأموال، أو اختطاف ذويهم من المدن الكبيرة عدم رغبة هؤلاء في الأنشطة التجارية في البلد.
وهذه الجرائم وسعّت الفجوة بين الحكومة والشعب، وجعلت بعض الضحايا يُقبلون على استعمال الأسحلة وعلى الانضمام بصفوف المعارضة المسلحة للحفاظ على حياتهم.
وقد حدث أخيرا في ولاية كابول، أفج حادثة جنائية من نوعها، إذ قام عدد من المجرمين في مديرية بغمان مستغلين ملابس الشرطة بإيقاف سيارة راجعة من حفلة زواج، وقاموا بسرقة كل ما لدى الركاب ومن ثم اغتصبوا النساء أمام أعين ذويهن. هذا نموذج من الجرائم البشعة التي تحدث يوميا، والتي لا تجد طريقا إلى الإعلام، وهناك سؤال يطرح نفسه: ما هي عوامل ارتفاع هذه الجرائم؟ ولماذا تزداد يوما بعد يوم؟
إحصاءات خطرة
رغم وجود الجرائم الجنائية من كل نوعها في كل أرجاء البلد، وهي قضية تحتاج دوما دراسة عميقة ولا توجد لها إحصاءات دقيقة، إلا أن وجود هذه الجرائم في العاصمة يعني أن هذه القضية تشكل تحديا كبيرا للبلد.
بناءً على إحصاءات وزارة الداخلية، تم قتل عشرة أفراد في الشهر الأول من الصيف في مدينة كابول، وتم كشف ۳۰ جثة ممن قُتلوا بطريقة مشبوهة. وفي أغلب هذه الحالات تبقى طريقة القتل وهوية الجثث غير معلومة. وعلى سبيل المثال قبل بضعة أيام، تم كشف جثة دون رأس لبنت يصل عمرها ۲۰ سنة تقريبا في غرب كابول. في هذا الشهر حدثت ۲۲۴ حادثة قتل في البلد، وتبقى وتيرة الجرائم مرتفعة في ولايات كابول، وبلخ، وننكرها، وخوست وهرات.
على أساس بعض الإحصاءات، حدث ۱۳۰۰ حادثة جنائية في خمسة شهور الأولى من العام الجاري في ولاية كابول، ونتيجة لها قُتل ۱۵۸ شخصا وقُبض قرابة ألفي شخص.
وبناءً على هذه الإحصاءات تحتوي جرائم خمسة شهور الأولى من العام على ۲۰ حادثة اغتصاب، و ۹ حوادث اختطاف. ويبقى معدل الجرائم في مدينة كابول أربع قضايا يوميا، وهي مدينة يتمركز فيها 15 ألف جندي أمني تقريبا.
وتتصدر قائمة الجرائم، السرقة والاغتصاب وقطع الطريق وحمل الأسلحة غير القانونية والاختطاف. واللافت للنظر أن معظم الجرائم حدثت في مركز المدينة وفي أماكن كثيرة الزحام. وتتصدر الحلقة الأمنية الخامسة في كابول القائمة بـ۱۳۵ جريمة تتبعها الحلقة الثامنة بـ۱۱۵ جريمة.
ويُذكر أن القتل العائلي أيضا يبقى ظاهرة ملموسة في بعض الولايت، ومثال ذلك مقتل خمسة نساء في يوم واحد في ولاية هرات للمشاكل العائلية.
عوامل ازدياد الجرائم
إن الفساد السياسي والإداري في مؤسسات الحكومة سهّل للمجرمين طريق الفرار من القانون، والرجوع من جديد إلى الجرائم. كثير من المجرمين الذي يتم إلقاء القبض عليهم تكون لهم ملفات سابقة، وقد أطلق سراحهم للفساد الموجود في مؤسسة القضاء. ولذلك يشكل التساهل، وعدم تنفيذ القانون من قبل المؤسسات الحكومية، وعدم معاقبة المجرمين العامل الأبرز لتصاعد وتيرة الجرائم.
وهناك عامل آخر يلعب دورا كبيرا، ليس في الآونة الأخيرة بل منذ عقود كثيرة، وهي وجود مسؤولين مجرمين وأصحاب القوة الذين يحمون ظهر المجموعات الجنائية المجرمة من أجل مصالحهم ويدافعون عنهم في القضاء.
إلى جانب ذلك، العنف العائلي، والبطالة، والأزمة الاقتصادية، عوامل أخرى سببت ارتفاع الجرائم، ولم تقدر الحكومة خلال ۱۳ سنة مضت أن توفر فرص عمل للذين يُقبلون على مثل هذه الجرائم.
من جانب آخر، إن القوى الأمنية الأفغانية لضعفها المهني تبقى فاشلة في سد هذه الحوادث وبل أحيانا ساعدت المجرمين أيضا.
إضافة إلى الذي سبق، وجه الإعلام الممول من الغرب طيلة ۱۳ سنة ضربة على القيم الإسلامية، والحال أن الإعلام يمكن له أن يلعب دورا في تقليص الجرائم بنشر مواد مفيدة ومعلومات جيدة بدلا من المواد التي تضر بأخلاق المجتمع.
حماية المجرمين
فقد شاهدنا منذ أكثر من عقد مضى، حوادث وجرائم فجيعة. على سبيل المثال تحدث كثيرا قضايا الاختطاف في مدينة كابول في وضح النهار، ولكن إلى الآن لم تتم معاقبة أي مجرم.
إن الذين يرتكبون هذه الجرائم في الأغلب يحظون بصلة مع أناس ذوي مناصب عالية وهؤلاء يحمون ظهر المجرمين، فإن الحكومة لا تنفذ القانون إلا على فاقد المال والقوة. بل إن أصحاب القوة يخرجون من الحبس بفرامين خاصة. لقد رأينا عشرات من قضايا الاختطاف في كابول، فأين ذهب المجرمون والقتلة؟
توجد جرائم كثيرة في مجتمعنا، وبعضها تجد توجيها داخل إطار القانون. في هذه الآونة الأخيرة كشف الغطاء عن جرائم للشرطة المحلية، في ولاية كندز لوجود شكاوى بشأنها منذ بضع سنوات، إلا أن الحكومة تجاهلت القضية فساهمت في الجريمة. عندما يقتل المدعو حكيم شجاعي مئات من الأبرياء ثم يُطلق سراحه بمساعدة من النائب الأول للرئيس الأفغاني، فإن ذلك لا يعني إلا مساعدة حكومية لتصاعد العنف والجريمة في البلد.
فيما يصل عدد قوى الأمن الأفغاني ۴۵۰ ألف، إلا أن وتيرة الجرائم ترتفع يوما بعد يوم، وسبب ذلك هو عدم خوف المجرمين من الحكومة، وعدم تنفيذ القانون والشرع الإلهي.