زيارة أوباما إلى أفغانستان واستراتيجية انسحاب القوات الأمريكية

مقدمة

قام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بزيارة إلى أفغانستان دون إخبار مسبق للمسؤولين الأفغان، وطلب من الرئيس الأفغاني حامد كرزاي أن يلتقي به في قاعدة “بجرام” العسكرية. من جانبه رفض كرزاي اللقاء بالرئيس الأمريكي في هذه القاعدة العسكرية ومن ثم أنهى أوباما زيارته إلى أفغانستان دون أن يلتقي بأي مسؤول أفغاني رسمي.

أعلن الرئيس الأمريكي بعد هذه الزيارة أنه وبعد اتمام العمليات العسكرية، سوف يبقى 9800 من الجنود الأمريكان، في أفغانستان إلى نهاية عام 2014م، ، وأن هؤلاء الجنود يتم انسحابهم تدريجا وسيبقي في قاعدة بجرام بعد عام 2016م، ألف جندي أمريكي فقط.

كيف كانت هذه الزيارة بمقاييس العلاقات الدولية والدبملوماسية؟ ماذا كانت أهداف أوباما من هذه الزيارة؟ وماهي الرسالة التي حملها الرئيس الأمريكي في هذه الزيارة؟ يناقش قسم التحليل في مركز الدراسات الإقليمية والاستراتيجية هذا الموضوع:

زيارة أوباما مخالفة للعرف الدبلوماسي وإهانة لسيادة أفغانستان

ماذا تعني زيارة رئيس دولة إلى دولة أخرى دون اللقاء برئيس الدولة المضيفة؟ وهل يمكن تبرير زيارة رئيس أية دولة إلى دولة أخرى بمقاييس العلاقات الدولية، إذا كانت هذه الزيارة دون إخبار وتنسيق مع الدولة المضيفة؟

هذه ليست أول مرة يقوم الرئيس الأمريكي بزيارة مفاجئة لأفغانستان، وقد حدثت مثلها زيارات كثيرة في السنوات الأخيرة، دون الإخبار والتنسيق مع الجانب الأفغاني. في زيارة مشابهة قبل سنتين جاء الرئيس الأمريكي ليلا، إلى قاعدة بجرام العسكرية واستدعى نظيره الأفغاني لتوقيع اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين البلدين.

زيارة أوباما إلى أفغانستان بهذه الطريقة، ثم استدعائه الرئيس الأفغاني ليذهب إلى قاعدة بجرام للقائه، ليس مخالفة للعرف الدبلوماسي فحسب بل يُعتبر إهانة للسيادة الأفغانية وللرئيس الأفغاني أيضا. ثم إن أوباما خالف بهذه الزيارة السرية إلى أفغانستان جميع المبادئ المعتمدة تجاه أية دولة أخرى، وإن ردة فعل الرئيس الأفغاني تجاه هذا السلوك الأمريكي حميدة، وتعتبر إجابة جيدة للغطرسة الأمريكية.

هنا سؤال يطرح نفسه: لماذا لا يتحدث أحد بخصوص هذا السلوك الأمريكي المهين؟ ويزداد الأسف حينما يعلن الاعلام العميل لأمريكا أن أوباما سيزور كابول دون أن يلتقي بالرئيس الأفغاني، مع أن طلب الزيارة كان قد طرح ورفض من جانب كرزاي قبل ذلك، ولكن الاعلام العميل كان يريد القول بأن أوباما نفسه لم يرد اللقاء بالرئيس الأفغاني، لا أن الأخير رفض لقاء الأول. هذه قضية أخرى مما يظهر إنتماء بعض وسائل الاعلام إلى أمريكا، ولابد لهذا النوع من الاعلام أن تُطوى صفحته، وإن كان ذلك يبدو مستحيلا للحكومة الأفغانية نظرا للحماية الأمريكية التي يحظى بها هذا الاعلام.

من جانب آخر جائت زيارة أوباما في توقيت كانت الحكومة الأفغانية تدرس قضية تنصت هواتف الأفغان من قبل الأمريكان، وقد اعتبرت الحكوكة الأفغانية تنصت هواتف أتباعها نقضا صريحا لسيادتها الوطنية. وكانت مكافحة الإرهاب، ذريعة لوضع آليات التنصت في مراكز شركات الهواتف، ولكن أمرا كهذا إنما يحدث في بلد لا تحظى بالحرية وإنها تؤكد أن البلد يخضع لاحتلال أمريكي وأن القوات الأمريكية لم تراع قط حرمة الشعب الأفغاني.

أهداف زيارة أوباما الأخيرة

إن الهدف المعلن عنه من زيارة أوبما المفاجئة هو تقدير الجنود الأمريكان في أفغانستان. ولكن هذا الإعلان هو ظاهر الأمر، إن هذه الزيارة إلى أفغانستان قام بها الرئيس الأمريكي بعد سنتين وفي توقيت ذهبت الانتخابات الأفغانية إلى جولتها الثانية، وقد أعلن بعد هذه الزيارة جدولا زمنيا لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان.

في هذه الزيارة حذر الرئيس الأمريكي مرشحي الرئاسة الأفغانية، وحمل لهما رسالة واضحة تخبرهما بمدى استقلالية البيت الأبيض في أعملاها، وأن يعلما أن أوباما يدخل قاعدة بجرام –معتبرا القاعدة جزءا من أرض بلده- ويلقي كلمة أم عساكر بلده، ولا يكون له أي لقاء مع أي مسؤول أفغاني. هذا إلى جانب شائعات تقول بأن أوباما قد ألتقى في هذه الزيارة بمرشح رئاسي يضع توقيع الاتفاقية الأمنية الأفغانية الأمريكية على أولويات عمل حكومته.

مع أن أوباما أعلن أن الهدف من وراء زيارته لم يكن مراقبة الأوضاع الأمنية الأفغانية على عتبات الجولة الثانية من الانتخابات، بل كان تقدير عساكر أمريكا هو هدف زيارته، إلا أنه اعتبر أمام جنود بلده الأمن والمشاركة الشعبية في الانتخابات، إنجازات أمريكية. وإن كان هذا الأمن يمدح، فواه منه للأفغان!

شيء آخر قاله أوباما في كلمته وهو: “أفغانستان ليست أملا كبيرا ولا أرضا مثالية، وليس وصولها إلى الكمال مسؤولية أمريكا”. إن كان هذا صحيحا فلماذا كان الأمريكان أثناء هجومهم على أفغانستان في 2001م، يتحدثوت عنها كأرض الرؤى والآن وبعد أن استقروا في المنطقة، وقاموا بما قاموا من جرائم وحملات، ومن سفك دماء آلاف الأبرياء، وتفتيش البيوت، يقولون إن إعمار أفغانستان ليس مسؤوليتهم!

إن الأمريكيين بعد أن جاءوا إلى أفغانستان، وواجهوا البلد على أرض الواقع، وارتكبوا فضائع كبيرة، وصلوا إلى النتيجة بأن الديمقراطية لن تنفعهم كما يريدون، ولا ما يدعون من “حقوق المرأة” و”حقوق البشر” وقد انتهكوا هذه الحقوق أكثر من غيرهم. إن الأمريكيين مجبرون على ترك أفغانستان بسبب ما فعلوا من أعمال بشعة، وكذلك هذا الجدول الزمني الذي أعلنوا عنه أخيرا بخصوص الانسحاب الأمريكي والذي يحسم خروج القوات الأمريكية إلى نهاية 2016م، من أفغانستان، اعتراف منهم على الهزيمة.

برنامج الانسحاب الأمريكي

إن هدفا آخر من زيارة أوباما كان لفت النظر إلى أفغانستان، وقال أمام جنوده في قاعدة بجرام بأنه يعلن في الأيام المقبلة برنامج انسحاب قوات بلده من أفغانستان. قال أوباما إن الحرب تنتهي هذه السنة في أفغانستان. إنه في الحقيقة أراد لفت أنظار الشعب الأمريكي إلى أفغانستان.

في هذه الزيارة قال أوباما بأن القوات الأفغانية لديها استعداد وجاهزية للدفاع عن أفغانستان، وكان يريد بذلك تمهيد الطريق لإبقاء 9800 من جنوده في أفغانستان، لأن عددا من أعضاء الكونغرس الأمريكي وعددا من مجلس الشيوخ كانوا يرون أن يبقى في أفغانستان عدد أكثر من الجنود.

ما يثير الاهتمام أكثر في كلمة أوباما أنه قال بأن هؤلاء الجنود يبقون في أفغانستان إلى عام 2016م، وبعد ذلك سيغادرون أفغانستان كليا، وهذا يعني أن الجنود الأمريكان لا يبقون في قواعدهم، وإلى ذلك التوقيت تكون للجنود الأمريكان قاعدة واحدة، وكانوا قد طلبوا قبل هذا، تسع قواعد، وفي مسودة الاتفاقية الأمنية المنشورة أيضا طلبوا تسع قواعد. والآن هذه القضية أيضا خفيت وهو أمر يسر الشعب الأفغاني. إن كانت أمريكا صادقة في هذا، فإن عام 2016م، ستكون نهاية الحضور الأمريكي، ولو استمرت إلى ذلك الحين عملية محادثات السلام بالطريقة المطلوبة وقامت حكومة تشمل جميع الشعب الأفغاني، سوف تنتفي ضرورة الحرب في البلد.

إن كانت أمريكا صادقة، فهذا أمل كبير، ولكن التجربة تقول بأن الثقة على الأمريكيين غير صحيحة. لأن وصول أمريكا إلى هذه الدرجة كان بسبب مقاومة المعارضة المسلحة واصرارها على الانسحاب الأمريكي الكامل من أفغانستان، ولولا هذه المقاومة وتهديدها الموجه إلى القوات الأمريكية، لتم تحديد عدد القوات الأمريكية الباقي في أفغانستان منذ مدة طويلة.

على حد قول أوباما، إن إجراء هذا البرنامج للبيت الأبيض خلال سنتين يرجع إلى توقيع الاتفاقية الأمنية بين كابول وواشنطن، ولكن زيارة أوباما الأخيرة تظهر بأن أمريكا لا تحتاج إلى كلمة من الجانب الأفغاني، لبقائها في أفغانستان أو انسحابها. وإن توقيع الاتفاقية الأمنية أيضا لا يحتاج سماح أي مسؤول أفغاني. إن العرقلة الوحيدة الموجودة في الأمر، هي علاقة قضية أفغانستان بالقضايا الإقليمية، وعلى سبيل المثال فإن بقاء القوات الأمريكية بالطريقة غير القانونية تتشابه قضية أوكرانيا إذ يجعله الروس دليلا في وجه الغرب.

النهاية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *