الحرب الأمريكية في أفغانستان (2001-2016)

 

قبل خمسة عشر عاماً (في السابعة من أكتوبر/2001) شنت القوات الأمريكية هجماتٍ شديدة لإسقاط حكومة طالبان وإزالة مقرات القاعدة من أفغانستان، والحرب الناتجة عن هجمات القوات الأجنبية مازالت مستمرة.

خلال السنوات الخمس عشرة الماضية سقط عشرات الآلاف من الضحايا الأفغان والحربُ في الوقت الراهن قائمة على قدمٍ وساق. هزيمة طالبان في 2001 كانت هزيمة مؤقتة، وحالياً زادت قوة طالبان عن السابق. طالت التدهورات الأمنية شمالَ البلد بعد أن كانت في الجنوب، والحكومة فقدت السيطرة على جزء كبير من أرض أفغانستان.

لماذا هاجمت الولايات المتحدة الأمريكية على أفغانستان

عندما حدثت انفجارات 11 سبتمبر، اتُّهم تنظيم القاعدة بالتورط في العملية وتحت هذه الذريعة هجمت الولايات المتحدة الأمريكية على أفغانستان، وبانهزام طالبان بدأت حربٌ داميةٌ بأفغانستان. كان أسامة بن لادن يعيش في أفغانستان في ذلك الوقت، لذا عرضَ الرئيس الأمريكي جورج بوش عدة نقاط على طالبان في 20/سبتمبر/2001، وهي[1]:

  • على طالبان أن تسلّم جميع أعضاء القاعدة لأمريكا.
  • على طالبان أن تطلق سراح جميع السجناء الأجانب وتسلمهم للولايات المتحدة الأمريكية.[2]
  • على طالبان وبأسرع وقت إغلاق جميع مراكز التدريب للمقاتلين.
  • السماح لأمريكا بأن تصل إلى مراكز تدريب “الإرهاب”، وتحقق بشأن ذلك.

بيَّنت حكومة طالبان في ذلك الوقت عبر سفارتها في باكستان أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تقدم دليلاً على مشاركة ابن لادن في هجمة 11/سبتمبر. حسب تصريح الملا عبدالسلام ضعيف سفير طالبان في إسلام آباد، فإن حكومة طالبان حققت وتحرّت حيال هذه الهجمة كثيراً، إلا أن أمريكا لم تكن لتنصرف عن قرار الهجوم على أفغانستان. حسب قوله فإن هجمات 11/سبتمبر لم تقع مصادفةً بل إن الولايات المتحدة الأمريكية قبل تواجدها العسكري في أفغانستان كانت تخطط لضمان مصالحها على المدى الطويل في المنطقة. اقترحت طالبان بعدها ثلاث مرات محاكمة ابن لادن للولايات المتحدة الأمريكية من أجل تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، فرفضت الولايات المتحدة الأمريكية هذه المقترحات.[3]

في 7/ أكتوبر بدأت هجمات أمريكا الجوية وفي 31/ أكتوبر دخلت قوات تحالف الشمال إلى كابل تحت دعم الغارات الجوية الأمريكية وهُزمت حكومة طالبان. في 25/ نوفمبر عُقد مؤتمر بُن حيال أفغانستان وخلال 10 أيام شُكلت إدارة مؤقتة برئاسة حامد كرزاي.

 

الهجوم الأمريكي على أفغانستان والقوانين الدولية

أصدر مجلس الأمن للأمم المتحدة قرارَيْن بشأن أحداث 11 سبتمبر2001م. ولم يسمح أي من القرارَيْن بالهجوم على أفغانستان، ولم تكن لهما لهجة هجومية أيضا، بل كان التنديد بشكل عام، بـ”الأحداث الإرهابية”، و”الإرهاب”، فقط.

وفي القرار الأخير “1373”، صرّحت الأمم المتحدة بأنها تعتبر الإرهاب أزمة عالمية، وترى ضرورة التعامل معها وتم فيها إعلان مساعدة قوية مع الشعب الأفغان وبأن يتم دعمهم لإرساء نظام حكم انتقالي. وأما قرار “1386”، شمل إحداث قوات “الأيساف”، لتؤدي مهمة أمنية في كابول والمناطق القريبة، إلا أن هذا القرار جاء متأخرا في 20 من ديسمبر 2001م، بعد أسابيع عدة من الهجوم الأمريكي على أفغانستان.

يُبين الميثاق الموافَق عليه من قِبل الأمم المتحدة والدول الحليفة الأخرى أن على كل أعضاء هيئة الأمم المتحدة أن تطرح بياناتها الدولية تحت مظلة أهداف السلام وليس لأي عضو حق استخدام القوة العسكرية إلا في حال الدفاع عن النفس. تنص المادة رقم 33 من هذه الوثيقة: (في حال بروز اختلاف بين الطرفين بإمكانه أن يُعرّض السلام والأمن العالمي للخطر، فيجب قبل كل شيء البحث عن حل لهذه القضية عبر التفاوض والوساطة والتوافق والاستفادة من الجهاز القضائي والمؤسسات أو الترتيبات في المنطقة.)

يوضح الدستور الأمريكي أيضا أن المعاهدات الدولية مثل ميثاق الأمم المتحدة تم الموافقة عليها من قبل جميع الدول ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، وما ذُكر جزء من القوانين العليا في أمريكا.

من جانبٍ لم يشارك أي أفغاني في هجمات 11/سبتمبر ومن جانبٍ آخر لم تستطع أمريكا تقديم أدلة موثوقة تبين تورط من اتهمتهم بالمشاركة في الحدث. وحتى اليومَ لم تُنشر الأدلة التي وعد كولن باول بنشرها وهي حسب قوله توضح تورط أسامة بن لادن في الهجمات. السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا تهاجم الحكومة الأمريكية على دولةٍ قد استعدَّت في حال وجود الأدلة المثبتة لتورط ابن لادن في الأحداث بأن تحاكمه أو حتى تسلمه للولايات المتحدة الأمريكية؟ ولكن بما أنه لم يكن لدى واشنطن الأدلة على ما ذُكر، تم رفض مقترح طالبان على الفور.

بناءً على المادة رقم 51 من ميثاق الأمم المتحدة والذي يعطي للدول حق الدفاع عن نفسها، هجمت حكومة بوش على أرض أفغانستان. وعدمُ تورط حكومة طالبان أو أي فرد من الشعب الأفغاني في حادثة 11/سبتمبر واستعداد حكومة طالبان لتسليم ابن لادن في حال توفر الأدلة المُثبِتَة لا يعني بحال من الأحوال تهديداً للولايات المتحدة الأمريكية واجهته من قِبل حكومة طالبان.

 

ضحايا الحرب الأمريكية في أفغانستان

القوات الأجنبية: من عام 2001 إلى 2004 تكبدت قوات الائتلاف خسائر قليلة مقارنة بما بعدها، ولكن عقب هذه المدة أخذت خسائر هذه القوات في الازدياد. في عام 2004 كان عدد خسائر قوات الائتلاف 60 شخص، وفي الأعوام 2005، 2006، 2007، و 2008 وصل عدد الخسائر البشرية على الترتيب إلى 129، 193، 228، و 296 شخصاً. وفي عام 2009 بلغ عدد القتلى 516 شخصاً. عام 2010م كان عام ذروة الخسائر التي تكبدتها قوات الائتلاف في أفغانستان، وبلغ العدد الإجمال لخسائر القوات الأجنبية بأفغانستان حتى عام 2015 أكثر من 3500 شخص.[4] (يُرجع للشكل رقم 1).

شکل 1: خسائر القوات الأمريكية وقوات الائتلاف (2001م- 2015م)

capturea

مأخذ: تم جمع الأرقام عن طريق CNN

 

القوات الأفغانية: القوات الأفغانية أيضا منذ نشاطها الذي بدأ عام 2002م تكبدت خسائر في كل الأعوام. عدد القتلى في صفوف القوات الأفغانية في الأعوام 2007م، 2008م، و 2009م كان على الترتيب 966، 983 و 931 شخصاً. في عام 2010 عندما اشتدت حدة الحرب بنحوٍ غير مسبوق ارتفع عدد القتلى في صفوف القوات الأفغانية إلى 2113 قتيل. مع أن عدد قتلى القوات الأفغانية قلَّ في عام 2011م إلى 1080 شخصاً، إلا أن العدد ارتفع بوتيرة سريعة في الأعوام التي تليه.[5] في 2011م تم تفويض المسؤولية الأمنية للقوات الأفغانية ولذا أخذت الخسائر في الازدياد في الأعوام عقِب انتقال المسؤولية الأمنية، حيث أن خسائر القوات الأفغانية في الأعوام 2012 م، 2013م و 2014م وصلت إلى 2765، 4350 و 4634 شخصاً على الترتيب. وفي عام 2015م قُتل 7000 جندي أفغاني وجُرح في الحرب 12000 جندي آخر[6].

الخسائر في صفوف المدنيين: في عام 2001 عندما شنت القوات الأمريكية وقوات الائتلاف هجماتها على أرض أفغانستان، كان عدد الخسائر في صفوف المدنيين كبيراً وبلغ عدد القتلى منهم 2375 شخصاً. ثم في الأعوام من 2002 إلى 2006 بلغ عدد القتلى المدنيين 2422 شخصاً إجمالاً[7].

بدأت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة أفغانستان UNAMA بإحصاء خسائر المدنيين بعد عام 2007، وهذه الأرقام لا تشمل الخسائر التي لم تجد لها يوناما أدلة كافية لإدراجها ضمن خسائر المدنيين والخسائر التي لم تصل إليها. أيضا لم يتم إضافة الخسائر الناتجة من هجمات الطيارات بدون طيار وخسائر المدنيين التي تسببت فيها القوات الأجنبية. ومع ذلك، واضعين في الحسبان إحصائيات منظمة الأمم المتحدة نجد أن عدد القتلى والجرحى المدنيين من عام 2007 إلى نهاية عام 2015 يصل إلى 62375 شخصاً. (لمزيد من التفاصيل يرجى الرجوع للجدول-1)

جدول-1: الخسائر في صفوف المدنيين في أفغانستان (2007 – 2015)

captureaa

المصدر: تقارير يوناما حول خسائر المدنيين في أفغانستان (2007- 2005)

وضع البلد بعد 15 سنة

خلال الفترة 1996 – 2001 من جانبٍ وقعت أفغانستان بمعزلٍ في ميدان السياسة الدولية ولم يعترف رسميا بحكومة طالبان سوى ثلاث دول، ومن جانب آخر شهد البلد حالةً سيئةً في مجالات التربية والتعليم والاقتصاد والسياسة الداخلية والخارجية.

بعد تشكيل الحكومة المؤقتة برئاسة حامد كرزاي عام 2001 تدفقت المعونات على أفغانستان، بدأت الأعمال الإنشائية في جميع أنحاء البلد وتوفرت فرص التعليم لملايين المواطنين الأفغان، وفي ميدان السياسة الخارجية تم إرساء علاقات دبلوماسية مع أكثر من 100 دولة حول العالم.

على الرغم من أن القوات الأجنبية دخلت أفغانستان تحت شعار تحكيم السلام ومكافحة المخدرات ودعم البلد إلا أنه بعد التواجد العسكري الأمريكي وتواجد قوات الدول الغربية الأخرى في أفغانستان لم تزدد التدهورات الأمنية فحسب بل صارت البلد أكبرَ منتِجٍ للمخدرات حيث أن نحو 90% من المخدرات غير القانونية في العالم تُنتَج في أفغانستان[8].

بعد 15 سنة واجهتِ البلدَ تحديات عديدة. الكثيرون من الأفغان فروا من البلد بسبب الحالة الاقتصادية والأمنية السيئة. في عام 2015 هاجر أكثر من 250 ألف أفغاني إلى أوروبا عبر طرقٍ خطرة، وفي داخل البلدِ أيضا اضطر الآلاف من المواطنين إلى النزوح من ديارهم.

وأهم من هذا كله، أن الحالة الأمنية تواجه تحديات خطيرة ويصل عدد الضحايا الأفغان يومياً إلى 100 شخص تقريباً. من جانبٍ ظهر تنظيم داعش بأفغانستان ومن جانبٍ آخر تعترض طريق المصالحة مع طالبان تحدياتٍ عديدة. التواجد الأجنبي بالبلد من جانبٍ والتحديات المذكورة من جانبٍ آخر وضعت السيادة الوطنية في موضعٍ حرجٍ وصعب.

خلال العقد والنصف الماضي مُهدت السبل أمام تيار الفساد الخُلقي وأخذت وسائل الإعلام التي هي نتاج النظام الحالي تنشرُ برامجها على ما يخالف جميع النُّظم الإسلامية والثقافة الأفغانية.

مع مرور 15 سنة مازالت الحكومة الأفغانية والقوات الأمنية بالبلد مرتبطة بأمريكا ودول أعضاء حلف الناتو.

تحليل واستنتاج

في الظاهر حصل الهجوم الأمريكي من أجل إيقاع الهزيمة بتنظيم القاعدة وحركة طالبان، إلا أن الحكومة الأمريكية كانت تتبع أهدافها وطموحاتها التي رسمتها على المدى البعيد. إذا كان الدافع للهجوم على أفغانستان مجرد مسألة عدم تسليم أسامة بن لادن لكان من المفترض على القوات الأمريكية أن تغادر المنطقة بعد مقتل أسامة بن لادن. يرى بعض الخبراء والمحللين أن أهداف أمريكا في المنطقة تدور حول محاصرة أندادها مثل الصين وروسيا، ولم تحقق هذه الأهدافَ بعد، ولم تقع مصادر آسيا الوسطى في أيديهم حتى الآن.

حالياً وبمرور 15 سنة من بدء الهجمات العسكرية الأمريكية في أفغانستان يُرى أن الإنجاز الوحيد الذي حصلت عليه أمريكا هو استمرار الحرب في أفغانستان والتواجد العسكري الأمريكي في المنطقة. إن كان المجتمع الدولي يهدف إلى حل قضية أفغانستان فإن الحل الوحيد للبلد هو السماح للأفغان بأن يسعوا بأنفسهم للمصالحة الوطنية ويحلوا مشاكلهم بأنفسهم.

النهاية

[1] “Transcript of President Bush’s address – CNN”. CNN. 21 September 2001. Retrieved 27 March 2011.

[2] المراد بالسجناء الأجانب 10 أمريكيون كانوا محتجزين لدى طالبان.

[3] ‘Bush rejects Taliban offer to hand Bin Laden over, guardian, 14th oct 2001, see online: < http://www.theguardian.com/world/2001/oct/14/afghanistan.terrorism5>

[4] War casualties in Iran and Afghanistan, CNN: http://edition.cnn.com/SPECIALS/war.casualties/

[5] للمزيد من المعلومات حول خسائر القوات الأفغانية بين 2007 و 2011 يُرجع للمصدر التالي:            https://www.fas.org/sgp/crs/natsec/R41084.pdf

[6] لمزيد من المعلومات يُرجع للرابط التالي: http://da.azadiradio.com/a/27491120.html

[7] Neta C. Crawford, War-related Death, Injury, and Displacement in Afghanistan and Pakistan 2001-2014, Watson Institute For International Studies,

[8] May Jeong, Afghan opium crop set for record high, theguardian, see it online: http://www.theguardian.com/world/2014/nov/12/afghan-opium-crop-record-high-united-nations

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *