العلاقات الأفغانية الباكستانية والرؤية الإقليمية لدى الحكومة الجديدة
بعد زيارته إلى الصين تحدث الرئيس الأفغاني أشرف غني عن استعداده لزيارة باكستان، ويمكن أن يقوم بزيارة رسمية خلال الأيام القليلة القادمة. وتأتي هذه الزيارة بعد زيارات قام بها أشرف غني رئيسا لأفغانستان إلى السعودية والصين، ولذلك هي زيارة من الأهمية بمكانة عالية، ومرآة لسياسة الحكومة الجديدة بشأن السلام.
وأثارت هذه الزيارة جدلا واسعا في الإعلام الأفغاني والدولي. ويرى لها الباكستانيون وعلى رأسهم الدبلوماسيون أهمية كبيرة، ويعتبرونها فرصة كبيرة لتحسين العلاقات بين البلدين. وفي أفغانستان هناك نقاش حاد حول أجندة هذه الزيارة، وعلى سبيل المثال أكد بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأفغاني على إجراء حديث جاد بشأن الهجمات الصاروخية الباكستانية على المناطق الشرقية الأفغانية خلال هذه الزيارة.
ومن جانب آخر، رغّبت وزارة الدفاع الأمريكي عبر تقريرها نصف السنوي، الجانبين على رفع خطوات جادة لتحسين علاقاتهما ولإحلال الأمن والتعاون المشترك. فهناك سؤال يُطرح. لماذ اختار الرئيس الأفغاني أن يزور باكستان بعد زيارته إلى السعودية والصين؟ وهل ستؤثر هذه الزيارة على تحسين العلاقات بين البلدين؟ وكيف ستؤثر علاقات أيام حكم كرزاي على علاقات الحكومة الجديدة مع باكستان؟
العلاقات الثنائية أيام حامد كرزاي
لقد دارت السياسة الباكستانية تجاه أفغانستان في الفترة ما بين 1980م و1990م، على خطة العمق الاستراتيجي، وذلك لإفشال وحدة كابول مع دلهي المناهضة لباكستان. ولكن رغم تواجد الهند على قائمة اللاعبين الكبار الدوليين في الحرب الأهلية الأفغانية، إلا أنها وبعد أحداث 11 سبتمبر والغزو الأمريكي على أفغانستان عملت على تحسين وجهها وإحياء قوتها المرنة بمشارع اقتصادية وتجارية واستثمارية، وعلى أساس إحصائية “لبي بي سي”، أعادت لنفسها مكانة مقبولة. ولذلك قال جستن سنك وزير الخارجية الهندي مرة، إن الكلمات الهندية هي جواز سفر بنفسها في أفغانستان.
وترى باكستان في هذا الدور الهندي المتزايد تهديدا لنفسها، وصرحت بأن افتتاح القنصليات الهندية في جلال آباد وكندهار هي خطوة هندية ضد باكستان. وهذه القضايا سببت برودة في علاقات حامد كرزاي مع باكستان، مع أن كرزاي صرّح مرة قائلا: “إن باكستان أخونا ولكن الهند صديق كبير[1]“.
مع أن كرزاي قام بزيارات كثيرة إلى باكستان، ولكنها انتهت إلى ثمرة أجبرت كرزاي بأن يقول إن مفتاح السلام الأفغاني بيد باكستان، وتريد باكستان بأن تستولي على سياسة أفغانستان الخارجية وخاصة على تلك المتعلقة بالهند. والحال أنه كان قد صرّح في لقاء مع الإعلامي الباكستاني الشهير سليم صافي عام 2011م، وقال: لو تتعرض إسلام آباد لأي اعتداء فإن كابول ستقف بجنبها. ولذك اعتبر الدبلوماسيون الباكستانيون حامد كرزاي رجلا من دون ثقة.
وبشكل عام تدهورت العلاقات الأفغانية الباكستانية أيام حكم كرزاي للأسباب التالية:
- استغلال أرض باكستان ضد أفغانستان.
- تواجد ملاذات آمنة لمعارضي الحكومة الأفغانية في باكستان.
- الدور الهندي المتزايد في أفغانستان.
- اتهام باكستان بقتل أو سجن عناصر حركة طالبان الراغبة في محادثات السلام مع الحكومة الأفغانية.
- اتفاقية أفغانستان الاستراتيجية مع الهند، استيراد الأسلحة للجيش الأفغاني من الهند، إضافة إلى تدريب الهند للجنود الأفغان.
- الهجمات الصاروخية الباكستانية على المناطق الشرقية الأفغانية.
- قضية خط “ديوراند” وغيرها.
والآن وبعد تشكيل حكومتين جديدتين، واحدة في أفغانستان بزعامة أشرف غني وأخرى في باكستان بزعامة نواز شريف، هناك جهود كثيرة من أجل تحسين العلاقات بينهما. ويشير الدبلوماسيون الباكستانيون إلى هذه النقطة، وبرأيهم فإن ذهاب كرزاي الرجل الفاقد للثقة، ومجيء أشرف غني إلى سدة الحكم فرصة كبيرة لتحسين العلاقات وعلى الجانبين استغلال ذلك. وفي مجال تحسين العلاقات إنما تلعب الدور الأساسي خطوات عملية وليست الشعارات والتصريحات أو البيانات المشتركة، لأن مثل هذه الأمور لو كانت تجدي نفعا لفعلت أيام حكم كرزاي.
التحديات الإقليمية والتعاون المشترك
إن القيم التاريخية والجغرافية والثقافية والدينية المشتركة بين أفغانستان وباكستان ومعها الضرورة الاقتصادية المتبادلة عوامل تجبر الطرفين على علاقات وثيقة حميمة. ومن أجل هذه العوامل ستكون بين هاتين الدولتين علاقات واسعة بأي حال.
عندما تدهورت العلاقات الأفغانية الباكستانية أيام الحرب الباردة، كانت العلاقة التجارية مستمرة[2]. وفي 13 سنة من حكم كرزاي كانت العلاقات الثنائية متدهورة جدا، إلا أن العلاقة التجارية فاقت مليارَيْ دولار. بالنظر إلى هذه الأمور، هناك ضرورة ماسة لتحسين العلاقات بين البلدين من أجل إحلال الأمن في أفغانستان وبالتالي يكون أمن باكستان والمنطقة كلها مرتبطا بأمن أفغانستان. وبقدر ما تلعب باكستان دورا إيجابيا في أفغانستان بذلك تأخذ نفعا من مشارع حيوية في آسيا الوسطى.
وهناك تحديات متشابكة أمام دول كثيرة على مستوى المنطقة. بدءً من آسيا الوسطى إلى آسيا الجنوبية، وبدءً من الصين إلى الشرق الأوسط، وهناك دول كثيرة تواجه التحديات، ومواجهتها تطلب تعاونا من الدول الجارة. ويمكن أن نذكر تهريب المخدرات والانسان، والنزاعات على المياه (بين أفغانستان وباكستان، وبين الهند وباكستان، وبين دول أخرى من آسيا الوسطى)، ومكافحة التطرف وغيره.
يبدو أن الرئيس أشرف غني يركز على هذه النقطة ويريد أن يجمع تعاون دول المنطقة كلها. قبل بضعة أيام وإثر هجوم انتحاري حدث في معبر “واجه” في مدينة لاهور الباكستانية والذي قُتل فيه العشرات، أصدر القصر الرئاسي الأفغاني بيانا جاء فيه، إن الرئيس الأفغاني يرى ضرورة ملحة لتعاون إقليمي من أجل مواجهة هذه التحديات.
يكون في صالح دول المنطقة عموما وخاصة في صالح الهند وباكستان وأفغانستان العمل على مشارع طويلة المدى ومعرفة الخطوط الحمراء للجانب المقابل.
دبلوماسية كابول النشيطة للسلام
لأن الرئيس أشرف غني يرى إلى السلام كأولوية لبلده، فإنه وفور وصوله إلى سدة الحكم بدأ محاولات واسعة لتحسين العلاقة مع اللاعبين الإقليميين (تركيا والسعودية والصين والآن باكستان).
وقال أشرف غني في الجلسة الرابعة من مؤتمر (مشروع إسطنبول) المنعقدة في الصين، والتي شارك فيها 14 دولة فيها إيران وباكستان والهند: “إن السلام أولويتنا الأساسية، نطلب من المعارضين السياسيين وخاصة من حركة طالبان، أن يشاركوا في التفاهم بين الأفغاني، وأطلب من المجتمع الدولي أن يساعدوا عملية السلام الأفغانية”.
مع أن أشرف غني لم يفصح عن جزئيات أي خطة للسلام، إلا أن كثيرا من المحللين يرون بأنه اختار دبلوماسية نشيطة لإحلال السلام، وسيجرب طرقا جديدة لعملية السلام. ويبقى الرأي السائد بشأن خطته للسلام بأن تتعهد تركيا، والسعودية والصين بتعاون جاد ومن أجل ذلك اختلف خطابه للمعارضين المسلحين. وبخلاف المسؤولين الأفغان الآخرين والرئيس السابق يسمي حركة طالبان، معارضين سياسيين وإخوة غاضبون.
وكان تأثير تعاون هذه الدول مشهودا في تصريحاته بعد زيارة الصين في مؤتمر صحفي. قال أشرف غني إن رؤية الحكومة بشأن عملية السلام أصبحت واسعة. مع عدم وضوح ما قصده من وسعة الرؤية، إلا أنه قال مذكرا الصين، عندما تصبح الأزمة ثلاثية الأبعاد، فإنه واضح بأن القضية ليست بين طرفين فقط، (هناك قلق شديد بين المسؤولين الصينيين بشأن الحالات الأفغانية في المناطق القريبة من إقليم “شينجيانغ”، وهم لا يصمتون).
يرى بعض المراقبين بأن الصين لا تضع ضغوطا على باكستان من أجل إقليم “شينجيانغ” والحال أنها تدرك ما تقوم به باكستان من تدخلات، فكيف ستضع ضغوطا عليها من أجل أفغانستان؟
مع أن هذا دليل منطقي وتاريخي، إلا أن الصين تميل إلى نجاح عملية السلام الأفغانية أكثر من ذي قبل ولأمور تالية:
أولا: إن مسؤولي الصين الجدد وضعوا في سياستهم الخارجية خطة “نحو الغرب” وخاصة مشروع طريق الحرير الجديدة.
ثانيا: الأوضاع الأمنية في ولاية بدخشان الأفغانية وهي على الحدود الصينية تتدهور يوما بعد يوم، وهي قضية مقلقة للجانب الصيني بسبب إقليم “شينجيانغ”.
ثالثا: أعلن أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة حربا على الصين. وهذه العوامل الثلاثة أجبرت الصين على أن تظهر ميلانا لأمن أفغانستان واستقرارها. النهاية
[1] Hindustan Times, Pakistan our twin brother, India a friend: Karzai, October 5 2011, <http://www.hindustantimes.com/india-news/newdelhi/pakistan-our-twin-brother-india-a-friend-karzai/article1-753826.aspx>
[2] Tariq Rahim, Pak-afghan trade relations 1970-1990, Ph.D Thesis, Peshawar University.