أفغانستان… ومؤتمر “منظمة سيكا” في شانغهاي الصين
مقدمة
إن زعماء الدول الأعضاء في “منظمة سيكا” يجتمعون بشكل دوري بعد كل أربع سنوات من أجل إحلال السلام وترسيخ الأمن والاستقرار في قارة آسيا، وكما تدعي المنظمة هناك صلات وثيقة بين الاستقرار والسلام والأمن ليس على مستوى آسيا فحسب بل على المسوى العالمي كله.
يصل عدد أعضاء هذه المنظمة 26 دولة وتشارك في جلساته سبع دول وأربع منظمات للمراقبة. وبناءً على لوائحها فإن المنظمة تعتبر المحافظة على السيادة الوطنية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتوفير التعاون الاقتصادي والاجتماعي بين الدول الأعضاء من أهم أهدافها.
عقدت في مدينة شانغهاي الصينية القمة الرابعة لمنظمة التعاون وتدابير إجراءات الثقة “سيكا” [1](CICA) وقد شارك فيها الرئيس الأفغاني حامد كرزاي. يناقش قسم التحليل في مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية خلفية تلك المنظمة، وكيفية التعاون بين أعضائها، وتأثير المنظمة على أفغانستان وفي الأخير يسلط الضوء على مشاركة الرئيس الأفغاني في القمة الرابعة لرؤسا الدول الأعضاء:
الخلفية
لأول مرة طرح”نور سلطان نظرباييف” الرئيس الكازاخي سنة 1992م، في 5 من شهر اكتوبر، وفي إجلاس الأمم المتحدة، رؤية تأسيس منظمة “سيكا” وقد رحبت دول آسيوية كثيرة بالرؤية. وفي عام 1999م، عقدت جلسة في مدينة “آلماتا” بين 15 دولة آسيوية منها أفغانستان وقامت هذه الدول بتحديد الأهداف الرئيسة للمنظمة.
عقد أول مؤتمر بين أعضاء المنظمة عام 2002م في آلماتا، وانتخب “دستور آلماتا” لائحة لتلك المنظمة وتم التوقيع عليها من قبل الدول الأعضاء. ومن الجانب الأفغاني وقع حامد كرزاي على تلك اللائحة. حينها قال زعماء 16 دولة من الأعضاء بأن المنظمة ستوفر فرصا أكثر للاستقرار والأمن والسلام. هذه المنظمة تعقد اجتماعها على مستوى رؤساء الدول كل أربع سنوات، وعلى مستوى وزراء الخارجية كل سنتين. وقد عقدت القمة الأولى بين الرؤساء في 2002م، بينما عقدت القمة الثانية في 2006م، والقمة الثالثة في 2010م.
مجال التعاون بين الدول الأعضاء:
بناءً على لائحة “منظمة سيكا” تقوم أعضائها بالتعاون المشترك في خمس مجالات تالية من أجل بناء الثقة وإنقاذ المنطقة من الاضطرابات والمشاكل:
- المجال الاقتصادي:
بناءً على لائحة الأعمال لدى المنظمة تقرر في 2004م، ايجاد قائمة بيانات في المجال الاقتصادي، وذلك لتبادل المعلومات التجارية بين الدول الأعضاء، ولمنع العمليات المالية التي تتم دون دفع الضرائب، وكان على الدول الأعضاء تبادل الأخبار عن الحوادث الطبيعية التي تقع فيها ويكون من شأنها أن تؤثر على الجيران، وكذلك تقرر تبادل المعلومات بين الرؤساء والمسؤولين لتعصيد مستوى السياحة الدولية، ولتوحيد الصوت بين المسؤولين. وكان التعاون الاقتصادي يشمل تبادل التجارب والخبرة في مجال الإدارة وتبادل المعلومات وإنشاء مشارع مشتركة.
- محافظة البيئة
إن الدول الأعضاء في المنظمة لا تقوم بصنع القرار والبرامج للحفاظ على البيئة فحسب بل تجري هذه البرامج، وتبذل اهتماما كافيا للمناطق الحدودية.
- في الحقل البشري
إن على الدول الأعضاء أن تشارك بينها المعلومات حول تهريب البشر وأن تحاول جادة لتمنع ولتنهي هذا النوع من التهريب. ويكون لزاما على الدول الأعضاء أيضا أن تساعد بعضا البعض في تصعيد قوتها المرنة، كإعطاء المنح الدراسية للطلاب وإرسال طلابها إلى الدول الأعضاء.
- التحديات المعاصرة (الإرهاب، تهريب المخدرات، تهريب البشر، تبادل الأسعار بالطريقة المزورة، سوق الأسلحة السوداء):
على الدول الأعضاء أن تساعد بعضها البعض في مجال مكافحة الإرهاب نظرا لدساتيرها، وأن تمنع المتشددين والانفصاليين وإن على الدول الأعضاء أن تساعد بعضها البعض في الصراع مع الإرهابيين، والانفصاليين، والمتشديين، وأهل الجرائم المنظمة، بل عليها أن تطرح وتقدم برامج واستراتيجيات حربية في هذا الصراع. تتخذ الدول الأعضاء إجراءات صارمة لمنع تهريب المخدرات والبشر، ولمنع تبادلات الأسعار بالطرق غير القانونية، ولسد أي معاملات مضرة. على الدول الأعضاء أن تعمل ساعية لفتح باب الحوار بين حضاراتها وأن تخالف صراع الحضارات.
- المجال السياسي والعسكري:
على الدول الأعضاء أن تبني ثقة قوية في المجال السياسي والعسكري، ومع رعاية المصالح الأمنية للدول الأعضاء يمكن لها أن تتخذ الإجراءات الآتية:
أن تطلب المراقبين إلى معسكراتها، وأن تتبادل مسؤولين عسكريين على المستوى الرفيع، وأن يشارك العسكريون من كل الأطراف في الحفلات والأعياد الوطنية، والأنشطة الثقافية والرياضية بين الأعضاء.
قمة سيكا الأخيرة وزيارة كرزاي إلى الصين
قام الرئيس الأفغاني في الأسبوع الماضي لزرياة إلى الصين طالت أربعة أيام، وقد قضى يومين منها في إجلاس قمة “سيكا” وقد التقى الرئيس الأفغاني في هذه الزيارة مسؤولين صينيين عدة على رأسهم الرئيس الصيني.
أشار الرئيس الصيني “شي جين بينغ” إلى صداقة بلده وقال بأن الصين ستسمر في صداقتها مع أفغانستان رغم التغييرات الإقليمية والدولية، وستقوم الصين بالتعامل على مستوى رفيع مع أفغانستان وسترفع مستوى تعاونها في مجالات شتى، وستشوق الشركات على إحياء طريق الحرير، وأن تستثمر في أفغانستان، وأكد على مساعدة الصين لأفغانسان في مكافحة “القوات الشيطانية الثلاث: الانفاصليين، والإفراطيين، والإرهابيين”. وكذلك صرح الرئيس الصيني بأن دولته تتمنى لأفغانستان أن تصبح دولة قوية واحدة صديقة، ذات استقرار ورقي وازدهار.
عقب كلمة الرئيس الصيني رحب الرئيس الأفغاني بالعلاقات الصينية الأفغانية الصديقة، واعتبر الصين جارة متعهدة. ثم أضاف بأن أفغانستان ترى أن علاقاتها مع الصين ستكون حميمة وراسخة في السنوات القادمة، وهذا أمر لا يختلف بفوز أي واحد من المرشحين في الانتخابات. وقد أظهر الرئيس الأفغاني تمنيا للجانب الصيني بأن يلعب دورا مؤثرا في إحلال السلام والاستقرار والازدهار في أفغانستان.
يبدو أن القمة الرابعة لمنظمة “سيكا” ستعزز الثقة بين دول آسيا وأنها ستمهد الطريق نحو حلحلة الأزمات عبر الحوار المفاوضات.
جمهورية الصين الشعبية التي حصلت على زعامة “منظمة سيكا” في دورتها من 2014إلى2016م، ستعلب دورا حيويا في المنطقة، وهذا يأتي في توقيت تنوي أمريكا انسحاب قواتها من أفغانستان، وقد عقد بانكي مون الأمين العالم للأمم المتحدة أملا كبيرا على زعامة الصين لـ”منظمة سيكا”.
النتيجة:
ظهر مما مضى من المناقشة، بأن “منظمة سيكا” لو حققت أهدافها الأساسية فإنها ستعلب دورا ايجابيا ومؤثرا في قضية أفغانستان.
يمكن للمنظمة أن تساعد أفغانستان في مجالات تعاونها بأن تخرج من صراعات واضطرابات وقعت فيها مع الجيران وبأن تبني علاقات ذات ثقة مع جيرانها بدلا من ذلك. ويمكن لها أن ترفع خطوات جادة مع الدول الأعضاء تجاه إحلال السلام في المنطقة، الأمر الذي يوفر فرصة كبيرة لأفغانستان للوصول إلى الاستقرار والأمن والسلام. ويمكن للمنطقة كلها أن تعلب دورا أساسيا في أفغانستان لتحقيق السلام والأمن والرقي وهو المثلث المطلوب لها أيضا. النهاية
[1] Conference on Interaction and Confidence Building Measures in Asia