حكومة الوحدة الوطنية.. نظرة لماضيها ومستقبلها

مقدمة

خلال العامين المنصرمين من عمر حكومة الوحدة الوطنية كانت النقاط المتفق عليها بين زعيمي الحكومة قليلة ونقاط الاختلاف كثيرة؛ وفي الوهلة الراهنة بلغت هذه الاختلافات ذروتها. في مؤتمر صحفي عُقد في الحادي عشر من أغسطس 2016 انتقد الرئيس التنفيذي د/ عبدالله عبدالله رئيسَ الجمهورية أشرف غني وقال: «من ليس عنده تحمل ليس أهلاً للرئاسة». الرئيس التنفيذي اتهم أشرف غني بالتصرف بمزاجه وقال: «إن رئيس الجمهورية لم يُقابل الرئيسَ التنفيذي خلال ثلاثة أشهر ولو لمرة».

عقب تصريحات الرئيس التنفيذي بيومٍ أصدر القصر الرئاسي بياناً اعتبرَ فيه تصريحاتِ د/ عبدالله بأنها “مخالفة لموازين الحكم ومبانیه”، وفي الصعيد ذاته صرح أشرف غني في احتفالٍ بـ”يوم الشباب” أن  الانتقاد الموجه إليه باحتكار السلطة إنما يصدر ممن تتعرض مصالحهم لخطرٍ  من الضالعین في االفساد الإداري حسب قوله.

في العامين الماضيين واجهت حكومة الوحدة الوطنية تحدياتٍ عدیدة التي تتمثل في اختلال الأمن والحرب ضد قوات طالبان الأفغانية والوضع الاقتصادي المتدهور وأزمة المشروعية…، إلا أن الخلاف الداخلي الحاد قد أضاف رقما آخر في هذا الإطار منذ أسبوعين. و الخلاف بين زعيمَي الحكومة وإن كان منذ عامين إلا أنه لم يصل يوماً للحد الذي يجعلهما ينتقدان بعضهما بمثل هذه اللهجة العنيفة.

في هذا العدد من تحليل الأسبوع الصادر من مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية تقرؤون تحليلاً حول حكومات الوحدة الوطنية على مستوى العالم، وتجربة حكومة الوحدة الوطنية بأفغانستان، ومدی نجاح هذه التجربة الجديدة خلال العامين الماضيين وإخفاقاتها، واستشراف مستقبل هذه الحكومة وذلك من خلال استقراء الأحداث وتقييم الوضع الحالي.

 

حكومات الوحدة الوطنية حول العالم

بشكل عام تتشكل حكومات الوحدة الوطنية إما إثر حرب مطولة أو في حالةٍ متأزمة من جميع أو أكثر الأحزاب على أساس حكومة ائتلافية. في حالات الحرب والطوارئ والحروب الأهلية يمكن أن يُثمر تشكُّل حكومة الوحدة الوطنية آثاراً إيجابية على أمن واستقرار البلد وذلك لاشتراك كافة الأحزاب أو الأطراف المهمة فيها.

خلال قرنٍ مضى شهد العالم حكوماتٍ من نمط حكومة الوحدة الوطنية بهذا المسمى أو تحت مسميات شبيهة في دولٍ مثل إنجلترا، إسرائيل، زيمبابوي، نيوزيلندا، إيطاليا، اليونان، كينيا، سريلانكا، ونيبال وغيرها. لم ينجح أي نموذجٍ من حكومات الوحدة الوطنية المذكورة إلى الحد الذي يجعلها تُعد حكومةً مثالية في القاموس السياسي.

في عدد من الدول الإفريقية بعد حروبٍ طويلة أو عقب منازعات حول الانتخابات شُكلت حكومات الوحدة الوطنية لنقل البلد من أسوأ الأوضاع إلى أوضاعٍ أقلّ سوءا. وهكذا فإن هذه الحكومات حلول مؤقتة لتخفيف وطأة الحروب والأزمات من أجل تمهيد سبيل السلام والمصالحة التي يُرجى تحققها على المدى البعيد.

 

تجربة حكومة الوحدة الوطنية بأفغانستان

بعد الجولة الانتخابية الثانية في 2014، احتدت وتيرة الاختلافات بين المُرشحين المتقدمين، وبعد توترٍ استمر لعدة أشهر وبتدخل وزير الخارجية الأمريكي توافق المرشحان على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية. لم يتبين حتى الآن من بادر بتقديم مقترح حكومة الوحدة الوطنية، إلا أن المجتمع الدولي رحب بهذا المقترح بحرارة لأنه لم يكن أحد المرشحين في تلك الآنة مستعداً لقبول انتصار الآخر، الأمر الذي أوصل عملية الانتخابات إلى طريق مسدود.

بعد انسحاب السوفييت من أفغانستان شكّل المجاهدون الأفغان حكومةً شبيهة بحكومة الوحدة الوطنية والتي واجهها الفشلُ أيضاً في تحقيق أهدافها. في انتخابات عام 2009 وعندما كثرت المشادّات حول نتائج الانتخابات اقترحت الولايات المتحدة الأمريكية تشكيل حكومةٍ مماثلة إلا أن حامد كرزاي لم يقبل بها.

وأخيراً في سبتمبر 2014، وافق كل من أشرف غني وعبدالله عبدالله على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وبالتالي ولأول مرة في تاريخ البلاد شُكلت حكومة ائتلافية تحت هذا المسمى تحديداً (حكومة الوحدة الوطنية) من قِبل الطرفين.

يصعب الحكم حالياً بصواب أو خطأ تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في تلك الفترة، ومع ذلك يمكن القول بأن الحكومة لم تتشكل من جميع أطراف ما بعد الحروب، وإنما تشكلت الحكومة من قبل الفريقين المتقدمين نتيجة تعارضهما حول حصيلة الانتخابات لغرض تأمين مصالحهما وليكون كلا الطرفين جزءاً من الحكومة.

 

تقييم لعامَي حكومة الوحدة الوطنية

مر عامان على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، ولكن هل نجحت أو أخفقت؟ سنجيب على السؤال في جزأين:

أولاً: واضعين في الحسبان الوضع العام في البلد.

ثانياً: واضعين في الحسبان اتفاقية تشكيل حكومة الوحدة الوطنية.

على اعتبار الوضع العام في البلد: إذا أجرى شخصٌ مقارنةً بين حال حكومة الوحدة الوطنية والحكومات السابقة في ميادين الأمن والاقتصاد والتطور و نسبة الفساد الإداري والهجرة وغيرها سيجد أن حكومة الوحدة الوطنية قد أخفقت. في 2014 كان معدل النمو الاقتصادي 1.3%، وفي 2015 كان المعدل 1.5%، ويُقدّر أن يكون المعدل في 2016 مساوياً لـ 2%، والمعدلات هذه هي الأخفض منذ 2001. من جانبٍ آخر بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية سقطت بعض المديريات وسقطت مدينة كندوز – وهي مدينة إستراتيجية – بيد طالبان لمدة أسبوعين، وازداد عدد الانفجارات والجرائم وكانت الحكومة الأفغانية مسيطرةً فقط على 65% من أرض أفغانستان مما يُعد أقل نسبةٍ منذ 2001. أضف إلى ذلك أنه بسبب الوضع الأمني والاقتصادي هاجر عدد كبير من الأفغان إلى أوروبا أكثر من أي عامٍ آخر منذ 2001.

على اعتبار تطبيق اتفاقية تشكيل حكومة الوحدة الوطنية: معظم وعود اتفاقية حكومة الوحدة الوطنية لم تُنفذ حتى الآن. على سبيل المثال، على الرغم من إيجاد منصب الرئاسة التنفيذية؛ يؤدي الرئيس التنفيذي مهامه منذ سنتين ومع وجود الاختلافات بين الزعيمين إلا أن أفراداً يُعينون للمناصب الحكومية العليا؛ ولكن من جهةٍ أخرى لم يُعقد مجلس (لويه جركه = الشورى الوطنية الكبرى) لتعديل الدستور، ولم يُعدل النظام الانتخابي ولم تبدأ عملية توزيع بطاقات الهوية الإلكترونية لكافة المواطنين ولم تُؤسس مجالس شورى المديريات ولم تُعقد انتخابات مجلس النواب. هذه كلها بنودٌ لم تُنفذ من اتفاقية تشكيل حكومة الوحدة الوطنية.

عوامل الخلاف الداخلي والإخفاقات بحكومة الوحدة الوطنية

النقاط التالية هي أسباب إخفاق حكومة الوحدة الوطنية خلال العامين الماضيين:

أولاً: فلسفة حكومة الوحدة الوطنية: شُكلت حكومة الوحدة الوطنية بأفغانستان إثر منازعات حيال نتائج الانتخابات وجمعَت أطرافاً ذوي إيديولوجيات مختلفة تحت مظلةٍ واحدة. في كثير من الدول حول العالم شُكلت حكومات الوحدة الوطنية بعد حروب طويلة؛ ولكن لم تفلح هذه التجربة في الدول التي طُبقت فيها ولم تنجح إلا لسنواتٍ قليلة مثل ما حصل في دول زيمبابوي وكينيا وكمبوديا.

ثانياً؛ التباين في التوجه السياسي: الاختلافات بين الجناحين كانت موجودة منذ السابق، وفي بعض مواقف الحكومة ظهرت هذه الاختلافات بشكلٍ أكبر إلى حد استقالة بعض المسؤولين الكبار في الحكومة. وفي الوقت ذاته كان لتضاؤل نفوذ د/ عبدالله عبدالله على حزب الجمعية الإسلامية دورٌ في جعله ينتقد أشرف غني، حيث أنه بالإضافة إلى الضغط على الرئيس، أراد أن يحصل على تأييد حزب الجمعية الإسلامية في وقت يُتوقع أن يعقد الحزب مجلسه – والذي سيُعين فيه رئيس الحزب – في العاجل القريب.

ثالثاً؛ تبعات المصالحة المحتملة مع الحزب الإسلامي (بقيادة حكمتيار ): محادثات الصلح كانت جارية بين الحكومة الأفغانية والحزب الإسلامي لعدة شهور. وبما أن غني ليس مؤيداً من أي حزبٍ لذا يُتوقع بظهور الحزب الإسلامي على الصعيد السياسي للدولة أن تثقل كفة أشرف غني، الأمر الذي لا يحلو للطرف المقابل.

رابعاً؛ مفاهيم ازدواجية للصلاحيات: التمييز بين سلطة الجناحين أيضا كان عاملاً من عوامل إخفاق حكومة الوحدة الوطنية. يرى أشرف غني أنه بناءً على الدستور الحالي ليس مُلزماً بالحصول على موافقة الرئيس التنفيذي في بعض القرارات. في الجانب المقابل يرى الرئيس التنفيذي أن له سهم 50% في الحكومة ولذا يجب على الرئيس أن يحصل على موافقته حيال التعيينات والقرارات المهمة. علاوة على ما ذُكر تفتقد اتفاقية حكومة الوحدة الوطنية التفاصيلَ حول تقسيم السلطة.

خامساً؛ التصور غير الواضح للمستقبل: كلا الجناحين يفتقدان رؤية واضحة للمستقبل وتحديداً مستقبل الحكومة. ربما يرى د/ عبدالله الوضع الحالي سائراً ضد مصالحه؛ لأنه لا توجد ضمانات قانونية لمنصبه. لهذا السبب عندما تحدث وزير الخارجية الأمريكي قبل أشهر عن مدى قانونية حكومة الوحدة الوطنية أتبعَ ذلك جواباً شديد اللهجة من داخل الدولة، ووُسمت تصريحات جون كيري من قِبل مجلس النواب بأنها تدخل غير لائق في الشؤون الداخلية لأفغانستان.

سادساً؛ الإخفاق في تحقيق الوعود: لم ينجح الزعيمان في تحقيق أغلب الوعود التي صرحوا بها خلال الحملات الانتخابية. وعلى الصعيد ذاته أخفقا في الالتزام بما تعهدا عليه في اتفاقية حكومة الوحدة الوطنية. لذا، من جانبٍ خسرت الحكومةُ ثقةَ المواطنين ومن جانبٍ آخر بدأ أحد جناحَي الحكومة (جناح د/ عبدالله) بإظهار المعارضة.

سابعاً؛ الوضع الأمني في البلد: الحرب الجارية في البلد عاملٌ آخر تسبب في إيجاد تحديات وعراقيل عديدة في طريق البرامج الاقتصادية لحكومة الوحدة الوطنية. بالإضافة إلى ذلك نظراً للوضع الأمني المتدهور خسرت الحكومة ثقة المواطنين، ويعمدُ الجناحان من خلال هذه التصريحات الخلافية إلى تقليل الانتقادات الموجهة لهما. 

 

مستقبل حكومة الوحدة الوطنية

بشكلٍ عام يرتبط مستقبل حكومة الوحدة الوطنية بالنقاط التالية:

أولاً؛ حل أو تقليل الخلافات الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية: بعد أسبوع من الانتقاد اللاذع، اجتمع الزعيمان الأربعاء الماضي في القصر الرئاسي. في هذا الاجتماع الذي عُقد في “جو ودّي” أبرز الرئيس التنفيذي مطالبه وما يُثير قلقه لرئيس الجمهورية. ومع أن تفاصيل الاجتماع لم تُنشر إلا أنه يُعتقد أنه تم التباحث حول بنود اتفاقية حكومة الوحدة الوطنية وبعض المواضيع السياسية الأخرى. في الاجتماع الثاني سيُجيب رئيس الجمهورية على مطالب ومخاوف الرئيس التنفيذي وفي الاجتماع الثالث سيُحل الخلاف الذي صدر بينهما. على المدى القريب تعتمد حكومة الوحدة الوطنية على هذه الاجتماعات الثلاثة وعلى المدى البعيد يعتمد مستقبل الحكومة على النقاط التالية.

ثانياً؛ دعم المجتمع الدولي: بعد تقلص الخلافات بين غني وعبدالله يعتمد مستقبل حكومة الوحدة الوطنية على دعم المجتمع الدولي.

ثالثاً؛ عبور أزمة المشروعية في العام الثاني: العبور من أزمة المشروعية هو التحدي المهم الثاني لحكومة الوحدة الوطنية بعد الخلافات بين الزعيمين؛ لأن عدداً من السياسيين في البلد يؤكدون على أن حكومة الوحدة الوطنية ستكون فاقدة للشرعية باكتمال عامين من تشكّلها.

رابعاً؛ تحسُّن الوضع الكُلي في البلد: بصورةٍ عامة في كل مكان يعتمد بقاء الحكومات على الوضع العام للدول، وحالة أفغانستان غير مستثناة من ذلك. إذا تحسنت الحالة الأمنية والحالة الاقتصادية للدولة مقارنةً بهذا العام والعام الماضي ربما تستطيع الحكومة إكمال دورتها المكونة من خمس سنوات.

انتهى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *