ما الذي يدفع أمن أفغانستان إلى الأسواء؟

مقدمة

مع بدء فصل الربيع اتسعت رقعة الاضطرابات الأمنية في البلد واشتدت هجمات المعارضة المسحلة. ولقد خلفت تلك الهجمات قتلى وجرحى وخسارات كبيرة في العاصمة ومحافظات مختلفة أخرى. ويرى المراقبون بأن الاحتفال الحكومي الرسمي بـ«النيروز» في القصر الرئاسي وتخلي الحکومة عن إجراء الحفل في المكان المفتوح والمصمم له في بغمان، جاء أيضا لأسباب أمنية.

يتزامن تسارع وتيرة العنف في أرجاء البلد مع اقتراب موعد الانتخابات الأفغانية، والتي لم يبق إلى موعدها المقرر إلا أياما قليلة، وعلى رغم من هذه القلاقل الأمنية يتعهد المسؤولون الحكومييون بإجراء الانتخابات في أجواء هادئة.

في هذه الورقة التحليلية ناقش السيد غلام جيلاني المحلل السياسي الأفغاني أسباب تردي الأوضاع الأمنية والأهداف المخفية من وراء ذلك، على أساس أسئلة طرحها عليه مركز الدراسات الإقليمية والإستراتيجية ونقدم إليكم هنا التفاصيل:

في هذه الآونة الأخيرة بدأ الوضع الأمني يتدهور أكثر فأكثر ومن جانبها تبدو المعارضة المسحلة وكأنها تفعل كل ما في وسعها لزعزعة الأمن وصد الناخبين من صناديق الاقتراع. ومع ذلك فإن نظرة تحليلية عميقة إلى الأحداث الأخيرة تفيد بأن صياغة هذه الأحداث جاءت لأهداف كثيرة متشابكة ولها جوانب كثيرة.

الانتخابات

تعتبر الانتخابات القادمة واحدا من أسباب تدهور الأمن، وبعد وقوع أحداث عنف أخيرة غادر بعض من المراقبين الدوليين البلد. وعلى الرغم من هذه المشاكل الأمنية فإنه يبدو من حشد الآلاف في الحملات الانتخابية للمرشحين، بأن المؤهلين للتصويت سوف يذهبون إلا صناديق الاقتراع مع وجود كل هذه المشاكل، اللهم إلا المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسحلة سيطرة كاملة.

ولكن هناك مشكلة أخرى تلوح في الأفق وهي نتيجة لعدم حضور المراقبين الدوليين حين إجراء الانتخابات ومشاركة الناخبين فيها، فإن ذلك يعطي فرصة أخرى للحلقات الداخلية التي تعمل لصالح مخابرات أجنبية لتشك في شفافية الانتخابات.

من الواضح إمكانية حدوث التزوير في الانتخابات ونظرا للتجارب السابقة ربما هذه المرة يكون نطاق التزوير أوسع، ولكن غياب المراقبين الدوليين قد يجعل الأجانب والحلقات الداخلية التابعة لهم لا يرضون للنتيجة وقد يجر هذا الأمر الانتخابات نحو أزمة أخرى.

الحرب الأمنية المعقدة… المطعم اللبناني نموذجا

من الممكن اعتبار الحرب الأمنية سببا مهما وخفيا للاضطرابات الأمنية التي تتزايد يوميا. الهجوم على المطعم اللبناني في قلب العاصمة الأفغانية ومن بعدها القتل وهجمات تابعة أخرى للحفاظ على سرية هذا الهجوم نموذج من تلك الحرب الشرسة. يبدو أن هناك ارتباط قوي بين الهجوم على المطعم اللبناني وبين سلسلة من الهجمات التي حدثت بعدها. بعد الهجوم على المطعم اللبناني جاء إلى كابول صحفي بريطاني كان يعمل لصالح إذاعة سويدية، ليحقق حول بعض القضايا من أهمها الهجوم على المطعم اللبناني، ولكن الصحفي قتل بعد يومين فقط من تواجده في كابول. إن قتلا من هذا النوع ليس سهلا وما كان لأي جهة أن تدبر أمرا كهذا بشكل طبيعي، خلال يومين قضاهما ذلك الصحفي في البلد.

ويقال أيضا بأن الصحفي الأفغاني سردار أحمد كان ينوي التحقيق بشأن الهجوم على المطعم اللبناني، ولكنه أيضا لقي حتفه في هجوم آخر حدث في فندق سيرينا، وإن قتلا كهذا مثير لأسئلة كثيرة. كل من يذكر اسم المطعم اللبناني تتم تصفيته، وهذا يطرح سؤالا بسيطا للغاية. ماهي حقيقة الأمر في ذلك المطعم والتي شكّلت حساسية كبيرة إلى هذه الدرجة؟ إن هذا الحدث في قلب الأحداث ويحمل في طياته كثيرا من التفاسير لما يجري.

محادثات السلام

إن هدفا آخر من وراء تلك الاضطرابات الأمنية هو الإخلال بمحادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان. صرّح الرئيس الأفغاني حامد كرزاي قبل بضعة أيام قائلا: “إن السلام آت حتما وإننا على صلة مع قادة طالبان.” إن هذه القضية ذات أهمية كبيرة من المنظار التحليلي للوضع الراهن ويرى بعض المراقبين تشابكا قويا بينها وبين الأحداث الأخيرة.

وقبل أيام قليلة أيضا صرّح السفير البريطاني لدى أفغانستان بوجود التواصل وباستمرار المحادثات بين الحكومة الأفغانية وقياديين في حركة طالبان، وأضاف السفير البريطاني قائلا بأن قادة طالبان وصلوا إلى نتيجة تفيد بأن الحرب ليست سبيلا لحل المشاكل.

إن هذا الكلام يؤخذ بالجد من السفير البريطاني لأنه مسؤول رفيع المستوى، ولأنه سفير المملكة المتحدة وليس بشخص يتحدث ويكتفي برأيه الذاتي، ولأن كلامه هذا لابد وأن يكون مبنيا على معلومات استخباراتية دقيقة ولا تخفى على أي مراقب اليد العليا التي تتحظى بها المملكة في مثل هذه المعلومات وبصفة خاصة معلوماتهم حول حركة طالبان تأتي في تناسق كامل مع المخابرات الباكستانية آي اس آي.

ولذلك لا يصعب القبول بوجود هذا التواصل وهذه المحادثات وبحصول التطور فيهما، وبأن عناصر في حركة طالبان بدأت تفكر نوعا ما في التوجه نحو السلام. ونتيجة لذلك إن حلقات ومؤسسات استخباراتية تابعة لدول المنطقة والعالم والتي ترى مصلحتها في استمرار النزيف الأفغاني تحاول عرقلة هذه المحادثات، وإن تصاعد وتيرة العنف في مثل هذه الأوقات مؤشر كبير على وجود جهود من ذلك النوع.

الاتفاقية الأمنية

وإضافة على ما سبق يمكن اعتبار عدم توقيع الاتفاقية الأمنية الأفغانية الأمريكية سببا آخر لهذه الموجة الأخيرة من الاضطرابات، وذلك من أجل ضغط على أفغانستان وتوصيل رسالة إليها تقول إذا لا يتم التوقيع على الاتفاقية فإن مثل هذه الهجمات ستسمر وستزداد أكثر. ولا شك أن باكستان وحركة طالبان شريكتان في تنفيذ هذه الهجمات. وبصفة خاصة الهجوم الذي وقع على الفندق السيرينا إنما نفذته عناصر أفغانية لا يهودية ولا نصارانية! ثم إن الألعاب الاستخباراتية تتم دوما باستغلال عناصر داخلية، ولهذا نعرف أن مثل هذه العمليات لها عوامل داخليه وفي نفس الوقت تساعدها آي اس آي مع استخبارات عالمية والتي من الممكن أن تكون هي الآخرى في برامجها على الأراضي الأفغانية مدعومة من قبل آي اس آي.

مشروعية الانتخابات القادمة والانزلاق إلى الهاوية

في حال استمرار التدهور الأمني نحو الأسواء ماذا سيحدث لمشروعية الانتخابات القادمة؟ وكيف سيكون إقبال الشعب على صناديق الاقتراع؟ طرحنا هذين السؤالين على المحلل السياسي الأفغاني الدكتور مصباح الله عبدالباقي وإليكم الإجابة:

مع أن الحكومة الأفغانية تعهدت بالحفاظ على سلامة الانتخابات، إلا أن مراكز التصويت مهددة بأخطار وتهديدات كثيرة. إننا نمر بمرحلة حرجة وإن جهات مختلفة تعتقد غير اعتقاد النظام الحاكم، وفي مثل هذه الأجواء لا تعتبر الانتخابات حلا للمشاكل، وإن الأزمة الحقيقة للبلد هي الاقتتال ولابد من ايجاد طريق لطي صفحة الاقتتال أولا، وما زالت الاختلافات قائمة بين الأفغان أنفسهم فستستمر الحرب وسيستمر النزيف.

إن الحرب والأسلحة لن تحل المشاكل وإن إنهاء المشاكل الأمنية دون تفاهم أفغاني عمل صعب وشاق. ولن تتمكن أية جهة من الجهات أن تحل المشاكل بقوة العنف، ولابد من البدء بتفاهم أفغاني بين جميع الجهات المعنية لتمهيد الطريق نحو سلامة البلد واحلال السلام وإنهاء الأزمة الأمنية الراهنة.

لا شك أن الأزمة الأفغانية لها عوامل أجنبية ولكن اعتبار عوامل الأزمة كلها أجنبية إنما هو إغماض عن حل الأزمة نفسها، وإن العوامل الداخلية كثيرة أيضا. ولابد من الأخذ بعين الاعتبار كل هذه العوامل وتحليلها وايجاد الحل لها وشق الطريق منها نحو إنهاء الأزمة.

عندما يوجد بين الأفغان تفاهم عام نتيجة لحوار بينهم، وعندما تتشكل حكومة مؤقتة ويتم تعديل الدستور، ومن ثم تجرى انتخابات على اساس الدستور المعدل عندها فقط، يمكن للأزمة الأفغانية أن تتوجه نحو الانفراج.

النهاية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *