زيارة الرئيس الأفغاني إلى الهند..الخارجية الأفغانية بين التغيير والتوازن

 

قام الرئيس الأفغاني أشرف غني في 27 من إبريل/نيسان 2015م، بأولى زيارة رسمية له إلى الهند، وقد قام قبله بزيارة كل من السعودية، وباكستان، وآذربايجان، وتركمنستان، وبريطانيا، وأمريكا.

بعد تسلم أشرف غني الرئاسة الأفغانية وخلال سبعة أشهر الماضية، ظهر نوع من انعدام الثقة في العلاقات الأفغانية الهندية، ومن أجل ذلك قام أشرف غني بزيارة إلى الهند بهدف بناء ثقة بين الطرفين، وتعزيز التعاون المشترك في مجالات النقل والاقتصاد والتجارة.

 

خلفية العلاقة الهندية الأفغانية

لدى أفغانستان والهند تاريخ عريق من العلاقات الثنائية، وتعززت هذه العلاقات في القرن العشرين عندما دعمت أفغانستان استقلال الهند، وآوت الموالين للاستقلال. وفي المنتصف الثاني من هذا القرن أصبحت العلاقة أكثر عمقا على أعقاب العداوة المشتركة مع باكستان. وكان من أسباب هذا التقارب أن كثيرا من المسؤولين الأفغان كانوا قد تلقوا دراساتهم العليا في الهند.

وأثناء الاحتلال الروسي لأفغانستان وقف أندراغاني موقفا مترددا، ولم يندد الاحتلال الروسي بصراحة، وهو أمر اعتبره كثير من الأفغان إساءة كبيرة. ومن جهة أخرى قامت باكستان بدعم المجاهدين الأفغان وتوفير الملاذ لموجات كبيرة من اللاجئين الأفغان، وبذلك حصلت باكستان على مكانة بين الأفغان. بعدها وفي التسعينيات دعم كل من الهند وباكستان مواليهما في أفغانستان ودارت رحى الحرب الأهلية بقوة، واستمرت حلقات هذه الحرب النيابة حتى في فترة حكم حامد كرزاي أيضا.

بعد أحداث 11 سبتمبر وسقوط إمارة طالبان في أفغانستان، عززت الهند موقفها في كابول ودعمت الحكومة الأفغانية بمساعدات كثيرة، شاركت في بناء أفغانستان، ووفرت فرص كثيرة للأفغان في مجالات عدة، واستثمرت في أفغانستان ما يبلغ ملياري دولار.

 

خارجية حامد كرزاي تجاه الهند

كانت لدى حامد كرزاي في بداية حكمه علاقات جيدة مع باكستان والهند، ولكن بعد أن تصاعدت وتيرة هجمات حركة طالبان، أثّر ذلك على السياسة الخارجية لدى كرزاي، وتزامنا مع تصاعد فعاليات طالبان العسكرية بدأ كرزاي يضيف شكواه ضد باكستان، ويقترب نحو الهند.

وفي تلك الفترة عندما استلم أوباما الرئاسة الأمريكية عام 2008م، وحاولت أمريكا عام 2009م، التدخل في الانتخابات الرئاسية الأفغانية، أثّر ذلك أيضا على السياسة الخارجية لدى حامد كرزاي. وفي فترة ما بين (2009م، و2014م) كانت العلاقات الثنائية بين أفغانستان وأمريكا نحو تدهور مستمر، فيما كانت علاقات الجانب الأفغاني نحو تحسن متزايد مع الصين، وروسيا والهند. وفي أعوام 2010م، و2012م، و2014م، قام كرزاي بزيارة الصين، فيما زار روسيا عام 2011م، وإلى نهاية عام 2013م، قام بـ14 زيارة إلى الهند.

وفي الفترة الثانية من حكمه وسّع حامد كرزاي نطاق علاقاته الدفاعية والاستراتيجية مع الجانب الهندي. في عام 2009م، قامت الهند بتعبيد الطريق بين مديريتَيْ زرنج ودلآرام، وأظهرت جاهزية لإحداث سد “شابهار”، وفي عام 2011م، تم توقيع اتفاقية استراتيجية مع الهند، فيما اقترحت أفغانستان عام 2013م، أن تقوم بشراء الأسلحة الثقيلة من الهند.

 

عوامل ميلان أشرف غني نحو باكستان

ويمكن أن نلخّص عوامل توجه أشرف غني نحو باكستان في الآتي:

  • جلب دعم باكستان في عملية السلام الأفغانية،
  • تقليص مشاكل الجانب الأفغاني في مجال النقل،
  • ضرورة أفغانستان للجانب الباكستاني في مشارع مثل “تابي”، و”كاسا-1000”.

ولكن إضافة إلى ذلك وفي السنتَيْن الماضيتَيْن جعل بعض المواقف الهندية الرئيس الأفغاني يقدم بعض التنازلات لباكستان، ونسرد بعض هذه المواقف في الآتي:

  • في عام 2013م، قام حامد كرزاي بزيارة رسمية إلى الهند، واقترح هناك شراء الأسلحة الثقيلة، إلا أن الهند وبسبب الموقف الباكستاني، وخوفا على حياة أتباع الهند من قبل “لشكر طيبة”، الباكستانية لم تقبل الاقتراح، ولكن في الآونة الأخيرة حاولت الهند أن تحصل على هذه الأسلحة من روسيا لأفغانستان، إلا أن أشرف غني وفي زيارة إلى باكستان رفض طلب الهند الأخير.
  • مع أن طريق زرنج-دلآرام تم تعبيده من قبل الهند قبل مدة طويلة، وجرت محاولة هندية لإحداث “شابهار” أيضا، ولكن وبرأي محلل سياسي هندي لم تستطع الهند تنشيط هذا الميناء تحت ضغوط أمريكية، لأن العلاقات الأمريكية الإيرانية حينها كانت متدهورة بسبب الملف النووي[1].
  • وفي خطة شي جين بينغ الرئيس الصيني باسم “شارع واحد، منطقة واحدة”، ومخالفة الهند مع مشروع طريق الحرير الجديدة، كان من أسباب مخالفة الهند مع نظرية أشرف غني بشأن التكامل الاقتصادي الإقليمي.

 

خارجية أشرف غني

تدور السياسة الخارجية في حكومة أشرف غني حول ثلاث محاور:

أولا: السلام والأمن،

ثانيا: الدبلوماسية الاقتصادية،

ثالثا: دمج أفغانستان في تكامل اقتصادي إقليمي.

من أجل المحور الأول حاول أشرف غني تحسين العلاقة مع السعودية، وباكستان، والصين، إلا أن خطته للسلام بقيت ناقصة. على سبيل المثال لم يقم أشرف غني ببناء الصلة مباشرة مع حركة طالبان، بل عوّل على فكر وضع الضغوط على الحركة لإجبارها أن تقبل بالحوار، وإنه أمر يبدو مستحيلا كما وهو عائق أيضا في طريق السلام. لأن تاريخ العالم والأوضاع الأفغانية في السنوات الماضية أثبتت أن السلام لا يأتي على فواهة السلاح.

وكان تحقيق المحور الثاني والثالث مستحيلا دون تعاون الدول المذكورة سالفا، ومن أجل ذلك بدأ زياراته الرسمية إلى هذه الدول، وأعطى أهمية كبيرة لهذه الدول ووضعها في الحلقة الخامسة لسياستها الخارجية.

مع أنه وفي البداية تم نقد موقف السيد غني بأنه وضع الهند في الحلقة الثالثة من سياسته الخارجية، إلا أنه وقبل زيارته إلى الهند صرّح في لقاء مع قناة هندية: “من الهند إلى آذربايجان، كلها دول جارة لنا. الهند جزء من آسيا، وهي من الدول الداعمة لأفغانستان”.

 

محاولة التوازن في السياسة الخارجية

منذ التسعينيات القرن الماض، لم تحافظ كابول على توازن في علاقاتها مع الهند وباكستان، وجرت هذه العلاقات على صعيد غير متوازن. وكلما تدهورت العلاقات بين أفغانستان وباكستان، تعززت بين أفغانسان والهند، وفي حال تعزيز العلاقات الباكستانية الأفغانية تدهورت العلاقات بين أفغانستان والهند. مثل الوضع الأول ظاهر جلي في فترة حامد كرزاي خاصة الفترة الثانية، ومثل الوضع الأخير ظاهر في حكومة المجاهدين وإمارة طالبان.

ينتقد أشرف غني في محاضراته عدم الانحياز ويعتبرها خطة للخمسينيات من القرن الماض، ويؤكد الآن على توضيح السياسة الخارجية والانحياز. ومع ذلك يحاول أشرف غني أن يحافظ على توازن دبلوماسي في المنطقة. ومن هنا أيّد أشرف غني الموقف السعودي في ملف اليمن، وقام بزيارة إيران أيضا، عمل على تحسين العلاقة مع باكستان وتوجه نحو الهند أيضا.

وبالنظر إلى هذه المحاولات يمكن لنا أن نقول بأن كابول ولأول مرة عملت على تعزيز العلاقات مع البلدين في آن واحد. ويستمر الحفاظ على توازن في العلاقات بين الهند وباكستان إلى أن تساعد إسلام آباد كابول في إحلال الأمن، وفي حال انعدام الثقة بين كابول وإسلام آباد سوف تصبح العلاقات الأفغانية أقرب إلى الهند، وبذلك ينهار التوازن.

 

إنجازات زيارة أشرف غني إلى الهند

هنا نلخص أهم أبعاد زيارة الرئيس الأفغاني إلى الهند في الآتي:

  • في هذه الزيارة قلّص الرئيس الأفغاني من حدة انعدام الثقة بين الهند وأفغانستان والذي وُلد مع زيارته إلى الصين وباكستان. وكانت نتيجة هذه المحاولة أن قبل رئيس الوزراء الهندي مقترح أفغانستان لشراء الأسلحة لقواتها العسكرية، وطلب الجانب الهندي من الجانب الأفغاني أن يقدم قائمة ضرورياته العسكرية.
  • رقي في مجال النقل، وطلب الجانب الهندي بأن تنضم الهند في اتفاقية “أبتا” مع باكستان وأفغانستان. إن المراقب للعلاقات الهندية الباكستانية يعرف أن انضمام الهند إلى هذه الاتفاقية وخاصة عبر معبر “واكا”، أمر صعب للغاية، إلا أنه يبدو ممكنا عبر ميناء كراتشي، لأن المسوؤلين الباكستانيين صرّحوا من قبل بأن الهند يمكن لها أن تشرع تعاملا تجاريا مع أفغانستان عبر كراتشي.
  • وأما العمل على معبر شابهار الذي توقف تأثرا بالخلاف على النووي الإيراني بدأ من جديد. وسيؤثر التعامل التجاري الثلاثي بين الهند وإيران وأفغانستان والذي يمر من معبر شابهار، تأثيرا إيجابيا على الاقتصاد الأفغاني، لأن الأمتعة الهندية والإيرانية تصل إلى طاجكستان وآسيا الوسطى من جهة، ومن جهة أخرى تذهب أمتعة تجارية إلى الهند عبر هذه الطريق.
  • وإن لم تقدم باكستان خلال بضعة شهور القادمة تعاونا حقيقيا في مجال الأمن والسلام، لا تكون هناك ضرورة أخرى لتحسين العلاقة مع الهند، لأن هذه الزيارة قرّبت الطرفين وسيكون من السهل الحفاظ على علاقات ثنائية حسنة.
  • ومن أجل الأهمية تم توقيع اتفاقية في مجال الصحة أيضا، بموجبه يتم تدريب أطباء أفغان في الهند، ويأتي فريق صحي من الأطباء الهنود إلى أفغانستان لتدريب الأطباء الأفغان.
  • أظهرت الهند في المجال العسكري جاهزية بأن تساعد أفغانستان، وسوف تستغل أفغانستان هذه الجاهزية كورقة ضغط أمام باكستان، كما وتحصل على تسليح للقوات الأفغانية وهو أمر تفتقدها هذه القوات.

النهاية

[1] Suhasini Haidar, In step with Ghani’s Afghanistan, The Hindu, April 24, 2015.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *