موقف الرئيس كرزاي من إلحاق جزيرة القرم بروسيا

مقدمة

بعد سلسلة من المظاهرات وأعمال العنف في أوكرانيا فرّ الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش إلى روسيا ممهدا للمعارضة السياسية المدعومة من الغرب الطريق إلى سدة الحكم. وعقب هذا الحدث هاجمت قوات روسية على شبه جزيرة القرم واحتلتها، وفي 16 من مارس 2014 م، قرر 96% من سكان هذه الجزيرة في استفتاء شعبي الانضمام إلى روسيا، وقد دانت أمريكا وحلف شمال الأطلسي هذه العملية برمتها.

ولكن الرئيس الأفغاني حامد كرزاي أيّد انضمام القرم إلى روسيا وقال في لقاء جمعه مع أعضاء الكونغرس الأمريكي في كابول إن بلاده تحترم إرادة الشعوب وقرار شعب القرم بخصوص مستقبله، وأضاف السيد كرزاي قائلا بأن شعب القرم أثبت عبر الاستفتاء الأخير أن هذه الجزيرة جزء من الأراضي الروسية وبأن أفغانستان تحترم هذا القرار.

من جانبهم وصف المسؤولون الأمريكيون تأييد الرئيس الأفغاني لإلحاق القرم بروسيا خطوة نادرة وأظهروا استياء شديدا وأسفا من هذا الموقف. لماذا خالف كرزاي موقف حلفائه بخصوص شبه جزيرة القرم، مع أن أفغانستان تعتبر حليفا لحلف شمال الأطلسي وأمريكا؟ وماذا ستكون نتيجة هذا الموقف؟ في هذه الورقة ناقش الدكتور السيد صالحي أخصائي العلاقات الدولية أسئلة مركز الدراسات الإستراتيجية والإقليمية بهذا الخصوص وإليكم التفاصيل:

العلاقات الأمريكية الأفغانية المتردية

إن علاقات الرئيس الأفغاني مع نظيره الأمريكي بدأت تتقلص بعيد الانتخابات الرئاسية الأفغانية الثانية التي حاول فيها الرئيس الأمريكي مساعدة رقباء كرزاي السياسين، ومن يومها اسودّت العلاقات الأفغانية الأمريكية إلى حد كبير.

إن تردي العلاقات بين الرئيسَين في البداية كان خفيا غير معلن ولكنه منذ سنتين تم كشف الستار عنه وبشكل علني أيضا، وخاصة خلال سنة مضت وفي عملية الاتفاقية الأمنية الثنائية بدأ الخلاف جليا وحاول كرزاي استغلال أي فرصة للنيل من حلفائه الغربيين، أحيانا وصف الحضور الغربي في أفغانستان بالاحتلال وأحيانا آخرى وصفه بالاستعمار.

يرى بعض الناس أن موقف كرزاي من إلحاق القرم بروسيا ينشأ من حرية البلد في سياسته الخارجية، ولكن الحرية لا تعني تعكير العلاقات مع دول آخرى إنما تعني أن يتخذ السياسي مواقفه في ضوء مصالح بلده العليا وأن لا يستسلم فيها لأي ضغط داخلي أو خارجي، والحال أن أفغانستان تحت ضغط قوى اجتماعية داخلية وليس موقعها في الخارج بحيث يمكنها من طرح مواقفها بطريقة لا تعكر علاقاتها مع حلفائها. الحرية في المنظار المعاصر أمر نسبي ولا توجد حرية مطلقة، ذلك لأن العالم كله أصبح قرية والبشر يحتاجون بعضهم البعض.

من جانب آخر، إن الولايات المتحدة الأمريكية تبحث عن دول تساند مواقفها على المستوى العالمي ولا تتوقع أبدا من حلفائها موقفا يتعارض مع التوقعات المشتركة بين الطرفين. ليس الأهم في هذا المجال ما تطلبه وتنتظره أمريكا ولكن الأهم هو أين مصالح أفغانستان العليا من هذا الموقف، كيف ينبغي أن تكون علاقات أفغانستان الدولية لتساعدها في التنمية الإقتصادية والإجتماعية والثقافية.

إن قضية جزيرة القرم قضية سياسية من قبل أن تكون حقوقية، وروسيا تنوي الوقف في وجه أمريكا أكثر من ذي قبل، ولكن وقوف الرئيس الأفغاني بجانب روسيا في وقت يعتمد بلده في الأغلب على الدعم السياسي والإقتصادي والثقافي والأمني من الغرب، ويحتاج مزيدا من هذا الدعم الدولي يثير التسأول.

هناك دول كثيرة إما صمتت وإما اعنلت حيادها تجاه هذه القضية، ولكن موقف الرئيس الأفغاني المعارض تماما مع الموقف الغربي قد لا يكون خطوة دبلوماسية مفيدة لأفغانستان. إنه وباقتراب نهاية عهد كرزاي قد لا يؤثر هذا الموقف كثيرا على مجرى الأمور وقد لا تعتني به الدول الغربية كثيرا ولكنها في نفس الوقت تشكل ضربة معنوية على الضمير الأمريكي وتدفعه نحو اليأس أكثر.

موقف كرزاي ناشئ عن موقف أمريكا المفرط

ويرى السيد عبدالله جمالزي المراقب السياسي أن موقف كرزاي الأخير جاء بسبب تجاوزات أمريكية وهو موقف صواب برأيه. نقدم لكم هنا تحليل السيد جمالزي عن عوامل هذا الموقف وتبعاته، والذي أجاب فيه عن أسئلة مركز الدراسات الإستراتيجية والإقليمية:

برأيّ ليس من الضروري لأفغانستان أن تؤيد الناتو وأمريكا في سياستها الخارجية، وإن الموقف الأخير للرئيس الأفغاني ليس إلا استغلالا من الدبلوماسية العامة المتوفرة لديه. مع أن موقف كرزاي لم يكن الرأي الرسمي للدبلوماسية الأفغانية إلا أنه حمل رسالة قوية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الرغم من أن الوقوع في خلافات مهمة كقضية القرم لا ينفع أفغانستان إلا أن الرئيس الأفغاني أظهر بموقفه الذي اتخذه أنه يريد حرية في مجالات مختلفة.

ولقد سببت الحرب الاعلامية الأمريكية ضد كرزاي إلى جانب من سياسات استفزازية للبيت الأبيض أن يحدث هذا التحول في موقف كرزاي وإن كان هذا التحول حربة لدى الرئيس الأفغاني. وكما أن أمريكا أرادت النيل من مصالح أفغانستان وأجبر كرزاي على متابعة السياسية الأمريكية، فإن الأخير بدوره أيضا استغل ما لديه من دبلوماسية عامة ليرد على الأمريكان الكيل. لقد ترك السيد كرزاي أخيرا صمته الذي آثره طيلة سنوات ماضية واضطر للجهر.

حاول كرزاي في أزمة القرم أن يبين أنه حر في سياسته الخارجية وأنه ليس من الضروري تأييد الرأي الغربي وخاصة الأمريكي، وإلا لأصبحت العلاقة احتلالا على حد تعبيره.

وأما من المنظار الدبلوماسي فإن موقف كرزاي من شبه جزيرة القرم كان رأيا ذاتيا ولم يكن رأي الدبلوماسي الأفغاني. في نفس الوقت يحق للرئيس أن يبدي رأيه في الدبلوماسية العامة كيفما يريد، ولا يعني موقف الرئيس الأفغاني أن أفغانستان تعترف بالقرم جزءا من روسيا. إن الرئيس تكلم عن احترام الشعوب في أخذ القرار لمستقبلها وبذلك أراد توصيل رسالة إلى أمريكا والغرب. إن الدافع من وراء هذا الموقف هو توجيه رسالة إلى سياسات أمريكا السلطوية والمفرطة بشأن أفغانستان، رسالة تفيد أن أفغانستان تريد حريتها الكاملة وعدم تحميل الأخرين سياساتهم عليها، وهو أمر شوهد في التعامل الأمريكي في السنوات التي خلت.

ثم إن هذا الموقف لا يأتي بجديد ولن تكون له تبعات، لأنه كان رأيا دعائيا والقصد من وراءه توصيل رسالة إلى الغرب وهو امتداد للسياسة التي نهجها الرئيس الأفغاني ضد أمريكا. وإن كان له أي أثر فسيكون أثرا جيدا لسياسات السيد كرزاي، لأنه أظهر من جانب سعيه للحصول على الحرية في السياسة الخارجية وحاول من جانب آخر أن ثؤثر على المحادثات الجارية الأخيرة بينه وبين الأمريكان.

تريد أمريكا من أفغانستان أن تتبع السياسة الخارجية لأمريكا والناتو، وليست هناك دولة في العالم ترضى أن تكون تابعة لجهة خاصة في سياساتها وخاصة في سياستها الخارجية، وإن أفغانستان طلبت مساعدة أمريكا والناتو والمجتمع الدولي للغلبة على مشاكلها ولأن الغرب بسيادة أمريكا، كان يركض وراء أهدافه في هذه العملية فأراد تحميل أفغانستان سياسته ولقد حاول الرئيس الأفغاني منذ البداية اثبات حريته بمواقف شتى، وفي السنوات الأخيره شدد من سعيه كي يكون له صوت مسموع لدى الإدارة الأمريكية.

النهاية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *