أفغانستان ومطالب بعقد الـ”لويا جيرغا”، أو مجلس الأعيان
منذ بضعة أشهر هناك أصوات في الساحة السياسية الأفغانية تطالب عقد مجلس الأعيان الأفغاني الوطني المسمّى بـ”لويا جيرغا”. وصل الأمر أخيرا إلى أن طلب عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأفغاني، ومعهم بعض قادة الجهاد السابقين، طلبوا من الحكومة الأفغانية عقد لويا جيرغا، لكن هناك خلاف على نوعية هذا المجلس بين أعضاء مجلس الشيوخ، وقادة الجهاد السابقيين. فهل تقيم الحكومة لويا جيرغا؟ وهل يمكن لهذا المجلس أن يضع حلا للوضع الأفغاني المتأزم؟
مجلس أعيان متعهد به
بعد جولتين من الانتخابات في العام الماضي، وبعد أن لم تحسم نتائج الانتخابات فوز أي من المرشحين، تمت الموافقة بين المرشحين المنافسين في 30 من سبتمبر على تشكيل الحكومة الائتلافية، باسم “حكومة الوحدة الوطنية”. تعهد الطرفان في المادة الثانية من اتفاقية إطار العمل المشترك بأن يتم عقد لويا جيرغا خلال سنتين من أجل تعديل الدستور، ولكي تصبح لمقعد الرئيس التنفيذي صبغة دستورية.
الآن وبعد مُضي 13 شهرا من تشكيل “حكومة الوحدة الوطنية”، لم يُعقد المجلس، ولم يتم تعديل الدستور، ولم يتم اختيار أي تاريخ لعقده أيضا. من هنا طلب بعض أعضاء مجلس الشيوخ من الحكومة الأفغانية عقد لويا جيرغا، لإجراء تعديل دستوري من جهة، ولتوضيح السياسة الداخلية والخارجية للحكومة الأفغانية من جهة.
الأوضاع الحالية ومطالب بعقد لويا جيرغا
منذ 13 أشهر ويتجه البلد نحو أزمة وطريق مسدود، ويزداد الوضع الأمني تدهورا يوما بعد يوم، وسيطرت حركة طالبان لبضعة أيام بشكل كامل على ولاية، إضافة إلى سيطرتها على 29 مديرية على مستوى البلد، بناءً على بعض التحقيقات[1].
الحالة الاقتصادية نحو ترديء، وتراجع الاستثمار في البلد 26%، في 9 أشهر الأولى من عام 2015م، مقارنة مع عام 2014م[2]. وبلغت البطالة، وتراجعت العملة الأفغانية بشكل غير مسبوق.
فرار الجيل الشاب من أفغانستان مصدر قلق آخر تواجهه الحكومة الائتلافية. بناءً على تقرير منظمة اللاجئين الدولية بدء من شهر يناير إلى أغسطس لعام 2015م، لجأ 120000 أفغاني إلى 44 دولة أروبيّة صناعية[3].
فشل الحكومة في محاولاتها من أجل إحلال السلام، عامل بارز آخر للوضع المتأزم الحالي. لذلك طلب بعض الحلقات وبعض رموز جهادية عقد لويا جيرغا، ويرون أن الطريق الوحيد للخروج من هذه الحالة هو إقامة حكومة مؤقتة.
أي نوع من لويا جيرغا؟
لا تستطيع حكومة الوحدة الوطنية في الأوضاع الحالية بأن تقيم (لويا جيرغا الدستور)، ولا تستطيع أن تقيم (لويا جيرغا التقليدي)، لذلك إن عقد لويا جيرغا الدستور أمر مستحيل. فبناءً على الدستور الأفغاني يتم تشكيل (لويا جيرغا الدستور) من أعضاء البرلمان، ومن أعضاء المجالس المحلية ومجالس المديريات، ولم تتم انتخابات مجالس المديريات أيضا. إضافة إلى ذلك من الضروري إجراء الانتخابات البرلمانية أيضا، لأن مهلة عمل البرلمان الرسمية قد انتهت ولم يُحدد أي وقت لإجرائها.
واتفق زعماء “حكومة الوحدة الوطنية”، على عقد لويا جيرغا الدستور أو ما تم التعهد عليه من قبل. وقال عبدالله عبدالله الرئيس التنفيذي في جلسة للمجتمع المدني إن الحكومة ستقيم (لويا جيرغا الدستور)، وذلك لإجراء تعديل في الدستور ولإجراء إصلاحات في النظام الانتخابي[4]. لكنه لم يحدد أي موعد لعقده.
من جهة أخرى، طلب مجلس للرموز الجهادية السابقة تم تأسيسه أخيرا، طلب عقد لويا جيرغا الطواريء، ليُخرج البلد من الأزمة الحالية. مع أن هذه الأخيرة يمكن عقدها بقرار من الرئيس، لأنه وبناءً على المادة الـ65 من الدستور الأفغاني يستطيع الرئيس أن يجري استفتاء شعبيا في القضايا الوطنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. لكن الرئيس ليس ملزما بقبول قرار لويا جيرغا الطواريء والاستشاري. بالنظر إلى الأوضاع الحالية لا تقيم الحكومة مجلسا يهدف إلغاء الحكومة الحالية وتشكيل حكومة أخرى، وصرّح الرئيس التنفيذي حول ذلك قائلا: “إلى جانب المخالفين المسلحين، هناك ساسة يريدون إلغاء الحكومة، نحن لا نقيم أي لويا جيرغا، غير لويا جيرغا الدستور”[5].
هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة بشأن عقد لويا جيرغا:
أولا: أن يتم عقد لويا جيرغا التي طلبتها بعض الحلقات وهناك ضغوط على الحكومة من أجل ذلك، لكن كما أسلفنا لا تريد الحكومة عقد مثل ذلك المجلس.
ثانيا: في حال تصاعد الضغوط من قبل “شورى القادة الجهاديين”، فإن حكومة الوحدة الوطنية طلبا للمصلحة ستوفر الرموز الجهادية السابقة بكثير من فرص القوة، محاولة منها لصرفهم من طلب لويا جيرغا.
ثالثا: من المحتمل أن تطلب الحكومة مجلس أعيان مثل الذي طلبه حامد كرزاي الرئيس الأفغاني السابق من أجل دراسة الاتفاقية الأمنية مع أمريكا، وهو مجلس بصبغة “استشارية”، مع قرارات غير مُلزمة للرئيس.
هل تحل لويا جيرغا الأزمة الحالية؟
يرمى موقف “حكومة الوحدة الوطنية”، الآن إلى أن لا يتم عقد أي مجلس غير الذي اتفق عليه الزعيمان، ومع ذلك إذا تم عقد لويا جيرغا من أجل حل الأزمة الحالية فهل ستحلها؟
يرى كثير من المحللين بأن هدف “شورى القادة الجهاديين”، من عقد لويا جيرغا هو إلغاء الحكومة الحالية وتشكيل حكومة مؤقتة أخرى، لكن ذلك وتشكيل حكومة أخرى من رموز جهادية وشخصيات أخرى لن يحل الأزمة الحالية، لأن الطريق الوحيد للخروج من الأزمة هو عملية سلام حقيقية وتوافق الحكومة مع المخالفين المسلحين. أي محاولة أخرى مثل عقد لويا جيرغا، أو تشكيل حكومة مؤقتة، أو إسهام بعض الآخرين في السلطة ممن بقوا خارجها، لن تخرج أفغانستان من دوامة الأزمة الجارية، وسيزيد من تدهور التجربة الديمقراطية والمروءة السياسية في البلد.
النهاية
[1] See online:
[2] See online: http://www.bbc.com/persian/afghanistan/2015/10/151031_k05_afghanistan_aisa_investment_decreased
[3] See online: http://www.unhcr.org/cgi-bin/texis/vtx/refdaily?pass=52fc6fbd5&id=562dc8155
[4] See online:
http://www.tolonews.com/en/afghanistan/22192-abdullah-assures-to-convene-loya-jirga
[5] See online:
http://www.tolonews.com/en/afghanistan/22192-abdullah-assures-to-convene-loya-jirga