أفغانستان والصين نحو علاقات وثيقة

في زيارته الرسمية إلى الصين صرّح أشرف غني أحمدزاي الرئيس الأفغاني بأن العلاقات الأفغانية الصينية تكون من أولويات سياسته.

فيما وقّعت أفغانستان اتفاقيات استراتجية مع منافسي الصين، (أمريكا والهند)، ماذا سيكون هدف أشرف غني أحمدزاي من وضعه العلاقة مع الصين في أولوياته؟ وقد كانت لزيارة الرئيس الأفغاني إلى الصين في بداية عمله رئيسا للبلد أهمية بالغة.

وخلال أربعة أيام من زيارته للصين قام أشرف غني أحمدزاي بتوقيع اتفاقيات مع الجانب الصيني في مجالات مختلفة، وألقى كلمة مهمة في المؤتمر الرابع من دول “قلب آسيا”.

 

الخلفية

إن للصين علاقات دبلوماسية رسمية مع أفغانستان منذ 60 سنة. وقد اتسع نطاق العلاقات الأفغانية الصينية بعد تدهور العلاقات الصينية الروسية، ورغم موجة من عدم الثقة ضربت العلاقات الثنائية أيام حكم سردار داؤد خان، إلا أن الأخير تدارك تحسين هذه العلاقات بأساليب دبلوماسية.

وفي الحروب الأفغانية الأهلية أيضا، بقيت الصين على الحياد، ولكن بعد عام 2001م وبعد سقوط حكم طالبان، رغبت الصين في توسيع علاقاتها مع أفغانستان، وظهرت رغبة الجانب الصيني في شرائه منجم “نحاس عينك” عام 2007م، بثمن 3 مليار دولار.

 

العلاقات الأفغانية الصينية ومرحلة جديدة

إن زيارة الرئيس الأفغاني إلى الصين فتحت بابا جديدا للعلاقات الثنائية بين البلدين. وتأتي هذه المرحلة في وقت تنوي فيها أمريكا والناتو سحب قواتها من أفغانستان، وإبقاء عدد قليل منها في قواعد عسكرية، ويحدث بذلك في أفغانستان “فراغ السلطة” أيضا. وترى الصين إلى ذلك كفرصة ذهبية وتحاول استغلالها لمصالحها المستقبلية.

ونفهم من مجيء الرئيس الصيني إلى المطار لاستقبال الرئيس الأفغاني، بأن الصين ترى إلى أفغانستان باهتمام كبير. مع أن الصين قد ساعدت أفغانستان منذ 2001م، أكثر من 200 مليون دولار، ولكنها أعلنت خلال هذه الزيارة مساعدة تبلغ 330 مليون دولار للسنوات القادمة.

وقد فتح أشرف غني أحمدزاي بهذه الزيارة بابا جديدا للعلاقات الثنائية بين البلدين، وأراد وضع أسس عامة لعلاقات دائمة. وصرّح الرئيس الأفغاني لنظيره الصيني بأن أفغانستان ستكون لديها مع الصين علاقات قصيرة المدى، ومتوسطة المدى، وطويلة المدى، وهو أمر أظهر الرئيس الصيني أمله بذلك، واعتبر أفغانستان دولة صديقة.

وتقع ولاية بدخشان الأفغانية على حدود إقليم شينجيانغ على طول 85 كيلو متر، والآن وبعد تدهور الأوضاع الأمنية في ولاية بدخشان يخاف الجانب الصيني من أن تصل مساعدة لمسلمي هذه المنطقة التي تسيطر عليها الصين ومن أجل ذلك ترد أن توسع نطاق علاقاته مع كابول.

وفي الوقت الحاضر سوف تعزز هذه الصداقة الاستراتيجية العلاقات الثنائية وتؤثر على الطرفين على أمد طويل.

 

العلاقة مع الصين من الزاوية الإقليمية والدولية

منذ بضع سنوات تعمل الصين على خطتها الغربية التي تشمل طريق الحرير الجديدة. ويكون أساس هذه الطريق على الطريق القديمة بهدف وصل الصين بأوروبّا عبر دول آسيا. وتستمر هذه الطريق الجديدة عبر البر والبحر، ورغم عدم حظ كبير لدى أفغانستان على خط عبور هذه الطريق، إلا أن الرئيس الصيني كرّر لمرات عديدة بأن طريق الحرير الجديدة ستنفع أفغانستان كثيرا.

إضافة إلى ذلك، قال رئيس الوزراء الصيني في لقائه مع الرئيس الأفغاني إن الصين تعمل على خطتها الغربية، ولذلك تريد أن تلعب دورا كبيرا في مجال سكة الحديد، والشوارع، والماء والكهرباء في أفغانستان. وبشكل عام يتمثل الاهتمام الصيني تجاه أفغانستان في خطة (نحو الغرب) وتُعتبر هذه الخطة هي الدافع الأساسي.

عندما تدهورت العلاقات بين الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي والإدارة الأمريكية (أوباما-هالبروك)، توجه الأول نحو تحسين العلاقات مع الصين. ولذلك قام كرزاي بزيارات ومحاولات من أجل إشراك الصين في الاقتصاد الأفغاني. رغم أنه لم ينجح كثيرا في مشروعه، ولم يتم إشراك الصين في الساحة الاقتصادية الأفغانية، إلا أن العلاقة من المنظار السياسي تطورت كثيرا.

وتحتاج الصين كثيرا إلى الأمن والاستقرار في أفغانستان، وترى أن أفغانستان آمنة ومستقرة تكون في مصلحة الصين الأمنية والاقتصادية.

وعلى صعيد آخر، أحرزت الهند منذ 2001م، نجاحا دبلوماسيا في أفغانستان، وإلى حد ما، هزمت منافستها (باكستان)، وإن الأخيرة ترى النفوذ الهندي في أفغانستان تهديدا مباشرا لها. وقد صرّح المسؤولون الباكستانيون بذلك من فينة لأخرى. ويشمل القلق الباكستاني حتى التدريب الذي قامت به الهند للجيش الأفغاني.

فقد دخلت الهند في المجال الاقتصادي الأفغاني وتقوم بتدريب جيش البلد أيضا، والآن سوف ترى باكستان إلى تحسين العلاقات الأفغانية الصينية من زاوية متفائلة وتتمنى أن تحل الصين محل الهند. ولهذا انعقد في 19و20 من شهر أكتوبر/تشرين الأول 2014م، مؤتمر باسم (الصين وباكستان وأفغانستان)، من قبل “المعهد الباكستاني الصيني”. وكان مشاهد حسين عضوء مجلس الشيوخ الباكستاني هو الذي أقام هذا المؤتمر، وشارك فيه سرتاج عزيز مستشار الأمن الوطني الباكستاني، والسفير الصيني، والدبلوماسيون الأفغان، والمحللون الصينيون، وأساتذة جامعيون. وكان ذلك مؤتمرا مهما بشأن العلاقات بين الدول الثلاث.

من جانب آخر، تحاول أمريكا منذ فترة طويلة أن تُدخل الصين في المجال العسكري في أفغانستان، إلا أن الصين رفضت ذلك منذ البداية. والآن وبعد استضافة الصين مؤتمرا مهما بشأن أفغانستان، ورغم الخلافات الكبيرة الموجودة بين أمريكا، والصين وإيران ودول شرق آسيا، أشادت وزارة الخارجية الأمريكية بهذه المحاولة الصينية.

وتكون علاقات الهند مع الصين متدهورة وتُعتبر منافسا إقليميا للصين، ولكن بشأن أفغانستان تتفق الهند مع الصين في كثير من الأمور، وقد التقى بخصوص ذلك مسؤولون من الطرفين. ومن جانب آخر، يحاول الرئيس الأفغاني أن تحافظ على توازن في علاقاته مع قوى عظمى مثل الصين، والهند وأمريكا.

 

مؤتمر “قلب آسيا” ومشروع إسطنبول

مشروع إسطنبول الذي بدأ منذ عام 2011م، وكانت أولى جلساته في إسطنبول، والثانية منها في كابول، والثالثة في كازاخستان، والرابعة في الصين، في 31من أكتوبر/تشرين الأول2014م. وشاركت فيها مندوبون من 14 دول، فيها إيران وباكستان.

وبدأ هذا المشروع من أجل توحيد الصف للمصالح المتشركة ولمواجهة التحديات المشتركة، وفي الجلسة الأخيرة منها اعتبر الرئيس الأفغاني أن السلام هو أولوية عمله وأضاف بأنه سيجعل أفغانستان في العقد القادم مجالا للتعاونات الآسيوية.

وتحدث الرئيس الأفغاني قبل الجلسة مع المسؤولين الصينيين بخصوص عملية السلام الأفغاني، ويبدو أنه ينوي إضافة ضغوط صينية إلى ضغوط سعودية وتركية على باكستان بهدف تمهيد الطريق نحو عملية أفغانية للسلام. وتعهد الرئيس الصيني بالعمل على تحسين العلاقات بين باكستان وأفغانستان.

ومنذ بداية مشروع إسطنبول هناك آمال كثيرة معقودة عليه وبأن تلعب مؤتمراته الخاصة بأفغانستان دورا في في استقرار البلد وأمنه، لأن المشروع يعمل على تقريب مصالح الدول الجارة. النهاية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *