من وساطة جون كيري إلى شائعة تغيير النظام!

بعد إعلان النتائج الأولية للجولة الثانية من انتخابات الرئاسة الأفغانية، ظهر الدور الأجني في تقرير مصير هذه الانتخابات أكثر فأكثر، حتى سافر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى كابول، وحسم الخلاف بين المرشحين. بعد ذلك، انتشرت شائعات كثيرة، منها التي تقول إن هناك توافقا تم وراء الكواليس، وينص على تشكيل حكومة ائتلافية بين المرشحين، وقد أثار هذا الأمر ردة فعل واسعة.

ما هو الهدف من وراء هذه الشائعات؟ إن كانت الموافقة على تغيير النظام، أمرا واقعا، ماذا ستكون نتائجها؟ كيف كان تأثير التدخل الأجنبي وخصوصا الأمريكي على عملية الانتخابات؟ هذه المواضع إلى جانب أمور أخرى تمت مناقشتها هنا.

 

التدخل الأجنبي في الانتخابات تحد كبير لأفغانستان

إن جون كيري وزير الخارجية الأمريكي، قد حسم بوساطته في 2009م، الخلافات الانتخابية بين عبدالله عبدالله وحامد كرزاي. وكان عبدالله عبدالله هذه المرة أيضا يتوقع الوساطة من جون كيري، ولم يكتف باقتراحات الجهات الأفغانية ووساطتها. يبدو أن التهديد بتشكيل الحكومة الموازية بعد يوم من إعلان النتائج الأولية، كان تخوفا من عدم تحقق الوعود التي قُدمت لعبدالله عبدالله عام 2009م، بخصوص الانتخابات الحالية.

وكان حل الصراع والاختلاف بين المرشحين الرئاسيَيْن، بوساطة جون كيري أمرا مثيرا للحيرة، ولكن بعد ذلك نشرت تصريحات لبعض الساسة، وكانت هناك تقارير بشأن مخاوف أخرى وردود الأفعال.

في ظاهر الأمر، تمت الموافقة بين المرشحين على تفتيش الأوصوات كاملة، وعلى قبول النتيجة إيا كانت، وعلى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، ولكن وبالنظر إلى أن مرشحا لم ير إمكانية فوزه كبيرة في الجولة الثانية، فبدأ يعترض ولم يقبل أي قرار أو اقتراح، بل كان يتبع الشرط بالشرط، فإن ذلك كله يعني أن تفتيش الأصوات ليس هو الهدف، بل إن هناك مساومات على السلطة قد جرت خلف الكواليس. 

إن أمريكا والجهات الأجنبية أدارت الأزمة الانتخابية بطريقة أبقت الدور الأجنبي فيها دورا أساسيا، وكان الحديث عن تشكيل الحكومة الموازية تدخلا أمريكيا أيضا، وإلا فإن حدوث البلبلة والاضطرابات في أفغانستان ليس في صالح أمريكا حاليا.

إن أمريكا استطاعت بتدخلها في الانتخابات أن تحصل على هدف طالما توقعته، وهو تشكيل حكومة في أفغانستان لخمس سنوات أخرى، ترى نفسها رهينة للمنة الأمريكية، وللمجتمع الدولي.

بناءً على ذلك، فإن وساطة وزير الخارجية الأمريكي وتدخله، وانتشار تقارير أفادت بحدوث انقلاب محتمل قبل زيارة جون جيري، كان لتوجيه التدخل الأمريكي المخجل في الانتخابات الأفغانية، ودورها المؤثر في هذه العملية.

مع أن الدور الأمريكي المؤثر في انتخابات أفغانستان، يُفسَر كمحاولة لتهميش حامد كرزاي، لأنه لا يزال يخالف تغيير النظام في أفغانستان، والاتفاقية الأمنية مع أمريكا، والدور الأمريكي المهيمن في الساحة السياسية الأفغانية، ويبدو تعبانا من التدخلات الأجنبية.

من جانب آخر، يظهر جليا من أٌقوال الرئيس الأفغاني، أن الوساطة الأمريكية في أزمة الانتخابات، لم تكن رغبة أفغانستان، وإن أمريكا قامت بإرسال جون كيري إلى كابول، للوساطة بين المرشحين على أساس خطة مسبقة.

 

وساطة جون كيري ومحاولات تغيير النظام

قامت بعض وسائل الإعلام الغربية، بنشر تقارير تفيد إمكانية تغيير النظام في أفغانستان، وهو أمر كان المرشح عبدالله عبدالله ينوي فعله في حال فوزه. على أساس تلك التقارير، يكون هذا الاقتراح في مرحلة ابتدائية جدا، ولكن فإن المرشحين يقبلان عموما أن وحدة أفغانستان تقتضي تدريجيا إحداث كرسي لرئاسة الوزراء.

مع أن أمريكا، أيّد قبل عقد من الزمن النظام الرئاسي في أفغانستان، ولكن يبدو الآن، أنها ولأسباب عدة قامت بمحاولات لتغيير النظام، وأنها لم تعد ترغب النظام الرئاسي في أفغانستان. والتدخلات التي وقعت في الجولة الثانية، من أجل تدمير سمعة الانتخابات، ربما كان واحد من أهدافها، تمهيد الطريق لاقتراح أطروحات سياسية جديدة.

بعد وساطة جون جيري، حتى وإن لم يكن أمر تغيير النظام ومنح كرسي الرئاسة للمرشح الخاسر في الانتخابات، ذا جدية، ولكن عدم اختيار أشرف غني أحمدزي مساعدا من العرقية الطاجيكية في البداية، وتعهده بكرسي رئاسة الوزراء لأحمد ضياء مسعود في النهاية، أمور تظهر أن خطة تغيير النظام من الرئاسي إلى البرلماني كان مدبرا من قبل.

مع أن فريق المرشح المحتمل فوزه، أشرف غني أحمدزي رفض هذه الشائعة وهذه الإمكانية، واعتبر الرئيس الأفغاني حامد كرزاي في تصريحات أخيرة له، النظام البرلماني لضضر البلد، إلا يبدو أن تقارير الإعلام الغربي المقرب من البيت الأبيض بخصوص تغيير النظام في أفغانستان كانت لتهیئة الأذهان والعقول. ومن جانبهم فإن أعضاء فريق المرشح المحتمل فشله، عبدالله عبدالله، ينشرون هذه الشائعة لتثبيت مكان لهم في الحكومة القادمة.

من جانب آخر، فإن تغيير النظام يحتاج تعديل الدستور، وقد تمت تهیئة الأذهان في هذا المجال أيضا، فإنه قيل عن الكرسي المقرر لأحمد ضياء مسعود بعنوان “الرئاسة الإجرائية” أن تستمر هذه المسؤولية لمدة سنتين أو ثلاث، وأن تتغير بعد ذلك وإثر تعديل الدستور إلى كرسي رئاسة الوزراء.

 

مشاركة المرشح الخاسر في السلطة… مرحلة حرجة

بما أن فريق المرشح المحتمل فشله يبدو سعيدا بعد وساطة جون كيري، فإن ذلك يعني حدوث مساومة على السلطة، ونتيجة لتدمير سمعة الانتخابات ومشاكل أخرى، تم إجبار الفريق المنافس أو المحتمل فوزه، بأن يقبل المساومة في الجولة الأخيرة، وأن تتجه الأمور نحو تشكيل حكومة ضعيفة.

مع أن الوساطة الأجنية تعتبر الحل الأخير، وقد رحب حامد كرزاي باقتراح “بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان” أو “يوناما” رغم معارضته للأجانب، ومن ثم قبل بوساطة جون كيري، ولكن يبدو أن الأزمة بعد هذه الوساطة إنما دخلت مرحلة جديدة.

إن توزيع السلطة باسم حكومة الوحدة الوطنية، ذو أهمية من عدة جوانب، أولا إن فرز الأصوات يتم من جديد ويقبل به كلا المرشحين، فإن الفائز إذا يصبح رئيسا مشروعا للبلد ويشكل حكومته على أساس خططه، فماذا يعني بعد ذلك منح الشراكة للمرشح الخاسر؟

وإذا كانت من الآن قد تمت مساومة بشأن المناصب والكراسي، فإنه إهانة لأصوات الشعب الأفغاني بطريقة أو بأخرى. لا ينبغي أن نغفل أن تشكيل الحكومة من الفريق الفائز وحده وتهميش الفريق الآخر، إنما یکون من نواقص الحكومة، ولا ينبغي أيضا، أن تكون في الحكومة نقائص من منظار الترکیب الوطني، إلا أن توزيع السلطة على أساس المساومة يُعتبر مؤامرة كبيرة بحق الشعب الأفغاني. النهاية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *