أفغانستان.. هل المعارضة المسلحة معارضة سياسية؟

 

أثار رأي للرئيس الأفغاني محمد أشرف غني ردود فعل واسعة في الحلقات المقربة لدى الإدارة الأمريكية. فإنه اعتبر المعارضة المسلحة وخاصة حركة طالبان، معارضة سياسية للحكومة، وعمّ الأفغان بصفة حب الوطن، وهي إشارة تشمل طالبان أيضا. وفي المقابل اعترض البعض على هذا الموقف واعتبروا حركة طالبان حركة أجنبية لا تؤمن إلا بعداوة الأفغان، واتهموا أشرف غني بعدم الدراية السياسية حول المعارضة المسلحة من السياسية.

يرى هؤلاء بأن مصطلح المعارضة السياسية يُطلق على فرد أو مجموعة تعترف بدستور البلد، وتكافح من أجل الوصول إلى السلطة في أطر القيم المدنية. وأما الذين يتخذون العنف وسيلة للوصول إلى السلطة، فلا يدخلون في إطار المعارضة السياسية، وينبغي وصفهم بالإرهاب، وأن يُخَيّروا بين الاستسلام أو الموت!

 

تجربة المعارضة السياسية في أفغانستان

إن إلقاء نظرة عابرة على تاريخ أفغانستان الحديث يبيّن لنا بأن المعارضة السياسية في أفغانستان كانت مشحونة بالعنف. وسبب ذلك واضح لأن تجربة نظام ديمقراطي في هذا البلد قصيرة المدى ومقرونة بالفشل.

ولم تفلح التجربة الديمقراطية على مدى عشر سنوات، والعقد المشهور بالديمقراطي، أيام حكم ظاهر شاه بأن تسد الباب على وجه تدخلات الأسرة الحاكمة في أمور الحكم. ولذلك اختار معارضو الحكم طريق العنف للوصول إلى السلطة، وبتأييد من الأمير الطامح داؤدخان قاموا بانقلاب وأسقطوا حكم ظاهرشاه. وفي هذه المرحلة مجموعة أخرى من المعارضة وهم الإسلاميون توسلوا بالأسلحة. وبعد سنوات قليلة قام الشيوعيون، وهم الذين أتوا بداؤدخان حاكما للبلاد، بانقلاب ضد داؤد وأطاحوا بحكمه وقتلوه هو وأسرته الكاملة وأسسوا نظاما جديدا في البلاد.

وطالت الحرب ضد النظام الشيوعي 14 سنة. وكان النظام الحاكم يصف معارضيه بالأشرار والإرهابيين وكانت تنكر أي ميلان للسلام مع هؤلاء وتعتبر ذلك خيانة. وعندما استولى “بَبْرَكْ كارْمَلْ”، بمساعدة روسية، على سدة الحكم في أفغانستان صرّح قائلا: “إننا إن لم نطح بظلم “حفيظ الله أمين” فإنه كان يتحد مع الأشرار ويُفني ثمرة الانقلاب -الشيوعي- الكبير”.

 

مصالحة د. نجيب الوطنية

إلا أن هذا النظام أجبر على تعديل سياسته فأعلن د. نجيب سياسة المصالحة الوطنية. وطلب مرارا وبانكسار شديد من معارضيه أن يشاركوا في الحكم. حتى إنه كان مستعدا لمنح وزارة الدفاع للقائد الجهادي أحمد شاه مسعود، ولكن المعارضين رفضوا ذلك.

وحينها (مثل اليوم)، كان هناك عدد من الأعضاء الأقويا في حزب الشعب الديمقراطي -الحزب الشيوعي الحاكم-، لا يرون إلى المجاهدين كمعارضين سياسيين، وكانوا يطلبون استسلامهم فقط. إنهم حتى اتهموا د. نجيب بالمؤامرة والاستسلام، ولكن عدم تأييد الروس لهذه المجموعة همّشها واخيرا سقط حكم د. نجيب أيضا.

وكانت حروب المجاهدين مع بعضهم البعض حروبا بين المعارضين السياسيين أيضا. حاربت “حزب الوحدة”، و”الحزب الإسلامي” مع حكومة الأستاذ رباني. وحدثت هذه الحروب لأن كل جهة كانت ترى وصولها إلى السلطة عبر فواهة سلاحة. وعندما غيّر الجنرال “دوستم” ولائه وانضم إلى معارضي حكومة الأستاذ رباني، أعلن الأخير جهادا ضد دوستم.

وأما ظهور حركة طالبان جعلت المعارضيين العسكريين يتركون خلافاتهم، فلم يعد أحد يدعو للجهاد ضد دوستم.

وعندما كانت حركة طالبان تحكم 90% من أرض أفغانستان، كانت “جبهة الاتحاد” تقاتلهم. وكانوا معارضين سياسيين لنظام طالبان. وكان سبب حربهم أن حركة طالبان لم تكن جاهزة لتقاسم السلطة معهم.

 

ليست أفغانستان غربا!

وأما تعريف المعارض السياسي الذي يقول إن من يتخذ العنف طريقا إلى السلطة فليس معارضا سياسيا ربما يكون صحيحا في بلدان ذات تجربة ديمقراطية طويلة، وأما في بلد متأزم مثل أفغانستان والتي ارتبطت فيها المعارضة السياسية بالعنف فليس صحيحا. (حتى هذه بريطانيا التي تُعتبر أم الديمقراطية، عندما اختار الجيش الجمهوري الأيرلندي، في أيرلندا الشمالية الحرب طريقا لها، استعدت حكومة بريطانيا أن تحل الأزمة معهم عبر التفاوض”.

بالنظر إلى هذه التجربة في أفغانستان، تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية في الانتخابات الأفغانية الأخيرة وأجلس الفريقين المنافسَيْن على سدة الحكم باسم “حكومة الوحدة الوطنية”، كي لا ينتهي الخلاف السياسي بالعنف مرة أخرى.

 

حب الوطن لدى الأفغان

كان قادة الجهاد الأفغاني يوما خارج بلادهم ضيوفا عند الجيران. ولم يكن مستوى تأثير الدول المضيفة عليهم بأقل من تأثير باكستان حاليا على حركة طالبان. ولكن عندما جاءوا إلى أفغانستان فقدت العلاقة حدتها وبل انتهت أحيانا إلى خلافات أيضا.

فمن قال إن طالبان تساعدهم باكستان وليس لديهم وفاء لمصالح أفغانستان، فهو يتهم غير طالبان أيضا. لأن معارضي السلام مع طالبان هم من مؤيدي الغرب وتدل المعطيات الأرضية كلها بأن المخطط الغربي للعالم الإسلامي ليس إلا الحرب والدم، ولذلك هؤلاء ليسوا أهل وفاء لمصالح أفغانستان أيضا. النهاية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *