أفغانستان في فخ مؤامرات أمريكا وباكستان
لقد أحدثت عمليات الجيش الباكستاني في وزيرستان الشمالية كارثة إنسانية، ويبدو أن باكستان تريد عبر تنفيذ مثل هذه العمليات أن تركض وراء أهدافها الاستراتيجية أكثر من أي وقت آخر.
وفي صعيد متصل وعبر تكثيف القصف الصاروخي على المناطق الشرقية في أفغانستان، والتهديد المباشر بالهجوم الجوّي أو الأرضي، تضع باكستان على الجانب الأفغاني ضغوطا من أجل أهدافها وأهداف أصدقائها. وقد كلفت السياسات الباكستانية الخاطئة البلد مع ساسته رصيدا كبيرا، وهم الآن يبحثون طرقا جديدة لحل الأزمات.
المصالح الأمريكية الباكستانية والمشاكل الموجودة
إن أمريكا لها تأثير كبير على المنطقة بشكل عام، ويحظى بالتأثير القوي على العلاقات الثنائية بين أفغانستان وباكستان بسبب الحضور الأمريكي في أفغانستان، هذا مع عدم إمكانية جحود المصالح الموجودة بين هذه الدول الثلاث من منظار التحليل السياسي.
أمريكا تحس بالضرورة لباكستان. فعلى الأمد القريب إن تعزيزات الحرب الدائرة في أفغانستان، والتعاون الأرضي والجوي المباشر، وعلى الأمد البعيد التعاون مع الأهداف الأمريكية في المنطقة، أمور تدفع أمريكا نحو صداقة باكستان، ولذلك أطلق أمريكا مع باكستان لعبة ثنائية، لعبة تتقلب من آن لآخر بين التطميع والتآمر.
حاليا تدور العلاقات الأمريكية الباكستانية حول التعاون في مجال مكافحة “الإرهاب” ولكن في المستقبل قد يكون محور هذه العلاقات التعاون الباكستاني مع أمريكا في مواجهة القطب الروسي أو الصيني في المنطقة.
ولكن باكستان، إذ تواجه الآن أزمة اقتصادية سياسية، إضافة إلى أزمة الانفصاليين، فإنها ترى أن المساعدات الأمريكية المالية والتي تصل إلى ملايين الدولارات، إلى جانب التعاون السياسي الأمريكي تشكل محور تلك العلاقات. وفي نفس الوقت تقلق سياسة أمريكا المزدوجة الجانب الباكستاني كثيرا، وهو أمر أضر بالصداقة الأمريكية الباكستانية إلى حد كبير.
إن باكستان تدرك الآن جيدا أنها لا تستطيع التعويل على صديقتها الاستراتجية كما كانت تفعل من قبل، وقد تم تجاهل معاهدات واتفاقات ثنائية في كثير من الأحيان. فالمعاهدة التي تمت بين الطرفين في 1956م، وأعطت باكستان قاعدة عسكرية لأمريكا في “بده بيره”، فعندما انفصلت بنغلاديش من باكستان كان على أمريكا بموجب تلك المعاهدة أن تساعد باكستان، ولكن أسطولا تحرك لمساعدة باكستان لم يصل أبدا.
وفي السنوات الأخيرة أيضا، عندما غزت القوات الأمريكية والناتو أفغانستان، تم توقيع بعض الاتفاقيات مع باكستان، وهي اتفاقيات لم تحظ بالمراعاة من الطرفين، بل كل نقضها عند قدم المصالح، وهناك من يعتقد أن أمريكا هي التي تحرك الأزمات الحالية في باكستان.
رغم ذلك كله، إن باكستان نتيجة سياستها وصلت إلى حالة، يكلفها الوقوف في وجه أمريكا الكثير، وهي ترى نفسها مجبرة على المضي في طريق سياسات الحلقات الغربية وأهدافها.
بشكل عام، ورغم وجود تعارض كبير بين المصالح الأمريكية والباكستانية، إن أمريكا ولعوامل كثيرة لا يمكن لها أن تتجاهل أهمية الدور الباكستاني في المنطقة وحتى في الشرق الأوسط، ولا يمكن أن تتجاهل المصالح الباكستانية أيضا، وعلى سبيل المثال فإن أمريكا تفضل أن تبقى قريبة من با كستان من أجل نضالها البارد مع الصين.
المشاركة الأمريكية الباكستانية في أفغانستان والسياسة المزدوجة
يمكن لنا أن نعد استمرار الحرب في أفغانستان، وإعاقة تشكيل حكومة قوية، واستغلال أفغانستان لتنفيذ سناريوهات غربية في المنطقة، مصالح مشتركة بين أمريكا وباكستان في أفغانستان، وقد رجحت أمريكا باكستان على أفغانستان دوما. مع أن هذا الميلان الأمريكي إلى باكستان، لا يعني تسليم الملف الأفغاني إلى باكستان وقوى أخرى، بمقتضى مفهوم السياسة الأمريكية في 1989م.
هناك سياسات أمريكية باكستانية كثيرة أضرت الطرفين، وشكلت أزمات في طريق الصداقة بين البلدين. النظرة والعلاقة المختلفتان تجاه الهند، اختلاف علاقات البلدين مع الصين وإيران، اختلاف سياستهما تجاه روسيا وآسيا الوسطى، وأمور أخرى، تعرقل السياسة المشتركة بين البلدين، ويدخل الطلب الباكستاني من أمريكا لتقويض النفوذ الهندي في أفغانستان، تلك القائمة المتنازعة عليها.
وقد حاولت استخبارات كل من البلدين إضرار نظيرتها أيضا، فعندما بدأت الحكومة الباكستانية مفاوضات السلام مع المعارضة المسحلة، وكان الهدف من وراء ذلك استغلال الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، أقبلت أمريكا عبر طائراتها بلاطيّار على قتل زعيم حركة طالبان حكيم الله محسود في مرحلة مهمة من المحادثات، ومن جانبها سارت باكستان على درب الثأر أيضا.
يبدو أن بعض سياسات أمريكا في أفغانستان، وخاصة التحركات الأمريكية بعد الجولة الثانية من الانتخابات الأفغانية، قد أقلقت الجانب الباكستاني كثيرا، هذا إضافة إلى موجة الاضطرابات المتزايدة في باكستان، ولنفس السبب ضاعفت باكستان من ضغوطها. فتصاعد وتيرة القصف الصاروخي على المناطق الشرقية الأفغانية، وتنشيط مليشيات على الحدود الأفغانية، والتهديد بالهجوم، كلها ضغوط غير مباشرة على أمريكا، وإجراءات تتعارض مع الاتفاقيات الأمريكية الباكستانية. إن باكستان تعيش حالة من الاضطراب، وترى أنها مجبرة على تعارض السياسة الأمريكية في أفغانستان، رغم أنها تدرك مغبة هذا السلوك، ولذلك تسعى في نفس الوقت لإنقاذ نفسها.
لا شك أن باكستان تسعى من وراء مصالحها في الصداقة مع أمريكا، وتريد أن تستغل القوة الأمريكية في تنفيذ برامج طويلة المدى، وفي حل قضية خط “ديوراند”، ودحر حركة طالبان باكستان، وفي استعدادها لمواجهة الهند وغيرها من الأهداف.
موقف أفغانستان
لا يمكن رفض الحقيقة بأن اللعبة الجارية في المنطقة لها فائز وخاسر، والفائز فيها يكون إما الذي أخذ زمام المبادرة بيده أم الذي تعامل مع القضية بلياقة وكان له نفوذ تنفيذ قوي في المنطقة.
أفغانستان، قبل 60 سنة تقريبا، ومنذ أن صوتت في الأمم المتحدة معارضة تشكيل باكستان، لم تتخذ موقفا ولم تسلك طريقا مؤثرا يمكّنها من الدفاع عن مصالحها.
لا يمكن لأفغانستان أن تضع ضغوطا دولية على باكستان، وكلما أحست بضرورة هذه الضغوط لجأت إلى أمريكا، الدولة التي تقف وراء التهديد الباكساني لأفغانستان. إن إجراءات الحكومة الأفغانية ومنها استدعاء السفير الباكستاني، محاولة لخداع الشعب ولم تكن لها أي نتائج.
حتى أن الحكومة الأفغانية لا تتمكن من وضع ضغوط إعلامية على باكستان، هذا وباب الضغوط الاقتصادية مسدود بالفعل الأمريكي، فالحكومة الأفغانية لا ترفع خطوة في هذا الاتجاه ولا هي قادر أن ترفع تلك الخطوة.
لاسيما وفي السنوات العشر الماضية، ورغم وجود القوات الأجنبية في المنطقة من أجل اللعبة الجارية، كانت سياسة أفغانستان الخارجية ضعيفة جدا. لم تكن للحكومة الأفغانية دبلوماسية مؤثرة ولا سياسة خارجية قوية، وفي السنوات الأخيرة لم تتخذ أي إجراء لافت في وجه المؤامرات الغربية الواضحة.
مع أن أفغانستان تعيش فترة مواجهة مع قوى عالمية عظمى، ولكن النفوذ الغربي في مؤسسات الدولة أفقد أفغانستان كثيرا من عناصر القوة والمصالح، بل ويشكل تهديدا وعرقلة لمستقبل البلد، وتبقى التهديدات الباكستانية المباشرة وغير المباشرة، خير مثال لتلك الحقيقية.
إلى جانب ذلك فإن المحادثات، والاجتماعات، والمؤتمرات لم تجد نفعا، لأن اليقظة الأفغانية وقوة صمودها كانت ضيئلة جدا في مواجهة المؤامرات الإقليمية والدولية، فيما ملك الأجانب زمام المبادرة على كل صعيد. النهاية