حكومة الوحدة الوطنية الأفغانية من دون سياسة الوحدة
بعد مرور أكثر من عام من عمر حكومة الوحدة الوطنية، ثبت أنها حكومة لا تحمل أي معنى للوحدة، وخلاف زعمائها في كل القضايا الوطنية العالقة هي علامة خلاف جذري بين أعضائها.
ولذلك كل مرة يقطع أي عضو في هذه الحكومة وعودا مع الشعب، لا يعير أحد اهتماما بتلك الوعود، فمن الممكن أن ينكر عضو آخر هذه الوعود.
ليست هذه الحكومة هي مصدر الأزمة الوحيد، بل الدول الأجنبية تحس بنفس المشكلة تجاه أفغانستان، وهو ما خلق وضعا معقدا للغاية. فإن الأجانب مرة بإعلان الانسحاب ومرة بإعلان تمديد مهلة البقاء يظهرون مدى خبطهم العشوى في هذا البلد.
من الخلافات إلى عدم التنسيق
والخلافات الواسعة في هذه الحكومة الائتلافية نشأت من عدم وضوح إطار العمل، وهو أمر وضع الحكومة أمام مستقبل غامض. لقد توقع الشعب أن تخلي حامد كرزاي الرئاسة وتولي أشرف غني إيّاها، وخاصة أن الأخير وعد أثناء حملاته الانتخابية بالإدارة الحسنة، والعمل على برنامج واضح، سيأتي بخير كثير للبلد.
لكنه وبعد مرور الأيام، ظهر علامات عدم التنسيق بين أعضاء هذه الحكومة. فهناك اليوم قلة قليلة من الشعب الأفغاني ممن يثقون بالوعود الحكومية، وهذا جعل الفجوة بين الشعب والحكومة أوسع مما كانت أيام حكم كرزاي.
أولوية السلام
اعتبر أشرف غني السلام أولوية عمله في حال وصوله إلى الرئاسة، لكنه وبعد الوصول إلى سدة الحكم بدأ بأسهل طريقة على حد ظنه وهو منح تنازلات للجانب الباكستاني. لم تأت جلسة أورومتشي أو جلسة مدينة مري على مقربة من إسلام آباد بأية نتيجة إيجابية. وهي السياسة التي أنتهجت بثمن تدهور العلاقة مع الهند، وصلت إلى طريق مسدود مع الإعلان بوفاة الملا محمد عمر، وتدهورت العلاقة بين إسلام آباد وكابول إلى مستوى حد كبير.
من ثم أصبح الخلاف بين أعضاء الحكومة على توقيع الاتفاقية الاستخبارية مع باكستان مصدر أزمة وانتقد عبدالله عبدالله الرئيس التنفيذي هذه السياسة. واضطر فريق أشرف غني على رفض أي نوع من الاتفاقية مع باكستان، واعتبر أنها كانت وثيقة تبادل معلومات بدائية من أجل بناء الثقة وحسب.
فيما يعتبر أشرف غني المخالفين المسلحين “مخالفين سياسيين”، ويفتح الباب على وجه الحوار معهم، يقول أحمد ضياء مسعود مستشاره الأول إن محاولات السلام مع المخالفين مضيعة للوقت وأمر عبث.
وفي لقاء مع شيجون مندوب الصين الخاص لأفغانستان وباكستان، قال صلاح الدين رباني وزير الخارجية الأفغاني إن الحكومة الأفغانية أبقت الباب مفتوحا على وجه أولئك الذين يريدون العودة إلى حياة سلمية، لكنها تقاتل العابثين بالأمن وباستقرار المجتمع.
بعبارة أخرى سيكون تعامل الحكومة مع الذين يستسلمون سلميا، فيما تقاتل الذين يقاتلون. والحال أن السلام ضروري بين الحكومة والمجموعة المقاتلة.
مكافحة الفساد وملف كابول-بانك
كانت مكافحة الفساد من أبرز شعارات أشرف غني أثناء حملاته الانتخابية واستغلها لجلب الناخبين. وفي أول خطوة ضد الفساد، أصدر قرارا لمؤسسات القضاء بفتح أكبر ملف للفساد المالي في تاريخ أفغانستان، وهوملف كابل-بانك.
مع أن تحقيق الملف كان أمرا شكليا وكان أشرف غني يريد طمأنة المجتمع الغربي من أجل الحصول على مساعدات دولية لأن الدول المانحة اشترطت مكافحة الفساد وخاصة تصفية ملف كابل-بانك، لاستمرار مساعداتها. إلا أن الشعب الأفغاني تفاجأ عبر قنوات التلفاز بحضور خليل الله فيروزي، أكبر مختلس في ملف كابل-بانك، في حفلة بجنب أعضاء الحكومة ومنهم أحمد ضياء مسعود، ووزير بناء المدن، وذلك لافتتاح مشروع بناء مستوطنة كبيرة باسم “هوشمند”!
سبب اعتراض الإعلام أن الرئيس الأفغاني ألغى الاتفاقية مع فيروزي، والحال أن أناسا مقربين من الرئيس كانوا منخرطين في القضية. وعندما تم استفسار الأمر من وزير بناء المدن، قال إن المستشار الحقوقي للرئيس بعث إليه ثلاث مكتوبات بضرورة عقد الاتفاقية مع فيروزي.
سؤال يُطرح هنا. بأي صلاحية قام المستشار الحقوقي للرئيس بنقض حكم المحكمة، فأطلق سراح الرجل وأصدر قرارا بعقد اتفاقية معه تبلغ عشرات مليون دولار؟ إن كان فعله من عنده، تجب محاكمته، وإن كان فعله بأمر من الرئيس عليه أن يوضح ذلك للشعب وللمجتمع الدولي.
اللاجئون الأفغان في ألمانيا
يقول الوزير الأفغاني في شؤون المهاجرين والعائدين، إن عودة الأفغان الذين وصلوا إلى أوروبّا رغم أخطار الموت يجب أن تكون حسب القوانين الدولية في شؤون المهاجرين، ولا ينبغي ترحيلهم إلى أفغانستان، لكن الرئيس الأفغاني يقول يحق على ألمانيا رفضهم وترحيلهم إلى أفغانستان.
عدم وضوح الخطة لدى الأجانب
يبدو أن الدول الأجنبية في أفغانستان تواجه نفس المشكلة. سببت الأوضاع الأفغانية الحرجة فوضى في تعامل وسياسة الدول الأجنبية المتواجدة في أفغانستان تجاه البلد.
في يوم الأربعاء 4 من نوفمبر، وفي مؤتمر صحفي أدلى جيف ديوس متحدث وزارة الدفاع الأمريكي بتصريحات نقلها الإعلام الدولي بشكل واسع. قال إن أمريكا تعتبر حركة طالبان شريكا مهما في السياسية الأفغانية ولا تعتبرها مجموعة إرهابية، ولا تريد أن تستهدفها. إن أمريكا تستهدف داعش والقاعدة في أفغانستان فحسب.
بعد ثلاثة أيام، أعلن المكتب الإعلامي في وزارة الدفاع الأمريكي إن تصريحات هذا المتحدث كانت غير دقيقة. تم تأويل تصريحات ديوس أن حركة طالبان ليس أمامها إلى الانخراط في عملية السلام من أجل الحصول على الشرعية.
مع أن وزارة الدفاع الأمريكية أوّلت تصريحات متحدثها، لكننا نذكر أن متحدث آخر لهذه الوزارة قال في ديسمبر 2014م، إن بلده سيستهدف أعضاء حركة طالبان بعد 2 من يناير 2015م، فيما أعتبرت خطوات الحركة تهديدا لأمن أمريكا.
النتيجة
نستخلص مما مضى، أنه وبالنظر إلى الأوضاع الحالية، ليس هناك أي أمل بتحسن الأوضاع في أفغانستان، والعامل الأبرز لهذه الأزمة هو مشكلة التشكيلة الداخلية للحكومة الائتلافية. وأن إلغاء الحكومة لا يحل الأزمة، بل يوسع نطاقها. ومع أن إجراء الإصلاحات يمكن أن يجنّب البلد جزءا من المشاكل، لكن طريقة تنفيذها تبقى سؤالا تصعب الإجابة عليها. ومفتاح الأمر هو بيد من شكّلوا هذه الحكومة.
النهاية